9 أبريل، 2024 4:05 م
Search
Close this search box.

“جمعة الحلفي” .. قصيدة نظمها الكفاح والحزن والحنين والغربة .. وأنهاها المرض !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

“جمعة الحلفي” شاعر عراقي، يكتب الشعر الشعبي وروائي.. يعرف نفسه، على موقعه الإلكتروني الخاص، قائلاً: “اسمي الكامل: جمعة إبراهيم كاظم الحلفي، إن سيرتي الذاتية أو الشخصية، سيرة متواضعة وبسيطة، بدأت في العام 1952، حيث ولدت في «العاصمة»، (منطقة الصرائف خلف السدة الشرقية ببغداد، وهي تكنى بـ «العاصمة»، نكاية ببغداد !)، لعائلة فقيرة كانت هاجرت من أهوار محافظة العمارة في الثلث الأول من القرن العشرين، ولا تزال، (أقصد السيرة)، ماضية إلى حتفها ! بين تاريخ الولادة ومطلع العام الحالي 2004، حيث أسجل هذه الكلمات، درست حتى الثانوية وفصُلت لأسباب سياسية، واشتغلت بمختلف المهن والكارات. اعتقلت ثلاث مرات في مديرية الأمن العامة وأمن بغداد، لمدد تتراوح بين الشهر والثلاثة أشهر”.

حياته..

يواصل “الحلفي” سارداً عن حياته: “بدأت العمل في الصحافة في العام 73 بجريدة (طريق الشعب) الشيوعية، وأصدرت مجموعتي الشعرية الأولى، (ساعة ويذبل الزيتون)، في بغداد العام 76، وبعد اشتداد الحملة القمعية في تلك السنوات هربت من العراق، فعملت في الصحافة اليمنية، (اليمن الديمقراطي)، ثم في الصحافة الفلسطينية في بيروت ودمشق، ثم في الصحافة العراقية المعارضة.. أصدرت خلال هذه السنوات مجموعتين شعريتين هما: (ملّيت/ 1992) و(عطر الغايب/ 2000) ورواية (مسار السنونو/ 2003)، ونشرت العديد من الدراسات والمقالات السياسية والثقافية ومجموعة من القصص القصيرة، وسوى ذلك من النشاطات الإبداعية.. متزوج ولدي: (زينه) مواليد 1976، طبيبة أسنان، و(كنان) 1982، يعمل في مجال الإضاءة التليفزيونية.. أعيش منذ العام 1980 في سوريا، وأسكن حالياً في محافظة اللاذقية/ضيعة عين البيضا”.

الكتابة..

في حوار مع “جمعة الحلفي”، أجرته معه “نعمة خالد” لصالح جريدة (القدس العربي)، يقول عن البدايات مع النشر والإعتراف به كشاعر: “يمكنني تشبيه الأمر على النحو التالي: في (ساعة ويذبل الزيتون)، وهو أول مجموعة نشرتها في العام 1976، كنتُ ضيفاً على الشعر، وكما هو حال الضيف حين يبدو حرجاً وخجلاً ومتردداً، كنتُ هكذا حينها، أكتبُ القصيدة ولا أنام ليلتي قبل أن اقرأها لصديق وأسمع رأيه فيها، لكي أتأكد أن ما كتبته هو شعر حقاً. أما في (ملًيت)؛ وهي مجموعتي الثانية، فقد صرت صديقاً، أو لنقل من أهل البيت، فقد تجاوزت حرج وتردد الضيف، ولم أعد بحاجة إلى استشارة أحد. هذا على الصعيد الفني، أما على صعيد موضوعات الكتابة فقد حدث ما يمكن تسميته بالنقلة، فقبل ذاك كانت موضوعاتي محدودة ولا تخرج، إلا نادراً، عن الحنين والبكاء على أطلال التجارب والانكسارات السياسية والعاطفية، وهذا ما أعتقد أنني تجاوزته أيضاً، نحو عوالم شعرية وجمالية أرحب وأعمق بدأت ملامحها في (ملًيت) واكتملت أو تواصلت في مجموعتي الثالثة (عطر الغايب)، أما ملامح هذه النقلة فيمكن رؤيتها أو تلمسها في اختيار أو في التقاط اللحظة الشعرية وفي تشذيب الصورة والعزوف عن تصنيعها، وفي توظيف الإحساس العفوي بالأشياء المحيطة من دون إقحام أو تقريرية، وكذلك في استخدام المؤثرات الحسية مثل اللون والحركة والإيماءة والصمت ولحظات احتدام الرغبة”.

الطفولة وبدايات الشعر..

عن الطفولة، والقراءات الأولى، التراث، والذكريات الأولى مع الشعر، يقول “جمعة الحلفي”: “عندما وعيت على الدنيا وجدت نفسي وسط عائلة كبيرة وفقيرة الحال، لكنها عائلة سياسية إن صح التعبير. فقد كان والدي فلاحاً هاجر بنا من ريف الجنوب إلى العاصمة بغداد، منتصف القرن الماضي، بحثاً عن حياة أفضل، لكنه لم يجد مثل هذه الحياة ووجد، بدلاً عنها، حياة كدح وكفاح يومي متواصل. ولهذا وجدت نفسي مضطراً للعمل وأنا في المدرسة الابتدائية، فقد كان أخي الكبير مسجوناً لأسباب سياسية وأخي الآخر مختفٍ عن الأنظار للسبب ذاته. هذه الظروف، رغم قسوتها، هي التي دفعتني للتعلم وللقراءة، وكنت أُخرج كتب أخي من صناديق الخشب المطمورة واقرأ فيها.. قرأت روايات مكسيم غوركي وتشيخوف وكتب سلامة موسى.. طبعاً لم أكن أفهم منها الكثير لكنها كانت الأساس”.

في وقت مبكر من حياتي اشتغلت في السياسة، وكان عمري 17 سنة، وفصلت من المدرسة الثانوية، ثم اعتقلت أكثر من ثلاث مرات، جراء النشاط السياسي. هذه التجربة، ومرة أخرى أقول، رغم قسوتها، هي التي علمتني كتابة الشعر.. كنتً أكتب وأرسل إلى الصحف والمجلات وكانت هذه تنشر لي مقاطع قصيرة في بريد القراء، وكان ذلك مصدر فرح وفخر، حتى جاء اليوم الذي نشرت لي فيه إحدى الصحف قصيدة كاملة. وأذكر أن عنوانها كان (دهشة). بعد ذلك اندمجت في خضم حياة سياسية وصحافية وثقافية صاخبة حتى هروبي من العراق في العام 1979″.

مليت” ومحنة الشيوعيين..

يقول “جمعة الحلفي” عن المجموعة الشعرية (ملًيت): “(ملًيت).. وأقصد هنا القصيدة وليس المجموعة، كانت أشبه ببيان روحي أملته عليّ تجربة سياسية ونفسية قاسية، ففي تلك الأيام، التي تلت إنهيار تجربة التحالف السياسي في العراق، وفرارنا، جماعات ووحداناً، إلى أوروبا ودول الجوار، وجدنا أنفسنا فجأة، (وكنا في بداية تفتحنا على الحياة السياسية والثقافية)، مطرودين من الجنان كلها، من الوطن والأهل والبيئة، وكذلك من أحلامنا العجائبية ببناء الاشتراكية والشيوعية على أنقاض واقعة كربلاء !.. هذه الصدمة جعلتنا نشعر حينها وكأننا بلغنا نهاية العالم، أو نهاية التاريخ، وكان سبب هذا يعود باعتقادي، إلى طبيعة علاقتنا البطريركية بالحزب الشيوعي، إذ لم يكن وارداً، في تصورنا، أن آباءنا البطاركة في قيادة الحزب يمكن أن يرتكبوا مثل هذا الخطأ الفادح ويورطوا آلافاً مؤلفة من الشباب، في هذه المحنة.. محنة الإنهيار السياسي والهجرة والنفي والضياع.. (طبعاً أنا هنا لا أحمًل الحزب الشيوعي وحده مسؤولية ما حصل، فالحزب الحاكم، (البعث)، يتحمل المسؤولية الأولى في ذلك).. وهكذا في هذا المناخ كتبتُ (ملًيت)؛ وكانت أشبه بصرخة المطعون، إلا أنني تجاوزت ذلك بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، كما يقال، واكتشفت أن الحياة أرحب من الأحزاب وأخطائها وأكبر من التجارب الحياتية مهما كانت مريرة.. وفي الواقع لم يكن الشعراء الشعبيون وحدهم من كان يكتب قصائد متفجعة في تلك الفترة، إنما شعراء الفصيح أيضاً، ولا أزال أذكر كيف كان سعدي يوسف يردد آبيات قصيدته التي يقول فيها، (ولربما في لحظة مستحكمة يولد الضباط أو يهجرنا نسٌر إلى الريف)، ثم يبكي ونبكي معه !”.

الشعر الشعبي..

يعلق “جمعة الحلفي” على الشعر الشعبي، قائلاً: “من لم يجرب كتابة الشعر باللهجة الشعبية لا يستطيع اكتشاف سحرية هذا النمط الكتابي الغني بلغته وإيحاءاته وعوالمه الجمالية، فالشعر الشعبي في العراق، وخاصة بعد عملية التجديد التي أحدثها «مظفر النواب»، مطلع الستينيات، لم يعد شعر مناسبات أو أخوانيات، يكتبه العامة، كما كان في السابق، إنما صار شعراً بالمعنى العميق للعبارة، يكتبه مثقفون مبدعون لهم تجاربهم الحياتية والسياسية، ذلك أن عملية التجديد تلك طالت أشكاله وأساليبه الفنية وموضوعاته وأغراضه، وأسست لمفهوم جديد للقصيدة الشعبية نقلها من مقارباتها السطحية المباشرة مع المراثي والمديح والغنائيات الساذجة إلى عوالم الشعرية الحرة.. ولهذا أجد الكتابة الشعرية باللهجة الشعبية، أكثر إغراء من الكتابة بالفصحى، فاللهجة الشعبية، والى جانب أنها توفر للشاعر تلك المساحة الحميمة في العلاقة مع المتلقي، هي لهجة مطواعة ومحملة بالإيحاءات والرموز والإستعارات والظلال، وهي تشبه مادة مرنة يمكن أن تكوّني منها ما تريدين من أشكال جمالية، على خلاف الفصحى التي تبدو أحياناً كالحجر في عملية الكتابة الشعرية”.

مظفر النواب..

عن جيل ما بعد “مظفر النواب”؛ ممن كتب الشعر الشعبي، يقول: “تجربة مظفر النواب كانت الأساس في إنطلاق حركة التجديد في الشعر الشعبي العراقي، وهي حركة كانت رديف لحركة التجديد في الشعر العربي، ومع مراكمة النواب لهذه التجربة بنتاجه الغزير والمتفرد إبداعياً، كان أفق التجديد في أساليب وأشكال الكتابة الشعرية يتسع هو الآخر ويتنوع في مديات التجريب وحرية الاكتشاف والتمايز. ومع أن قصيدة النواب استمرت حية وطازجة في شكلها ومضمونها، إلا أن هناك، من الشعراء، من راح يبحث في أعماق أخرى تحت أرض التجديد التي فتحت أمامه، مستنبطاً موضوعاته وأساليبه الخاصة في الكتابة الشعرية. وبوسعنا الإشارة هنا إلى أسماء كثيرة من بينها: «عزيز السماوي وطارق ياسين وعلي الشباني وشاكر السماوي وكاظم الركابي وعريان السيد خلف».. هؤلاء وسواهم كانوا يمثلون الجيل اللاحق لمظفر، والمتميز في بحثه عن أساليب كتابة وموضوعات شعر جديدة ومغايرة. ثم بعد ذلك جاء جيل آخر بداية السبعينيات، وكنتُ واحداً ممن كتبوا في هذه الفترة، وقد أشتغل هذا الجيل على أنماط وأساليب كتابه أخرى للقصيدة الشعبية؛ راكمت وكرست مكانتها في المشهد الإبداعي والشعري العراقي، ومن أسماء كثيرة أتذكر: «كاظم الكاطع وكريم العراقي ورياض النعماني وريسان الخزعلي واسماعيل محمد اسماعيل وأبو سرحان وكاظم الرويعي وفالح حسون الدراجي»”.

السبعينيات..

عن فترة السبعينات في العراق، يقول “جمعة الحلفي”: “فترة السبعينيات كانت فترة غنية ثقافياً وسياسياً أيضاً، كان هناك شيء من الانفتاح السياسي تلقفه الناس مثل رحمة نازلة من السماء.. وخلال فترة قصيرة تحول العراق إلى ورشة ضخمة من العمل والنشاط في مختلف ميادين الحياة، وكانت الثقافة في مقدمة العناصر التي إزدهرت، فظهر مئات الشعراء وصدرت آلاف الكتب وبرزت مواهب وإبداعات في الفكر والثقافة والفن، وتحولت بغداد إلى عاصمة للثقافة العربية. لكن كل هذا سرعان ما انطفأ وتدهورت الأوضاع بطريقة دراماتيكية، والسبب الأساس يعود إلى سياسة النظام، فالنظام هو الذي أوقف مسار التطور، الذي حصل في تلك الفترة، عندما أغلق الهامش البسيط من الحريات وشن حملة بوليسية ضد القوى الوطنية، وعسكر المجتمع وذهب بالعراق وشعبه إلى الحرب مع إيران، التي دامت ثماني سنوات، ثم إلى الحرب مع العالم كله، بعد إجتياح الكويت، وهكذا جرى تدمير كل شيء. والعراق يعيش منذ عشر سنوات، أزمات خانقة، اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، إضافة إلى الحصار الدولي والعزلة، ويكفي أن نعرف أن هناك ما يقرب من أربعة ملايين عراقي في الخارج، بينهم آلاف المثقفين والمفكرين والأدباء والفنانين”.

أما “المنفى” وعلاقته بالكتابة الإبداعية عند “جمعة الحلفي”؛ فيستطرد عنه: “علاقة الكتابة بالمنفى علاقة جدلية؛ تتيح للمبدع الحقيقي فرصة كتابة جديدة. يأخذ المنفى من الكاتب الكثير، لكنه يعطيه الكثير في الوقت ذاته. إنه يأخذ، (على سبيل المثال)، من تماسه الحسي مع حياة شعبه، ومن إيماءات بيئته المحلية، ومن مفرداته اليومية، ومن أدوات كتابته، لكنه في المقابل يعطيه هامش الحرية وفرصة الإطلاع والتجريب ومستجدات المكان. كذلك يعطيه قارئاً جديداً بتكوينه المختلف ثقافياً واجتماعياً. وهنا تبتدئ علاقة الكتابة بالمنفى كعلاقة جدلية تتيح للكاتب ما يمكن تسميته بفرصة الكتابة الجديدة إذا ما استطاع، بالطبع، تمثل المتغيرات والمعطيات الروحية والثقافية وإعادة إنتاجها إبداعياً. وتختلف تجليات المنفى في الكتابة من كاتب إلى آخر. فالبعض ممن كان الشعور بالغربة، وهو التعبير الأول لحياة المنفى، يسكنه داخل الوطن، سيجد أن المنفى وطن آخر لكنه أكثر قسوة. وعند هذا البعض تتجذر الكتابة وتتعمق، لكن الأمر سيختلف لدى من يشعر خارج الوطن وكأنه في حالة فصام نفسية دائمة، فعند البعض من هؤلاء ستكون الكتابة عملية استرجاعية لخزين الذكريات، وإذا ما ظلت هكذا سينضب ذلك الخزين، لأن الذكريات نفسها يمكن أن تهتريء إذا ما انقطعت عن التواصل مع الجديد، وسيجد الكاتب نفسه أمام الفراغ. وعند البعض الآخر، في مثالنا نفسه، ستكون الكتابة انقطاعية غرائبية تشبه الوليد المشوه. وللمثال: هناك الكثير من الكتاب العراقيين المهمين توقفوا تماماً عن الكتابة في المنفى، والتوقف عن الكتابة هنا يبدو وكأنه جزء من توقف صلة الكاتب بوطنه، وبيئته وتجلياتها الروحية والثقافية. وهناك البعض تغربت كتابته كما تغرب هو ثقافياً.. بمعنى أنه بتر الصلة بأدواته أو أنه كان منقطعاً أصلاً عن هذه الأدوات. البعض الثالث تعمقت كتابته وتجذرت تجربته الإبداعية، وهذا البعض يمكن أن يرفد الثقافة الوطنية بدماء حية ومتواصلة. عموماً لا يمكن المضي بالتفصيل أكثر، لكن يمكن القول إن علاقة الكتابة بالمنفى علاقة جدلية، ومن يستطيع تمثل معطيات المنفى تمثلاً إبداعياً سيتواصل مع كتابته بروح جديدة”.

الحس الوطني..

في حوار آخر معه، في (الوحدة) السورية، أجرته “رفيدة أحمد”، يقول “جمعة الحلفي”، عن الطابع الوجداني والحس الوطني الذي يغلب على شعره: “ما تسمينه بالطابع الوجداني أو الحس الوطني، وما يسميه البعض بالطابع الحزين أو الكربلائي، يمكن اعتباره قاسماَ مشتركاً لموضوعات الشعر العراقي عموماً، والشعر الشعبي على وجه الخصوص. أي أنه يشبه الهوية، التي تميّز الشعر العراقي عن سواه.  والسبب يعود، كما أعتقد، إلى مناخ المحنة التي عاشها العراق ولا يزال يعيشها حتى اليوم، وهي محنة صار القاصي والداني، يعرف أبعادها المأساوية وأعماقها الدامية. هذا المناخ، أو هذا الواقع المرير، لابد له من أن ينعكس في موضوعات الكتابة الشعرية وحتى غير الشعرية، ولابد له من أن يتجسد على شكل وجدانيات متفجعة أو مناحات بكائية، من دون أن يكون الشاعر، أو الكاتب، قد خطط لذلك. فأنا، على سبيل، لا أخطط مسبقاً للقصيدة وكيف ستكون وأي الموضوعات ستتناول، ومع هذا لا أستطيع الإفلات من هذا المناخ الحزين، حتى عندما أكتب قصيدة غزل”.

الشعر العراقي..

يقول “جمعة الحلفي” عن خصوصية الشعر العراقي: “خصوصية أي شعر تنبع من خصوصية الثقافة بمعناها الواسع، الفردي والاجتماعي، المكتوب والشفهي، وكذلك من تراكم التجربة التاريخية ومنعطفاتها وتعرجاتها، في حياة أي شعب. وقد تكون هناك قواسم مشتركة كثيرة لغوية وحضارية وتاريخية، بين الشعر العراقي والشعر العربي عموماً، لكن هناك أيضاً تمايزات وخصائص وأبعاد خاصة للشعر العراقي، لا يمكن إجمالها هنا، لكن يمكن الإشارة إلى طابعها في ميدان التجريب والتجديد والأصالة والمغايرة، التي طبعت الشعر العراقي، خاصة خلال النصف قرن الماضي. ومع أنني غير مواكب بشكل تفصيلي للمشهد الشعري العراقي، في الداخل خاصة، بحكم عيشي في المنفى، لكنني متأكد من أن الشعر العراقي سيقدم إنجازاً جديداً للشعر العربي لا يقل عن إنجاز رواد الحداثة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وسيعكس، أو سيتمثل التجربة الإنسانية المريرة، التي عاشها العراق والعراقيون”.

وعن قصيدة النثر يبين “جمعة الحلفي”: “القصيدة لا تتخذ اسمها، أو هويتها كقصيدة، إلا من خلال شعريتها، أو قيمتها الإبداعية. فليس كل قصيدة كلاسيكية هي قصيدة جيدة، وليس كل قصيدة تفعيلة هي قصيدة ممتاز. وهذا المعيار ينطبق على قصيدة النثر أيضاً. فأنا عندما أريد الحديث عن قصيدة النثر يقفز إلى ذهني منجز «محمد الماغوط» أو «سركون بولص» أو «إنسي الحاج».. أما ما ينشر من شعر رديء، تحت هذا الاسم، فهذا لا ينتمي إلى قصيدة النثر ولا إلى الشعر عموماً، طبعاً هناك ما يتصل بالذائقة وهذا لا يشمل قصيدة النثر وحدها، إنما كل مدارس وأنماط الكتابة الشعرية، فهناك الآن من لا يزال يعتبر الشعر الحديث أو قصيدة التفعيلة، مجرد بدعة لا علاقة لها بالشعر. وهناك من يعتبر القصيدة الكلاسيكية نوعاً من أيقونة أو انتيكة غير صالحة للتعبير عن الهموم والقيم العصرية. هذه الذائقة ليست مقياساً أو معياراً نقدياً، لهذا أقول هناك قصيدة نثر، عبارة الطلاسم كثيرة عليها، لكن هناك قصيدة نثر جيدة وتستحق اسمها”.

تجاهل الشعر الشعبي..

عبر حور آخر، أجرته معه “تهامة الجندي”، يقول “جمعة الحلفي” عن الشعر الشعبي في الوقت الحالي: “إذا كان السؤال يعني الغياب الإعلامي فهو صحيح نسبياً. إذ باستثناء بعض الأصوات، وهي لا تنشر سوى القليل وبين أوقات متباعدة، يبدو الشعر الشعبي العراقي في الخارج وكأنه بلا حركة ولا حيوية، أما إذا كان السؤال يعني أين موقع الشعر الشعبي الآن، فبوسعي أن أحيلك إلى آخر قصائد «النواب وعزيز السماوي وكامل الركابي ورياض النعماني» وأسماء أخرى، لا تزال غير معروفة. ففي هذه القصائد يمكنك أن تجد الكثير مما يؤكد حضور الشعر الشعبي العراقي، شعرياً وجمالياً ووطنياً، إلا أن الإفتقار إلى فرص النشر والنقد، يجعل من تساؤلك مشروعاً، ثم هناك مفارقة في هذا الشأن، فمن خلال تجربتي الشخصية وجدت أن العرب أكثر اهتماماً واستقبالاً للشعر الشعبي العراقي من العراقيين أنفسهم.. وكأن مطربة الحي لا تطرب، حقاً !!”.

قصيدة حالة عامة

لبس حزنه.. وتيمم بالشهاده وفارگ البيت

تتبعه أمه بصلاة لعتبة الباب

تلفّت بالدرب وتحاشى العيون

ولم بعضه على بعضه وغاب

يبني…

يبني عله المحن صبر اليحبون

يگاوون الجرح عن لا يزلون.

نزع حزنه.. وتيمم بالمحبة وفارگ الروح

وتذكر طيبة أمه وأهله والناس

وزهى بطبعه وصداقاته وصبر زاد

وقره تاريخ همه يشيب الراس

وقره حزنه على كل حيطان بغداد

يبني..

يبني الناس بيها الزين والشين

بيهم يشتري بدمه الصداقات

وبيهم يشتري بدمك نياشين.

نزع گلبه.. وتيمم بالصداقة وشرع العين

وابحر بالحلم يتمرى الأيام

ولگه بحلمه محبة الناس سچين

الوفي تحده وتگص البلوفه يلين

ولگه بحلمه الوطن لو عزت العين

تمطر له السما ويخضر بساتين

وتخضر له الخلايا بطارف الچف

وتطگ دجله وترويله الشرايين

يبني..

يبني الما يشد الناس ع الحيل

يگل ثگله ويخف بأول السيل!

بغداد 1979

توفي “جمعة الحلفي” بالأمس، بعد معاناة مع المرض والغربة.

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب