خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “1q84” للروائي الياباني”هاروكي موراكامي” رواية تدور في عالم من الخيال، تدور أحداثها في العام 1984 في ثلاثة أجزاء، الجزء الأول يجري بين “أبريل ويونيو”، الجزء الثاني بين “يوليو وسبتمبر”، والجزء الثالث بين “أكتوبر وديسمبر”.. رواية “1q84” تتناول عالم خيالي يحدث في اليابان 1984، أو على الأدق عالم موازي للعالم الحقيقي، يبدأ هذا العالم الموازي في التشكل حين يظهر الناس الصغار، يخرجون من جثة معزة، ويصنعون شرنقتهم الهوائية التي يخلقون من خلالها “دوهتا”، صورة لفتاة صغيرة ويتصلون من خلالها مع البشر هي وأبيها، الفتاة تراهم والأب يسمع أصواتهم.
الشخصيات..
أومامه: البطلة، سيدة في الثلاثينات، تعمل مدربة رياضية، تقوم بعمل تدليك الناس وإصلاح أجسامهم وعضلاتهم، ثم تصبح قاتلة حين تنتحر صديقتها الوحيدة هربا من زوجها القاسي الذي كان يعذبها جسديا، فتقرر “أومامه” أن تقتله انتقاما لصديقتها، فتبتكر آلة صغيرة من كسارة الثلج لتصبح حقنة، تغرزها في نقطة معينة من رقبة الضحية وينتهي الأمر في دقائق معدودة دون ترك آثار، توجه “أومامه” عملها في القتل إلى الرجال الذين يعذبون زوجاتهم جسديا، والذين يظهرون القوة المفرطة والقسوة تجاههن. تولد لأبوين ينتميان لجماعة دينية متشددة، وتتمرد على أهلها منذ كانت طفلة، وتعيش مستقلة سنوات طويلة، لكن يشغلها دوما حلم لقاءها بصديق طفولتها، الذي شعرت حين لامست يده بالأمان، حين كانت في العاشرة من عمرها، ويظل هذا الصديق حلم حياتها رغم ما يمر بها من أحداث.
تنغو كاوانا: البطل، شاب في الثلاثين من عمره، يعمل مدرس رياضيات، بالإضافة إلى سعيه لأن يكون روائيا، ويعمل محررا لإحدى المجلات بشكل متقطع، يلجأ إليه المحرر ليعيد كتابة رواية جيدة تدعى “الشرنقة الهوائية”، ويوافق على مضض وبكتابته لهذه القصة يبدأ عالمه في التغير.. يحلم هو أيضا ب”أومامه” التي كانت زميلته في المدرسة، وتظل بالنسبة له نموذج للمرأة التي يحبها.
فوكا-إري: فتاة في ال17 من عمرها، كانت تعيش في إحدى التجمعات الشعبية، “ساكي جه”، وكان أبوها هو زعيم هذا التجمع، ثم تهرب منه بسبب مقابلتها ل”الناس الصغار” وتعيش مع صديق لوالدها وتكتب رواية “الشرنقة الهوائية”.
كوماتسو: محرر أدبي في إحدى شركات النشر الخاصة، يحث “تنغو” على إعادة كتابة رواية “الشرنقة الهوائية” طمعا في المال والشهرة.. لكن يتم اختطافه من قبل منظمة “ساكي جه”، ويعدهم أن يترك الرواية لكي ينساها الناس.
فوكودا: أبو “فوكا-إري”، وزعيم “ساكي جه”، وفيما بعد سيصبح وسيط “الناس الصغار” إلى الناس، يموت على يد “أومامه” بعد أن يمل من خدمة “الناس الصغار” ومن الألم الجسدي الرهيب المصاحب لذلك، وقبل موته يعدها أن يحافظ على حياة “تنغو” وبشكل ما يجمعهما سويا في ليلة عاصفة.
البروفيسور إيبيسونو: صديق “فوكودا”، تلجأ إليه “فوكا-إري” وتعيش معه سبع سنوات هو وابنته هربا من “الناس الصغار”، لكنه لا يفهم منها شيء ويقرر البحث عن أبويها، ولأنه لا يستطيع معرفة أخبارهما بسبب سرية “ساكي جه”، وتحولها من منظمة اشتراكية إلى تنظيم ديني، وازدياد نفوذها في المجتمع، يقرر نشر قصة “فوكا-إري” متمنيا أن تحوز شهرة واسعة لكي يستطيع من خلال هذه الشهرة معرفة سر اختفاء والدا “فوكا-إري”.
الأرملة الغنية: سيدة غنية تنتحر ابنتها وهي حامل بسبب اعتداء زوجها المتكرر عليها بالضرب والتعذيب الجسدي الوحشي، وتقرر أن تنتقم منه، ثم تنشي ملجأ للسيدات المعنفات لتحميهم من قسوة الرجال المرضي الساديين، وتتولى أمورهم المادية والقانونية، وتلجأ في الحالات الصعبة إلى التخلص من الرجل الذي يضايق إحدى فتياتها، لذا أقنعت “أومامه” بعد أن عرفت سر قتلها لزوج صديقتها، أقنعتها أن تقتل هؤلاء الرجال لهدف نبيل، وهو إنقاذ السيدات من أزواجهن الساديين، وتوفير الوقت والمال لهن ليبدأن حياة جديدة بدلا من ضياع حياتهن داخل المحاكم.
يوشيكاوا: رجل بدين، قبيح، له رأس مفلطحة، وجسد ممتلئ وقصير، يعمل كمخبر سري، استعانت به منظمة “ساكي جه” لكي يجمع معلومات عن “تنغو”عندما نشرت رواية “الشرنقة الهوائية”، ولكي يبحث لها عن “اومامه” بعد أن قتلت زعيمهم، وهو ماهر في عمله يتتبع “تنغو” في محاولة للوصل إلى “أومامه” ويذهب بحماس وهمة إلى أماكن كثيرة لجمع المعلومات ويربطها ربطا منطقيا، كان يعمل محاميا في السابق لكن تورط في أعمال غير قانونية جعلته يفقد عمله وأسرته، وهو يعاني طوال حياته من العزلة بسبب قبحه، لكنه رغم ذلك يشعر وقد تعاطف مع “فوكا اري” ولم يتتبعها.
كاوانا: والد “تنغو”، وهو محصل في شركة البث التليفزيوني، يحمل ولائه لتلك الشركة بعد تقاعده، ربى “تنغو” رغم الشكوك حول أنه ليس ابنه، هجرته زوجته و”تنغو” طفل صغير، ثم قتلت بيد عشيقها وتولى “كاوانا” تربية “تنغو”، لكنه كان يأخذه معه لتحصيل الاشتراكات، وساهم في أن تصبح طفولة “تنغو” بائسة، وهو رغم ذلك ترك ل”تنغو” أموالا بعد غيبوبة امتدت لشهور، كانت روحه تذهب خلالها لتحصيل الاشتراكات من الزبائن والدق على أبوابهم.
أيومي ناكانو: ضابطة شرطة في المرور، تعرفت عليها “أومامه” أثناء نزهاتها الليلية، كانت تبحث عن شريك جنسي وكانت تعاني من بعض الاضطرابات نتيجة اعتداء عمها وأخيها عليها جنسيا وهي صغيرة، وماتت وهي تقوم بلعبة جنسية خطرة مع أحد الشركاء.
كيوكو ياسودا: سيدة في الأربعين من عمرها، تقيم علاقة حميمية مع “تنغو” استمرت عدة سنوات، رغم أنها متزوجة ولديها عائلة، وبعد ذلك تهجره بعد أن يكشف زوجها أمرها.
تامارو: حارس لدى الأرملة الغنية، محترف في عمله يحمي السيدة وأعمالها، ويقوم بحماية “أومامه” بعد أن أصبحت في كنف السيدة، ويسهل مقابلة “أومامه” ل”تنغو” بعد أن يقتل “يوشيكاوا”، عاني في طفولته هو أيضا، فقد تربي في ملجأ للأيتام وعانى من انتهاكات كثيرة.
الراوي..
الراوي عليم في الأجزاء الثلاثة يعرف كل الأحداث، ويحكي عن بطلين أساسيين تدور الأحداث من وجهة نظرهما ومن خلال رؤيتهما” أومامه” و”تنغو”، وفي الجزء الثالث يعطي مساحة كبيرة ل”يوشيكاوا” لتتضح من خلال وجهة نظره أحداث كثيرة، ينقل ببراعة مشاعر وانفعالات “أومامه” و”تنغو” و “يوشيكاوا” ويتتبعهم بمهل.
السرد..
السرد يصل إلى حد البراعة، فهو مليء بالتشويق، يعتمد على التقطيع ما بين الجزء المخصص ل”أومامه” والجزء المخصص ل”تنغو”، وفي الجزء الثالث يتوزع السرد بينهما وبين “يوشيكاوا”، ويتم التقطيع دوما في وقت ذروة حدث ما، وكل جزء من الحكي يبدأ بعنوان مما يجعل القارئ متلهف لمعرفة ماذا حدث؟، رغم أن الكتاب الأول يبلغ 558 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب الثاني 497 صفحة من القطع المتوسط، والكتاب الثالث حوالي 600 صفحة من القطع المتوسط، إلا أن القارئ لا يمل أبدا من القراءة، ويظل منتظرا تكشف الغموض والأحداث، لأن الكاتب يكتشف أسرارا جديدة على الدوام، يتنقل السرد ما بين الماضي والحاضر بحرية وسلاسة، ويكتب بتفصيلية محببة، لكن العيب الوحيد أن الكاتب لم يهتم بكشف سر الناس الصغار إلا بما يسمح بتحريك الأحداث بين “تنغو” و”أومامه” والوصول إلى التلاقي بينهما.
ساكي جاكه..
في أوائل السبعينات تظهر حركة سياسية قوية في اليابان، متأثرة بالحركة الطلابية في فرنسا ودول أخرى في العالم، هذه الحركة السياسية تكون يسارية في أغلبها، وتهدف إلى عمل تغيير حقيقي في المجتمع لكنها تقمع من قبل السلطات، ويتم طرد أساتذة الجامعة والطلاب الذين تورطوا فيها، فيجمعوا أنفسهم ويذهبوا إلى منطقة زراعية ويعيشون في تجمع اشتراكي، مبني على أساس المساواة التامة بين الأفراد، ويقوم على العمل اليدوي وزراعة الأرض، ويستطيعون بالفعل تكوين تجمع “ساكي جه”، ويزرعون بمواد طبيعية وتلقى منتجاتهم رواجا في الخارج، خارج تجمعهم، ويصبح لديهم أموال كثيرة نتيجة لعملهم، لكن وبدون سبب واضح يتحول هذا التجمع الاشتراكي الذي يدعو للسلام والحياة الاجتماعية العادلة إلى تنظيم ديني رسمي، ويصبح منغلقا على نفسه، يكتسب نفوذا قويا، فيما بعد سنكتشف في الرواية أن سبب هذا التحول هم “الناس الصغار” الذين ظهروا ل “فوكا-إري” أول مرة، ثم استحوذوا على باقي التجمع من خلال الاستحواذ على زعيمهم..
وربما يكون هناك رمز في تلك الحكاية حيث أتوقع أن الكاتب قصد به تحول العالم من الاتجاه اليساري الذي كان يناهض الرأسمالية بقوة ويحاربها، وانتصار الرأسمالية التي شجعت ظهور التشدد الديني في كافة أنحاء العالم، كوسيلة لمواجهة الخطر الاشتراكي والشيوعي، وأصبحت الثمانينات فترة بروز التشدد الديني بامتياز في عدة أماكن بالعالم، واختفت تمام من المعادلة قوة اليسار التي كانت موازية لقوة الرأسمالية.
العالم الموازي..
يبدأ “العالم الموازي” الذي يسميه الكاتب1q84 في التشكل بمجرد أن تكشف “فوكا-إري” حكاية الناس الصغار، وبعد أن يعيد “تنغو” صياغة القصة لتصبح رواية شهيرة، وقتها يدخل “تنغو” و”أومامه” هذا “العالم الموازي” دون إرادتهما، ويريان قمران في السماء كعلامة مميزة لهذا العالم الموازي، كان دور “أومامه” في هذا العالم هو قتل الزعيم، وقد حاول “الناس الصغار” منع ذلك لكنهم فشلوا، وكان دور “تنغو” أن يصبح ضمن القوة المناوئة “للناس الصغار” والتي بدأت في تكوينها “فوكا-إري” حين هربت من “ساكي جه” وتركتهم، ورفضت العودة مرة أخرى.
الشرنقة الهوائية..
فيما بعد وقرب نهاية الكتاب الثاني سنتعرف على معنى “الشرنقة الهوائية”، وهي شيء يصنعه “الناس الصغار” من خيوط هوائية، نسيج أبيض يشبه في شكله حبة فول سوداني كبيرة، يكونون فيه شكل موازيا للناس الذين يختارونهم ليكونوا وسطاء لهم، صنعوا أول الأمر نموذج ل “فوكا-إري” يدعى “دوهتا” وتعني ظل القلب والعقل، جسد لفتاة يشبه تماما “فوكا-إري” وهذا ما أخافها وجعلها تهرب، فقد قالوا لها أنها “مازا” وأنها التجسد المادي ل”دوهتا”.
قصة حب أومامه وتنغو..
تعود قصة حب “اومامه” و”تانغو” إلى عشرون عاما من حاضر الرواية، حيث كانا في مدرسة واحدة وهما بعمر 10 سنوات، وحدث بينهما وفاق روحي ثم افترقا منذ ذلك الوقت، لكن ظل كل واحد في داخل روح الآخر، ظلت “أومامه” تحب “تنغو” وتتمنى مقابلته صدفة دون البحث عنه، وظل “تنغو” يحمل “أومامه” بداخله كأنثى وحيدة شعر بها قلبه لكنه أيضا لم يبحث عنها، وعندما تتكشف الأحداث يبدأ شغفهما ببعضهما يزداد ويفكر “تنغو” و”أومامه” في البحث عن بعضهما البعض لكنهم حتى الكتاب الثاني لن يتم بينهما لقاء.
في الكتاب الثالث يركز الكاتب على قصة الحب التي بين “أومامه” و”تنغو” ويعطي مساحة كبيرة لشخصية المخبر السري، وتكون “أومامه” مختبئة بعد قتلها للزعيم، لكنها ما أن تلمح “تنغو” في حديقة قريبة من المنزل الذي تختبئ فيه حتى يصحو حلم حياتها، وتعرف أن تحققه أصبح قريبا، وتظل تنتظر ظهور “تنغو” مرة أخرى لثلاثة أشهر، تعرف أثناءها أنها حامل رغم أنها لم تقم باتصال جنسي، ويخبرها حدسها أنه طفل “تنغو”، فقد حملت به في يوم عاصف، ذلك اليوم الذي قتلت فيه الزعيم، وقد كان هذا الطفل بمثابة الخليفة للزعيم ليحل محله في الاتصال بالناس الصغار بعد موته، لكن أومامه بعد أن تستنتج ذلك تقرر أن تحمي صغيرها، وأن تلتقي ب”تنغو” ويجتمع شملهما، وبالفعل يحدث ذلك بمساعدة “تامارو” وتعرف “أومامه” المخرج الذي لابد أن تعبر منه هي و”تنغو” لتهرب من العالم الموازي والناس الصغار ومن القمرين، ويتحقق ذلك، وكأن الحب القوي هو المخرج الوحيد من كارثة التشدد الديني والخرافات المحيط به والخطر الذي يسببه.
الرواية..
“1q84” تقرأ باللغة اليابانية “إيتشي كيو هاتشي يون”، هي رواية من أعمال “هاروكي موراكامي” نشر جزئيها الأول والثاني للمرة الأولى في عام 2009 ونشر الجزء الثالث في عام 2010، حققت الرواية أعلى مبيعات للكتب في اليابان في عام 2009، صدرت الترجمة الإنجليزية في أواخر 2011، وقد صفتها صحيفة الغارديان بأنها “حدث عالمي بحد ذاتها”، وصحيفة “ذا جابان تايمز” اعتبرت أنه من الممكن أن تكون قراءتها ضرورية لأي شخص يريد أن يفهم الثقافة اليابانية، كما اعتبرتها أعظم أعمال “موراكامي”.
الرواية “1q84”هي قصة حب آسرة تدور في إطار من الفانتازيا، لكنها مع ذلك لا تخلو من رصد للمجتمع الياباني ومدى التحولات التي تحدث فيه، ورصد لبعض المشاكل التي تظهر به مثل الاعتداء على النساء.
الكاتب..
“هاروكي موراكامي” مواليد 1949، هو كاتب ياباني من مدينة “كيوتو”. لاقت أعماله نجاح كبيرا حيث تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعا، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وترجمت إلى أكثر من 50 لغة. حصل “موراكامي” أيضا على عدة جوائز أدبية عالمية، منها جائزة “عالم الفناتازيا” 2006، وجائزة “فرانك أوكونور” العالمية للقصة القصيرة 2006، وجائزة “فرانز كافكا” 2006، و جائزة القدس 2009.
من أبرز أعماله رواية (مطاردة الخراف الجامحة (1982) والغابة النروجية (1987) وكافكا على الشاطئ (2002) وإيتشي كيو هاتشي يون (2009 – 2010) ، ويُعد “موراكامي” من أهم رموز أدب ما بعد الحداثة. كما وصفته مجلة الغارديان بأنه “أحد أعظم الروائيين في يومنا هذا” بسبب أعماله وإنجازاته.