25 أبريل، 2024 12:58 م
Search
Close this search box.

جوخة الحارثي.. شكلت النسوة وعيها واحتللن زوايا رواياتها

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“جوخة الحارثي” كاتبة وأكاديمية عمانية، تعلمت في عمان والمملكة المتحدة، حصلت علي درجة الدكتوراه في الأدب العربي الكلاسيكي في جامعة إدنبرة، وهي حالياً أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس. نشرت ثلاث مجموعات من القصص القصيرة وثلاث روايات (مانمات) و(سيدات القمر) و(نارينجا). كما قامت بتأليف أعمال أكاديمية. تُرجمت أعمالها إلي اللغة الصربية و الكورية والإيطالية والإنجليزية والألمانية ونُشرت في مجلة بانيبال.

حصلت “جوخة الحارثي” علي جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن روايتها (نارينجا) “البرتقال المر” عام 2016. رُشحت روايتها (سيدات القمر) لجائزة زايد عام 2011. في 2019، أصبحت “جوخة الحارثي” أول شخصية عربية تفوز بجائزة “مان بوكر” الدولية عن روايتها (سيدات القمر)، وحصلت على قيمة الجائزة وهي 60 ألف دولار بالمشاركة مع الأكاديمية الأمريكية “مارلين بوث”، التي ترجمت الرواية من العربية إلى الإنجليزية.

شكلت النسوة وعيي..

في حوار معها أجرته “مباركة الزبيدي” تقول “جوخة الحارثي” عن الشخصيات النسائية في روايتها وهل تشغلها المقاربة النسوية في روايتها: “واتتني الحظوظ في النشأة وسط حشد من النساء الأسطوريات، كل امرأة منهن كنز من الحكايا، وكل حكاية فتنة. لا واحدة تشبه الأخرى، كما تأتلف الجواهر في اختلافها، ويتكامل النسيج في تعدد ألوانه. لقد شكلت النسوة وعيي، من العجوز التي لم تمسك كتاباً بيديها قط، إلى الشابة التي هاجرت للدراسة في أرقى الجامعات، من الخادمة التي قضت حياتها تعتني بالآخرين من دون أن يعتني بها أحد، إلى الأميرة التي لم تخرج من قصرها حتى بلغت الخمسين واكتشفت أن هناك حياة خارج أسواره. لقد رأيت المرأة وهي تصنع كل شيء: الحياة، والحب، والكره، والثياب، والمنسوجات، والطعام، والأشعار. عرفتها صابرة وجازعة، محبوبة ومهجورة، راغبة ومرغوبة، قوية وخانعة، تخلق المعجزات ولا تؤمن بها. إحدى هؤلاء كانت خالتي، كتبتُ عنها مرة: «متربعة أبداً على عرش الصالة في بيتها، تعرف عدد الشياه في المرعى، ولون الملابس الداخلية لبناتها، ومرمى النظرات لأبنائها، وعدد حبات الأرز في مطبخها، ونوع القماش الذي سترتديه غداً خادمتها، تعرف كم جراباً للتمر ستبيع هذا الصيف، وكم فقيراً ستطعم هذا الشتاء، وماذا ستقول لخاطب ابنتها الوسطى الذي تبين أن أحد أجداده البعيدين به عرق مدسوس. هذه خالتي، فاتحة ينبوع الحكايا في رأسي. سهراتها تضم دوماً صديقاتها الأثيرات، ورجلاً عجوزاً يُشاع أنه جاوز المئة يأنس أحياناً بصحبتهن، وأنا أو إحدى أخواتي، هناك الشاي والقهوة وأقراص الخبز المرشوش بالسكر الخشن، ومشاكل السكري والضحك على الدنيا والسخرية من الزمن، وهناك آلاف الحكايا، لا تبدأ الحكاية حتى تنتهي، ولا تنتهي حتى تدخل في حكاية جديدة، أجداد غابرون وجيران حاضرون، أولياء تنفتح لهم طاقة ليلة القدر، وشهداء تسيل دماؤهم حتى البحر لتصبغه أربعين ليلة، كهول لاهون بالمتع العزيزة، وشيوخ مؤاخون للشياطين والجن، نساء يطرن على أجنحة بالليل ويجدن أنفسهن في فراشهن في الصباح، ورجال يهيمون في الصحراء فراراً من رعب الحياة فتؤويهم الذئاب، أطفال يولدون ويموّهون لتضليل الموت، فلا يضل طريقهم، وبنات تزهر من أجسادهن المدفونة ظلماً شجرات النبق، فتاة تبكي أخاها أربعين سنة فتُمسخ بومة، وبومة تزور القبور لتتحوّل فتاة، عشّاق تأكل النسور لحومهم وتشرب الطيور دماءهم في الطريق إلى المعشوق، ومعشوق لاهٍ بخليله عن عاشقه».. لا تسيطر النساء على رواياتي انحيازاً، أو تتبعاً لأجندة نسوية، وإنما لأنني- ببساطة- أكتب عما أعرفه”.

وتواصل عن الكتابة: “أكتب حين تصبح الكتابة رغبة لا سبيل لمقاومتها وحاجة ملحة. وفي هذه الحالة لا أخطط مسبقاً لفكرة التأزم وإنما تولد مع النص. ما الذي يمكن كتابته عن الحياة المسطحة الباردة والعواطف المتجمدة؟ لا شيء بالنسبة إلي. حين تبدأ الشخصيات في روايتي بالقيام بما لم أخطط له أعرف أنني أكتب رواية فعلاً، إذا لم أشعر أنا بالحرية فلن أكتب كلمة، وعلى شخصياتي أن تكون حرة كذلك في أن تكون نفسها”.

وعن الكتابة عن فترات اجتماعية وتاريخية متباعدة توضح: “أحب أن يكون التاريخ خلفية لرواياتي لا مسرحاً. ولكن حتى هذه الإضاءة الخافتة عليها أن تكون دقيقة، وهنا يتيقّظ الجانب الأكاديمي فيّ وأحرص على القيام ببحوث وافية عن الفترات التي عاشتها شخصياتي حتى لو لم أستفد منها في النهاية بسوى تاريخ واحد أو اسم واحد أو طبيعة معمار البيوت. كنت أكتب «سيدات القمر» أثناء إقامتي في بريطانيا للدراسة، فوجدت كثيراً من الوثائق الخاصة بعمان وزنجبار، وقرأت مراجع عدة عن موضوع تجارة الرقيق كتبها مؤرخون ورحالة. وهذا ما ساعدني في تخيل رحلة جد ظريفة على مركب العبيد من أفريقيا إلى عمان، وعلى وصف تفاصيل بيعهم. كما أتاحت لي الوثائق فهم الآلية التي تحكم تجارة الرقيق ودور الدول الاستعمارية فيها. وفي رواية «نارنجة» رجعت إلى المصادر التي تتحدث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في عمان من العشرينات إلى الستينات من القرن العشرين، ولكن يهمني ألا يظهر أثر هذه البحوث في شكل مباشر في الرواية”.

وعن تصدّي الرواية في عمان للعديد من القضايا التي تتميّز بحساسية عالية، مثل قضايا المرأة وحرب الجبل وثورة ظفار تقول: “تحرص وسائل الإعلام التقليدية الرسميّة، والكتب المدرسيّة، على تجاهل فترات تاريخية في غاية الأهمية في عمان، لأسباب مختلفة، واهية في رأيي. الكاتب يدرك أن الخوف من التحديق في التاريخ بعيون مفتوحة لا يثمر أمناً، ولذا هو لا يخشى أن يمد مصباحه في هذا الرواق أو ذاك، ولكن يبقى ضوءه الخاص في النهاية، قد يضيء مصباح آخر ظلام التاريخ بطريقة مختلفة”.

نارنجة..

في مقال بعنوان (جُروح الذات في رواية «نارنجة» للعمانية جوخة الحارثي) يقول “محمد زروق”: “«نارنجة» رواية حديثة صدرت عن دار الآداب للعمانية جوخة الحارثي، وهي روايةٌ قائمةٌ على بعْثِ شخصيّة طالبة عُمانيّة يستقرّ بها المقام في بريطانيا للدراسة، ومنه تنظر في جدّتها استذكارا، وفي ما رشّحته من صحبها الباكستانيين حضورا، وفي ذاتها تبئيرا، فيتولّد القصص الروائيّ من ثلاث بؤر رئيسة، تُولّد الحكايا وتقدّ عالم الرواية، بؤرة الجدّة، المُستَرجعة المُتَكرّرة، وهي بؤرة محفوفة بعالم من الأحداث والشخصيّات، تُضيءُ حالاّ من البلاد والعباد أواسطَ القرن العشرين، وبؤرة الصديقة الباكستانية، وحالها مع نفسها وعائلتها وأختها المرافقة لها، المتّخذة لها زوجا يختلف عن منزلتها الاجتماعية، وبؤرة الذات الراوية، أساس الحكاية، وعينها الراقبة ولسانها الحاكي.. تنشدّ الرواية إلى أصلٍ واحد، ذاتٍ راوية واحدة، تستعيد من الزمن ماضيه، وتَرْقب منه حَالَّهُ، وتُقيم من الخيال شخصيّات وعلاقات دالّة. فتُقيمُ الراوية شبكة شائكة من الشخصيّات، ودوائر من الأحداث معزولة هي واصلتها، وتختلف الأهواءُ غير أنّ الذات الراوية تُجمّع هذا المختلف وتُحسنُ إدارته. فأيّ عينٍ هاته القادرة على تبئير ثلاث بُؤر دلاليّة لكلّ منها مجاله الخاصّ وعالمه، وعاداته وفعاله وتاريخه ومعتقداته، باستعمال خيطٍ ناظم متى تفكّك تفكّك عُقد الرواية وتناثر نظمه، تلك روايةٌ واحدٌ راويها وعدد بُؤرُها ومنابتها، تنشدُّ إلى راويةٍ واحدةٍ، مِزاجُها مفارقٌ لأمزجةِ شخصيّاتها. لم تخرج جوخة الحارثي في روايتها عن جلباب الماضي/ التاريخ العماني، وإن فتحت كوّة على الحضارة الباكستانيّة، وعلى شخصيّات تأتي من عالم قريب وغريب. ومن مفارقة الرواية أنّ اللّقاء يأتي في أرض ثالثة هي بريطانيا، لتتحقّق هذه البؤر الروائيّة الثلاث. وتنبني الشخصيّات في تعدّدها وتفارقها وتجامعها على جروح وكلوم بعضها مكتوم وبعضها منطلق وظاهرٌ، هي جُروح الماضي تمثّلها الجدّة، وهي جروح الحاضر في حاضر حفيدتها الممزّقة بين الماضي والآنيّ، هي جروح سرور الباكستانية، وأختها في صلتها بعمران الذي تحدّدت به حياتها. من كلّ الجهات يهطل السرد، مخابئ الحكاية وفيرة وزادها لا ينضب، في لغةٍ عالمةٍ عارفةٍ لا يأتيها الباطل من أيّ جنب من جنباتها. عينٌ في السرد ذكيّة تُنَقِّل هواها السرديّ من قديمٍ إلى حادثٍ، ومن ماضٍ إلى حاضرٍ، ومن ذاتيّ يُرافقُ الصبى والطفولة وما قبل الولادة، إلى رفقة الأجانب ومداخلة حياتهم واستحضار ماضيهم. حيوات ثريّة تُحسن الراوية إدارتها وجمعها، وحسبُك من الرواية قدرتها على جمع ما لا يجتمع، وحسن تنقّلها في الأزمان دون حواجز ولا عوائق”.

سيدات القمر..

وفي حوار ثان معها أجراه موقع جائزة مان بوكر العالمية تقول “جوخة الحارثى” عن  شعورها عندما وصلت روايتها إلى القائمة الطويلة: “شعرت وكأنها فرصة رائعة لمشاركة العالم الداخلي الخاص بى مع العالم بأسره !..”

وعن رواية “سيدات القمر” تقول: “تقدم رواية سيدات القمر لمحة عن الحياة العائلة العمانية العربية، خاصة عن ثلاث شقيقات نشأن في وقت محوري في التاريخ العماني، وتهدف الرواية إلى تصوير حياة سوف يتردد صداها مع العديد من الشباب العمانيين مع تقديم صورة اجتماعية قابلة للربط عن عُمان في القرن الحادي والعشرين، خاصةً بالنسبة لأولئك الأقل دراية بهذا الجزء من العالم”.

وعن ماذا تأمل أن يتعلم القراء من جميع أنحاء العالم عن عمان تضيف: “آمل أن يساعد هذا القراء الدوليين على اكتشاف أن عُمان لديها مجتمع  نشط وموهوب يعيش ويعمل من أجل فنهم، إنهم يضربون التضحيات والنضال ويجدون فرحة في الكتابة، أو في الفن، بنفس الطريقة تمامًا مثل أي مكان آخر، هذا شيء مشترك بين العالم كله، مضيفة أن العمانيين من خلال كتاباتهم، يدعون الآخرين للنظر إلى عمان بعقل وقلب مفتوح، بغض النظر عن مكان وجودك، فإن الحب، والخسارة  والصداقة  والألم والأمل هي نفس المشاعر ولا تزال أمام الإنسانية الكثير من العمل لتؤمن به في هذه الحقيقة”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب