22 ديسمبر، 2024 4:32 م

“جريمة في رام الله”.. تخدش حياء السلطة الفلسطينية

“جريمة في رام الله”.. تخدش حياء السلطة الفلسطينية

عرض – سماح عادل :

تتميز رواية “جريمة في رام الله” للكاتب عباد يحيي أنها تفضح تردي المجتمع الفلسطيني، من خلال ثلاث أبطال ضد، هم “رؤوف، نور، وسام”، يشعرون بالإغتراب في مدينة “رام الله”.

تكسير “التابوهات”
تحطم الرواية تابوهات كثيرة، أهمها تابوه الزعيم المنزه عن أي أخطاء، والذي أصبح مقدساً، فقد سخرت الرواية على لسان أحد أبطالها “نور”، من ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية الأسبق ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية “فتح” والذي يعتبره معظم الفلسطينيون أيقونة للنضال، وجاءت السخرية رمزية قصد بها معاني كثيرة منها الخضوع التام لسلطته من قبل باقي رجاله.

سخرت الرواية من حركة فتح ممثلة في زعيمها.. وأيضاً ذكرت في القسم الخاص بسرد البطل الأول “رؤوف” إنتقادات كثيرة للنضال المدفوع الأجر الذي لهى بعض المزارعين عن رعاية أراضيهم، ومنحهم تميزاً ما عن باقي أفراد الشعب، وفي القسم الخاص بالبطل الثاني “نور” إنتقدت الرواية حركة حماس، من خلال حكي البطل عن أسرته التي ينتمي لها، وسعي زوجة أخيه إلى تزويج الشباب لتقوية الحركة من الداخل، كما وانتقدت الفوضى الأمنية في القسم الثالث من الحكي.

ملاحقة النائب العام
تكمن قيمة الرواية في أنها كسرت تابوهات السياسة والجنس المقدسة لدى المجتمعات العربية عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة، لذا اتفق عليها طرفا النظام الفلسطيني الحاكم، الذي دمر إختلافهما الشرس وحدة المقاومة الفلسطينية وتماسكها، فصادر الرواية النائب العام التابع للسلطة الفلسطينية وأمر أيضاً بملاحقة الكاتب والناشر، كما أعلنت وزارة الثقافة في غزة، والتابعة لسلطة “حماس”، عبر بيان صريح تأييدها لمنع الكتاب، مؤكدة على أن نشر الكتاب يعتبر جناية.

“رؤوف”
“جريمة في رام الله” رواية، تتكون من 237 صفحة من القطع المتوسط إصدار عام 2017 من منشورات المتوسط، تحكي عن أبطال ثلاث، يبدأ الحكي بـ”رؤوف” الذي يجعله إقترابه الأول من المرأة يتشتت ويغير مساره، فيتحول من طالب جامعي مغترب يعيش في سكن مشترك إلى شاب يسعى إلى تقوية ذاته بالعمل والإستقلال المادي والمعنوي، ثم وبعد صراع ذاتي يحكيه الكاتب بضمير المتكلم يتمرد فيه على أسرته ويعمل في مركز أبحاث متواطئ مع السلطة وفاسد، ثم يعمل في بار ويتعرف على العالم الخارجي بكل تفاصيله.. ليكتشف “رؤوف” أن وهم تعلقه بإمرأة لم يرها سوى مرة واحدة يتلاشى ويعود لدراسته الجامعية.

“نور”
ثم البطل الثاني الذي تعطيه الرواية المساحة الأكبر في الحكي “نور/صهيب”، فتى يعاني صراعاً داخلياً شرساً بسبب ميله الجنسي المثلي.. يتصالح فترة مع ميله الجنسي المنبوذ من المجتمع بإقترابه من “رؤوف” والدخول معه في علاقة حب عاطفية أكثر من كونها علاقة جنس، ثم يعود لتفتته بعد هجر “رؤوف” له، ويعاني إضطهاداً أمنياً بسبب ميله الجنسي ويتورط في إتهام في جريمة قتل.. ثم تنحل مشكلته برحيله إلى فرنسا وعثوره على الحب من خلال شاب فرنسي “أرنو” ينقذه.

الرواية لا تقدم وجهة نظر “رؤوف” في علاقته بـ”نور” ولا تقدم تبريره لهجره ويظل “رؤوف” غائباً للنهاية.

“وسام”
ثم تحدث جريمة شرف، نفهمها من سياق الحكي دون تصريح، وتكون تلك الجريمة مأساة البطل الثالث “وسام”، والذي لا يستطيع تجاوزها فينتحر بعد صراع ذاتي طويل يلوم فيه نفسه لأنه لم ينقذ حبيبته بعد طعنها على يد مجهول.

حالة من الإغتراب
الرواية تعكس إغتراب فئة من الشباب الفلسطيني، الذي لم يجد نفسه في نضال فقد معناه من خلال إندماج أعضاء المقاومة الفلسطينية في عمليات التفاوض والإنقسام والمساومة، وتكشف تردي المجتمع بسبب ذلك ووقوعه فريسة للرجعية وجرائم الشرف ونبذ الآخر.

وأبرز دليل على هذا التردي، منع الرواية من التداول داخل فلسطين بأمر سلطوي ومهاجمتها بشراسة تحت إدعاء أنها تخدش الحياء، في حين أن السبب هو مهاجمتها للنظام السياسي وضعفه.

في الرواية تبدأ أقسام الحكي بمقتطفات توثيقية إنتقائية تكشف تردي العالم كله أيضاً.

يقول الكاتب اللبناني “إلياس خوري”، في عرض دفاعه عن الرواية، لصحيفة القدس: “هذه السمة العامة التي تجد في كلمة التفاهة عبارتها الملائمة، تمتد على مجمل الحياة الثقافية العربية، من رواية أحمد ناجي “إستخدام الحياة” التي صودرت في مصر وزج بكاتبها في السجن، إلى رواية “جريمة في رام الله”.. حيث يجري عزل مسألة حرية التعبير عن إطارها، بصفتها جزءاً من معركة الحرية في المجتمع، فالمسألة ليست ثقافية أو إجتماعية فقط، والقضية ليست خدش الحياء العام عبر إستخدام كلمات جنسية كما يشاع ويقال، المسألة سياسية أولاُ.. في فلسطين ومصر وسوريا ولبنان وجزيرة العرب وإلى آخر خريطة هذا العالم العربي المرمي في عتمة الإحتلال والقمع والوحشية، عبّرت الحرية عن نفسها بأشكال متعددة، وصلت إلى ذروتها في الإنتفاضات الشعبية التي عمت بلاد العرب مطالبة بالحرية والخبز والعدالة. وما تكالب الإستبداد والأصولية على قمع هذه الحرية التي ولدت وسط الألم والدماء، إلا تعبيراً عن رعب الإستبداد وآلاته القمعية من الغضب الشعبي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة