خاص / كتب : محرر الشؤون الثقافية
منذ أسابيع، يشهد الوضع الصحي للشاعر والمسؤول الصحافي في شبكة الإعلام الحكومية العراقية جمعة الحلفي تحديا دعا إلى نقله للعاصمة اللبنانية من أجل العلاج.
على الفور تصاعدت نداء أصدقائه من كتاب وصحافيين، منتقدة اهمال السلطات العراقية للشاعر الذي “ناضل ضد النظام الديكتاتوري وعمل من أجل التغيير”.
وفي مراجعة لتلك الأصوات والنداءات يمكن تمييز ما يلي:
1- كل منتقدي اهمال السلطة لشاعرها و كاتبها هم نتاج مؤسسات السلطة ذاتها لكن دون أن يجرأون على القول: “سلطتنا فاسدة وجاهلة” لا توفر ما عليها من التزامات بسيطة حيال من عمل فيها وسعى جاهدا إلى تدعيمها، فيتحدثون بطريقة تنسب صفات الجهل والإهمال إلى كائنات مجهولة.
2- نسبة كبيرة من منتقدي اهمال السلطة للوضع الصحي للشاعر الحلفي هم موظفون في تلك السلطة ويتمتعون بامتيازاتها بطريقة تجعل الكثير منهم “موظفين فضائيين” أي إنهم يتقاضون رواتب وامتيازات مالية دون تقديم جهد حقيقي. وهم بذلك غير قادرين على تسمية المسؤولين عن اهمال صديقهم، وبدلا من أن يسموا الأشياء باسمائها والقول ان على شبكة الإعلام ومديرها القيام بالواجب امام مثقف وموظف كبير فيها، رتحوا يكيلون التهم لكائنات مجهولة لا أحد يعرفها، وفي تكرار لجملة “كلهم فاسدون كلهم أميون لا يحترمون المثقف”، وهي جملة تقال من أجل رفع العتب ولا تعني شيئا.
3- بدلا من نقد النظام الحالي العاجز بعد 14 عاما من وجوده في الحكم وتمتعه بمساعدة العالم وبموازنات مالية جبارة، عن اقامة نظام صحي قادر على خدمة المواطنين، راح الحديث يتصاعد عن كيف يكلف علاج الشاعر الحلفي مبالغ كبيرة فيما الرجل فقير ومناضل ونزيه ويؤجر شقة ببيروت تكلفه 900 دولار شهريا.
4- كل الأصوات الثقافية التي قالت موقفها الداعم للشاعر في محنته الانسانية، أجمعت على أن الرجل في موقف لا يسر صديق ولا عدو على الرغم من سيرته الطويلة في النضال ضد نظام البعث وديكتاتورية صدام حسين، لكنها لم تناقش سؤالا مثل :لماذا فشل النظام الذي عمل من أجله الحلفي في الإنتصار لمن دافع عنه بقوة وصار واحدا من رموزه الإعلامية؟ وإذا كان النظام هذا لا ينتصر لواحد من صحافييه الكبار ومناضليه فما حال المواطن العادي مع نظام كهذا؟
تلك الأصوات التي تداولت قضية الوضع الصحي للشاعر الحلفي ردت عليها إبنة الشاعر، زينة الحلفي بقولها في صفحتها على الفيسبوك “أردت أن أكتب هنا، وهو ما يشاركني به بابا، أن بعض ما كتب جاء وكأنه استعطاف للحكومة والجهات الرسمية وحتى الأصدقاء للمساعدة المادية تحديداً، نقدر كل الدعوات المخلصة، ونحب أن نوضح أن الوضع المادي متيسر والحمد لله، مادام والدي موجود بيننا بصحة وعافية ومادمنا أولاده قربه، لن يحتاج لغير المساندة والدعم المعنوي من الاصدقاء جميعاً”.
المهم في ما كتبته زينة الحلفي كان ما عجزت عن قوله الأصوات الداعية في الجسد الثقافي العراقي إلى التضامن مع والدها الشاعر والصحافي، فأوضحت ” هي دعوة للحكومة للاهتمام بالرموز الثقافية والوطنية وتحسين الواقع الصحي في البلد حتى لا نضطر للسفر لدول الجوار”.
إن الحال الصحية والإنسانية للشاعر جمعة الحلفي لتكشف تهافت البنية الفكرية والأخلاقية للمؤسسة الثقافية العراقية الحاكمة، فضلا عن مواقف منافقة لمعظم العاملين في تلك المؤسسة فهم يتنعمون بوظائفها وامتيازاتها وأسافرها وجوازات سفرها الدبلوماسية، وحين ينتقدون فساد النظام الحاكم، ببشكل عام وكلام لا يعني شيئا، يتناسون تماما انهم جزء أساسي لا من مؤسسات النظام بل هم ممثلون حقيقيون لفساده.