20 مايو، 2024 12:30 ص
Search
Close this search box.

“جلسة لاستحضار الأرواح” قصة قصيرة 

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب: أمين الساطي

بعد أن حصلت على شهادتي في الجغرافيا من جامعة دمشق، انضممت إلى آلاف المتعطّلين عن العمل، الذين ينتظرون فرصة لتوظيفهم في الحكومة أو المدارس الرسمية. اكتشفت خلال هذه الفترة بأن الفيسبوك هو أفضل طريقة لابتلاع الوقت. اشتركت فيه، وكتبت على صفحتي بأني معالج روحاني للفت انتباه المشتركين. إنه عالم افتراضي مسموح فيه لكل شخص، أن يتقمّص الشخصية التي كان يحلم أن يكوّنها في حياته الطبيعية. أصبح الفيسبوك عالمي الخاص، أعيش في داخله وفقاً لرغباتي، وبنيت جداراً إسمنتياً بيني وبين العالم الخارجي الحقيقي.

في أحد الأيام استلمت رسالة على المسنجر من بنت اسمها غادة، تبدو صورتها على صفحتها بالفيسبوك، بأنها صبية مراهقة تفيض بالأنوثة، طلبت مني أن أساعدها للتواصل مع أمها التي توفيت منذ قرابة ثلاثة أشهر بحادث سيارة، فوجدت نفسي مدفوعاً برغبة جنسية جارفة لمعاونتها، قمت بشراء كتاب مشهور عن السحر اسمه شمس المعارف الكبرى، بعد أن قرأته شعرت بأنني أصبحت جاهزاً للقيام بالمعجزات.

حاولت أن أقنعها أن تحضر إلى المنزل الذي أقيم فيه، لكنها رفضت، واقترحت عليَّ أن يجري تحضير روح أمها في منزل صديقتها فرح، ولم يكن أمامي سوى الموافقة حتى لا أخسرها. في الموعد المحدد ذهبت إلى عنوان بيت صديقتها، وكان أهلها غير موجودين بالمنزل. بعد أن أدخلتني فرح إلى غرفة الضيوف، نظرتُ إلى وجهها، فأحسستُ بأنها أجمل بألف مرة من صديقتها، لذلك قررت أن تكون هي الوسيطة لاستحضار الروح، وتخيلت أنه بإمكاني التفرّد بها بنهاية الجلسة.

أسدلنا ستائر الشبابيك، لكي تكون الغرفة معتمة قدر الإمكان، وأحضرنا كأساً من الماء ورغيفاً من الخبز، وضعناهما على الطاولة في زاوية الغرفة، وأشعلت شمعة حمراء كنت قد جلبتها معي لاستضافة الروح، ثم طلبت من صاحبة البيت الجلوس على الكرسي في منتصف الغرفة، حذرتها أن أي حركة مفاجئة قد تقوم بها قد تؤدي إلى موتها، لكي يسهل عليّ التحكم فيها. أخذت كتاب شمس المعارف ووضعته على رأسها، فتحت الفصل المتعلق باستحضار الروح، وبدأت أقرأ الطلاسم الموجودة فيه، من دون أن أستوعب معانيها، بعد قليل تغيّر شكل وجهها، وتحول لونها إلى رمادي فاتح، وجحظت عيناها، فأدركت أن الجنّي الشيطان الذي كان قرين أم صديقتها، قد استجاب لدعوتنا، وحضر الجلسة، ودخل إلى جسم الوسيطة.

أخذت غادة تبكي، وهي تسأل أمها عن أحوالها، وتعبر لها عن شوقها إليها، كان القرين يجيبها بصوت يقلّد فيه صوت أمها، ليقنعها بأنه أمها الحقيقية، وطال الحديث لأكثر من ربع ساعة، كنت أراقب خلالها بطرف عيني وجه الوسيطة، حتى ظهر عليه الإعياء، ومال لونه إلى الاصفرار. قررت أن أتدخل وأطرد الشيطان من جسم الفتاة، أخذت أقرأ التعويذة المتعلقة بطرد الجنّي وإنهاء الجلسة، لكن المفاجأة أن الجنّي لم يتأثر من سماع هذا الطلسم، وظل مستحوذاً عليها، ربما لأنني لم ألفظ التعويذة بالشكل الصحيح، أو لعلها قد أعجبته، فقرر أن يظل متلبساً بها.

بدأت يداها وساقاها بالارتعاش، وقامت بنفض ساقيها إلى الأعلى، فخطر لي أن أمسكهما لتثبيتهما، لكن التشنجات كانت قوية، بحيث لم أستطع السيطرة عليهما. خفتُ أن تؤدي هذه النوبة إلى أعراض خطيرة، وخصوصاً بعد أن شاهدت الزبد يخرج من شفتي فمها، أنشلت حركتي، ولم أعد أعرف ماذا أفعل.

طلبتُ من غادة أن تجلس على حضنها بالكرسي لمحاولة شلّ حركتها، أو على الأقل للتخفيف منها. خلال ذلك ضغطت بقوة على طرفي فم فرح، فانفتحت شفتاها قليلاً لأساعدها على تنفس الهواء. التفتُّ بوجهي، فهالني منظر غادة، لقد بدأت هي الأخرى ترتعش وتنفض يديها ورجليها بحركات تكرارية متسارعة، ثم انقلبت عيناها، وبدأتْ بالتقيّؤ، ولم تعد مدركة لما يجري حولها، أدركت في هذه اللحظة أن شيطاناً ثانياً قد تلبّسها أيضاً.

تحت تأثير هذا الجو المرعب المشحون بالمرارة والخوف من أن يتلبسني شيطانٌ ثالثٌ، شعرت بتوتر وضغط  لا يوصف، وأحسست أني على أبواب انهيار عصبي، فركضتُ باتجاه الباب تاركاً المنزل والفتاتين لمصيرهما.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب