خاص: إعداد- سماح عادل
أعلنت نتيجة جائزة بوكر الأدبية البريطانية حيث فازت رواية “فرير دام” “شقيق الروح” المكتوبة باللغة الفرنسية لكاتبها السنغالي “دافيد ديوب” ومترجمتها البريطانية “آنا موسكوفاكيس”.
وبذلك أصبح “دافيد ديوب” الذي يبلغ من العمر55 عاماً أول كاتب فرنسي يفوز بهذه الجائزة، التي تُمنح للكتب الأجنبية المترجمة والمنشورة خلال العام في بريطانيا أو إيرلندا.
وستتقاسم المترجمة “آنا موسكوفاكيس”، وهي أيضاً شاعرة، الجائزة البالغة قيمتها 50 ألف جنيه استرليني (نحو 71 ألف دولار) مع ” دافيد ديوب”، حيث أن جائزة بوكر هي إحدى الجوائز القليلة التي تدعم المترجم وتعترف بدوره الهام.
صرح الروائي لوكالة “فرانس برس” قائلا: “أنا سعيد جداً بالفوز، فهذا يدل على أن لا حدود للأدب”، وقد أشاد بالترجمة التي أتاحت “امتداد الشحنة العاطفية التي أثرت في القراء الفرنسيين إلى العالم الناطق بالإنكليزية”.
وتعتبر الرواية الفائزة الرواية الثانية ل”دافيد ديوب” الذي ولد في السنغال وقاتل جده الأكبر في الحرب العالمية الأولى. ويمكن اعتبار الرواية الفائزة كتحية للمحاربين الذي انخرطوا في تلك الحرب البشعة وخصوصاً الأفارقة منهم والذين بلغ عددهم حوالي 200 ألف وهم الذين قاتلوا في صفوف الجيش الفرنسي.
«ألفا» هو رجل سنغالي لم يغادر قريته من قبل، وجد نفسه يقاتل كجندي مع الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى. عندما أصيب صديقه المقرب ورفيق سلاحه «ماديمبا ديوب» في المعركة أمامه وعجز عن إنقاذه أو حتى الاستجابة لتوسلاته لمنحه موتا رحيما لتخليصه من معاناته، يسقط “ألفا” ضحية الذنب الشديد بعد موت صديقه بسبب جبنه لعدم تمكنه من منح صديقه ما طلبه، يتمزق بين الجنون والغضب والذنب، فيتحول من إنسان بريء قذفته الظروف في مرمى حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، إلى قاتل متسلسل كمحاولة لإقناع نفسه أنه بذلك ينتقم لموت صديقه ويعثر على المغفرة لنفسه.
في كل ليلة يتسلل “ألفا” عبر خطوط العدو ليبدأ طقوسا مروعة للعثور على جندي ألماني ذي عيون زرقاء وقتله ببشاعة وهو يستمتع بألمه ورعبه منه كرجل إفريقي قائلا لنفسه «بالنظر إلى عيون العدو الزرقاء، غالبا ما أرى خوفا مذعورا من الموت والوحشية والاغتصاب وأكل لحوم البشر. أرى في عينيه ما قيل له عنى، وما آمن به دون أن يراني». يعود “ألفا” إلى قاعدته دون إصابة حاملا التذكارات دائما، يد مقطوعة لضحيته وسلاح من كل عملية قتل. منذ البداية شجع قائده الضابط الفرنسي الجنود الأفارقة على لعب دور «الزنوج المتوحشين، آكلي لحوم البشر» لبث الرعب في صفوف الألمان.
حتى هذا لم يكن غطاء كافيا ل”ألفا” لأنه مهما قتل من جنود وجمع أيادي ضحاياه لا يشعر بأنه يكتفي أو يقترب من الانتقام والمغفرة التي ينشدها. بالبداية نظر رفاقه بإعجاب إلى أفعاله لكن سرعان ما انتشر الخوف منه وبدأت الشائعات تنتشر بأن “ألفا” ليس بطلا، بل ساحر أفريقي، آكل أرواح، فيتم استبعاده وإرساله إلى العلاج النفسي.
تسلط الرواية الضوء على فصل منسي بتاريخ الحرب العالمية الأولى، عن حكاية غير معروفة لمشاركة الجنود السنغاليين بصفوف الجيش الفرنسي.
