خاص: قراءة – سماح عادل
في دراسة بعنوان (ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل الرسمي والتمييز ضدها في الأجر) للباحثة “أميرة الحداد” وهي مدرسة الاقتصاد- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، وقد أجرتها لصالح مركز البحوث الاجتماعية، الجامعة الأمريكية بالقاهرة والذي تم إنشاء مركز في ١٩٥٣. تستهدف هذه الدراسة إلقاء الضوء على والبحث عن حلول لمشكلتين مزدوجتين تواجهان المرأة المصرية، وهما ضعف مشاركتها في القطاع الرسمي والتمييز ضدها في الأجر. وبالتالي تبحث هذه الدراسة كيفية النهوض بنسبة المرأة التي تعمل بأجر في سوق العمل المصري الرسمي بوجه عام وفى القطاع الخاص بوجه خاص، وثانيًا البحث عن كيفية للتخلص من كافة أشكال التمييز ضد المرأة وبالأخص التمييز ضدها في الأجر وبالذات في القطاع الخاص. والجدير بالذكر أن هذه الدراسة قد أجريت في 2009 لكن مازال نصيب المرأة في العمل الرسمي والقطاع الخاص ضئيل بل وتقل نسبته أيضا.
تدني المشاركة في سوق العمل..
تؤكد الدراسة على أن المشكلة الأولى تتمثل في تدنى نسبة مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل الرسمي، حيث بلغت ( ١٩ %) ٢٠٠٧ من إجمالي التشغيل في الجمهورية، والذي بلغ ٢١,٧ مليون في ٢٠٠٧، وتتدنى هذه النسبة في القطاع الخاص على وجه الخصوص حيث بلغت ١٦ % فقط مقابل ٢٦ % في قطاع الأعمال العام والقطاع الحكومي، الأمر الذي يؤكد تركز المرأة المصرية بالقطاع الأخير (العام والحكومي) بدرجة نسبية أكبر، والذي أدى بدوره لما عرف بظاهرة تأنيث القطاع الحكومي.
ففي حين بلغ تشغيل الذكور في القطاع الخاص الرسمي ١٢,٦ مليون في ٢٠٠٧ كان هناك أقل من ٣ مليون ( ٢,٩ مليون) امرأة بالمقابل. وعلى الرغم من التركز النسبي الأكبر للإناث في القطاع غير الخاص، إلا أن أعداد التشغيل الإجمالية للذكور ( ٤,٥ مليون) أكثر من ضعف تلك الخاصة بالنساء ( ١,٨ مليون بواقع ال ٢٦ % المذكورة بأعلى) في ذات القطاع. ويترتب على انخفاض مشاركة المرأة في القطاع الرسمي الارتفاع النسبي لمشاركتها في القطاع غير الرسمي أو ما يعرف بالاقتصاد التحتي. وأهم ما يميز هذا القطاع عدم تمتع العاملين به بالحماية القانونية والاجتماعية مما يزيد من هشاشتهم.
التمييز في الأجر..
أما المشكلة الثانية فتتلخص في التمييز ضد المرأة في معدلات الأجر وعلى الأخص في القطاع الخاص. فعلى الرغم من تركز النساء في المهن التي تقع في أسفل السلم الوظيفي، خاصة في القطاع الخاص، مما قد يبرر حصولها على أجور تقل عن تلك التي يحصل عليها الرجال، إلا أن دراسة (الحداد، ٢٠٠٩ ) أوضحت أن النساء يحصلن على أجور أكثر انخفاضا عن الذكور بسبب التمييز القائم على النوع.
إن المرأة المصرية تحصل على ما يعادل ٧٠ % فقط في المتوسط مما يحصل عليه الرجل الذي يتمتع بنفس خصائصها. ولا ترجع الفجوة في الأجور بين النساء والرجال إلى تمتع الرجال بمهارات أعلى أو مستويات أكثر تقدمًا من التعليم مثلا، فقد خُلصت الدراسة إلى تلك النتيجة بعد التحكم في كل هذه المؤشرات. أي أن المبلغ المقتطع من المرأة يعد فجوة “غير مبررة” في الأجر وانعكاسًا للتمييز النوعي ضد المرأة. والجدير بالذكر أن هذه الفجوة الغير مبررة قد تزايدت عبر السنوات.
هذا ويشير اتساع فجوة الأجر بين النساء والرجال بعد تطبيق برنامج الخصخصة وتقلص حجم القطاع العام والحكومي في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي لعام ١٩٩١، إلى أن التأثير السلبي لتنامي دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي قد امتد إلي النساء بدرجة أكبر نسبيًا منه للرجال. ويعكس ذلك الاتجاه نحو تفشى عدم العدالة النوعية في مصر، في حين أن العالم المتقدم يتجه باتجاه إزالة عناصر التمييز غير المبرر ضد المرأة.
عزوف المرأة عن العمل..
أسباب عزوف المرأة ذاتها عن الالتحاق بسوق العمل هي الالتزامات المجتمعية والعائلية للمرأة، والتي تتعارض مع متطلبات العمل في القطاع الخاص، فثقافة العمل وظروفه في القطاع الخاص قد تتطلب العمل لأوقات متأخرة ولساعات طويلة، مما يتعارض مع الأدوار الاجتماعية الأخرى للمرأة والتي ُتثقل كاهلها في أي مجتمع و على الأخص في مجتمعاتنا الشرقية. يترتب على هذا التعارض عزوف القطاع الخاص عن تشغيل المرأة.
وذلك فضلا عن عدم توافر الخدمات اللازمة والتي تسهل على المرأة التوفيق بين احتياجات البيت والعمل: كالمواصلات ودور الحضانة التي يمكن للمرأة الوثوق بها وتحمل نفقاتها، كالتي توفرها الدول الاسكندينافية وعلى رأسها السويد و النرويج.
أيضا هيكل الحوافز الذي يواجه العائلة المصرية والثقافة والتقاليد الاجتماعية المكبلة للمرأة، ومن أهم هذه الحوافز ضعف العائد الاقتصادي والاجتماعي لدخول المرأة سوق العمل، بالمقارنة بالعائد المادي والاجتماعي لدخولها سوق الزواج. فبالنسبة للعديد من شرائح المجتمع وبالذات الشرائح دون المتوسطة (معظم العائلات بالريف ومقابلها بالحضر)، يتوقع الآباء زواج الفتاة وبقائها في المنزل مما يجعلهم يقيمون وزنًا أكبر بكثير لتعلم الفتاة مهارات الأعمال المنزلية بدلا من مهارات سوق العمل. ويعزز هذا التوقع ضعف القدرة الاستيعابية لسوق العمل المصري بوجه عام، وضعف العائد المادي الذي يقدمه وبالذات للفتاة.
فدور المرأة الأساسي يتمثل في المنزل ورعاية الزوج والأبناء بغض النظر عن مستوى تعليمها أو مهاراتها أو قدراتها الأصيلة التي وهبها الله لها، والتي قد تتفوق في بعض الأحيان على العديد من الرجال المشاركين في سوق العمل. وحتى إذا استلزم الوضع الاقتصادي للأسرة مشاركة المرأة للرجل في سوق العمل تظل مسئولية المنزل في أنظار بقية أفراد الأسرة والمجتمع، واقعة علي عاتق المرأة وحدها، الأمر الذي يمثل إجحافًا كبيرًا في حقها.
وتتضخم هذه الآراء في الريف بل وتمتد إلى حرمان المرأة من الحصول على الفرص المتكافئة في التعليم والتدريب، مما يقضى على فرصتها بالكامل في الولوج إلى سوق العمل الرسمي (في عام ٢٠٠٥ بلغت نسبة الأمية للمرأة٤٠ %) أكثر من ضعف مثيلتها للرجل ( ١٧ %). فإذا ما استلزمت المرأة ظروفها السعي وراء الرزق لم تجد أمامها إلا أسواق العمل غير الرسمية، والتي لا توفر الضمانات القانونية والاجتماعية كتلك المتوفرة في الأسواق الرسمية.
وفى حال حصول المرأة على التدريب ودخولها سوق العمل فيشمل التدريب النوعيات التي يفضلها “المجتمع وتفضلها الأسرة”. يندرج تحت هذا النوع من التدريب التعليم التجاري (سكرتارية)، وفى إطار التعليم الفني يشمل هذا النوع مثلا التدريب على مهن الحياكة. وبالتالي تتركز عمالة المرأة في المهن التي تنخفض معدلات الأجور بها.
عزوف القطاع الخاص..
أسباب عزوف القطاع الخاص عن الاستعانة بخدمات المرأة في سوق العمل: القيود التي يفرضها قانون العمل ذاته، قانون العمل الموحد رقم ١٢ لعام ٢٠٠٣، على منشآت القطاع الخاص. ومنها عدم انتظامها في العمل بالمقارنة بالرجل نتيجة لالتزاماتها المتعددة. أما العامل الأهم فهو قانون العمل ذاته والذي يُلزم صاحب العمل بإعطاء العاملة التي أمضت عشرة أشهر في الخدمة أو أكثر إجازة وضع مدتها تسعون يوما بتعويض مساو للأجر الكامل، تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه بحد أقصى مرتين (مادة ٩١ ). وذلك فضلا عن فترات الرضاعة المدفوعة الأجر المقررة خلال الثمانية عشر شهرا التالية لتاريخ الوضع بواقع نصف ساعة مرتين يوميًا يمكن دمجهما مادة ٩٣ ). كما يكون للعاملة في المنشأة التي تستخدم خمسين عاملا فأكثر الحق في الحصول على إجازة بدون أجر لمدة لا(تتجاوز سنتين وذلك لرعاية طفلها، ولا تستحق هذه الإجازة لأكثر من مرتين طوال مدة خدمتها مادة ٩٤).
وأخيرًا فإن المادة ٩٦ ُتلزم صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارا للحضانة، أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات بالشروط والأوضاع التي تحدد بقرار من الوزير المختص.
مما يترتب عليه، واحد من أمرين: التحايل على هذه القوانين من خلال عدم توقيع عقد رسمي مع المرأة العاملة، أي عدم تسجيل العاملات رسميًا في مكتب التأمينات الاجتماعية وبالتالي أيضا في وزارة القوى العاملة والهجرة. أو العزوف بالمرة عن تشغيل المرأة.
فجوة الأجر النوعية..
فجوة الأجر النوعية ما الذي يدعمها؟ والتي يظهر فيها جليًا تمييز الرجل “غير المبرر” أي الذي لا يرتكز على تمايز الرجل في مستوى التعليم أو الخبرات أو المهارات، أما فجوة الأجر تنشأ في ظل توافر مجموعة من الشروط: توقعات متدنية للمستوى الأدائي للمرأة، وتوقعات المرأة ذاتها لأجور أكثر انخفاضًا من الرجل. وعلى الرغم من النص الصريح للمادة ٣٥ من قانون العمل عن حظر التمييز في الأجور بسبب اختلاف الجنس، إلا أن قنوات هذا التمييز متعددة.
أولها التمييز في الأجر ليقين صاحب العمل في بقاء هذا الوضع سرًا وعدم انكشاف تمييزه في الأجر، وتليها حالات المساواة في الأجر ولكن التمييز في المدفوعات الأخرى كالعلاوات والحوافز. أما أهم قنوات التمييز فهي تلك التي توجد عند نقطة الدخول إلى سوق العمل. فقد يفضل صاحب العمل تعيين الرجال في درجات الوظيفة العليا وينأى بالدرجة نفسها عن المرأة حتى وإن تماثلت مستويات التعليم والخبرة، الأمر الذي يؤدى بدوره إلى التمييز في الأجر. ويدعم هذا الوضع عدم وجود نص صريح في قانون العمل الموحد لعام ٢٠٠٣ يؤكد على حظر التمييز في التعيين بوجه عام وفى المسمى الوظيفي والدرجة الوظيفية بوجه خاص بسبب اختلاف الجنس.
التوصيات..
انتهت الدراسة إلى بعض التوصيات فيما يخص زيادة مشاركة المرأة في أسواق العمل الرسمية، مؤكدة على أن بدائل السياسات يكمل بعضهما البعض، فتعديل القانون للقضاء على التمييز النوعي سواء في الأجر أو في التعيين أو في المسمى الوظيفي أو في الدرجة الوظيفية وكذلك التخفيف من عبء تعليم الفتاة من خلال توفير التحويلات النقدية أو العينية، بالإضافة إلى توفير القروض الميسرة لمجموعات النساء للبدء في الأعمال تقدم كلها حافزًا اقتصاديا لولوج المرأة أسواق العمل الرسمية. وتتطلب هذه البرامج تعبئة الموارد النقدية بدرجات متفاوتة كما تتطلب الموارد البشرية المخلصة لإدارتها. كما انه لا مجال لنجاح سن تشريع حظر التمييز النوعي بكافة أنواعه في غياب قوى الإلزام، والإعلام بكشفه عن حالات التمييز في الأجر، وخرق القانون مع التزام القطاع الخاص والوزارات المعنية بتحري الشفافية.
وتؤكد الدراسة أنه سيمثل الدافع للالتزام بالقانون. وبالإضافة لما يؤدى إليه حظر أشكال التمييز السابقة من تغيير سلوك القطاع الخاص حيث يصبح في صالحه رفع رفاهة المرأة العاملة عنده، فإن تشجيع الدولة للقطاع الخاص بتحملها جزءً كبيرا من تكاليف تشغيل المرأة،عن طريق الإعفاءات الضريبية مثلا، وتوفير مناخًا داعمًا لعملها، مما يعزز بدوره رغبتها هي في اختراق سوق العمل، يحفز القطاع الخاص على تشغيلها. كل ذلك سوف يدعمه الجهد الدؤوب من قبل المؤسسة الدينية والتعليمية والإعلامية لتغيير الثقافة المجتمعية السائدة والخاصة بعمل المرأة.