ثقافة تشرين (3): ألهبت الثورة خيال المبدعين وألهمتهم

ثقافة تشرين (3): ألهبت الثورة خيال المبدعين وألهمتهم

 

خاص: إعداد- سماح عادل

دوما ما تنبعث نهضة ثقافية بعد حراك شعبي قوي، علمتنا التجارب ذلك، وشهد التاريخ بأحداثه على ذلك أيضا، أن النهضة الثقافية لابد وأن تستند على حراك شعبي قوي ومؤثر، ترى هل سنشهد نهضة ثقافية بعد حراك تشرين 2019 القوي واللافت؟.

بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع، حيث نجمع في هذا الملف آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.

حراث التراث..

يقول الكاتب الروائي “أحمد خلف”: “تلعب الانتفاضات والثورات في العالم الثالث والوطن العربي تحديداً دوراً ثقافيا مؤثرا، بتهيئة الوعي لدى عموم الناس، أي تثير الانتفاضة والثورة نزعة الإحساس بالعدالة وتعلن عن احتجاجها ومن ثم رفضها القاطع للحكومة الظالمة، وتؤكد تجاوزها الحاسم للأنظمة الفاشية والدموية التي تردع الشعب وتواجهه بالرصاص الحي والقنص والاغتيال، لأن السلطة الغاشمة تفرض على الشعب حياة عصيبة وقاسية وذلك دفاعا عن مصالحها الذاتية، وانتفاضة تشرين في العراق واجهت منذ بدايتها حكومة متغطرسة هي حكومة عادل عبد المهدي وكانت هذه الحكومة هي سبب تفجيرها للانتفاضة كما أرى ويرى ذلك الكثير معي، إذ رفضت هذه الحكومة الاستماع لمطالب المتظاهرين من الطلبة أصحاب الشهادات العليا كالماجستير والدكتوراه، الذين لم يحصلوا على وظائف حكومية رغم مرور عدة سنين على تخرجهم، إلا أنهم ظلوا ضمن جيوش البطالة والحرمان مما أصابهم بالخيبة وعدم الثقة حتى من شهاداتهم الجامعية”.

ويواصل: “وكان لتجمعهم أمام مبنى رئاسة الوزراء للمطالبة بحقوقهم سببا لردع الحكومة لهم وضربهم بقسوة لم يشهد لها أي احتجاج من قبل، حيث بدأت السلطة بتوجيه خراطيم المياه الحارة بدرجة الغليان ثم جاء دور الهراوات، من هنا انطلقت الانتفاضة حيث تجدد زخمها وبقوة اشد في 15/ 10 / 2019 مما دفع الحكومة للتعامل مع المتظاهرين باستخدام العنف المفرط وسقط العشرات من المتظاهرين وعدد من قوى الأمن، لقد شهدنا التحاما فريدا من نوعه بين شرائح الشعب العراقي من منطلق أنهم أولادنا، لكن السلطة ظلت تصر على الرفض القاطع لتحقيق أي مطلب من المطالب التي تقدم بها المتظاهرون، ولا ننسى الالتحام الجماهيري بين أفراد الشعب ليس في بغداد فحسب بل في بقية المدن والمحافظات الأخرى، تعبيرا عن الشعور الجماعي بالظلم وجور السلطة التي ما انفكت تردع المزيد من المنتفضين لكي تحقق حلمها في السيطرة على الانتفاضة، التي أصبح لها دعاتها ومثقفيها وأصبح الشعر والقصة في خدمة الانتفاضة.

ويكمل: “لذا وجدنا العشرات من المثقفين العراقيين المعروفين والصحفيين وأساتذة الجامعة وطلبة الكليات قد انضموا إلى الانتفاضة، وشكلوا صوتها الحقيقي الذي تخشاه السلطة بوضوح، ولم يكن ثمة تراجع من قبل المثقف العراقي بل وجدنا قيادة اتحاد الأدباء تصدر بيانا تعلن فيه عن مناصرتها للانتفاضة ضد العقلية الرجعية ومواقف السلطة المتخلفة، واعتبر بيان اتحاد الأدباء بمثابة دعوة صريحة للوقوف بثبات إلى جانب الانتفاضة من قبل المثقف والأديب والفنان، إن التأثير المباشر للثورات قد لا يأتي بصورة فورية أو متسارعة على الثقافة والمثقف، بل سنجده وقد حفر بعيدا في وجدان المواطن والأديب على حد سواء، وتأكيدا لهذا الرأي نتساءل: ألا تترك الضحايا أثرا في نفوس البشر حين يبلغ عدد  شهداء انتفاضة تشرين أكثر من (700) سبعمائة شهيد؟ ومائة وخمسون ألف جريح ومعوق، اعتقد أن التضحيات الجسام وأغلبها من طلبة الجامعات والمعاهد والإعداديات، سوف يكون ثمنها الحصول على وطن تمت سرقته من قبل لصوص وقتلة”.

ويؤكد: “إن مطالب الانتفاضة لا تتعدى شعارات أصبحت من مفردات تعاملنا اليومي وحوارنا الراسخ في أن الثوار لا يطالبون بسلطة أو جاه،  إنما يريدون وطنا يخلوا من القتلة الفاسدين واللصوص الجشعين الذين ابتلعوا كل شيء ودمروا البلد، وأحالوا كل ما هو جميل ونافع إلى حطام تعود هويته إلى القرون الوسطى، لولا مثقفيه والشريحة الواعية الحارسة لتراثه وتاريخه المجيد”.

 ملحمة ثورية..

يقول الكاتب “عبد الأمير المجر”: “لاشك أن حدثا كبيرا بحجم ثورة أكتوبر، لابد من أن يترك تأثيرا واضحا في المشهد الثقافي العراقي، وربما خارجه، حيث الكثير من المثقفين العرب وفي العالم يتابعون ما حصل في العراق. التأثير الثقافي يكون على مستويات مختلفة، إبداعي يتمثل بالشعر والسرد والفن بمختلف أشكاله. لعل الفنانين التشكيليين سبقوا الجميع من خلال لوحاتهم وملصقاتهم التي رافقت الثورة منذ بدابة انطلاقتها، وشاهدنا لوحات الجرافيتي التي توزعت أماكن عدة في ساحة التحرير وكل ميادين التظاهر الأخرى في المحافظات التي شهدت الثورة. والشعر بوصفه ابن اللحظة ووليد انفعالاتها، كان حاضرا طيلة العام الماضي. ويبقى السرد بأشكاله المختلفة، القصة والرواية وغيرهما، وهذا يتطلب وقتا لكي يظهر، لكن مع ذلك قرأنا أعمالا قصصية تغنت بالثورة وهناك الكثير الذي ينتظر”.

ويوضح: “لكن جميع الأعمال وأكثرها نضجا سيظهر بعد انتصار الثورة أو بعد وقت قد لا يطول، فالروائي ينتظر نهاية الحدث، ويقال أن أدب الحرب الكبير يكتب بعد الحرب! وما نعيشه بمثابة حرب حقيقية مكتملة الأركان، وتحتاج إلى وضوح الصورة النهائية للحدث، لكي ينضج الروائي عملا يستوفي صورة الملحمة الثورية التي تداخلت فيها عناصر عدة، وتكتمل أمامه الصورة النهائية ليعالجها فنيا، والشيء نفسه مع السيناريست الذي سيكتب مسلسلا أو فيلما، لأن نهاية الملحمة تجعل الصورة أمامه أوضح وأشمل، وسنرى في المستقبل أعمالا كثيرة، وربما كبيرة، تتناول هذا الحدث الذي يعد فارقا في تاريخ العراق بحق”.

وبخصوص الثقافة يؤكد: “وعلى مستوى الثقافة في مشاغلها الأخرى، سيتوقف علم الاجتماع والنفس عند هذه الملحمة الكبيرة بالتحليل والقراءة، كونها فاجأت الكثيرين، من خلال ظهور جيل شاب رافض لكل أشكال الاستبداد. جيل يحلم بحرية وحياة، بعيدا عن أي إطار إيديولوجي ضيق، نشأ في ظروف خاصة وتثقف ثقافة خاصة ويحلم بحياة مختلفة، لم يضعها الساسة في حساباتهم، ففاجأتهم ووضعتهم أمام حقائق عليهم أن يعيدوا قراءتها، ولو بعد فوات الآوان!”

 

أعمال تحارب الظلم..

ويقول المخرج مسرحي “أحمد طه حاجو”: “تعد ثورة تشرين (الخالدة) من الثورات النادرة والقليلة جدا في زمننا المعاصر، لأنها انبثقت ببراءة ونقاء ونابعة من حاجة المجتمع العراقي للعيش الكريم. إذ أنه أدرك أن لا أمل في تغيير واقعه الرث، سوى الثورة على طريقة مسار الدولة المبطن بالطائفية والعرقية والمحسوبية، والتي نتج عنها تردي واضح وعلى كافة المستويات. أما على الجانب الثقافي فقد نتج عنها العديد من المنجزات الثقافية مثل إصدار جريدة وقصائد ومسرحيات تنادي برسالة الثورة التشرينية المباركة، والتي تنادي بتحقيق المساواة والرفاهية للشعب المظلوم. فكان من أهم ثمار الثورة انجاز أعمال أدبية وثقافية وحتى تلفزيونية تنادي بإحقاق الحق وإبراز مستوى الظلم والفشل الذي يعيشه العراق، وعلى كافة الأصعدة. ويمكن لكل من يشكك بهذا الكلام أن يقارن بين الواقع العراقي وواقع أبسط دولة مجاورة للعراق”.

سحب تشرين..

ورأي الكاتبة “منى شكر”: أنه “من المؤكد أن لكل ثورة وانتفاضة لها دافع وحضور راسخ في نفسي كما أمسى لثورة تشرين العريقة التعاضد والتلاحم مع شباب الثورة الأصلاء، الباحثين ليس أولا عن وظيفة توفر لهم قوت يومهم، بقدر ما هي ثورة ضد الفقر والظلم والعوز الذي بات ولا يزال متجذرا بقسوة في كل منزل عراقي، منتظرين بصفاء نية ومصداقية أن تعود المظاهرات بنتيجة إيجابية. احتملوا ما احتملوه من مصاعب اجتماعية أبعدتهم عن حضن بيتهم وذويهم، وأن يجمعهم حديث سمر واحد وجلسة طيبة على وجبة غداء، مع ما كان أمامهم من صعاب من برد الشتاء وحر الصيف من العطش والجوع، ومن الخطر المحدق بهم من كل صوب من الداخل والخارج، حيث أن عملاء الداخل هم من يفتح طريق الشيطان لفاسدي الخارج والجوار الذين لا هم لهم سوى هدف واحد، هو أن يبقى العراق مزعزعا يتخبط بين أن يكون دولة واحدة بلحمة واحدة ذات سيادة وطنية حقة، وبين أن يكون طعما لذئاب لا حصر لها كانت تتربص بالعراق، وتتمنى له سقوطا مدويا أليما لتنهش لحمه وخيراته”.

وتواصل: “لكن للثورة منحى آخر سجله الشهداء والأحرار الذين واصلوا من بعدهم، إن كل من يحمل الجنسية العراقية كان على قلب واحد وساق واحدة مع أخيه الآخر الذي يشاركه الأرض والسماء، والكثير من الروابط والجراح العميقة التي يدركها ويتذكرها كل عراقي، ويعلم وجعها قلب كل أم ثكلى وكل أب بات وحيدا، بعد غياب ولده للكثير من الأسباب المؤلمة التي حفظها العراقي عبر تاريخ متكرر أليم كان ضحيته ولا يزال الشعب فقط”.

وتؤكد:”للثورة تأثير أدبي وثقافي غريب وجميل بل وحنون قد يبدو لكم أنه بعيد عن الثورة ربما، لكن وحي آخر رواياتي جاء من تلك الثورة ومتابعة صداها المشرف، أن ألهمني وحي الكتابة والخيال الجميل أن تكون روايتي على اسم تلك الثورة وعلى طيب ريحها، فكانت وولدت رواية “سحب تشرين”، الحق أن لتشرين صدى في نفسي من ثورة الحاضر والمستقبل، ومن طفولة باتت أحداثها راسخة في القلب والوجدان إذ أن لفصل الخريف وإقبال الشتاء وإن يلملم الصيف عدته راحلا إلى بلاد أخرى، إحساس عذب جميل يشدو كعندليب في روحي، دافعا إياي نحو قلمي وقرطاسي ولا أجمل من تلك اللحظة الخصبة! إذن قريبا سيبزع فجر “سحب تشرين” كما بزغت ثورة تشرين يوما وستظل!”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة