14 مارس، 2024 12:13 ص
Search
Close this search box.

جريتا جاربو.. المرأة الغامضة التي تميزت بالسحر وعانت من الوحدة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“جريتا جاربو” ممثلة سويدية اشتهرت في السينما الأمريكية في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته.

حياتها..

ولدت “غريتا لوفيسا غستافسون” في “سودرمالم” بمدينة “ستوكهولم” السويدية، وكانت أمها هي “آنا لوفيسا”، تعمل في مصنع مربّى، وأبوها “كارل ألفريد غستافسون”. وكانت هي ثالثة الأولاد وأصغرهم، بعد أخيها سفين ألفريد، وأختها ألفا ماريا.

تقابل والداها في ستوكهولم، إذ كان أبوها قادما من “فريناريد” ليحقق استقلاليته، وعمل منظِّف شوارع وبقالا وعاملا في مصنع ومساعد جزار. تزوج “آنا” التي قدمت من “هغسبي”. كانت الأسرة في فقر مدقع، تعيش في شقة من ثلاثة حجرات باردة المياه في 32 “بليكنيغاتان”. ربّيا أولادهما الثلاثة في حي من أفقر أحياء الطبقة العاملة.

وقالت “جريتا” عن ذلك: “ما كان أشد رماديتها تلك الليالي الشتائية الطويلة. يكون أبي جالسا في ركن، يخربش شخصيات على جريدة. وفي الناحية الأخرى من الحجرة أمي تصلح هدوما بين تنهيدة وأخرى. ونحن الأطفال نكون في تسامر مهموس أو جلوس صامت. كان القلق يملأ نفوسنا، كأن الهواء مكهرب. لا تنسى تلك الليالي فتاة حساسة. كانت البيوت حيث عشنا سواء في الشكل، يقابلها في القبح كل شيء محيط”.

كانت “جريتا” طفلة خجولة غارقة في أحلام اليقظة. كانت تكره مدرستها، وفضلت اللعب بمفردها. وكانت قائدة بفطرتها، واهتمت بالمسرح. فقادت أصحابها في ألعاب وأداءات من خيالها، وكانت تتطلع أن تصبح ممثلة. ثم شاركت في مسرح هواة مع أصحابها، وكانت تتردد على مسرح “موزاباكه”. تخرجت في مدرستها وهي في الثالثة عشرة، وعلى عادة البنات حينئذ لم تلتحق بمدرسة ثانوية. ونتج عن هذا إصابتها بعقدة نقص وفقا لكلامها.

في شتاء 1919 تفشت في “ستوكهولم” الإنفلونزا الإسبانية، وأصيب أبوها الذي كانت علاقتها به وثيقة، وفقد عمله، ودخل مستشفًى ليتلقى علاجا أسبوعيا. وفي 1920 مات حين كانت في الرابعة عشرة.

الفن..

البدايات (1920- 1924)..

كانت “جريتا” تعمل فتاة صابون في محل حلاقة، أي  تغسل وجوه الزبائن بالصابون قبل الحلاقة، قبل أن تعمل في مول في قسم القبعات النسائية. ثم صممت قبعات لكتالوج المتجر، ثم عملت عارضة أزياء، وهو عمل أكثر ربحا. وفي عام 1920 اختارها مخرج إعلانات المتجر لتؤدي أدوارا إعلانية لملابس نسائية. وعرض أول إعلاناتها التجارية في 12 ديسمبر 1920. وفي 1922 لفتت نظر المخرج “إريك آرثر بِتشلر”، فمنحها دورا في فيلمه الكوميدي القصير “بيتر ذا ترامب”.

من عام  1922 إلى 1924 درست في «مدرسة المسرح الدرامي الملكي التمثيلية» في ستوكهولم. وفي 1924 اختارها المخرج الفنلندي “موريتز ستيلر” لتلعب دور البطلة في فيلم “غوستا برلينز ساجا” وهو فيلم درامي مستوحى من الرواية المشهورة التي كتبتها “سلمى لاغرلوف” الحائزة على جائزة نوبل، ومثلت “جريتا” إلى جانب الممثل “لارس هانسون”. أصبح “ستيلر” مرشدها، ودربها على التمثيل، وأشرف على كل نواحي حياتها المِهنية. وبعد دورها في فيلم “غوستا” مثلت في الفيلم الألماني “دي فرويدلوسه غاسه” عام 1925 الذي أخرجه “جورج پابست” وشاركتها في تميله “آستا نيلسن”.

هوليوود..

أول عقد لها مع “لويس ماير”، الذي كان حينئذ نائب رئيس شركة “مترو غولدوين ماير” ومديرها العام. حيث كان “فكتور سيستروم” مخرجا سويديا في “مترو غولدوين ماير”، وكان صديقا ل”ستيلر”، فشجع “ماير” على مقابلته في رحلة إلى برلين. وكان “ماير” دائم البحث عن موهبة جديدة، وكان مهتما ب”ستيلر”. وعرض عليه التعاون، لكن “ستيلر” اشترط أن تكون “جريتا” جزء من أي عقد يتفق عليه، ورفض “ماير” في البداية، ثم شاهد فيلم “غوستا برلينج” في عرض خاص. وانبهر بجاذبية “جريتا”، وصار اهتمامه بها أكبر من “ستيلر”.

وفي عام 1925 كانت أولى خطوات “جريتا” في هوليود، ومثلت في عدة أفلام في أدوار صغيرة، ثم توفى أستاذها “ستيلر”. ثم حالفها الحظ وقامت بأحد الأدوار الرئيسية في فيلم “Stream”. وبعد أول نجاح صاخب في هوليوود، أصبحت ممثلة معروفة.

في الثلاثينيات من القرن العشرين، حصلت على فرصة تمثيل دور البطلة الشهيرة ل”ليو تولستوي” – “آنا كارنينا”، ولعب دور الراقصة والجاسوسة الشهيرة “ماتا هاري”. وقد برعت “جريتا” في أدوار النساء المهيبات اللواتي يعشن بالمشاعر. وقد أعجب الناس بشخصية “مارجريت غولتيير” التي قامت بأدائها، في فيلم “سيدة الكاميليا”، والمقتبسة من مسرحية “ألكسندر دوماس”، واعتبر الفليم واحدا من الأفلام الكلاسيكية الفاتنة، ولقد ترشحت “جريتا” في هذا العمل لجائزة الأوسكار.

قال عنها المصور الإنجليزي الشهير “سيسيل بيتون”: “الالتواء الخفيف لرأسها يحتوي على الجوهر الكامل الذي لا تستطيع هوليوود تدميره”. ويقول: “سفين برومان” مؤلف كتاب “محادثات مع جريتا غاربو”: “يعتقد خبراء التصوير الفوتوغرافي الأمريكيون أن وجه جاربو فريد من نوعه، كان مثاليا تماما. المسافة بين عينيها، ارتفاع جبهتها، شفتيها، كانت مثالية تمامًا. حتى أن الكاتب “تينيسي ويليامز” قارن جاذبية جاربو الجذابة بـ “السحر البارد لحورية البحر”.

الاعتزال..

أعلنت “جريتا جاربو” حين كانت في عمر 36  أنها ستعتزل التمثيل في الأفلام، وظلت على مدار 49 عاما من حياتها محافظة على قرارها، احتار جمهورها من اعتزالها وهي في أوج الشباب وكان الصحفيين يتوسلون إليها لإجراء مقابلة، لكنها عاشت حياة هادئة في منزلها في “مانهاتن”. ولم تحضر عشاء خاصا لمعارفها إلا من حين لآخر،  وكانت أحيانا تقضي عطلتها في أوروبا مع أصدقاء قدامى، من بينهم “جورج شلي وسيسيل دي روتشيلد وأرسطو أوناسيس”. لكن معظم حياتها ظلت سرا غامضا.

يذكر أن”جريتا” بدأت مسيرتها في التمثيل السينمائي كممثلة أفلام صامتة. وكانت ساحرة بكل بساطة، كانت كل حركاتها ولغة جسدها وتعبيرات وجهها دقيقة بشكل لا يصدق ومعبرة بشكل معتدل. ولكن في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، حدثت ثورة في هوليوود، فقد حل الصوت محل السينما الصامتة. بعد ذلك، فقد العديد من الممثلين في العقود الماضية شعبيتهم السابقة وطلبهم في المهنة، واتضح أن أصواتهم الحقيقية لا تتوافق على الإطلاق مع شكلهم الخارجي.

لكن بالنسبة ل”جريتا جاربو” كانت تتمتع بصوت منخفض لطيف مع بحة طفيفة في الصوت، والتي كانت متناغمة مع صورتها الضعيفة والحسية، لذلك كان التطور الذي حدث للفيلم السينمائي في صالحها. وكان من الممكن أن تلعب دور البطولة في عشرات الأفلام المختلفة، لكن  في عام 1941، عندما انتهى عقدها مع MGM، قالت الممثلة، كما لو كانت تحلم بفعل ذلك لفترة طويلة، للمنتجين: “أريد أن أكون وحدي”. بعد ذلك ، خرجت من بوابات الأستوديو، ولم تعد مرة أخرى.

الزواج..

لم تتزوج “جريتا”، مرة واحدة فقط كانت على وشك الزواج، لكنها غيرت رأيها في اللحظة الأخيرة. فقد التقت “جريتا” ب”جون جيلبرت” أثناء تصوير فيلم Love”” في 1927، وكانت قد بدأت للتو رحلتها إلى هوليوود، بينما كان”جيلبرت” ممثلا مشهورا بالفعل. ركض “جون” إلى الجناح، وتحولت كل الأنظار إليه. أخيرًا، كسر الصمت ممثلة طموحة بعيون زرقاء ثاقبة، فقد حدقت “جريتا” في الرجل الفخم وقالت بهدوء: “أين كنت منذ فترة طويلة؟”.

في تلك اللحظة بالذات اندلعت شرارة بين “جريتا” و”جون”، كانا الاثنان من أجمل المحبين في هوليوود، وكان المجتمع ينتظر الإعلان عن خطوبتهما، بعد بضعة أسابيع، عرض”جيلبرت” عليها الزواج، ووافقت، رغم ما عرف عنها من أنها تحب للاستقلال. ثم بعد ذلك ورغم المشاعر القوية التي تشعر بها تجاه هذا الرجل الوسيم والمشهور، لكنها حاولت قمع تلك المشاعر. في اليوم المحدد لحفل الزفاف، نهضت “جريتا” من الفراش مبكرا، دون إيقاظ العريس، حزمت كل أغراضها وركبت السيارة وانطلقت بعيدًا. استيقظ جون لسماع صوت محرك السيارة الذي ابتعد. لكن حتى عندما أدرك أن عروسه كانت في السيارة، رفض تصديق أنها تركته. في الساعة المحددة، ظهر السيد “جيلبرت” في الكنيسة. مر الوقت، لكن “جريتا” لم تعد أبدا إلى حبيبها، ليس ذلك اليوم، ولا بعده.

المرأة الغامضة..

أطلق على “جريتا” لقب “المرأة الغامضة”، بسبب احتفاظها بابتسامة هادئة لا تعكس أي انفعال، ونظراتها التي ترنو دوما إلى شيء أو شخص لا يدركه غيرها وحضورها النادر بالأوساط الاجتماعية.

بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، قامت صالة مزادات “سوثبي” الشهيرة في لندن بعرض مجموعة من الخطابات الخاصة التي وجهتها “جريتا” إلى صديقة عمرها الكونتيسة السويدية “مارتا واتشميستر”، ومعها “ألبوم من الصور النادرة التي لم يسبق عرضها علنا”.

تؤرخ خطابات”جريتا” لصداقة طويلة الأمد مع الكونتيسة “واتشميستر” وزوجها، تلك الصداقة التي بدأت مطلع الثلاثينيات، وتكشف مجموعة الخطابات، التي بلغ عددها 36 خطابا وتتضمن أكثر من 100 صفحة، عن معاناة “جريتا” مع الوحدة والبعد عن العمل السينمائي الذي قد تكون بادرت إليه بإرادتها عقب فشل فيلمها “المرأة ذات الوجهين” مطلع الأربعينيات، إلا أنها عانت بعنف وحدتها ومخاوف التقدم بالعمر.

فقد كتبت في أحد خطاباتها، والذي يرجع تاريخه إلى 1945: “أفكر في أحد الأفلام الذي قد أحاول العمل عليه، لكن لا أعلم، فالزمن يترك أثاره على وجوهنا الصغيرة وأجسادنا”. ولكن حتى في أوقات انشغالها الفني، لم تكن “جريتا” أسعد حالا، فوفقا لخطاب أرسلته إلى صديقتها عام 1933 أثناء تصويرها فيلم “الملكة كريتسينا”، عبرت عن حنقها إزاء العمل ككل قائلة: “كانت أوقاتا عصيبة، كل شيء يسوء”، قبل أن توضح أنها انتهت من نصف الفيلم وأنه حتى عقب إتمامه، فإن هذا الفيلم سيظل “نصف منته”، في إشارة إلى عدم رضاها عن مستواه.

وفي جانب آخر من الخطابات التي أرسلت “جريتا” معظمها من محل إقامتها بحي “بيفرلي هيلز” بولاية “كاليفورنيا “الأمريكية، تكشف “المرأة الغامضة” عن وحدتها أغلب الوقت، التي بلغت حدا أنها تتحدث إلى نفسها، ورتابة تفاصيل حياتها التي لا تتجاوز في ذروتها قيادتها السيارة إلى شواطئ كاليفورنيا حيث تقوم برياضة المشي وهو ما وصفته بـ”الرائع”، لكن حياتها لا تتجاوز هذه الأنشطة المحدودة، حتى إنها تحن إلى عطلاتها في السويد بأيامها الصيفية التي يتخللها المطر ويحيطها وصحبتها بشيء من “الحزن الشاعري”، حسب لتعبيرها.

ذكرت “الجارديان” في تقريرها أن “جريتا” عانت فيما يبدو “لعنة” أحد أفلامها وهو “جراند أوتيل” الذي عرض بالصالات عام 1932 وقالت فيه عبارتها الشهيرة “أريد أن أكون بمفردي”، وقد كان. ونقلت الصحيفة عن “جابريل هياتون”، أحد خبراء صالة “سوثبي” تحليله لخطابات النجمة، الذي قال إنها تعكس قدرا كبيرا من الحزن والوحدة، مشيرا إلى أن أيا من هذه الخطابات لم يتم توقيعها، وإن كان أحدهم حمل كلمة “المهرج” محل التوقيع، وبعضها تضمن رسوما لسيدات وكلها كتب بخط اليد وبالقلم الرصاص على أوراق ذات جودة متواضعة، فيما عدا خطاب واحد تم إعداده على الآلة الكاتبة ووجهته “جريتا” إلى ابنة الصديقة الكونتيسة عام 1976 عقب وفاة الأخيرة، وذلك لتعبر عن تعازيها. يقول “هياتون” إن خطابات “جريتا” تعكس رغبة جارفة للبقاء في الظل بعيدا عن الضوء، وأن خطبا ما يدور.

وفاتها..

توفيت “جريتا جاربو” في ١٥ أبريل ١٩٩٠ بمدينة نيويورك بعد إصابتها بالتهاب رئوي حاد، وكانت قد حصلت على جائزة الأوسكار في عام ١٩٥٥ عن مجمل أعمالها.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب