29 نوفمبر، 2024 2:49 ص
Search
Close this search box.

ثلاثية يوميات طائر الزنبرك.. فقدان الانسجام مع الذات يفقد الإنسان توازنه النفسي

ثلاثية يوميات طائر الزنبرك.. فقدان الانسجام مع الذات يفقد الإنسان توازنه النفسي

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “يوميات طائر الزنبرك” هي ثلاثية للكاتب الياباني “هاروكي موراكامي” تدور في الثمانينات من القرن الماضي، وتمتلئ بأجواء غرائبية، حيث بجانب العالم الواقعي الذي يعيش فيه البطل يوجد عالم آخر موازي، عالم خيالي لكنه يتصل بصورة كبيرة بالواقع يؤثر فيه ويتأثر به.

الشخصيات..

تورو اوكادا: البطل، رجل في الثلاثين من عمره، يعيش مع زوجته، كان يعمل في شركة للمحاماة لكنه يترك عمله بحثا عن تطور مهني، ثم يجد نفسه محتارا في مستقبله المهني، ثم تحدث له سلسة من الأحداث الغريبة.

نوبورو واتايا: أخو زوجة البطل، باحث في الاقتصاد، يشتهر إعلاميا، ثم يصبح أحد نواب مجلس النواب، له قوى خاصة يتحكم بها في من حوله، ويعادي البطل بشكل مباشر.

كوميكو: زوجة البطل، عاشت في أسرتها غير سعيدة، خاصة بعد موت أختها الأكبر منها، ثم تزوجت من “تورو” وهي في العشرينات من عمرها، ثم تحدث لها تغييرات كبيرة تنتهي باختفائها وظل البطل يبحث عنها طويلا.

ماي كاسهارا: فتاة مراهقة، تعاني من حالة غير مألوفة من رفض الحياة العادية والتقليدية، يقابلها البطل ويصبحا صديقين، وتترك دراستها وتعمل في أحد مصانع باروكات الشعر المستعار.

جوزة اكاساكا: سيدة في الخمسين من عمرها، ترفض ذكر اسمها للبطل، لكنها تساعده ماديا وتوفر له عملا ومقرا، وهي أيضا لها قدرات خاصة حيث تشفي النساء بقدراتها هذه، بعد أن كانت مصممة أزياء شهيرة، ثم هجرت الأزياء بعد موت زوجها بطريقة وحشية.

قرفة: ابن “جوزة اكاساكا”، وهو لا يتكلم، فقد النطق وهو في سن الطفولة بعد أن حدث له حدث غرائبي.

يوشيكاوا: رجل بغيض، يقوم بمساعدة “نوبورو واتايا” بعدما أصبح نائبا. ويقوم بالأعمال السرية وغير الشريفة، وقد كان وسيطا ليجبر “تورو” على الانفصال عن “كوميكو” لكنه لم ينجح في ترهيب “تورو”.

الملازم هوندا: أحد الناس الذين لهم قوى خاصة في الكشف عن المستقبل، كان يذهب إليه “تورو” بناء على رغبة والدي “كوميكو” وقد عايش الحرب العالمية الثانية.

الملازم ماميا: صديق ل”هوندا” أرسله ل”تورو” وقد أصبحا صديقين فيما بعد، وحكي “ماميا” ل”تورو” أحداث كثيرة مر بها أثناء الحرب العالمية الثانية وعداء روسيا لليابان، واحتلال اليابان للصين ودول أخرى.

الراوي..

الراوي هو “تورو” الذي يحكي عن نفسه بضمير المتكلم، ويحكي عن باقي الشخصيات الأخرى، كما أن هناك راو عليم يجلب مقالات لتسد ثغرات في مجرى الأحداث، ويستعين بنصوص  مثل رسائل الملازم “ماميا” ورسائل “ماي كاسهارا” ونصوص كتبها “قرفة”، ورسائل “كوميكو”.

السرد..

الرواية تعتمد على سرد محكم البناء، طويل، وشخصيات كثيرة وثرية، وتعتمد على الدخول والخروج ما بين عالمين أحدهما واقعي والآخر خيالي مواز له. الرواية تقع في ثلاثة كتب، تقع في حوالي٩٦٩ صفحة من القطع المتوسط. يحكي فيها الكاتب مقسما الرواية إلى أقسام بحسب فصول السنة كما يضع عناوين لأقسام داخلية، عناوين طريفة وتتناسب مع ما يحكي بعدها.

فقدان الانسجام مع الذات يفقد الإنسان توازنه النفسي

الرواية تتميز بجو السحر الذي يجد القارئ نفسه فيه عند قراءة رواية ل “هاروكي موراكامي”، فأجواء هذه الثلاثية تشبه روايات أخرى له.

تدور الرواية عن قصة حياة زوجين يعيشان حياة طبيعية، إلى أن يتم اختفاء القط الذي وجداه بعد زواجهما مباشرة، ثم تتوالى الأحداث التي تهاجم البطل، حيث يبحث عن القط في حيه ليكتشف وجود منزل مهجور يصفه الناس بأنه شؤما على من يسكن فيه، ويصادف فتاة مراهقة يتسكع معها، ثم تختفي زوجته فجأة بعد أن تتواصل معه سيدة غريبة تدعى
مالطا كانو” وأختها “كريتا” اللتان لهما قوى تساعدهما على اكتشاف أشياء في المستقبل واكتشاف الألغاز التي تحدث للناس.

ويظل البطل حائرا لا يفهم ما يحدث وما سبب هجر زوجته، على الرغم من أنها أرسلت إليه رسالة تقول فيها أنها هجرته لأجل رجل آخر، وأنها لن تعود أبدا.

ثم تتوالى الأحداث ويتعرف على الملازم “ماميا” الذي يحكي له عن الحرب العالمية الثانية ووحشيتها. ويقابل “جوزة” و”قرفة”، ويجلس داخل بئر جاف في البيت المهجور، محاولا التواصل مع العالم الآخر الخيالي الذي أدخل فيه بواسطة “كريتا كانو” ليتأكد من هذا العالم وكيف هو، وما علاقته به، ثم يصبح معتادا على الدخول في هذا العالم، بل ويصبح فاعلا فيه، ويقتل من خرب حياته في هذا العالم الموازي، ليجد أن أخو زوجته قد أصيب بسكتة دماغية.

ويكتشف سبب هجرة زوجته له، حيث تلاعب بها أخوها بقواه الخاصة، وجعلها تستجيب جسديا لعدد من الرجال، ثم جعلها تشعر بأنها مقسمة إلى ذاتين، ذات قوية تحب زوجها وتريد العيش معه، وذات ضعيفة تستسلم لأخيها ولمحاولته السيطرة عليها والاستحواذ عليها، وتجد نفسها موزعة ما بين الذاتين، ثم تشعر بالانهزام وتستسلم تماما لأخيها، وفي النهاية تقرر قتله حتى تتحرر منه، وتفصل عنه الأجهزة الكهربائية بعد أن أصيب بسكتة دماغية.

تشير الرواية في جزء كبير منها إلى الحرب العالمية الثانية وقت أن كانت اليابان إمبراطورية كبيرة، وقبل تلك الحرب حيث كانت اليابان تحتل الصين ودول أخرى، ويتعامل جنودها بوحشية كبيرة مع الصينيين، حيث انهم يقتلون المدنيين والمزاعين بوحشية، وذلك لاستغلال ثروات الصين واستغلال شعبها، وحدث ذلك مع دول أخرى. ثم في الحرب العالمية تسوء أحوال اليابان ويتعرض الجيش لهزات عنيفة، في مواجهة طغيان ستالين وجبروته، والذي كان لا يتورع عن قتل المئات والآلاف واحتجازهم في معسكرات عمل كبيرة، ليزيد من ثروة نظامه.

ويستنتج القاريء من حكي الملازم “ماميا” أن اليابان، في أطماعها الاستعمارية ووحشيتها مع الشعوب الذين غزت بلادهم، لم تختلف كثيرا عن روسيا الذي كان يحكمها ستالين بجبروت وطغيان وديكتاتورية، تحت دعاوي تطبيق الاشتراكية، والوصول إلى المجتمع الشيوعي، وكان يقتل الآلاف في ظروف حرب قاسية، وظروف احتجاز غير إنسانية في نظام ديكتاتوري يسمح بتربح الانتهازيين والفاسدين من أعضاء الحزب الشيوعي على حساب حصص الطعام والمواد الغذائية والأساسية المخصصة للجميع، وحتى تلك المخصصة للعمال الذين يتم احتجازهم بأعداد كبيرة في معسكرات عمل بالسخرة.

كما تناولت الرواية أزمة فقدان الإنسان لتواصله مع ذاته، وكيف يجعله ذلك مهددا بالضياع، ففقدان الانسجام مع الذات يفقد الإنسان توازنه النفسي والاجتماعي أيضا، ويصبح مشتتا لا يعرف ماذا يفعل، وقد عانت شخصيات كثيرة داخل الرواية من هذا الأمر، بعضهم استطاع التواصل والانسجام مع ذاته مرة أخرى وتحقيق التوازن، والبعض الآخر لا، ومن حقق هذا الانسجام تحسنت حياته كثيرا.

الكاتب..

“هاروكي موراكامي” مواليد 1949، هو كاتب ياباني من مدينة “كيوتو”. لاقت أعماله نجاح كبيرا حيث تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعا، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وترجمت إلى أكثر من 50 لغة. حصل “موراكامي” أيضا على عدة جوائز أدبية عالمية، منها جائزة “عالم الفناتازيا” 2006، وجائزة “فرانك أوكونور” العالمية للقصة القصيرة 2006، وجائزة “فرانز كافكا” 2006، و جائزة القدس 2009.

من أبرز أعماله رواية (مطاردة الخراف الجامحة (1982) والغابة النروجية (1987) وكافكا على الشاطئ (2002) وإيتشي كيو هاتشي يون (2009 – 2010) ، ويُعد “موراكامي” من أهم رموز أدب ما بعد الحداثة. كما وصفته مجلة الغارديان بأنه “أحد أعظم الروائيين في يومنا هذا” بسبب أعماله وإنجازاته.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة