10 أبريل، 2024 5:51 ص
Search
Close this search box.

جواد صيداوي.. جعل بأدبه مهزلة الوجود محتملة وممتعة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“جواد صيداوي” كاتب وروائي لبناني، من مواليد مدينة النبطية 1932، وأول من نال إجازة في الأدب العربي في مدينته في 1955.

حياته..

درس “جواد صيداوي” في النبطية، والتحق بدار المعلّمين الابتدائي ودار المعلّمين العليا، تخرج في الدفعات الأولى من معهد المعلمين العالي أستاذاً ثانوياً. علّم في مختلف المراحل الدراسيّة ومارس التعليم الثانوي حيث سعى إلى تأسيس أول ثانوية رسمية في النبطية والتي تولى إدارتها. أُرسل من قبل الدولة اللبنانية إلى تونس مبعوثاً رسمياً مع مجموعة من أساتذة التعليم الثانوي في مهمة تعريب التعليم بعد غلبة اللغة الفرنسية هناك لعقود طويلة.

في 1955 نال إجازة في الأدب العربي، وتابع دراساته العليا فنال دبلوماً في التربية وآخر في التخطيط التربوي في العام 1958، وواصل الدراسات العليا في السوربون إلا أنه لم يتقدم لمناقشة بحثه في الدكتوراه.

الكتابة..

تأثّر “جواد صيداوي” بالأدب الفرنسي، وانتسب للحزب الشيوعي اللبناني، في بداية الحرب الأهلية اللبنانية سافر إلى باريس وعمل هناك بالسفارة السعودية مسئولا عن قسم الصحافة والإعلام. عاد إلى لبنان في 1988 وتفرّغ للكتابة الروائية والأدبية. كتب الشعر الحرّ والقصص القصيرة ونشرها في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية، إلا أن شعره لم يُجمع في ديوان. وأصدر 13 رواية، بالإضافة إلى ترجمات وكتب أخرى.

الالتزام الأعمى..

في حوار معه أجراه “كامل جابر” يقول “جواد صيداوي” عن البيئة الجنوبية التي نشأ فيها حتى السابعة عشر من عمره: “كان لها تأثير كبير جداً على الميل الأدبي عندي، خصوصاً رجال الدين، أضف إلى أن عدداً منهم كان من أصحاب مكتبات غنية جداً كنا نتردد عليهم أمثال الشيخ أحمد رضا صاحب “متن اللغة” والشيخ علي الزين وغيرهما.. والحركة الثقافية في أيامنا، اللافت فيها أن هامش الحرية كان كبيراً، لكن الحرب وما تلاها، كانت نتائجها أشد خطراً من وقائع الحرب عينها، حرية التعبير لم يعد المتاح منها يسمح بما عهدناه وكان، للأسف، قوى الأمر الواقع فرضت أجواء ثقافية ملتزمة باتجاهات معينة، يوم كنت شيوعياً ملتزماً كنت أرفض الالتزام الأعمى، كان ممنوعاً نزار قباني، لكننا قرأناه، وقصائدنا الغزلية نشرناها ولو بأسماء مستعارة”.

وعن الاتجاه السياسي القومي يقول: “بدأ يتبلور مع قضية فلسطين، لأسباب عديدة، ليست العروبة فقط، إنما الجنوب اللبناني كان على علاقة متينة جداً مع الأرض الفلسطينية؛ تجارياً، عمالنا وأولادنا يعملون هناك، والمنتوجات الفلسطينية خصوصاً البرتقال، كانت تتدفق على أسواق الجنوب والنبطية. عندما بدأت الصهيونية تكشف عن نواياها وأنيابها، بدأنا نستعشر الخطر باكراً، لكن على قاعدة رومانسية وعاطفية إنما ليس على أسس علمية. لذلك الجرح اتسع وتعمق بعد قيام دولة إسرائيل وتابعنا مراحل هذا الخطر بكثير من المرارة، لكن أبشع أنواع المرارة التي ذقناها هي تلك الهزائم التي جاءت بعدما شحن الإعلام العربي نفوسنا بالأمل”.

الأدب الفرنسي..

وعن الكتب التي قرأها في شبابه يقول”جواد صيداوي”: “كنت التهم الروايات العربية والفرنسية بشغف وأهيم بأشعار آرثور رامبو وفيرلينو بودلير، حتى حفظت العديد من قصائدهم غيباً. لقصيدة بودلير الدعوة إلى السفر، فعل السحر في نفسي. كلما عدت إليها حملتني إلى عالم مفعم بالسعادة، إلى عالم طالما حلمت بمثله في جفاف أيامي. إن هذه الهنيهات من المتعة الروحية التي يتيحها الشعر لي، تنسيني، إلى حين، ما في الواقع من رتابة وتفاهة، وتجعلني أتساءل، بيني وبين نفسي، عن القيمة الحقيقية لما أنظم من قصائد؟.. لم أتثقف على الكتب الحزبية بل على قراءتي المبكرة للقصص الفرنسية و”الآداب الفرنسية” للشاعر لويس آراغون التي كان لها دور كبير بتوجيهي الفكري السليم الهادئ، بعيداً عن الانفعال وحماسة الشباب. ولم يكن سهلاً علي قراءة “الرأسمال” لماركس، مع شغفي الخاص بالأدب الروسي قبل النظام الشيوعي، فيودور دوستويفسكي، شيكوف، تولستوي، تورغينيف، والبؤساء لفيكتور هيغو على ضوء المصباح وبالفرنسية، فضلاً عن عدد من أساتذة اللغة والأدب في مصر”.

وعن الكتابة يواصل: “في دار المعلمين الابتدائية، كانت بداياتي الشعرية بدايات متواضعة، ثم نشرت في عدد من الصحف حتى دار المعلمين العليا، وهنا بدأت كتابة القصص القصيرة، ثلاث مجموعات منها، من دون أن أتوقف عن نظم الشعر الحر مع احتفاظي بالتفعيلة، لكن ومع كل أسف لم أجمع قصائدي بديوان، ربما بسبب بعدي في الستينيات عن بيروت وانشغالي بالتربية. وفي العام 1984 نشرت مجموعتي القصصية الأولى “البحث عن بداية”. وبعد عودتي من باريس عام 1988 أعدت طباعة هذه المجموعة، وأصدرت“سقف المدينة”. وكذلك “الطغاة في التاريخ” وهي دراسات تاريخية، طبعت ثانية بعد عامين ومعها “ليل المعنى” وهي حوار مع الشاعر صلاح ستيتية. أما الرواية الأولى فكانت “العودة على متن الرحيل” عام 1992 و بعدها سيرتي الذاتية والروائية “أجنحة التيه” بثلاث روايات تعاقبت خلال عامين: “الوكر” و”الإقلاع” و”تونس””.

فساتين هندومة..

يقول “د. حسن محمد” في مقاله (جنون طريف وتنبّؤات عاقلة وخيبات قاتلة): ““فساتين هندومة” لجواد صيداوي هي الرّواية الصّادرة عن دار الفارابي في مئة وثمانين صفحة من القطع الصغير، بعنوانها الطريف، ورمزيّتها السّاخرة، بعد سلسلة من الرّوايات التي تغرس جذورها في البيئة والإنسان، دون أن تسقط في الابتذال، نحو العودة على متن الرحيل، جمانة، مطاردة، أسنان المشط، صرنا على الليسته.. تتخذ الرواية منبع أحداثها من بلدة طبرنا المواجهة لجبل الشيخ، أو ما يعرف بجبل حرمون، وهو سلسلة فاصلة بين لبنان وسورية من ناحية الحدود الجنوبية الشرقية، وتنطلق من غنى المكان: المسجد، السوق، المنزل، حيث تطلّ شخصية المؤذن الشيخ عبد الله المخلص في أعماله وعباداته، والطامح إلى مرتبة الإمامة ولو من الدرجتين الثانية أو الثالثة، يجالس أبناء بلدته، فيقصد حوانيتهم، ومراكز أعمالهم محاورا ناصحا، معينا بكلّ الوسائل: كتابة الرّقى، والتّعاويذ التي تحصّن ضدّ الشّيطان، فكتابة الحجب التي تجمع أو تفرّق، فضلا عن عمله في النجارة، وهي أعمال اضطرّ إليها بعد تعذّر تنصيبه إماما. وقد يتدخل شيخنا في العلاقة بين الأب وابنه، فيوجّه ويلقي المواعظ التي لا تجد من يأخذ بها، كالنصيحة التي أعطاها للقصّاب عباس نعمان كي يبقي ابنه عبّود في المدرسة.. قسّم صيداوي روايته عشرة أجزاء عاملا على تنمية الأحداث والتناقضات باتجاه الذروة، بدءا من اللقاء الأوّل بين الشيخ والشخصية الرئيسة الثانية في الرواية: الفتاة هندومة التي لها آراء لا تحيد عنها في الاجتماع والحرب والسلم.. كان اللقاء حاميا لأنّ كلا منهما متمسّك بوجهة نظره، فهندومة تقصد الشيخ في دكّانه، وتلقي إليه أخبارها الجديدة غير عابئة بفارق الخبرة بينها وبينه، ولا بفارق الموقع الاجتماعي أو الديني الذي يجعل كلمته فوق كلمتها. علما بأنّ مولانا يعالجها من المسّ الشيطاني منذ بضع سنوات، وإذا كان لم ينجح كلّيّا في مهمّته، إلا أنّه استطاع أن يخفّف عنها حالة الصّرع التي يسبّبها دخول الجنّيّ في الانسيّ”.

