خاص: إعداد- سماح عادل
مازال الحراك الشعبي العراقي مستمرا ويتصاعد، بسبب العنف المفرط الذي جوبه به، وتراخي السلطة في التعامل معه ومحاولة التهوين من أمره، ورغم قطع الانترنت ومحاولة التعتيم على هذا الحراك الشعبي القوي إلا أنه يفرض وجوده على الأرض بصلابة المشاركين فيه.
وقد سعينا لجمع آراء كتاب/ كاتبات، ومثقفين/ مثقفات عراقيين يعيشون في العراق أو خارجه حول هذا الحراك الشعبي، في محاولة للإجابة على التساؤلات الملحة وهي: هل حدوث حراك شعبي في الشارع في الوقت الحالي كان أمرا متوقعا؟ وما هي التوقعات بشأنه؟ وما هي المطالب التي من المفترض أن يتضمنها هذا الحراك الشعبي؟.
طريق التغيير بات حقيقة..
يقول الكاتب “عباس داخل حسن” ل”كتابات”: “بقي الشعب العراقي ولازال مهيأ للانتفاضة والنزول للشارع في أي لحظة، نتيجة الظلم وقساوة الحياة، وما خلفه الإرهاب والاحتلال الأمريكي وأذنابه من أوضاع طائفية وعرقية بنيت عليها العملية السياسية للأحزاب الحاكمة، التي نهبت المال العام وهربته إلى الخارج، كما نهبت وتقاسمت عقارات الدولة وخربت المخرب بسبب الحروب والحصار، وبسبب فسادها فقد العراقيون أبسط الخدمات الإنسانية والعيش بكرامة والأمان، وضاع حلم ملايين العراقيين بعد أن تخلصوا من حقبة الديكتاتورية البشعة. إن أي مراقب للمشهد العراقي لم يفاجأ بهذا، بحراك الأول من أكتوبر في العراق، وانتفاضة شباب في مقتبل العمر للميادين والساحات في الجنوب وبغداد والمطالبة بحقوقهم وكرامتهم، وأغلبهم بعمر العملية السياسية أو أكبر بقليل، لكن تبقى المشكلة أن هذا الحراك يعاني من فقدان القيادة نتيجة عدم ثقة المتظاهرين بمن يريد طرح نفسه كممثل موثوق به، ولسان حالهم يقول: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين””.
ويؤكد: “ولد هذا الحراك بشكل عفوي وبمساندة شعبية واسعة من شباب يقف على تخوم الفقر والبطالة وانعدام مرافق التعليم والمستشفيات، وانتشار الحزبية والمحسوبية والطائفية والعشائرية البغيضة. معظم المتظاهرين عبر عن مطالبه بوضوح جلي وأهمها تحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير الخدمات، مثل بقية شعوب الجوار، وكل الأمور نسبية وليس الوضع في المنطقة ورديا، لكن لا يمكن مقارنته مع الوضع العراقي على الإطلاق والبون شاسع جدا. ولا يمكن مقارنته حتى مع دول معدومة الموارد، علما أن العراق من أغنى عشرة دول في العالم، ويملك ثروة موجودة تقدر بـ 19 ترليون دولار ناهيك عن غير المكتشف منها”.
ويواصل: “آمل بأن ينتظم شباب الحراك في جميع المحافظات من خلال رفع مطالب محددة وهي؛ قانون ضمان اجتماعي وتقديم الخدمات والانتهاء من موضوع المحاصصة الذي سمح بتوغل الفساد في كل مفاصل الدولة، وإقرار قانون انتخابات عادل يتيح للجميع المشاركة السياسية. إن الفساد في العراق غير مسبوق وأكل الأخضر واليابس، وموجود في كل محافظات العراق ومكوناته. العراق على شفير الهاوية بانتشار الفقر والأمية والمخدرات والسرطان المستشري بين الأطفال. ففي محافظة الناصرية وحدها 7 آلاف حالة سرطان مشخصة، ناهيك عن الوضع المآساوي في البصرة التي ترفد ميزانية العراق 80% من إيراداته المالية، ولا توجد فيها مستشفى تخصصي واحد لعلاج أمراض السرطان الذي حل بها، بسبب استخراج النفط من قبل الشركات الاحتكارية دون مراعاة الضوابط البيئية، وتجاوزات دول الجوار على أراضيه وموارده المائية وفي وضح النهار. اعتقد أن هذه الصولة للشباب والشعب العراقي مختلفة عن سابقاتها، لهذا تعاملت معها الحكومة وأذرعها من المليشيات المسلحة بقوة غاشمة وقطعت الانترنت وعطلت كل أنواع التواصل وصولا لقطع الشوارع، لإخفاء ما جرى ويجري من قمع وحشي، وما تنقله وسائل الإعلام من صور لا يجاري الأحداث والتجاوزات على أرض الواقع، لكن بكل تأكيد مع وجود الهاتف المحمول ستخرج الحقائق عاجلا أم أجلا. للأسف قد سقط شهداء بعمر الزهور دون أدنى مسوغ لاستخدام هذا التوحش والعنف إزاء مظاهرات سلمية “جدا”، تطالب بحقوق إنسانية وحد أدنى من الخدمات والمساواة”.
ويضيف: “حراك الأول من أكتوبر أسس لمشهد جديد في حياة الشعب العراقي المنتفض ضد الظلم والفساد أنه حراك شبابي- شعبي بامتياز، لا غبار عليه مهما حاول البعض تشويهه، ولم يسمح للانتهازين بركوب الموجة في هذه الصولة كما حدث في المظاهرات والاحتجاجات السابقة. ولم يك أسير حراك الأمس القريب بل أصبح أقرب إلى روح الثورة، حتى لو خسر جولة فهناك جولات قادمة وهذا ما لم يريد أن يقتنع به أصحاب العملية السياسية وأحزابها البائسة بكل ما تعنيه الكلمة. اعتقد أن هذا الحراك أسس لمرحلة جديدة يحسب لها ألف حساب. وإذا ما تمكن عتاة العملية السياسية من إخماده “لا سامح الله” ستبقى جذوته متقدة مع ازدياد الإصرار والوعي في الشارع العراقي لاسترداد حقوقه الشرعية، ولا تراجع عن التغيير مهما طال الزمن، وإنهاء المحاصصة الحزبية والطائفية البغيضة التي حرقت الزرع والضرع، وضيعت أجيال وبددت ثروة تبني قارة بأكملها. ما يميز الحراك اليوم هو أنه لم يدع فرصة للتسويف أو المماطلة لفرسان العملية السياسية التي أتت بهم أمريكا وبريطانيا ودول الجوار وعاثوا بالأرض والعراق خرابا. وكما يقال لقد سبق السيف العذل ولا ينفع بعد اليوم الخطب الرنانة، ولا يستمع إليها أحد، ولا حتى قوة السلاح المنفلت بيد أحزاب السلطة، من إيقاف حركة وانتفاضة الشباب العراقي من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة للوطن، والحد من غلواء الفاسدين وتجار الطائفية التي دمرت العراق شر تدمير” .
السحق بالأقدام..
فيما يقول الكاتب “حمزة الحسن”: “هل كنت أتوقع؟ يمكنك قراءة أول منشور لي يعود لعام 2016 بعنوان “أقدام ثقيلة قادمة”. أنا مع كل تحرك شعبي بصرف النظر عن النتائج، لأن الثورة موجات، وأما المطالب فالحراك نفسه خلال الاضطراب يخلق مفاهيمه وعناوينه”.
وقد كتب “حمزة الحسن” في منشوره “أقدام ثقيلة قادمة”: “في اجتماع خاص لقيادات الحزب، قال المالكي مخاطبا كوادره القيادية: ” أقسم بالله، لو لا أن الحكم يحمينا، لسحقتنا الناس بالأقدام”. وعلى الأرجح أن المالكي قال فعلاً هذا الكلام، لأنه لم يصدر من وسائل إعلام الحزب، وإذا لم يقله أيضا فهو هاجس كمسمار موخز في خاصرته. هذا الكلام يلفت النظر في كل الأحوال، لأن هاجس السحق بالأقدام الثقيلة سيطر على غالبية حكام العراق، ولسنا هنا بصدد محاكمة أحد، ولا فتح سجلات حول الأسباب التي أوصلت الجميع إلى هذه الحالة، وكثير منها معروف، لكننا نحاول تفكيك هذا النص، نص السحق بالأقدام، في حالة الخروج من الحكم. وهو نص يبدو لمن يقرأ سطح الخطاب لا يتجاوز التحذير من القادم، لكن باطن الخطاب، أو ما سكت عنه، هو الأهم والأخطر، وهو يعكس علاقة الحزب بالسلطة من جهة، وعلاقته بالناس، وماذا سيحصل اذا وجد الحزب نفسه خارج السلطة، والهواجس الداخلية العميقة التي يعشها زعيم الحزب، وعلاقة هذه الهواجس بتاريخ العراق القريب، ونهاياته الشكسبيرية المأساوية المعروفة. والرجل هنا قام بتوزيع أوراق اللعب على الكوادر، لكنه حدد، مسبقاً، طريقة اللعب، وحدد النتائج أيضاً، وكشف لهم ماذا ينتظرهم في المستقبل، وماذا سيحصل إذا وجد الحزب نفسه خارج السلطة، حتى صارت السلطة، حسب هذا المنطق، مسألة حياة أو موت، كما أنها مسألة حياة أو موت للناس أيضاً. من الواضح، حسب منطق الخطاب، وهو خطة حرب قادمة، أن قادة الحكم في العراق، انتقلوا من خطاب العقيدة إلى خطاب الرعب،ومن الوعد بأمل مشرق إلى الوعد بغد أسود، ومن التماسك الظاهري إلى الهذيان، حتى أنهم لعطب معرفي وثقافي، لم يعودوا قادرين على فحص خطاباتهم بدقة، بل وغير قادرين على فهمها أيضا، وإلا كيف يمكن أن نفهم هذه العلاقة الاحترابية والعدوانية التي يطرحها هنا المالكي، بين الحزب وبين الناس؟ وكيف تخيّل، إذا لم يكن متيقناً، أن الخروج من السلطة هو نوع من الرمي في بحيرة تماسيح؟ وعليه يجب البقاء في الحكم مهما كان الثمن، وهو ثمن ليس أقله غير سحق الناس بالأقدام، بكل الوسائل الممكنة والمتاحة وغير المتاحة، لكي لا تقترب تلك اللحظة، لحظة السحق بالأقدام”.
ويقول أيضا في المنشور: ” كلنا يعرف جيداً، وهو يعرف أيضاً، سواء من التاريخ القريب أو البعيد، أن أقدام العراقيين ثقيلة جداً وتضاعف ثقلها بعد الدمار الشامل والذل والخداع، الذي تعرضوا له خلال السنوات الماضية، وبعد هذا الصمت لا شك تختبئ عاصفة ستهب يوماً، وهو شخصياً يراها بوضوح أكثر من غيره، لكنه يحاول التحاشي والتجنب…. لا يقبل الناس بأي حل في أوقات ضعف عصيبة، غير عودة الأموال المنهوبة، تحت أي عنوان، صفقة، تسوية، لكي يتجنب الجميع رعب الأيام القادمة، والسحق المتبادل بالأقدام، وخطاب الرجل لا يُبشر بذلك، بل كان الخطاب هو شهادة وفاة مؤجلة، في انتظار التوقيع بالأقدام الثقيلة”. كتب في 7 أيلول2016، وكأنه في منشوره كان يستنتج الكثير مما يحدث الآن.
انتفاضة الشباب العراقي..
ويقول الشاعر “بولص شليطا الآشوري”: “بسبب فشل حكومة المحاصصة الطائفية المشكلة من الشيعة والسنة والأكراد، والتي تتصارع لتمزيق النسيج الوطني العراقي وتقسيمه كما يحدث بالأراضي المتنازع عليها كأنهم ليسوا عراقيين، وهذه الأعمال والبطالة والتقييد في الحريات وخاصة للمرأة العراقية، التي هي مرآة المجتمع والتي ليس لها دور في قيادة المجتمع. رأيي أن الحراك هو الشرارة والشعلة التي تضيء أمام العراقيين لكي يقوموا بالتغيير من السلطة الدينية الفاشلة نحو السلطة المدنية الوطنية، والتحرر من الاحتلال الأمريكي والإيراني المتسارعتين فوق أرض العراق.. المطلب الذي لا بعده مطالب وحسب رأيي هو إسقاط هذه الحكومة الفاشلة والضعيفة والعميلة لإيران، التي تخدع الشعب البسيط بالحريات الدينية ومن تحت أقدامها تسرق جهودها العملية، وتحرم الحريات الشخصية في العلوم والمعرفة والاختراعات والإبداعات الثقافية والفنية والاجتماعية، وتحرم الاختلاطات الاجتماعية، والتغيير لابدّ قادم لإلغاء الدستور الإسلامي وما يتضمنه من المواد الذي تفرق بين الشعب العراقي الواحد، وأتمنى لشعبنا العراقي الذي يسقي الآن شجرة الحرية بدماء أبناءه النصر المبين، لإسقاطهم وتقديمهم إلى محكمة الشعب لينالوا الجزاء العادل من الشعب. ورأيي الخاص أتمنى أن يصدروا المتظاهرون بيانا للاعتصام الشعبي هو أفضل من مواجهات رصاصاتهم الغادرة في صدورهم، وأن يستفادوا من تجربة الشقيقة مصر أم الدنيا بالحراك الشعبي الواسع لإسقاط الإسلام السياسي الفاشي”.
وقد أهدى “كتابات” قصيدة هي:
انتفاضة الشباب العراقي..
ويصدح الدمٌ تحت نصب
الحرية، كالموسيقى،
وتتعالى الأصوات كالزوبعة،
والشباب حناجرهم أوتار تترنم،
ليسقط الخونة الطائفيون،
وليتحرر العراق الحضاري
من ظلامهم الأسود،
وتمضي المسيرة، ويتجمع
الشباب الثوري في مواكب غضب
من شارع إلى شارع
من محافظة إلى محافظة
والحناجر تصرخ كالأشرعة
أين المفر يا من دمرتم العراق
وسرقتوا ثرواته ولَم تشبعوا!
الويل لمن وقف مع الطغاة،
لا يرفع صوته عاليا، ضد الخونة،
ويصطف مع أسراب الغضب
العراقي،
ينادي بالتغيير، ويعلن تشكيل
حكومة مدنية،
لتنصل الشعب العراقي الذي
ما زال مهجرا منذ أعوام،
وليبق شعب الشباب أقوى
متحّدا كطوق كسرى
يتحدى رصاص الخونة،
ويعلنها بصوت واحد،
ثورة. ثورة. ثورة
٢/١٠/٢٠١٩ وندزر/كندا.