9 مارس، 2024 11:43 ص
Search
Close this search box.

ثقافة تشرين (9): هل يوجد تيار ثقافة وطنية مقاوم مواز لوقائع الانتفاضة؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

يلوم البعض على المثقفين والكتاب، يتهمهم بالتخاذل، لكن السؤال الهام كيف نطلب من الكتاب والمثقفين أن يتخذوا موقفا نضاليا بعد أن عاشوا سنوات طويلة من القمع والقهر على يد نظام سياسي قوي وقاهر؟، هل النضال موقف داخلي، أم ممارسة تحتاج إلى تدريب وطول مران، ويخضع للتجربة والخطأ، للفشل مرات عديدة ومن ثم النجاح.

بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع. ونجمع آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.

 

منطقة اللاموقف الرمادية..

يقول الكاتب والإعلامي المقيم في فنلندا “يوسف أبو الفوز”: “في العقود الأخيرة، من تاريخ العراق السياسي والثقافي، ظلت وللأسف أعداد من المثقفين العراقيين، وتحت مبررات عديدة، تدور مواقفها في المنطقة الرمادية، منطقة اللاموقف. ففي زمن العسف البعثي العفلقي، وحروبه الكارثية الداخلية والخارجية، ارتضت جمهرة من المثقفين، بدور المتفرج بدون موقف واضح مما يجري من جرائم بحق الشعب والوطن، وبعد سقوط النظام على يد قوى الاحتلال الأمريكي، راح بعضهم، وبدل من الاعتذار من الشعب والتكفير عن دور المتفرج، يجترون تبريرات كونهم (مجرد موظفين في الدولة)، وتبعا لهذا بدا لنا حتى الديكتاتور المجرم صدام حسين مجرد موظف في القصر الجمهوري!!”.

ويواصل: “وتكرر السيناريو المؤسف مع اندلاع انتفاضة تشرين2019، ففي الوقت الذي واجه شباب الانتفاضة، رصاص (الطرف الثالث) بصدورهم العارية، ثائرين من أجل التغيير والخروج من دوامة فساد أحزاب الإسلام السياسي، التي نصبها الاحتلال الأمريكي وريثة للخراب الذي خلفه نظام صدام حسين لتزيده خرابا، راحت جمهرة من المثقفين تكرر وقوفها في المنطقة الرمادية، متناسين أن الحياد في المنعطفات التاريخية يعتبر صنفا من الخيانة، فالواجب التاريخي يفرض أن يكون المثقف الحقيقي صوتا متقدما لأبناء شعبه، يصطف إلى جانب الثوار في سعيهم للتغير لأجل عراق مدني ديمقراطي. ففي ظل ما عاناه شعبنا، من قهر وإذلال، في سنوات النظام الديكتاتوري البعثي، وسنوات الاحتلال الأمريكي، وثم حكومات المحاصصة الطائفية والإثنية، تناسى هذا الصنف من المثقفين، القانع بعضهم بفتات الأنظمة الحاكمة، أن على المثقف الحقيقي أن يحدد خياره بوضوح، فإما الاصطفاف مع الشعب ومطالبه المشروعة بحياة حرة كريمة، وإما الاصطفاف مع الحاكم الظالم المتستر بعباءة الفكر القومي الشوفيني البعثية، أو عباءة الدين الطائفي وميلشياته”.

ويكمل: “وأمام كل ما تقدم، والواقع المؤسف والمعاش، إذ نجد أعداد ليست قليلة من المثقفين، لا تزال بدون موقف واضح، فمن الصعب الحديث عن تيار ثقافة وطنية مقاوم مواز لوقائع الانتفاضة، وتبقى نشاطات بعض المثقفين ممن اصطفوا إلى جانب الانتفاضة والمؤمنين بها والمطالبين بالتغيير، من خلال كتابة نصوص، أو إصدار كتب، وأعمال فنية من رسم أو موسيقى، ما هي إلا مجرد جهود فردية، تظل بعيدة عن التأثير الجماهيري المطلوب والكافي لخلق وعي متقدم لنشر ثقافة المواطنة والانتماء إلى الوطن بعيدا عن الانتماءات الفرعية، الحزبية والعشائرية والطائفية والإثنية. فما يزال الكثير من المثقفين للأسف لم يحسموا موقفهم، بالاصطفاف إلى جانب أبناء شعبهم، وتكريس إبداعهم في الكتابة والرسم والموسيقى لأجل تغيير المزاج الشعبي العام، وإذكاء الروح الثورية لدى أبناء الشعب وديمومتها بشكل حضاري، للمساهمة في الانتفاضة السلمية ودعمها لأجل التغيير وبناء عراق جديد”.

ويؤكد: “وأعتقد لم يفت الأوان بعد أمام الكثيرين منهم ليراجعوا مواقفهم، فانتفاضة الشعب من أجل التغيير مستمرة، فأسباب اندلاعها ما تزال موجودة، ونقمة الشباب مستمرة، تحتاج لمن يسندها ويدعمها ويشذبها بعيدا عن العدمية التي تخلط الأخضر باليابس، لتفرز الانتفاضة قياداتها الكفؤة وللمساهمة في تحديد وتجذير المطالب المشروعة لأجل التغيير المنشود. وتبرز الآن، ومن بعد مرور عام على اندلاع انتفاضة تشرين، التي خمد لهيبها قليلا لأسباب متعددة، منها جائحة الكورونا، أهمية أن يكون المثقف العراقي، وفيا لتأريخ مفعم بالمواقف الثورية والوطنية لأجيال المثقفين من رواد الثقافة العراقية وصانعي مجدها، الذين اصطفوا إلى جانب الشعب في منعطفات مهمة، في وثبة كانون 1948، وثبة تشرين 1956 وثورة تموز 1958 والمثقفين الرافضين لسياسة نظام البعث الصدامي ممن ارتضوا حياة المنفى أو التحقوا بصفوف المقاومة المسلحة في جبال كردستان. إن الفرصة متاحة أمام الكثير من المثقفين لينهوا ترددهم والخروج من المنطقة الرمادية وإعلان موقفهم الصحيح والواضح، فخير الأمور بخواتيمها”.

 

أدارت عجلة النهوض..

وتقول الكاتبة “شهد المرسومي”: “ثورة تشرين أبرزت دور المرأة، حيث أن الاحتجاجات المُطالبة بالحقوق التي قام بها الثوار مكّن المرأة من رفع صوتها والمطالبة ب”وطن” أسوة بالرجال، فرأينا نماذجاً من طالباتٍ وربات بيوت وعجائزاً دعموا وشاركوا في الثورة، أذكر صورةً جميلة انتشرت على مواقع التواصل، ظهر فيها شيخٌ كبير يسند سُلماً تقف عليه ابنته وهي ترسم لوحة للثورة على إحدى الحواجز الكونكريتية قرب (ساحة التحرير) مركز التظاهرات. مثل هذه الصورة الجميلة عبرت عن نهضة في الوعي الثقافي في المجتمع العراقي، حيث عززت ثورة تشرين جوانب الفن، فظهر لنا الرسامون الذين رسموا بريشاتهم أبرز محطات الثورة، وظهر الشعراء والمطربون الذين تغنوا بأمجاد الثوار، وهكذا فإن هذه الثورة كشرارة أدارت عجلة النهوض التي على الرغم مما يعلوها من صدأ فستدور”.

الانتفاضة مستمرة..

ويقول الكاتب “ناهض الرمضاني”: “من المبكر جدا الحديث عن انعكاس انتفاضة تشرين الشبابية على الأعمال الفنية الناضجة. فالانتفاضة ما تزال مستمرة، وكثير من المبدعين الشباب يخوضون غمارها حاليا وهم في شغل شاغل عن الإبداع الفني. وتبقى المشغولات الفنية والشعارات والأدبيات التي أفرزتها الانتفاضة تبقى أعمالا مرحلية مباشرة تستخدم للتوعية والتحريض، وتفتقر للنضج والعمق اللذان لا يتأتيان للمبدع إلا بعد أن تهدأ فورة الحماس ويحصل المبدع على مسافة كافية من الحدث”.

ويؤكد: “سيكون لهذه الانتفاضة لاحقا مكانة محورية في كافة حقول الفن العراقي، كونها أول انتفاضة شبابية شعبية حقيقية نابعة من أخصب شريحة في العراق. شبابه وفتيانه وشاباته أيضا بالتأكيد. ولن تنمحي بصمات هذه الانتفاضة من نفوس جميع من شارك به”.

ثقافة الرفض..

ويقول الروائي “سالم حميد”: “الديمقراطية منظومة نائمة مالم توقظها أصوات المتظاهرين. إذن لابدّ من التظاهر مادام وقود الديمقراطية هو الاحتجاج، ولابد كذلك أن يتعلم الناس فن الاحتجاج، فربما أن التظاهرات العنيفة تعطي نتائج عكسية لأنها تعطي للسلطة مشروعية القمع، والاحتجاجات السلمية قد تعطي نتائج إيجابية لأنها تجرد السلطة من أسلحة الرد العنيف، والاحتجاجات السلمية تستقطب كل فئات الشعب وتحفزهم  لإبداء الدعم والتظاهر”.

ويضيف: “وللاحتجاجات تأثيراتها الكبيرة على وعي المجتمع، وقطعا ستكون تأثيراتها إيجابية حتى على الجهة التي يتم الاحتجاج ضدها، فمن خلال هذه المظاهرات تتمكن السلطة من رؤية وجهها الحقيقي لأن التظاهرات مرآة كبيرة، فتضطر السلطات لتصحيح مسارها ومجارات مطالب الناس وطموح الشعب. أما الجانب الآخر الإيجابي وهو يخص الشعب، فمن خلال هذه المظاهرات يمكن أن تنمو ثقافة، وهي ثقافة الاحتجاج والرفض، وبغياب هذه الثقافة تتراجع الشعوب، وللأسف هذا ما تفتقده الشعوب الشرق أوسطية، وهو السبب الرئيسي الذي وضع هذه الشعوب في طرف قائمة التطور”.

شعلة ضوء..

وتقول الصحفية “رجاء حميد رشيد”: “شكلت انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019 واجهة العراق الحضارية، علامة فارقة في تاريخ الاحتجاجات في العراق بعد أحداث عام 2003، فهي غير مسبوقة، شكلًا ومضمونًا، سواء من حيث سعة انتشارها، أو عمقها الشعبي، أو استمراريتها رغم حملات العنف التي تعرضت لها، مما أدى إلى خروج المتظاهرين عن وعي ودراية باحتجاجات ومطالبات اجتماعية وسياسية، من أجل توفير الخدمات وفرص العمل والقضاء على البطالة، والفساد الإداري وإنهاء نظام المحاصصة والتهيئة لإجراء انتخابات مبكرة نزيهة، والأهم دورها في تشكيل هوية وطنية جامعة عابرة للتقسيمات الطائفية والدينية والعرقية، والعمل على الارتقاء والنهوض بالعراق إلى بلد يليق بحضارته العريقة”.

وتوضح: “أفرزت ثورة تشرين  في ذكراها السنوية الأولى 2019_2020، وبوعي وثقافة ثوارها الذين خرجوا يلتحفون بالعلم العراقي رافعين شعارات سلمية “ونريد وطن”، استقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة مؤقتة والتهيئة لإجراء انتخابات مبكرة، مؤكدين استمرار احتجاجاتهم السلمية لحين تنفيذ مطالبهم التي خرجوا من أجلها، والتي قدموا  خلالها نحو 700 شهيد و25000  ألف جريح،  ومن بينهم 3 آلاف “إعاقة جسدية”، وثلاثة آلاف معتقل، وهم لم يطالبوا بأكثر من حقوقهم المشروعة، وعلى الرغم من سلميتها، أثبتت الانتفاضة قوتها وصمودها وكسبت تأييد شعوب العالم واحترامها الكبير. مازالت الاحتجاجات تمتد في معظم المدن والمحافظات العراقية، وإصرار المتظاهرين على تحقيق كامل أهدافها، ثورة شباب تشرين شعلة ضوء لغد أفضل ووطن أبهى”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب