12 يناير، 2025 10:16 م

ثقافة تشرين (7): طرحت الثورة أسئلة عن جدوى فاعلية النخب الثقافية وحقيقة تأثيرها

ثقافة تشرين (7): طرحت الثورة أسئلة عن جدوى فاعلية النخب الثقافية وحقيقة تأثيرها

خاص: إعداد- سماح عادل

هل خلقت ثورة تشرين 2019 جيلا واعيا، أم هي نتاج وعي هذا الجيل، الذي تفتح ربما بفعل التطور التكنولوجي، والانفتاح على العالم، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتعرفه على أمور كثيرة لم تتوافر لأجيال من قبله؟ وهل يمكن اعتبار تشرين 2019 انتفاضة شبابية بامتياز؟

بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع. ونجمع آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.

فهما ثقافيا جديدا..

يقول الناشط “على رياض”: “أظهرت الثورة في أيامها الأولى صورة مغايرة عن فئة مجتمعية نظرت لها النخبة المثقفة، والطبقات المتوسطة من المجتمع، إليها كفئة متخلفة عن الثقافة والتعلم والهم العام. الصورة جديدة عكست هذا الفهم، وطرحت أسئلة خطيرة عن جدوى فاعلية أطروحات النخب الثقافية وحقيقة تأثيرها في المجتمع والرأي العام، إذ لم يكن لها تأثيرا ملحوظا إطلاقاً”.

ويواصل: “من جانب آخر، كان للثقافة حضورا كبيرا خلال أيام الثورة وفي أقسى ساعات القمع فيها، إذ حول الرسامون الشباب نفق السعدون المار أسفل ساحة التحرير إلى معرض تشكيلي حي، شهد عددا من الأعمال الفنية اللافتة. ونصب السينمائيون خيمة تحتوي على شاشة عرض وعرضوا الأعمال السينمائية العراقية المشاركة في المهرجانات العالمية. وبصورة عامة، أبرزت هذه الثورة فهما ثقافيا جديدا يمثله حضور الشباب على حساب النخبة الثقافية المعروفة قبل الثورة”.

تأثير واضح..

ورأي الكاتب “سجاد حسن عواد” أنه: “بعد الثورات، أما شعب متنور واع يقود نفسه نحو النور، كما حدث في أوربا بعد الثورة الصناعية. أو شعب ظلامي جاهل لا يفرق بين العبودية والحرية. تجلت تأثيرات ثورة تشرين في بناء جيل واع لديه من الوعي ما يمكنه من معرفة الحق وتمييزه والعمل به، ومعرفة الخطأ لكن أحيانا عدم الابتعاد عنه، هذا ما جاء بعدد من الأحداث التي تعود سلبا على متظاهري تشرين. إذن يتجلى هنا تأثير الثورة على فئة معينة من المجتمع”.

ويؤكد: “ونرى تأثير ثورة تشرين في الثقافة واضح؛ كون الأدباء والكُتاب والشعراء قد رفدوا الساحة الأدبية بكثير مؤلفاتهم، منها ما يخص الثورة، ومنها مايشرح ما حدث في تلك الثورة، ومنهم من يتكهن ويكتب نتائجها. المهم أن الجميع ينحى منحى واحد، وهو رفد الساحة الأدبية بنتاجات أدبية سيُعتمد عليها فيما بعد بكتابة أحداث الثورة وتأثيراتها. من هنا نستطيع أن نلمس تأثيرات الثورة المباشر على الثقافة بشكل عام والمثقفين بشكل خاص”.

قائمة الأحزان العراقية الطويلة..

ويقول الشاعر “رعد زامل”: “في الحديث عن انعكاسات ظلال ثورة تشرين على المشهد الثقافي العراقي سأركز هنا على ما تركته ظلالها من أحزان، تضاف إلى قائمة الأحزان العراقية الطويلة. ففي الوقت الذي شاهدنا فيه تحول الأرصفة والجدران إلى شعارات ولوحات فنية تعبر عن مطالب مشروعة في أماكن عديدة، ومع ما تحمله من قيم فنية جمالية, إلا أننا شاهدنا من جانب آخر أيضا لوحة الواقع الصادمة والملطخة بالدم العراقي, ولهذا برزت القصائد ذات المنحى الرثائي والفجائعي في المشهد الشعري العراقي. حيث من الطبيعي هنا أن تبرز صورة الفقد والموت والدم والاستلاب والإحباط كسمة مهيمنة على مخيلة الشعراء والكتاب”.

ويضيف: “ولذلك يمكننا القول أنها رسخت وعمقت ثيمة الحزن الأبدي والنواح في الخطاب الشعري العراقي. تتجلى تأثيرات ثورة تشرين على المشهد الثقافي أيضا في انشداد بعض الشعراء والفنانين إلى موقع الحدث، وتصوير ما يجري في الساحات بصور شعرية جديدة، فلقد حرص الكثير من الشعراء على رصد ما يجري وتمثيله شعريا وفنيا”.

 صور الانتفاضة باقية..

ويقول الكاتب “عمار الثويني”: “شكلت انتفاضة تشرين منذ انطلاقتها، على يد الشباب المحروم المعدم، الباحث عن وطن وعن مستقبل وعن أمل، وعن حياة شكلت نقطة مفصلية ربما في تاريخ العراق المعاصر، حيث أكد هذا الجيل الجديد والواعي رفضه التام لكل أشكال التمييز والفساد وبناء الوطن على أساس طائفية وقومية ومذهبية ومحاصصاتية”.

ويواصل: “وعلى الصعيد الثقافي بالتأكيد سيكون لهذه الانتفاضة دورا كبيرا في إلهام خيال الكتاب والأدباء، لذا شاهدنا صدور عدد من الأعمال الروائية والأدبية، وكذلك كتبت مقالات ويوميات، ناهيك عن الأعمال الدرامية التي جسدت تظاهرات الشباب وصراخاتهم، وتحديهم للرصاص بصوت عار من أجل إيصال أصواتهم ومعاناتهم خلال تلك الانتفاضة التشرينية التي هزت عروش الظلمة. وبرأيي أن هذه الانتفاضة سيكون لها تأثيرا أكبر في كثير من الأعمال الروائية والقصصية القادمة، فالرواية عمل يحتاج لاكتمال صورة الحدث بالكامل والوقوف على التفاصيل والغوص في الحكايات التي لم يقل أصحابها في وقتها أو ربما لم تتفوه الضحايا بها وهي تصارع الحياة بشعور يزاوج الألم والأمل، تطلعا لوطن يعيش فيه الإنسان بكرامة وإنسانية بعيدا كل أشكال الظلم والتمييز”.

ويؤكد: “ملثما تكون شخصيات العمل السردي متنوعة في خلفياتها وثيماتها وأدواتها، رسخت في ذاكرتنا جميعا خلال هذه الانتفاضة صور “التك تك” والعلم العراقي المرفوع على الأكف والصدور العارية، جسر الشهداء والجمهورية، وبقية الجسور التي كانت مسرحا لعمليات الكر والفر، القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي، المتاريس والجيوش و”الطرف الثالث” المجهول القاتل كما تدعي الحكومة. كل هذه الشخصيات والأماكن والأدوات صنعت صورا حية لن تغيب وستكون ملهمة للكثير من الأعمال الأدبية والثقافية مستقبلا”.

مخاض مرّ..

ويقول الشاعر “عبد السادة البصري”: “انتفاضة تشرين ليست انتفاضة عابرة أبدا، إنها درس بليغ للجميع، لأن مَنْ فجّرها شباب، وقادها شباب، وقرابينها شباب، لهذا إنها ثورة الشباب بكل معنى الكلمة، إذ سقط ما يقارب من ال 800 شهيدا تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة والخامسة والعشرين فقط، من الشباب والشابّات الذين كانوا بعمر الورود، لهذا أضحت هذه الانتفاضة عنوانا ومنطلقا للعديد من الدراسات والبحوث أولا ، والقصص والروايات والقصائد والمسرحيات ثانياً.

ويوضح: “بمعنى أنها هزّت كل الأوساط العلمية والثقافية، لأنها لم تكن وليدة ساعتها، بل مخاض مرّ لشعب كان يعاني مرارة الطغيان في زمن النظام الساقط، ثم ازدادت معاناته بسبب الفساد والاستهتار بالحريات وهدر المال العام والدخول في أنفاق مظلمة، ومجاهيل لا أول لها ولا آخر، لهذا نجد زمام المبادرة كان بيد الشباب الذين كانوا خدجاً او رضعاناً أو أطفال لم يبلغوا العاشرة بعد عند سقوط النظام المستبد، ليعيشوا عدم الاستقرار والقلق والموت المجاني دون أن يعوا أي شيء، فتبخرت أحلامهم ولهذا انتفضوا، أغلب المثقفين سواء كانوا أدباء أو فنانين أو إعلاميين أو أكاديميين شاركوا فيها بوجه أو بآخر. صدرت روايات وقصص ودواوين شعر ومسرحيات تحاكي هذا الحدث الكبير، ومازال في جعبة المبدعين حكايات كثيرة عنها، إنها وجه ثقافي آخر للوطن”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة