خاص: إعداد- سماح عادل
“جمعة اللامي” كاتب وروائي عراقي.
حياته..
اسمه جمعة عجيل درويش راشد اللامي، ولد في لواء السماوة، مركز محافظة ميسان في 1 يوليو 1947، ومقيم في الشارقة، سافر إلى بغداد سنة 1959 ثم حكم عليه بالسجن 12 عاما سنة 1963، قضى منها ست سنوات متواصلة في أغلب سجون ومعتقلات العراق. غادر العراق عام 1979 واستقر في دولة الإمارات منذ سنة 1980.
شغل مناصب عدة في صحيفة “الخليج وصحيفة “الاتحاد”. رئيس مركز الشارقة – ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية.
بدأ ينشر قصصه في الدوريات الثقافية منذ عام 1964، وأصدر للمكتبة العربية ثلاث مجموعات قصصية: من قتل حكمت الشامي؟ 1976، واليشن 1978، والثلاثيات 1979، وثلاث روايات: مجنون زينب 1998، والمقامة اللامية 1990، والثلاثية الأولي 2000، وقد عمل طويلا في الصحافة: مدير تحرير مجلة ألف باء العراقية خلال السبعينيات، ثم مدير تحرير جريدة الخليج اليومية بالشارقة 1980ـ 1985، وأصبح كاتب متفرغ بجريدة الخليج حيث يكتب زاوية يومية بعنوان: ذاكرة المستقبل، وقد حاز جائزة السلطان قابوس للإبداع الثقافي 2006 ـ 2007 في القصة القصيرة .
أعماله..
- من قتل حكمة الشامي، 1976م، مجموعة قصص قصيرة.
- اليشن، 1968م، مجموعة قصص قصيرة.
- الثلاثيات، 1979م، مجموعة قصص قصيرة.
- التراجيديا العراقية – مختارات.
- المقامة اللامية، 1999م، رواية.
- مجنون زينب، 1998م، رواية.
- عيون زينب، رواية.
- الثلاثية الأولى، 2000م، رواية.
- على الدرب – قصص قصيرة.
- عبد الله بن فرات – نصوص.
- أشواق السيدة البابلية – نصوص.
- الحرية والثقافة – نصوص في حرية الضمير.
- ابن ميسان في عزلته ـ شعر
- ذاكرة المستقبل ـ الحرية والثقافة
- ذاكرة المستقبل ـ مقابسات الشارقة
- كتاب الكائنات: التاريخ الشخصي للشجعان والقتلة
- المسألة الفلاحية في العراق: بحث في الاقتصاد السياسي للريف العراقي
- قضية ثورة: الصراع والوحدة في منظمة التحرير الفلسطينية
جوائز..
- الجائزة الأولى في القصة القصيرة من المؤتمر الأول للكتاب الشباب ـ بغداد 1977.
- جائزة السلطان قابوس للإبداع الثقافي في القصة القصيرة عام 2006م.
- قلادة بغداد للإبداع سنة 2011؛ وجائزة العنقاء الذهبية الدولية عام 2007م.
العراق وخصوصية المكان..
في حوار معه أجراه “خليل الجيزاوى” يقول “جمعة اللامي” عن العراق: ” ولدت ونشأت في جنوب العراق، حيث الانقسام الاجتماعي الحاد والظلم والفقر، والحزن غير القابل للانتهاء، في البيوت وبساتين النخيل والمساجد والأسواق، ومظاهرات الطلاب والعنف المضاد، والمطاريد والفتوات، ومشاجرات الصيادين ومعارك العشائر. في وقت مبكر من مرحلة الدراسة الابتدائية، كنت أكتب مواثيق الأحلاف بين العشائر والقبائل، ورأيت بأم عيني كيف يظلم الفلاح الجنوبي، والتباين والتمايز بين العرب الصرحاء وبين أبناء القوميات الأخرى المهاجرين من البلدان المجاورة، كما لاحظت الحياة السرية لعدد من العوائل التي نزحت من شبه جزيرة العرب واستوطنت الجنوب العراقي، لواء العمارة (ميسان) تحديداً.
تأثرت كثيراً بتقاليد عاشوراء والمنابر الحسينية، وعشت حياة سفر أهلي لزيارة المراقد في كربلاء والنجف وبغداد وسامراء. وتأملت في انخطافاتهم وهم بين يدي الإبدال والشهداء والعشاق المعاميد. وحفظت عن ظهر قلب رواية “أبي مخنف” وقصة “المياسة والمقداد” وحكاية “بئر ذات العلم” و “تغريبة بني هلال” حين كنت أخطو خطواتي الأولى في تعلم القراءة والكتابة.
وقفت مشدوهاً أمام موت أخواتي الرضع، حيث لم يكن لوالدتي وسيلة احتجاج على الموت، سوى تكسير معاضدها. كما رافقت النساء اللاتي يخترن حياة الرجولة.
صاحبت المغنين الجوالين والعشاق، وراقبت الحفلات الغجرية في منازل الموسرين، أو في الساحات العامة، ورأيت كيف يموت الناس وحيدين في مستعمرة الجدام بالعمارة. عشت تجربة “الدفن المؤقت” لموتانا في العمارة، قرب مرقد السيد نور الذي هو أحد أخوال أمي، أيام فصل الشتاء، تمهيداً لنقل رفاتهم إلى النجف حين تجف الأرض.
تفكرت كثيراً في الحكايات الشعبية عن الأهوار. وشدّني كثيراً ذلك الحديث غير المنقطع عن ذلك “المنتظر” الذي سوف يظهر في آخر الزمان ليخلص العالم من الظلم. دخلت منازل المسيحيين، وأكلت الطعام مع العوائل اليهودية في العمارة. عشت تقاليد الصابئة وطقوسهم، وكنت أحزن من أجل أولئك الزنوج ببشرتهم السوداء وهم يتعرضون إلى العزل والاحتقار”.
الحرية..
عن تجربة السجن يقول: “علمني السجن السياسي، أن فكرة الحرية لا تتجزأ؛ لأنني اكتشفت أن الحرية التي أنشدها مفقودة، فالسجن اليساري هو صورة مصغرة لسلطة مؤجلة . أي أن للسجن إدارته ومخابراته وجنده وكتابه ومثقفوه، وكنت أجد في هذا المشهد “الوجه الآخر” للسلطة القمعية خارج السجن؛ لذلك أخذت أتحدث عن الظلم الذي تعرض له السياب، وجريمة اغتيال “بول نيزان” واضطهاد الجواهري والبياتي، وكان هذا لا يعجب الشيوعيين واليمينيين على حد سواء، ومن جراء هذا الاختيار كدت أقتل على يد أحد الشيوعيين في سجن الحلة المركزي، بعد أن تعرضت إلى “عزل” في المكان، أي إنني عشت سجن السلطة، وسجن السجناء أيضاً.
كان القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، بتثقيفه المتواصل ضدي باعتباري أنقل وباء معادياً للشيوعية، وراء تلك المحاولة التي أراد تنفيذها أحد الشباب من أبناء مدينة الكاظمية، وهو الآن مسئول كبير في تنظيم فلسطيني يتخذ من سوريا مقرا له.
في 8 شباط/ فبراير 1964، في سجن نقرة السلمان، كتبت رسالة أعلنت فيها استقالتي من الحزب الشيوعي العراقي، وأودعتها أمانة العامل النقابي: فاضل رسن، عضو لجنة التنظيم المركزي للحزب في حينه، الذي أشاع رفاقه حوله اتهامات كثيرة، بعد اختفائه الغامض حين كان مع المقاتلين الأكراد البرزانيين، بعد مجئ حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق مرة أخرى 1968، منذ تلك السنوات اخترت بعمق أن أكتب في شأن مفهومي للحرية، والإنسان المضطهد من الجلاد “الرسمي” والجلاد “المناضل”.
الكتابة..
وعن الكتابة الإبداعية يواصل: “في بداية عقد الستينات من القرن العشرين، اكتشفت الفرنسي “بول نيزان” و”ما لرو” وأعدت قراءة “سارتر” و”كامو” وبعض الأدباء الروس من جديد، مثلما اطلعت بعمق، على أشعار السياب والبياتي والجواهري والشرقي وأدونيس، وشعراء مجلة شعر، والحياة الثقافية والسياسية التي رافقت نشوء وانتشار مجلة “الآداب” اللبنانية، وكذلك كتابات الجيل الأول من القصاصين العراقيين، والأجيال التالية من الأدباء المصريين والسوريين والجزائريين.
في السجن كتبت معظم كتابي القصصي الأول: “من قتل حكمة الشامي؟” الذي بقى لدى الرقابة قرابة خمس سنوات؛ لأنهم اعترضوا على قصة قصيرة عنوانها “وثائق الـ (الوحشس)”، التي تمثل الرمز الكودي لشعار الحزب الشيوعي العراقي: “وطن حر وشعب سعيد”، و نشرتها في جريدة “النهار” البيروتية، حيث وصفني فيها محررها الثقافي “عصام محفوظ” بأنني الكاتب العربي، وربما العالمي الأول، الذي يكتب القصة كما الفرنسي “أبولينير” في كتابة بعض قصائده.
بعد ذلك، أثناء حياة “ما بعد السجن”، بين 1968 و 1969، فقدت كراسي القصصي الأول: “المسيح والجراد” الذي تضمن قصصاً وتسجيل كوابيس السجن، وتدوين الحياة السرية للسجن السياسي، أما كتابي الثاني: “اليشن” فكان التجربة القصصية الأولى في تحويل “المكان” إلى بطل، هكذا كان يرى عبد الرحمن منيف، لقد أعدت “أسطرة” الأسطورة في هذا الكتاب، وبنيت من جديد “اليشن” السومرية، بكونها المدينة العربية المتمناة والمنتهكة، في الماضي كما في الحاضر أيضاً، وربما في المستقبل كذلك.
حان الآن وقت كشف الجراحات العميقة في الروح، لقد وقف “المثقفون الرسميون” في الحزب الشيوعي العراقي، ضد هذه التجربة القصصية الجديدة”. لقد اعتبروني داعية لليأس، بينما كنت أحارب آلة “الستالينية” و “الجدانوفية” وحيداً، ولكن بعد تجربة النشر في جريدة “النهار” جاءت تجربة النشر في مجلة “مواقف الأدونيسية”، عندما نشرت قصتي “يوم من حياة مدينة منسية”، التي هي: “اليشن”.
وفي تلك الفترة كتب أحد المحافظين في صحيفة “الثورة” الناطقة باسم حزب البعث الحاكم، يطالب بإحالتي إلى المحاكمة، معتبراً أن قصة “الليل في غرفة الآنسة م” مخلة بالآداب العامة، ومسيئة للذوق العام، وخادشة للحياء: كان، الموظف الكبير في وزارة الثقافة والإعلام في حينه، تزامن هذا الموقف بقرار إحالتي إلى “محكمة الثورة”، بقرار من الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، بناءً على تقرير خطي من “خير الله طلفاح” في قضية مسرحية: “انهض أيها القرمطي هذا عصرك”، التي كانت تتويجاً لمطاردته لي، في أعقاب صدور كتابي الأول: “من قتل حكمة الشامي” .
الوعي السردي..
في مقالة بعنوان (جمعة اللامي .. والوعي السردي) كتب “علوان السلمان”: “جمعة اللامي الذي خاطب الوجود الإنساني بوعي يوما ما قائلا: يا (أيها القراء الكرام)..الكلمات خيلي.. واللغة إبلي.. أما مقاماتي وسروداتي فهن أناشيد الآلهة وترانيم النبيين وسطوة الملوك والأباطرة وأحلام الشعراء والمجانين)..
جمعة اللامي الذي بدأ شاعرا مقترنا ومعبرا عن محنة الإنسان.. فانتقالته الواعية صوب القصة القصيرة التي جذبت فاضل العزاوي المحرر الثقافي لعدد من الصحف وقتها فتلقفها وأشاعها بين القراء..كما يقول اللامي.
جمعة اللامي السارد إبداعا مستفزا للذاكرة الجمعية عبر منجزه (من قتل حكمة الشامي واليشن والثلاثيات والمقامة اللامية التي هي نصا سيريا اعترافيا ناضجا مسترسلا من حافة الولادة على مرتفع في مياه الاهوار الميسانية ومرورا بالمعتقلات والسجون وانتهاء على حافة الخليج والاستقرار في الشارقة إضافة إلى مجنون زينب وعيون زينب…)”.
ويضيف: “المنتج إبداعا مصورا للقلق والعزلة والحب وتفاصيل الحياة اليومية التي منحها نبضا جماليا بتلامسها للكينونة الباحثة عن الحرية التي هي (وعي الضرورة) باعتماده الواقعية منهجا أضفى على شخوصه البساطة والوضوح الفكري، ومنح أبطاله منظورا متفردا في الدفاع عن مواقفهم وتحليهم بحكمة عميقة في مقاربة الحياة.
بالرغم من سني الاغتراب والخراب ظل خالقا للإبداع والجمال لمواجهة الملاحقات البوليسية، بحكم اكتنازه الفكري الذي استمر يجابه من يجابهه لأنه يعي ما قاله البعض (حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه لا بالسلاح الذي تخشاه أنت)، فكان نتاجه السردي الشغل الشاغل لحياته اليومية فأنتج إبداعا شكل (صولجانه لترميم نفسه)على حد تعبيره التي حاصرتها دهاليز السجون المغلقة.
فأنتج فيها مجموعته القصصية (من قتل حكمة الشامي) التي خرجت من مسامات الجدران مذيلة بالمكان(سجن الحلة) ومؤرخة بـ(حزيرن 1967) الذي شكل عتبة مضافة للعنوان الأيقوني والعلامة السيميائية الدالة على احتضانها للمتن النصي، إضافة إلى فضاءات الاغتراب المجتمعي والتي يوظف فيها الرمز الصوري الأيروسي متخيلا مع أنسنة الجمادات والحيوان كما في قصة(غرفة الآنسة م)، إذ تحتل لوحة جدار مساحة من الغرف يظهر فيها (نمر صغير ينز على أمه، وهناك إنسان برأس كلب يحتضن دمية كبيرة على هيئة فتاة منطرحة على وجهها تئن تحت ثقله..وأخرى منطرحة وعنكبوت على ظهرها مادا أحد خراطيمه على ثديها الأيسر..) كل هذه الرموز يوظفها المنتج (القاص) من أجل استفزاز المستهلك (المتلقي) لاستنطاق النص والكشف عما خلف مشاهده الغرائبية والعجائبية.. فضلا عن أنه يدين لا انسانية الواقع المنهار أخلاقيا واقتصاديا وفكريا بتقنية واعية تقدم انموذجا للانهيار المجتمعي والقيمي والثقافي وهو يقترب من البير كامو في الطاعون.. ومن كافكا في المسخ.. لكن الفارق أن اللامي يختزل عوالمه عبر قصة قصيرة بعيد عن الاستطراد واعتماد لغة شفيفة خالية من التقعر والضبابية اللفظية، إضافة إلى التكثيف والاختزال الجملي وتوظيف الرمز الدال”..