كما تقدم انتقادات لاذعة للقوى الاستعمارية، وتشتبك بعمق مع الصور النمطية التي تشكل الكيفية التي ينظر بها الرجل الأبيض للأفارقة كتجسيد للوحشية. عكس “ديوب” خلال الرواية بوضوح تخصصه بالتمثيلات الأوروبية لإفريقيا بالقرن الثامن عشر. واتضح ذلك من خلال النظرة تجاه «ألفا» واعتباره ساحرا أو همجيا مجنونا سواء من قبل من يقاتل في صفوفهم أو من يقتلهم، ليوحى بأن تأثير تدمير الرجل الأبيض عميق لدرجة أنه لا يدمر مجتمعات بأكملها خلال الحروب فحسب، بل يدمر البشر أيضا.
ومعروف أن “ديوب” الذي نشأ في السنغال، استمع إلى حكايات جده الأكبر، وكيف قاتل في الحرب العالمية الأولى مع الجيش الفرنسي إبان الاستعمار. وتحمل الرواية تحية معلنة للمحاربين الذي خاضوا تلك المعارك، خصوصاً الأفارقة الذين بلغ عددهم نحو 200 ألف.
ولاحظت “موسكوفاكيس” أن الرواية، رغم “خصوصية موضوعها” الذي يعني أكثر القراء الناطقين بالفرنسية، تمكنت من إثارة اهتمام لجنة التحكيم الناطقة بالإنكليزية نظراً إلى ما تثيره من قضايا، ومنها “الهيمنة القائمة على العرق والعنف الاستعماري، الموجودة في كل مكان في العالم”.
وقالت “لوسي هيوز هاليت” رئيسة لجنة التحكيم عن الرواية: إن “لِقصة الحرب والحب والجنون هذه قوةً مرعبة”، معتبرة أن “النثر التعويذي والرؤية المظلمة والرائعة” للرواية “سحرا” تأثر به جميع أعضاء لجنة التحكيم.
وفي مواجهة استحالة ترجمة اللعب على الكلام في العنوان الفرنسي، اختارت “آنا موسكوفاكيس” للنسخة الإنكليزية عنوان “آت نايت أول بلود إز بلاك” (“في الليل كل الدم أسود”)، وهي جملة مأخوذة من أحد فصول الكتاب الأولى.
ورأى الكاتب أن عنوان النسخة الإنكليزية “يعكس رغبة الرواية في الإيحاء بأن الحرب وعنفها يؤثران على الجميع، وأن الدم عندما يسيل، يكون له اللون نفسه، أياً كان البشر”.
وقد نافست الرواية مع 125 كتاب على جائزة بوكر الدولية هذه السنة. وتقدمت “شقيق الروح” على أعمال خمسة كتّاب آخرين هم “الأرجنتينية ماريانا إنريكيز وبنيامين لباتوت من تشيلي، والدنماركية أولغا رافن والروسية ماريا ستيبانوفا والفرنسي إريك فويلار”.
وقد حصلت الرواية على جائزة “غونكور” للطلاب الثانويين وعلى جائزة أمادو كوروما السويسرية.
وُلد “دافيد ديوب” في باريس عام 1966، قضى جزءً كبيرًا من طفولته في السنغال قبل أن يعود للدراسة في فرنسا، وفي عام 1998 أصبح محاضرًا في الأدب في جامعة بو ومنطقة أدور، فيما يرأس الآن قسم الفنون واللغات والأدب في الجامعة.
الجائزة..
الجدير بالذكر أن جائزة بوكر الدولية وكانت تسُمى سابقًا: جائزة مان بوكير الدولية هي جائزة دولية تأسست في المملكة المتحدة. تم الإعلان عن فكرة تأسيس الجائزة في يونيو 2004 ولقد تأسست رسميًا في عام 2005. منذ عام 2005 حتى عام 2015 تمنح الجائزة كل سنتين إلى الكاتب ويكون من أي جنسية لمجموعة من الأعمال التي يكون قد نشرها باللغة الإنجليزية أو التي قام بترجمتها إلى اللغة الإنجليزية.
منذ عام 2016، تمنح الجائزة سنويا مبلغ مقداره 50،000 جنيه إسترليني للمترجم الفائز ويتم تقاسم المبلغ بالتساوي بينه وبين المؤلف الأصلي للكتاب.