ويضيف: “وإذا كانت هذه الرواية مغرقة في محلّيتها، عاشقة لصور التقاليد المعيشية، فهي مغرقة في إنسانيتها، مبدعة في التقاط مشاهد الحياة من أفواه الناس، تتركهم على طبيعتهم الأولى، وجبلتهم النفسية والاجتماعية، وقد وفق الكاتب في ترسيم الشخصيات انطلاقا من عالمها الداخلي، عالم الرغبات والأحلام، عالم الصدق والعفوية، فالمجنون له دور فاعل في تحريك الأحداث، وتشكيل المشهد الإنساني في حيّه وبلدته، كذلك الرجال من أصحاب المهن البسيطة: لحّام، كندرجي، سائق سيّارة، حانوتي، والنسوة على ما هنّ فيه من بحث عن الأسرار العائلية، وتسلّ بفضائل الرجال وعاهاتهم ونواقصهم، والحزبيون الذين يلاحقون النخب المثقّفة من الطلبة لتنظيمها، إلى المنحرفين والمنحرفات الذين ساءت سمعتهم، فالمتزوجين والمتزوجات بين شجار وطلاق.. هذه المحلّيّة تطبع الأحداث بطابعها، من خلال الحوار الساخر باللغة العامية وباللهجة الخاصة، فتشعر كأنّ الشخوص ما زالوا أحياء يتحرّكون بلحم ودم، ويتقدمون إلى المسرح بكامل دوافعهم وارتباطاتهم ومستوياتهم.. وقد أصبحنا أمام فسيفساء اجتماعية ساخرة، فيها دين وسياسة واقتصاد، جنون وتعقّل وثرثرة، إبداع وابتذال، فهذه البلدة الصغيرة والمسافة بين حيّ القلعة والساحة وسوق القصابين اختزال لكلّ إنسان، ولكلّ بقعة من الكرة الأرضية.. وعندما تقترب الرواية من خطّ النهاية تهرول هندومة تجاه المحافر، مستعجلة لقاء الموتى الذين سبقوها، وقد ضاقت أنفاسها وتعثّرت خطاها، وأحسّت أنّ فساتينها وأسمالها عبء على وظائف أطرافها، إلى أن وقعت أرضا تاركة هذا العالم. وبغياب هندومة، يغيب حلم جدّها بالعودة إلى فلسطين، في حين يراود سكّان المخيم شعور بالارتياح. هكذا يسدل الستار على أحداث الرواية بالاقتران الجنوني بين رحيل هندومة عن ساحة طربنا، وتلاشي الأهداف العزيزة ومنها: عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، في إشارة إلى أنّ الزّمن العربيّ، واللّحظة التاريخية مفرطة في الحمق إلى درجة الجنون السّياسي”.

مهزلة الوجود المرة..

يقول “د. عبد المجيد زراقط” في مقاله (جواد صيداوي..عطاءٌ ثريٌّ بالجنى): “أكتب عن جواد صيداوي روائياً صديقاً، وبي أسىً لرحيله، ولآنسُ بعالمه الرِّوائي، ولأقدِّم معرفةً نقدية بنماذج من رواياته هي: «العودة على متن الرَّحيل»، و«أجنحة التِّيه»، و«صرنا على الليسته»، «وفساتين هندومة»، في «العودة على متن الرَّحيل»، نلحظ لعبة القدر وعبثيَّته، فـ «أحمد شمران»، الشخصيَّة الرئيسية من الرِّواية، يقرِّر العودة إلى وطنه. وفي وعيه ولا وعيه «حلمٌ» بتنمية هذا الوطن والنهوض به، فيمتطي متن طائرة لتقلَّه إلى حيث يحقِّق حلمه، لكن القدر يلعب لعبته، فتسقط الطَّائرة، ويموت المغترب، وهو في طريق العودة على متن الطَّائرة المفترض أن تعود به إلى وطنه ليحقِّق حلمه، فيموت الحلم، ما يثير سؤالاً مفاده: هل هذا هو قدر اللبناني أن يخرج من «المكان الطَّارد» حيث يفقد المكان الذي يحقِّق فيه ذاته، فيهاجر بحثاً عن هذا المكان في بلاد الاغتراب، وإذ ينجح، ويعود ليحقق حلمه يموت بـ «لعبة القدر»، وتتكشف عبثيَّته؟ ويثار هنا سؤال آخر: هل يريد صيداوي أن يقول: هو ذا عبث الحياة؟ وهل كان قوله هذا باعث البسمة السَّاخرة التي كانت تطلُّ على شفته كلما احتدم الزُّحام من أجل شأن من شؤون هذه الحياة؟.. في «أجنحة التِّيه»، وهي ثلاثية تتألَّف من “الوكر” و”الإقلاع” و”تونس”، تتمثل إشكاليَّة التحوُّل بالسِّيرة الذاتيَّة إلى رواية؟ ويُطرح السؤال: هل هي سيرة ذاتيَّة، أو رواية ثلاثيَّة، أو سيرة ذاتية تتخذ بنية روائية؟ تفيد قراءة هذه الثلاثية أنها تتَّصف بالميزة الأساس للرِّواية، وهي أنَّها تصدر عن منظور يرى إلى وقائع السيرة الذاتية، بوصفها مادَّة أوليَّة، ويختار منها، وينظم ما يختاره، لينطق برؤيته إلى عالمه، والسؤال الذي يثار هنا هو: ما هو هذا المنظور الذي رأى منه صيداوي إلى عالمه؟ يكشف عنوان الثلاثية، وهو: «أجنحة التيه»، عن تجربة تتصف بالتغيُّر السريع سرعة الطَّائر في طيرانه: «أجنحة»، وهو تغيُّر يفضي إلى ضياع: «التيه».. تفيد قراءة هذه الثلاثية أنها تروي قصَّة التغيُّر السريع الذي عاشه جيلٌ عالمي، ولد في الرّبع الأوَّل من القرن العشرين، حيث تشكَّلت الدُّول التابعة مركزاً عالمياً تحكَّم بمسار نشوئها ونموّها وتطوّرها، وكان همّ هذا الجيل الأساس مناهضة هذا التحكُّم، والسَّعي إلى تحقيق التحرُّر والنموُّ الوطنيَّين، وفي سياق هذا السَّعي تبرز دلالة «التِّيه المجنَّح»، وقد اتخذ صيداوي من وقائع من سيرته الذاتية مادة أوَّلية لثلاثية روائية تروي سيرة هذا الجيل الساعي إلى التحرُّر والتنمية الوطنيَّين، والذي كان أحد أبنائه الفاعلين على غير مستوى، والواضح أن هذا الجيل واجه قدراً متحكِّماً، فحاول أن يصنع قدره، وقد تمثلت سيرة هذا الصنيع في نصٍّ قصصي تمليه انتقائية الذاكرة، ويؤدِّيه الراوي العليم، بلغة تتنوَّع بين التقريرية والشعريَّة، ولا تخلو من تأثير لغة البحث والمقالة”.

ويواصل: “في «صرنا على الليسته»، توافرت مادَّة روائية تتمثل فيها قضيَّة إنسانية كبرى وخالدة، وهي قضيَّة مواجهة الإنسان للعجز والموت، فالمادة الرِّوائية الأولى وقائعية معيشة، فصديقه الأوَّل السيِّد بديع بهيج أبو خدود هو الذي مات، وصديقه الثاني عادل حمود عبد الحسين حامد هو من همس في أذنه عندما أُنزل جثمان الميت إلى القبر: «صرنا عالليسته».. يقتضي تحويل المادة السيرية إلى رواية أن يتصل الكاتب بهذه المادة، وأن ينفصل عنها في آن، يتصل بها ليعرفها وينتقي منها من منظوره، وينفصل عنها ليقيم منها، ومن منظوره، أيضاً، بناء متخيَّلاً ينطق برؤيةٍ إلى القضية الإنسانية التي تثيرها.. يبدو واضحاً أن الفضاء الروائي لـ«صرنا عَ الليسته» هو: إن الموت هو قدر الإنسان، وهو هاوية يبحث الإنسان عن منقذٍ ومَنْفَذٍ منها في آن، الإيمان بالله تعالى، كما يقول نجيب محفوظ ينقذ من العبث في الدُّنيا ومن الفناء في الآخرة، والسؤال الذي يطرح هنا: ما المَنْفَذ المفضي إلى جعل هذا القدر/ الهاوية محتملاً، وممتعاً!؟ تفيد قراءة الرِّواية أن المَنْفَذ يتمثل في أشياء منها: الحبُّ، الكتابة، السَّعي إلى جعل العيش مريحاً وسعيداً، ولعل هذا ما يفسِّر غزارة إنتاج جواد صيداوي الروائي في مرحلةٍ من العمر شعر فيها بأن عليه أن يشغل نفسه عن «مهزلة الوجود»، كما سمَّاها، وأن يعطي ما يجعله يعبر إلى البقاء، من طريق الأدب الذي يقهر الزَّمن والموت اللذين يقهران الإنسان.. في «فساتين هندومة» نقرأ حكايات أناس تضمَّنتهم، كما جاء في هذه الرواية، «لائحة مساطيل طبرنا»، هل «طبرنا» هي النبطيَّة، فتكون المادة الأولية لهذه الرِّواية هي سيرة هذه المدينة في مرحلة من الزَّمن؟ وهل يصحُّ أن نقول: إن هذه المدينة: «طبرنا» ترمز إلى الوطن؟ حكايات «مساطيل طبرنا» تُتَّخذ مادَّة تندُّر، وقد انتظمت مادة التندُّر هذه في مسار روائي قوامه أخبار أناسٍ غير سويِّين، ما يعيد إلى الأذهان كتب القصص التراثية العربيَّة. وإن كان من إشكالية، هنا، فهي إشكالية التحوُّل بهذه المادَّة، من التندُّر، إلى مبنى روائي تشكِّله رؤية تتمثل الواقع وتمثِّله في شكل يفيد كاتبه، واعياً أو لا واعياً، من التراثين القصصيَّين: القديم والحديث.. إن رواية «فساتين هندومة» رواية تتشكل من منظور يرى عبث الوجود وركود العالم العربي، وتشوُّه أناسه، وتتالي هزائمه، ويرى في الوقت نفسه، أنَّ هدهداً يولد، وقد يأتي بالبشارة. ويبدو واضحاً أن هذه الرِّواية تتخذ بنية روائية تتأثر بتراث التندُّر العربي، فتمثِّل تجريباً يفيد من أشكال تراثية في بناء رواية حديثة.. تفيد هذه القراءة السريعة، في نماذج من روايات جواد صيداوي، أنَّه كان يرى إلى الحياة من منظور إنسان يسعى إلى أن يكون هذا الوجود ذا جدوى، وأن يكون قدر الإنسان فيه محتملاً وممتعاً، فاتخذ من وقائع الحياة المعيشة، وخصوصاً من سيرته وسير شخصيات ومدن يعرفها، مادة روائية أولى تمثِّل قضايا وجودية وإنسانية كبرى، وواجه إشكالية تحويل هذه المادة السيرية إلى روايات، مستفيداً من التراثين القصصيين: القديم والحديث، فوُفِّق إلى ذلك، ويبدو جليًّا أنه سعى إلى أن يحلِّي «مهزلة الوجود» المرَّة، ويجعلها محتملة، وممتعة في حالات الإبداع الأدبي الذي أتاح له أن يقهر المرارة والعجز والزَّمن”.

وفاته..

توفى” جواد صيداوي” يوم السبت 3 مارس 2018 بباريس عن عمر 86 عاما.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب