8 أبريل، 2024 5:31 م
Search
Close this search box.

جمالية الظاهر والباطن في رواية “امرأة تخشى الحب” للكاتب “مصطفى لغتيري”

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

كتب: عبد الرحيم التدلاوي

صدرت للأديب المغربي مصطفى لغتيري عن دار غاليري الأدب رواية تحت عنوان “امرأة تخشى الحب” في طبعتها الثانية سنة 2019، عدد الصفحات 106 ، و تضم 10 فصول متفاوتة الطول.

المتن الروائي:

تتمحور رواية (امرأة تخشى الحب) حول البطلة ماريا التي عاشت تجربة زواج فاشلة، توجت بالطلاق لتعيش حياة الوحدة، ملأتها تعويضا بتربية إخوتها بعيدا عن زوج مخادع واستغلالي وطماع، مما أسفر عن فقدانها ثقتها في الرجال… ستعرف حياة ماريا الرتيبة تغييرا جذريا بعد المكالمة الهاتفية المصيرية: (هل يمكن لمكالمة بسيطة أن تغير حياة المرء ؟) الصفحة 5 و 96، إذ بعد هذه المكالمة ستخرج من عالمها الصامت والرتيب، ومن قوقعتها التي اختارتها بمحض إرادتها، لتدخل تجربة العشق و استرجاع الذكريات واتخاذ قرارات جريئة وحاسمة، أهمها اعتماد الكتابة كمتنفس وبديل عن خيبات الحب…

تؤرخ الرواية ميلاد كاتبة نسيت نفسها جراء خيبة الزواج  وتضحيتها من أجل أسرتها، وتستعيدها بعد لحظة صحو مصممة على البدء من جديد باعتماد الكتابة سبيلا للخروج من وحدتها عبر التواصل مع قراء مفترضين.

التضاعف النصي والدلالي:

تعتمد رواية “امرأة تخشى الحب” على التضاعف النصي باستثمار اللعبة المرآوية التي تجلي الظاهر والمضمر. فهي تنبني على طبقتين. الظاهر والخفي؛ السطحي والعميق وتمر عبر مصفاة عين ساردة ترصد صراعها النفسي الحاد والذي سيستمر إلي ما قبل النهاية حيث تبين هذه النهاية الخلاص منه باعتماد الكتابة أداة تطهير.

 

تعمل الساردة علي حكي حياتها لقارئ مضمر في ما يشبه سيرة ذاتية بيد أنها سيرة تخييلية تروى بضمير المتكلم يعود على أنثى تسعى إلى فهم نفسها وميولاتها ورغباتها بشكل أوضح وأعمق. وبالتالي الخروج من مأزقها النفسي والوجودي بحل يرضيها ولا يسبب لها أي أذى جسدي ونفسي.

والطبقات المرصودة هي جملة ثنائيات فنية ودلالية؛ فالفنية تكمن في جمع العمل بين الرواية والمسرح وبين الشاعرية والتقريرية.

وتجدر الإشارة إلى أن توظيف المبدع للمسرح وبخاصة التجريبي المعتمد على النخبة والساعي إلى إرباك المتلقي بإخراجه من سلبيته وجعله فاعلا ومشاركا، لم يكن من أجل مناقشة هذا اللون التعبيري فقط، بل كان بهدف التعبير عن تمزق ماريا من خلال إبراز تمزق شخصيات المسرحية المعروضة التي تعيش حالة من التوتر والقلق والحيرة.

والدلالية تكمن في ذلك الصراع النفسي الذي تحكمه الرغبات ويصطدم بالصد.

الساردة تقع بين فكين مفترسين، أو خطرين، واحد متحرك والثاني هامد، الميل لأحدهما أو لكليهما سيقضي عليها؛ والفكان هما كاتبة المسرح رقية المترجلة ومخرجها شفيق زير النساء. وقد عاشت بمرارة هذا الصراع خاصة وأنها خرجت من تجربة زواج مر وفاشل كاد يحطمها لولا دعم أسرتها.

من التضاعف السردي التذكر المزدوج ويظهر ذلك من خلال ألبوم الصور التي سمح باستعادة الماضي وضمنه تذكر ثان للصديقة التوأم.

تبدو الرواية كلاسيكية باعتمادها السرد الكرونولوجي الصاعد باتجاه الانفراج، فالأحداث تسير من نقطة بداية نحو نهاية تنويرية تجعل القارئ يتابعها لاهثا وغير مشارك، لكن الحقيقة أنها تكسر هذا الخيط السردي الناظم بتقنيتين؛ هما تقنية الاسترجاع باعتماد حيلة الألبوم الذي يفتح فجوة في السرد عبر الاسترجاع، وتقنية الاستباق باعتماد الحلم آلية لتحقيق ذلك. مع اعتماد البناء الدائري، فذيل الرواية يمسك بفمها، فتدور الرواية حول نفسها لا تمنح فرصة للساردة كي تخرج من قوقعتها التي رسمتها لنفسها، وحتى تلك المحاولات التي رامت من خلالها الانفتاح على العالم بلقاء المخرج مرة والكاتبة مرة ثانية لم يقدها إلا إلى تقوية قوقعتها، لكنها اختارت الكتابة كخلاص وانفتاح.

وتعتمد الرواية أيضا أسلوب المقارنة لإبراز الاختلاف والجانب النفسي عبر عقد مقارنة بين أبيها وبين طليقها راصدة نقط الاختلاف بين الرجلين؛ فالأول كان منبع الحنان، والثاني كان نبع قسوة وجفاء.

كما اعتمدت أسلوب الاستفهام والتنوير. فالساردة طرحت جملة أسئلة حول المسرح التجريبي معلنة عدم تقبلها لمثل هذا النوع. لكنها وجدت نفسها مشدودة إلي أحداثها ساعية إلي استيعابها. ليأتي لقاؤها بالمخرج بمقهى راق يبتغي تنويرها بإجابات مقنعة عن أسئلتها.

ويحضر هذا الأسلوب ثانية طي حيرتها حول هويتها الجنسية؛ فقد تبلبلت حين لمست رقية بحنان نهديها، وظلت تستعيد تلك اللحظة حتى وهي بغرفتها إذ حرمتها من نعيم النوم، وتلك الاستعادة لم تخل من لذة، جرتها في اليوم التالي إلى طرق باب الكاتبة حتى تتأكد من ميولاتها، وقد خرجت من ذلك المنزل فرحة بعد أن تأكدت أنها على الفطرة السليمة، وأنها لم تجد أي رغبة في تفاعلها مع رغبات رقية. لقد كانت لحظة تنوير قادتها إلى اختيارها النهائي المتمثل في اعتماد الكتابة بديلا لأي علاقة حب.

جرأة الكتابة عبر طرق موضوع المثلية لدى النساء:

في ص 86 تظهر الكاتبة المسرحية ميولاتها الجنسية وهي تستضيف صديقتها الساردة حيث رافق حديثها بنصائح تروم تحصين صديقتها من الرجال وتمد يدها إلي شعرها تمسده بعد حركات تقرب جسدي. ورغم محاولة ابتعاد الساردة إلا أن رقية أصرت علي إبداء رغبتها وسعيها إلى إشباعها عبر تمسيد الشعر فالعنق فالنهدين. وهو ما أربك الساردة وحرك فيها نشوة عبرت عنها بالقول: أحسست إحساسا غريبا لم أحسه من قبل. لكنني تماسكت.. فالتعبير يدل على شعور بالرغبة نابع من حنان مطلوب حرمت منه زمنا أبدته رقية تجاهها وشعرت به الساردة وكانت بحاجة إليه. لقد كانت حركات الكاتبة مدروسة وتعرف كيف تميل الطرف الآخر وجذبه إليها لتحقيق شهوتها.

عودتها إلى منزلها واختلائها بنفسها واستعادة ما وقع لها بمنزل رقية كله يؤكد أن شيئا فيها قد تحرك. لقد تحركت رغبتها الثاوية في أعماقها لتدرك هويتها الجنسية وهو ما أفزعها لتجد نفسها بين نارين، نار رغباتها وبين نار عقلها الصاد. ولن ترتاح من هذا الصراع إلا حين عرفت هويتها الجنسية الحقيقية، وهي تلك الهوية السليمة التي تسير مع الفطرة التي فطر عليها الإنسان السليم، تقول:

لقد أثرت في نفسي لمسة الأستاذة رقية، التي ربتت على نهدي . فزعزعت ثقتي بنفسي، حتى توهمت أنني قد أكون ذات ميولات سحاقية، لكن بعد هذه الأمسية الغريبة تأكدت أن الأمر مجرد حالة ذهنية اخترقتني في حالة ضعف. ربما لأنني أعيش فراغا عاطفيا مقيتا، فكانت عواطفي عرضة للتلاعب..

استحضار التاريخ:

يستحضر المبدع التاريخ المعاصر طي روايته حيث يتحدث عن الربيع العربي بعامة وعن حركة 20 فبراير وما أفرزته من تغييرات بخاصة. وهو باستحضاره لهذا التاريخ الطازج يبغي من ورائه انتقاد الظلم ونبذ الاستغلال وإحلال العدل والمساواة.

جاء ذلك بعد أن استعادت الساردة نشاطها فشغلت التلفاز لمعرفة مستجدات الأخبار. أي أن ما جاد به التلفاز من أخبار جاء بين الحلم واستعادته.

تاريخ يتغيا تكسير تصاعد أحداث الزمن الروائي الحابل بالصراعات؛ والنفسية بالأخص. يتلون بتلون الحياة؛ صراع بين الحلم والواقع، بين الخيالي والتسجيلي، وبين الداخل والخارج، وبين الرغبة والمنع، وبين العقل والنفس.. مما يمنحنا لوحة زمنية وفنية غنية بدلالاتها وتنوعها وصورها. كما قال الناقد محمد داني.

رواية “امرأة تخشى الحب” رواية من الحجم الصغير، لكنها تقول الكثير والعميق، وتتناول موضوعات آنية وحارقة، ولا تخشى من طرق الممنوع، بلغة بسيطة وسليمة ورشيقة وجريئة في غير إسفاف، لا تتعالى على القارئ ولا تنحط إلى درجة السقوط في المعجم الخادش للحياء.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب