ثقافة تشرين (8): انتفاضة مهدت الطريق لكسر ثقافة المقدس

ثقافة تشرين (8): انتفاضة مهدت الطريق لكسر ثقافة المقدس

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هل يمكن اعتبار النصوص التي كتبت في أجواء الحراك الشعبي، ودهشة الانتفاضة نصوصا معبرة عن ذلك الحراك؟، أم يمكن إدراجها ضمن الرد فعل، يعني اعتبارها رد فعل عفوي لما حدث من حراك شعبي هادر، وننتظر نصوصا سردية وقصائد شعر تعالج الحراك، أو تعبر عنه بكشل أعمق؟. تساؤلات هامة تشغل ذهن البعض ممن تابعوا حراك تشرين العظيم 2019.

بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع. ونجمع آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.

تبلور الأفكار السردية..

يقول الروائي “عامر حميو”:  “كما هو معروف تعد احتجاجات الشعوب ثورة، إذا تمخض عنها تغير في سلوك سياسيها، وثقافة أن يكون احتجاج شعب ما على حكومته سببا بإسقاطها، ثقافة غير متأصلة في سلوك حكوماتنا العربية، ومن نتائج ثورة تشرين في العراق أنها أجبرت حكومة زمنها أن تستقيل، فتكون بادرة سيسجلها تاريخ العراق في الفعل السلوكي لسياسي تاريخه الحديث، ولأنها كذلك فقد انعكست تأثيرات ثورة القمصان البيضاء، كما أطلق عليها الإعلام بعد أن دخلها وبشكل فاعل طلبة المدارس والجامعات، سينعكس تأثير ذلك حتما على الكثير من مناحي الحياة ومن ضمنها، تشكل الوعي بالانتماء الصميم إلى الوطن عند أجيال شبابنا الحالي، ورفد الذاكرة الجمعية مستقبلا بمثل عليا للوطنية والتشبث بجذور الأرض”.

ويواصل: “والمثقف عامة، هو جزء أساس ممن أصابه التأثير الإيجابي لهذا الفعل الاحتجاجي، فكانت القصيدة الشعرية، والموسيقى، والفن التشكيلي، حاضرة بشكل سريع على مستوى التفاعل الآني مع الحدث، ثم جاء بتوالي أيام الاحتجاج تبلور الرؤى والأفكار السردية لدى كتاب القصة والرواية، وكان على إثر ذلك أن ظهرت أعمال قصصية تستقي مادتها من قصص ما يجري بساحات التظاهر مثل، على سبيل المثال لا الحصر:

– عزيزي المندس م.ق/ خضير فليح الزيدي.

– انتفاضة الحب التشرينية م.ق/علي مناضل.

– لن ننثني م.ق/منى الجابري.

– رواية سائق التك تك/عبد الرزاق ابو حوري.

– رواية إبن ثنوة /وفاء عبد الرزاق.

– رواية الهبوط من المطعم التركي/ مشتاق عبد الهادي”.

ويؤكد: “وقطعا تخمر الأحداث وتوالي الأيام على وقوعها سيفرز مستقبلا أعمالا أخرى يشار لها بالبنان، تؤرشف هذه الحقبة وتمزج الوقائع وما جرى مع مخيلة سارديها في أعمال قصصية روائية نتباهى بها وبمن كتبها. وستنجب الصورة الشعرية الجديدة في القصيدة، واللوحة التشكيلية التي ستبقى مونليزة لمن قام بهذا الفعل الثوري من أبنائنا تخلدها ذاكرة الناس دائما”.

تنظيف المؤسسات..

وكان رأي الروائي “حسين رحيم”: “إن مايقوم به شباب العراق الآن ليس جديدا على التاريخ فثورة الشباب في الستينيات، حيث شهدت نهايتها ظاهرة غريبة لم تسبق في التاريخ هي ثورات الشباب التي اندلعت في عديد من البلدان، في ألمانيا وفرنسا وفي الولايات المتحدة الأميركية وفي إيطاليا والمكسيك وفي بعض البلاد الاشتراكية. لقد فاجأت هذه الثورات التي بلغ بعضها- مثل ثورة الشباب الفرنسية عام 1968- حداً من العنف هدد بتقويض النظام القائم، ورجال الدولة، ورجال الفكر، وزعماء الأحزاب، والمؤسسات السياسية في الوقت نفسه. أما في العراق فهو نتاج الفساد الكبير الذي فاحت راحته لدرجة أصبح الساسة يعترفون به قبل غيرهم”.

ويضيف: “إنهم ببساطة يرغبون بتنظيف المؤسسات من الفاسدين، وإعادة هيبة الدولة ولا أظن أن أي منصف يرضى بأقل من هذا”.

“قائدنا شهيد”..

ويقول الشاعر”أحمد ضياء”: “لم تكن تشرين ثورة عراقية فقط، بل إنها أعادت رسم خارطة المنطقة العربية إذا لم نقل العالمية، فالجميع أنتبه إلى كوامن الشعب العراقي وما يضمره تجاه السياسات الحاكمة، مفعلين هذا المكون بالسلمية، فرغم كل الأساليب التي استخدمها الطرف الثالث من قمع وقتل واختطاف، إلّا أن الشباب العراقي بكلتيه الذكر والأنثى استطاع تجاوز هذا الأمر، والاستمرار بثورته. بقاعدة مهمة لم يستطع رجل دين سرقتها كما حدث سابقا ولا سياسي التعامل معها. الأمر الذي أزعج الكثير وباتت الرؤية واضحة جدا. في الثورة لا يمكن للمذهب أن يحكم ثمة رؤية شمولية وهي استعادة البلد من احتلال دول الجوار والعمل على إنشاء المصانع والمعامل في سبيل الخلاص من البطالة التي أصابت المجتمع، فكثيرا من أصحاب الشهادات العليا لا يعملون باختصاصهم في حين يأتي السياسي ليسرق جهود هذه الشريحة وغيرها”.

ويكمل: “تتجدول أعمال تشرين في إعادة الحقوق ونصرة المظلوم والخلاص من الكتيبة السياسية الفاسدة ذات الميول الولائية المعروفة لدى الجميع. فالعراق لا يرضخ لأي جهة ما، والثوار جعلوا من الكثير أضحوكة مما وتر الأحداث وباتت أزمة. وما التغيرات الحادثة في مستودع الفكر إلا واحد من أهم الأمور الأساس التي حصلت، فأصبح المواطن بكل ثقة وحدية يطالب بحقه، ويستطيع قول (لا) بكل إصرار وعليه بات ثمة رؤية هامة في تعديل المسار المتبع في هيكلية الدولة”.

ويواصل: “(المجد لمن قال لا) إستراتيجية كبيرة في فحص وتقويم مشروع الآخر وما تسويف المطالب المشروعة إلا كمرحلة عابرة. أيضا القانون الانتخابي وما ينص عليه في قراءة الواقع الحياتي وتحويل المحافظات إلى دوائر انتخابية. كما نجد رفض الولائية في العراق وبيروت إلا لفسح المجال أمام رجال يثق بهم الشعب ولا يزاودن أحدا على مسألة الإخلاص. اليوم العراق ما قبل تشرين يختلف عن عراق ما بعد تشرين بواقع مهم وجدلي في كثير من المفاصل التي هيئته في قول لا. كل التحايا للثوار والمجد والخلود لمن سقط، والحرية للمعتقلين، ونصر في خطابنا اللائذ بالحقيقة مهما كانت نسبيتها لكننا نريد وطن. وما نموت مشاعر وخطوات في الأفق تعدل مسار كل ما هو مغلوط، عندها لن يكون هناك شيء اسمه اللادولة ولا سلاح منفلت. “قائدنا شهيد” جملة مهمة لعدم ركب أي طرف موجة الثورة”.

 

ثقافة البعث الأكثر خراباً..

ويقول الشاعر “عبد الكريم هداد”: “لقد قام نظام البعث، ولمدة 42 عاماً على تأسيس وممارسة ثقافة سلطة مبنية على التعسف، عبادة الشخصية وإلغاء الآخر والحروب، والتي توجت في ال 12سنة الأخيرة من حكمه لما قبل الاحتلال الأمريكي “بحملة  إيمانية”  مهدت الطريق لمفاهيم وتفاسير أخلاقية  في العدالة والحقوق، كما هو اليوم حاصل في عموم العراق من شماله حتى الجنوب. وليس مصادفة أن الحاكم “بريمير” قد أشرك بعض أعضاء لجنة- الحملة الإيمانية لنظام البعث- كأعضاء في مجلس الحكم، الذي شرع في تقنين المحاصصة الطائفية والقومية، والسير قدماً في ثقافة البعث الأكثر خراباً وهي ترتدي وبشكل علني جبة الدين. ولم يبتعدوا حتى عن مسميات البعث في العناوين وأسماء ميلشياته الحزبية. لقد تزاوج “انتهازيو ثقافة البعث” و”انتهازيو ثقافة معارضة البعث” وساروا سوية، وتقدموا الصفوف وبات أحدهم يزكي الآخر في تقاسم المناصب والمنافع، ضمن منهاج الخراب الذي أطاح بالبلاد، وإشاعة آلية القوة لثقافة صاحب السلطة، من خلال ارتداءها للعمامة، فثقافة المجتمع العراقي هي آلية “نظام ولاية الفقيه” لكن غير معلنة”.

ويواصل: “إن عقود الدكتاتورية والحروب والجوع والتعسف والاضطهاد والطائفية والعشائرية، رسخت مفاهيماً متعددة من الازدواجية التي مازالت  تقود أغلبية المجتمع العراقي، فضابط كبير كان هو الموقع على اتفاقية “خيمة صفوان” المذلة بحقوق العراق، والتي مهدت الطريق للاحتلال الأمريكي، حين مات وشيع قبل أشهر على إنه رمز العسكرية العراقية، إن ذلك يثبت إن خللاً ثقافياً لدى النخبة والمجتمع العراقي مازال قائماً وقوياً بعض الشيء، وهو الذي يقود فعاليات الحياة اليومية في العراق ، وإلا كيف تكون عشيرة حزباً ديمقراطياً..؟”.

ويضيف: “حتى جاءت انتفاضة تشرين بصدور شبابها العارية فقلبت الطاولة على الجميع، وكشفت حتى الذي كان مختبئاً تحت الطاولة. إنها انتفاضة صراع لابد أن ينتج عنها وعيا مغايرا لما سبق، فهي انتفاضة مهدت الطريق لكسر ثقافة الخنوع  وثقافة الأقوى، وأعطت أهمية لصوت الرأي الآخر، وأهميتها تأتي من “سلميتها” رغم رصاص الخائن الجاهل والسارق. ومنذ البدء ومازالت المحاولات سارية في طمس وإختراق فعاليات الانتفاضة، نظراً لرسوخ ثقافة العهود السابقة في تقديم المصالح الشخصية والطائفية وتهديد السلاح، والبعض من الكتاب، أشهروا رأيهم ومن دون خجل، ضمن سياق ما ترسخوا فيه وممارسة ثقافة الخنوع والمهادنة لصاحب السلطان.  ولي مقال في ذلك كتبته في الأيام الأولى من اندلاع الانتفاضة، بالضد مما يراد من كسر عزيمة الشبيبة وأحلامهم في وطن وحياة يستحقونها”.

ويؤكد: “ضمن هذا السياق، وبالرغم من أن الانتفاضة لم تحقق حلمها في ما خرجت من أجله وما قدمته من شهداء وجرحى،  لكنها أوجدت ثورية عاصفة في تحريك ما هو راكد من ثقافة المجتمع العراقي. وقد نجحت في تثبيت أن هناك رأي آخر وسط “ثقافة المقدسات” أو ثقافة التابع أو ما تطلق عليه ساحات الاحتجاجات “الذيل”، وأهم الأشياء في هذه الانتفاضة هو إنها بطاقتها الشبابية قد كسرت الخوف، ومنحت مكانة متقدمة وعالية للمرأة بما قدمته من دماء وأصوات رائعة في التأثير وبلورة الرأي. وأثبتت أيضاً أن هناك هوية وطنية كبيرة إطارها العراق، وهي فوق القومية والطائفية والعشيرة، وقد قربت مفهوم الحرية الواسع الذي هو مفترش الحياة اليومية الذي يشمل جميع الزوايا من عدالة العيش والحقوق وحتى الملبس والإختيارات الخاصة، وليس الأمر فقط ما تحت قبة البرلمان”.

وعلى مستوى الإبداع يقول: “أما تأثيراتها على مستوى الإبداع فهي متباينة  لحد اللحظة، و يمكن تسجيلها في حالات فردية ولدت هنا وهناك، طبعاً ليس من ضمنها ما كتب وأنتج من أجل التهليل والتحشيد لها، فالأمر لم يزل فردياً على مستوى تأثيرها الثقافي واستيعابها، وكذلك الإبداعي، فحالات الجذب والشد بين نجاحها وخنقها مازال قائماً”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة