خاص: إعداد- سماح عادل
لكل ثورة أو حراك شعبي تفاعلات وتأثيرات على مختلف مجالات الحياة، وخاصة الثقافة، فالثقافة تتأثر سريعا بأي حراك شعبي حر، وهذا ما حدث في ثورة العراق العظيمة، فقد ظهرت تأثيرات ثقافية متعددة، سواء في ساحات النضال أو في أماكن أخرى، كما ألهمت الثورة العديد من المبدعين والكتاب والفنانيين.
بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع، حيث نجمع في هذا الملف آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.
بروز الوعي النسوي..
يقول الروائي “راسم الحديثي”: “لهذه الانتفاضة مكانة عالمية عالية المستوى، والتي يمدها زخم دماء مئات الشباب بطاقة عالية، نزفت دماءهم من قبل منظمات طائفية تغلغلت في قيادات الحكومة. فأفرزت هذه الانتفاضة نتائج ايجابية أهمها:
أولاً: القضاء على الأفكار الطائفية التي سورت عقول الكثير من الشباب بعد عام 2003, هذه الأفكار الورائية نتاج أحزاب دينية طائفية تسيدت السلطة من يد المحتل الأمريكي. وسرقت وتغلغلت في جميع شعاب الحكومة المدنية والعسكرية وشكلت أجنحة مسلحة تابعة لها وليس للدولة، وجعل من دول إقليمية ذات تأثير مباشر على الوضع العام للدولة.
ثانياً: بروز الوعي الأنثوي بجدارة مفاجأة، الوعي المغيب بتأثير تلك الأحزاب الدينية, فانخراط العنصر النسوي بالتظاهرات وحضورها الدائم في ساحات الاعتصام جعل منها نبراساً وطنياً قل نظيره.
ثالثاً: انتشار الفكر الوطني والثقافة الوطنية بعد غياب طويل متزامناً مع تراجع الأفكار المتخلفة القبلية منها والطائفية. فلا غرابة حين تجد المحاضرات الوطنية في خيم ساحات الاعتصام والأغاني والأناشيد الوطنية.الأسباب أعلاه وغيرها ستجعل ثورة الشباب لا تهدأ وستنتج جيلاً جديداً واعياً يحب بعضه ويحب الوطن ويدافع عنه”.
ثورة مجتمعية..
ويقول الكاتب “حسين علي رهيف”: “التأثير الثقافي مفهوم واسع، وما قدمته تظاهرات تشرين هو صوت الرّفض الرنان لنظام الحكم الذي تسلط على الدولة وفتك بها فساداً وسرقة وسوءاً في الإدارة، فجاءت التظاهرات لتزعزع هذا الكيان الخرب، وهي بذلك تمثل رداً صارخ على مظاهر الفساد السياسيّ، ولكن لم تستطع أن تحقق بعد تأثيراً قوياً على مظاهر الفساد المجتمعي، فحن نجد تدميراً في منظومة القيم الأخلاقية والثقافية لدى المواطن، فحن نحتاج لثورة مجتمعية تقودها منظمات المجتمع المدني وقادة التظاهرات الشرفاء على فساد القيم، وانعدام الوعي، وتغيير قناعات الناخب الذي يستعد للانتخابات المبكرة القادمة كي لا يعيد تجربة انتخاب الأحزاب الفاسدة نفسها”.
البطل الجمعي..
ويقول الكاتب “جبار الكواز”:”انعكس الفعل الجماهيري المدني لثورة تشرين العظيمة منذ ساعاتها الأولى على المشهد الثقافي والإبداعي العراقي، لأنها أبرزت قوة الفعل للبطل الجمعي القادم من الهوامش، ليشكل بفعله حركة مركزية أطاحت بكل الأفكار المصطنعة والبعيدة عن واقع راكد، تسكنه الطائفية والمحاصصة والتهميش والإلغاء والعسف والظلم. هذه القوة الجماهيرية الشبابية مندفعة إلى تحقيق أهدافها في مستقبل زاهر، لشعب كان وما زال يئن تحت طائلة أعراف وحدود لا تتناسب وشرط البقاء على قيد الحياة، في بلد يعدّ من أثرى بلدان العالم”.
ويواصل: “ولم يكن التأثير الثقافي محددا بجنس أدبي أو ثقافي خاص بعينه كالشعر أو القصة أو الرواية أو المسرح أو الموسيقى أو التشكيل، بل تعدى الحدود القصوى فشمل الحياة بكل مفاصلها، وصولا إلى بناء علاقات إنسانية تتسم بالتآزر والتعاون والبذل والمحبة. وكان لدور المرأة المميز موقعه الأثير في حركية الثورة، مما أعطى تأكيدا واضحا على انتمائها لشعبها انتماء أصيلا لا حياد فيه. كانت الثورة وكأنها مفاعل صناعي لصياغة الشخصية العراقية الجديدة، من خلال التأكيد على الهوية الوطنية، ومحاسبة القوى المتخلفة التي قادت البلد من سيء إلى أسوأ”.
ويؤكد: “وكان شعار (نريد وطننا) هو الساطع في حناجر المشاركين. إن فعلا ثوريا يضحي لأجل تحقيق أهدافه ٧٠٠ شهيد وآلاف الجرحي، فعل اتسم بالروح الثورية الساكنة بالبطولة وبحب الوطن شعبا وأرضا، بما ساعد على انتشاره في العراق من أقصاه إلى أقصاه. وفي ذكراها السنوية الأولى ستبقى ثورة تشرين نبراسا للفعل الوطني الذي يصبو لصناعة الجمال والحياة في أرقى اشتراطاتها، ولهذا تكالب ضدها المتخلفون والسلفيون وما زالوا للنيل منها، ولكنهم سيفشلون لأنها ثورة شعب يبحث عن حريته ووحدته بقوة الحق والقانون وبشعار السلمية واللا عنف”.
ثورة بلا قائد..
الكاتب رياض العلي: “في مرحلة ما بعد بعد الحداثة أخذت الشعبوية وجهة جديدة غير تلك المعروفة عنها، مع اضمحلال نظريات البنيوية والشكلانية الروسية، وبروز نظريات تأخذ من القارئ محطات نقدية لها بعد عقود من الإهمال المتعمد لهذا العنصر المهم في الحياة، وهو “الإنسان/ القارئ”. وبدأ الأمر حينما صرخ طلاب باريس ضد النظام والكهنوت السياسي سنة 1968. وبعد اضمحلال عصر الإيديولوجيات الكبيرة وبدأ عصر الفردانية الالكترونية، بظهور وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أصبح للفرد الحق في “القول” بعيداً عن رغبة “القادة” التقليديين، وأصبح الإنسان يفكر كما “آلهة” الإغريق، بحيث لم يعد يحتاج إلى “قائد” كما لم يعد يحتاج “القارئ” إلى “ناقد تطبيقي” يدله على جمالية “النص”.
ويبين: “لذلك من يبحث عن “قائد” للتحركات في كل دول العالم، فهو لم يستوعب ما يحدث من تغييرات جذرية أصابت علاقة “الفرد” بالكونيات الكبرى وبالسلطات “الاستجابية”. لم يعد الإنسان “متلقياً” كما كان في السابق، وكما تريده السلطة بل هو “صانع” و “خالق ” للفعل و”منتج ” له. الثورات الحالية تنتمي لعصر “الشعبوية الالكترونية” التي جعلت الفرد لا ينتمي إلى المجموع ويذوب فيه، بل يتحرك ضمن المجموع بفردانية عقلانية. هذا الشئ لا يستوعبه “منظري” التوجيه والاستجابة”.
ويؤكد: “أنا أنظر إلى الثورة من خلال التحولات الثقافية، وليس الفعل المادي، الفعل المادي يسطره الشباب في الواقع، الآخر لا يفهم التركيبة الجديدة للعقل الثوري الحالي، أقصد أن هذه الثورات الجديدة هي ليست بحاجة إلى قائد، لأن المجموع بفردانيته العقلانية هو من يقودها”.