28 نوفمبر، 2024 7:56 م
Search
Close this search box.

ثورة العراق (15): ساحات التظاهر تشهد بتعاون وتضامن المتظاهرين وتنظيمهم

ثورة العراق (15): ساحات التظاهر تشهد بتعاون وتضامن المتظاهرين وتنظيمهم

 

خاص: إعداد- سماح عادل

من مميزات الثورة العراقية تعدد أماكن التظاهر، وبدأت ثورة العراق في أكتوبر 2019 ومازالت قائمة تنتج ظواهر ثورية مميزة، وتعبر عن جيل من الشباب القوي والمتحمس الذي لا يعرف الخوف من السلطة ولا يعرف حسابات المصالح. وسوف نتناول ثلاث أماكن هامة يستخدمها المتظاهرون العراقيون للتظاهر ولمقاومة السلطة.

ساحة التحرير ببغداد..

ساحة التحرير هي إحدى الساحات الرئيسية في وسط مركز مدينة بغداد عاصمة العراق، والتي تقع في منطقة الباب الشرقي. كان لهذه الساحة دورٌ مهمٌ في بعض الثورات والمسيرات والانتفاضات التي شهدتها مدينة بغداد، وسميت بساحة التحرير نسبة إلى التحرر من الاحتلال والاستعمار الأجنبي، ويزينها على الجانب الشرقي منها نصب كبير بعرف باسم “نصب الحرية” والذي صممه ونفذه النحات والفنان التشكيلي العراقي “جواد سليم”، حيث تقع واجهة النصب على ساحة التحرير وعلى الجانب الغربي من الساحة يقع جسر الجمهورية، والذي كان يسمى جسر الملكة عالية “زوجة غازي بن فيصل بن الحسين” ووالدة الملك فيصل الثاني.

وتقع على الجانب الشرقي حديقة الأمة، وعلى الجانب الشمالي شارع الجمهورية الذي كان يسمى شارع الملك غازي، والموازي لشارع الرشيد وعلى الجانب الجنوبي شارع السعدون، وعلى الجانب الأيسر للجسر تقع بناية مدرسة دجلة الابتدائية للبنات التي تأسست سنة 1921، وثانوية العقيدة للبنات وهي من المدارس الجيدة في بغداد، وعلى الأيمن يقع مبنى المطعم التركي، كما وتوجد في الساحة عددا من المكتبات منها مكتبة النهضة.

وتعد ساحة التحرير مركز الاحتجاجات في بغداد تمتلئ بالآلاف من المتظاهرين ومن العائلات البغدادية التي نزلت تساند الشباب في ثورتهم.

ساحة التربية في كربلاء..

مكان آخر يتجمع فيه المتظاهرون العراقيون وهو ساحة التربية في كربلاء ، وفلكة التربية في كربلاء المقدسة، ولها أسماء متعددة مثل ساحة التربية أو ساحة النصب المجهول أو ساحة الانتفاضة أو ساحة المحافظ أو ساحة الزهراء.. وهي مقر للمعارض الفنية والاعتصامات ومقر لانطلاق التظاهرات ومقر لالتقاء الأصدقاء واستراحة للزوار والمشاة.

كَرْبَلَاء مدينة عراقية ومركز محافظة كربلاء تقع في منطقة الفرات الأوسط. تعتبر أحد أهم المدن المُقدّسة وذلك لوجود ضريح الإمام الحسين بن علي وأصحابه الذين استشهدوا معه في واقعة الطف. يبلغ عدد سكانها نحو 900 ألف نسمة حسب تقديرات عام 2016 ما يجعلها سابع أكبر مدينة من حيث السكان في العراق.

وتقع مدينة كربلاء إلى الجنوب من العاصمة بغداد وتبعد عنها بحوالي 105كم2، وترتفع المدينة 30 مترا عن مستوى سطح البحر، وهي تقع في موقع مهم يربطها بالحدود السعودية عن طريق النخيب ومن الشمال ترتبط بالعاصمة بغداد ومن الجنوب ترتبط بالنجف ومن جهة الجنوب الشرقي بالحلة.

جبل أحد أو المطعم التركي..

مبنى مهجور، يسمى بين العراقيين بالمطعم التركي، يطل على المنطقة الرئاسية الخضراء في بغداد، تحول إلى مكان للاختباء وتجمع المتظاهرين. فقد تحصن في طوابقه المحتجون لمنعه من السقوط بيد القوات الأمنية العراقية التي تحاول السيطرة عليه، لأنه نقطة تمركز على مجمل متظاهري ساحة التحرير وسط العاصمة.

كما أطلق عليه بعض العراقيين “جبل أحد”، استعارة من أحد الجبال التاريخية التي لعبت دوراً في معركة أحد الشهيرة في الاسلام.

ويعود إنشاء المبنى المؤلف من 14 طابقا إلى ثمانينيات القرن الماضي، إذ أشرفت على بنائه شركة هندية وافتتح في عام 1983. ويحتوي على مرآب سيارات واسع في طوابقه السفلى، وامتلأت طوابقه الأخرى بالمحلات التجارية لتشكل مركز تسوق كبيرا. وأخذ المبنى اسمه من مطعم احتل الطابق الأعلى منه وامتاز بشرفاته التي تطل على بغداد، وعرف باسم المطعم التركي.

وقد تعرض المبنى لعمليات قصف عدة في السابق أثرت على هيكله الأساسي. ومنذ بداية الثورة في العراق، أصبح مليئا باللافتات المؤيدة للاحتجاجات والأعلام العراقية.

يعتبر هذا المبنى حماية للمتظاهرين من الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع ومن فتك قوات الأمن بهم، وقد تم تنظيم عمل المتظاهرين فيه حيث يقسم المتواجدون إلى مجموعات، مجموعة تراقب وتمنع وصول قوات الأمن إلى المبنى ويتم التناوب بين أكثر من مجموعة على المراقبة حتى يتنسى لهم الراحة والنوم، وهناك مجموعة مسئولة عن جلب المواد الغذائية والطبية والتي توفرها بعض العائلات.

يقول “خالد ياسين”، الباحث والأكاديمي العراقي، لأحد الصحف، “إن للمبنى أهمية كبيرة، بوصفه المكان الذي كانت تستخدمه القوى الأمنية في مظاهرات سابقة كبرج مراقبة يطل على كامل ميدان التظاهر، ومكانٍ عال استخدم لتصيد المتظاهرين وقمع وتفريق مظاهراتهم”، مستذكراً “تجربة استخدام القوى الأمنية للمبنى في قمع وإخماد الاحتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في شباط عام 2011”.

والجدير بالذكر أن الطابق الثامن من مبنى المطعم التركي، قد تحول أيام الاحتجاجات ضد حكومة نوري المالكي، إلى ما يشبه مركزا لقيادة العمليات ضد المتظاهرين، إذ تمركز فيه عدد من قيادات قوة عمليات بغداد، وبعض المسئولين والنواب الموالين للحكومة لمراقبة المظاهرات والإشراف على عمليات قمعها وتفريقها. وقد انتشرت حينها في وسائل التواصل الاجتماعي صور القوات الأمنية في أعلى البناية، فضلا عن أحد النواب المقربين من المالكي حينها وبعض المسلحين في أعلى البناية وهم يراقبون ويستهدفون المتظاهرين.

ويقول المصور “هادي فهد”، مصور صحافي إن “الكثير من الزوار من الذكور والإناث يرتادون هذا المبنى للسلام على المتظاهرين الصامدين، ومدّهم بمختلف الحاجات الإنسانية لديمومة وجودهم، لحمايةِ من يتظاهر أسفل البناية بساحة التحرير”، موضحا أنه “يلتقط مئات الصور اليومية لتوثيق هذا الحدث الاحتجاجي الكبير”.

كما يؤكد فهد إلى أن “مبنى المطعم التركي بات أيقونة ساحة التحرير الخالدة في بغداد، ورمزية الاحتجاج الشعبي، وحاجزاً أمام نيران القوات الأمنية صوب المحتجين على أداء السلطة داخل المنطقة الخضراء”، وأن “فضائيات ووسائل إعلام محلية ودولية تزور المبنى لنقل الواقعة البطولية لهؤلاء الشباب، ناهيك عن إدانة الحكومة لتصرفاتها القاسية تجاه أبنائها العراقيين الناقمين على أدائها”.

وحول إسعاف المصابين توضح الطبيبة “لمى الصافي” أنها تسعف الكثير من المصابين جراء قنابل الغاز المسيل للدموع، تقول إن “هؤلاء المرابطين أعلى المطعم التركي، ينقذون أرواحاً كثيرة وهم يحاولون أبعاد الأجهزة الأمنية إلى أسفل جسر الجمهورية ومنعهم من التقرب من ساحة المحتجين.

رغم كل محاولات من يقف أعلى البناية لمنع الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع، لكن ثمة ضحايا يسقطون كل يوم لجسارة التعامل الأمني مع المتظاهرين هنا”.

ويوضح مدير مشروع برج التحرير وهو اسم المبنى الأساسي قبل أن يتحول إلى المطعم التركي إن مشروع برج التحرير، وسط العاصمة بغداد مشروع استثماري، ويحتوي على عدة أقسام، منها فندق خمس نجوم، ومركز مؤتمرات، بالإضافة إلى مركز إعلامي وقناة تلفزيونية متخصصة بالاقتصاد والاستثمار. كما أوضح أن القناة الفضائية التي كان من المفترض أن تسمى قناة العراق التجارية كان من المؤمل أن تكون قناة مختصة بالاقتصاد العراقي والعربي.

ووضح أنه تمت المباشرة بالمشروع قبل عدة سنوات وبالتحديد عام 2009، وتم إعادة الهيكل الذي دمرته قوات التحالف بنسبة أضرار وصلت إلى 80%، واستكمال جميع الأعمال الخارجية، ثم بدأت التركيبات الداخلية، لكن أمانة بغداد أوقفته عام 2015 بحجة عدم حيازة المشروع على إجازة بناء وترميم، علماً أن المشروع تم استئجاره بعقد طويل الأمد بموجب مزايدة علنية عام 2009 وبشكل قانوني وبعيدا عن أي ملابسات في المزايدة العلنية.

هذا وقد حدث في يوم 6 نوفمبر 2019 تفجيراً وقع قرب المطعم التركي واستهدف حشداً من المتظاهرين دون تسجيل إصابات. فقد انفجرت عبوة صوتية وسط حشد من المتظاهرين في الشارع الذي يقع خلف المطعم التركي.

ويقول “وسام كريم”، عمره 20 عاماً، لإحدى الصحف: “وصول القوات الحكومية إلى المطعم التركي والسيطرة على المبنى معناهما عودة القناصة والميليشيات لقتل المتظاهرين وقمع التظاهرات في ساحة التحرير وسط بغداد. وجودي مع إخواني المتظاهرين على جبل أُحد هو لتحقيق مطلب جميع العراقيين وهو تغيير النظام الفاسد في البلاد. نعمل خلال وجودنا على حرق إطارات السيارات ورمي قناني الوقود من أعلى سطح المبنى، لعرقلة تقدُّم القوات الحكومية، ولمنع وصولهم إلى ساحة التحرير. إنهم يحاولون منذ انطلاق ثورة أكتوبر/تشرين الأول، السيطرة على المطعم التركي، لإعادة نشر القناصين والمسلحين لقتل وقمع المتظاهرين. حتى لو تم اقتحام الخضراء من قِبل المتظاهرين، لن ننسحب من المبنى”.

ويذكر أن مبنى المطعم التركي تعرَّض للحرق في أول وثاني يوم للمظاهرات، في محاولة من القوات الحكومية لإنزال المتظاهرين من أعلى سطح المبنى، بالإضافة إلى أنه يتعرض يومياً لكثير من القنابل المسيلة للدموع والصوتية، وهو ما تسبب في استشهاد متظاهر وإصابة عشرات كانوا موجودين داخل المطعم التركي.

ويقول “محمد حسين”، أحد الذين يوزعون الطعام على المتظاهرين: “إنني وبعض الأصدقاء موجودون في مبنى المطعم التركي منذ اليوم الثاني للمظاهرات، عملنا يتركز فقط على توزيع الطعام والماء مجاناً على المتظاهرين والمعتصمين المرابطين على جبل أُحد، وجودنا معهم هدفه إعطاؤهم دافعاً معنوياً للاستمرار في التظاهر، لتحقيق المطالب المشروعة وإسقاط الفاسدين وإزاحتهم من الحُكم.. من الضروري توفير كل ما يحتاجه المتظاهر، إذا لم نوفر الطعام والماء للمتظاهر فقد يتراجع أو ينسحب من موقعه، هذا لم يحدث بسبب توفير الاحتياجات كافة للمتظاهر والتي نحصل عليها على شكل تبرعات من المواطنين”.

وتتحدث “ربا” وهي ناشطة بين المحتجين عن مبادرة شبابية لتنظيف المبنى المكتظ بالقمامة والأنقاض حرصا على صحة المتظاهرين المعتصمين في طوابقه حيث اشترى متطوعون أكياس أزبال وحبال ومكانس وبكرات للحبال وأوصلوها لهم ويحاولون الآن إيجاد آلية تُسهل نقل أكياس الأنقاض والقمامة بالحبال من طوابق المبنى العليا إلى أسفل. وتقول ربا: “أن المتبرعات يُوصلن هذه المواد إلى مرآب السيارات في أسفل المبنى حيث يتولى مجموعة من سائقي عربات التُكتك نقلها في طوابق المبنى السفلى التي كانت سابقا مرآب سيارات ثم يتولى شباب آخرون نقلها وتوزيعها على الطوابق الأخرى على سلالم ضيقة أو باستخدام السلال والحبال لسحبها”.

هذا وقد تم افتتاح أول مكتبة في بناية المطعم التركي تحمل اسم “شهداء التحرير”، تضم مئات العناوين المجانية المقدمة من دار المدى للمتظاهرين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة