10 أبريل، 2024 1:18 م
Search
Close this search box.

ثقافة تشرين (14): فرشوا شوارع بغداد بالكتب وكان جبل كتب مقابل طلقة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

أيام الثورة وإن كانت قليلة هي أيام تسرق من الزمن، أيام مشبعة بالحرية، بالتحليق عاليا في سماء لا يملكها أحد وأرض منذورة للجميع، حتى وإن هزمت الثورة، أو سرقت، أو تمت التعمية عليها، تبقى أيامها محفورة على جدران أرواحنا، تذكرنا دوما بأن هناك لحظات تحرر نستطيع أن نرسمها بيدينا، وأن نخلقها في حياة متخمة بالعبودية.

لكل ثورة تجلياتها الثقافية، حيث تؤثر الحركة الشعبية بشكل كبير على الثقافة، وتظهر حركة التحرر والرغبة في التغيير في الفن والأدب والموسيقى، وهذا ما حدث بالفعل مع أيام الثورة العراقية الأولى، حيث تجلت مبادئها وأفكارها في صورة أنشطة ثقافية مختلفة مورست في ساحات التظاهر.

بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع. ونجمع آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.

صحوة أبناء الوطن..

يقول الروائي “محمد حسين”: “واحدة من أهم الأمور التي اكتملت نضجها أثناء الثورة، هي التلاحم الوطني الذي بات حقيقة نلمسها بكل شوارع العراق، بعد أن حاول الإرهاب والتطرف لسنين أن يزرع الفتنة وينميها، إضافة إلى أن الثورة حملت أقوى وأجمل شعار (نريد وطن) هذا الشعار باختزاله وقوة وقعه عندما ينادى فيه بالساحات، أرعب الكثير ممن يخافون من صحوة أبناء الوطن. اختصر هذا الشعار مجمل أحلام ومطالبات الشعب الحقة”.

ويكمل: “ومما يصب في خانة الثقافة بشكل مباشر هو إقبال الشباب الذين هم عماد هذه الثورة على قراءة الكتاب الشباب، الذين كانوا يدافعون عن الثورة بشتى الوسائل. وككاتب فإني شاركت شخصيا في الثورة بشكل منفرد أحيانا، وأحيانا آخر مع اتحاد الكتاب العام”.

أدب الأقلام الحرة..

وتقول الكاتبة “سمية علي رهيف”: “ما كانت الثقافة وأقلامها، وأصحابها ومريدوها، بمعزل عن الشارع والأوضاع العامة في يوم ما. فلطالما بُنيّ الأدب على محاور اعتبرها الأدباء ركيزة أساسية، يعالجون بها كتاباتهم مهما اختلف جنسها الأدبي. والوطن وأحواله وأهواله إحدى هذه الدعائم المهمة. التي اعتمد عليها ثُلة من الكتّاب الذين وجدوا فيها مادة دسمة لأقلامهم النهمة”.

وتواصل: “وانطلاقا من مفهوم الديمقراطية التي أرسيت دعائمها في العراق، بعد عام 2003، تشجعت الكثير من الأقلام الأدبية والثقافية على الكتابة والتعبير عن الآراء التي كانت دفينة النفوس في الماضي، ولكن هذه الديمقراطية رغم إنها كانت محدودة النطاق، ولم تشمل بعض الأقلام التي عبرت بصراحة فاحشة عن الواقع الأكثر فُحشاً، فتم تصفيتهم من جهات يقال للرأي العام إنها مجهولة، لكنها على مر الزمن ما كانت لتكون كذلك بالنسبة لعامة الشعب. هذا الشعب الذي قبع تحت رايات عدّة اختارها انتخابا بنفس مفهوم الديمقراطية، التي حظيت بالتطبيل والتبجيل من قبل الكثير من دعائم الأوساط الثقافية، التي ما لبثت أن غيرت موقفها بعد سنين عدة اكتشفت خلالها حقيقة الزيف والظلم والاستغلال التي رزح عامة الشعب تحت وطأته، إلا أولئك الذين اصطفوا لأنفسهم مكاناً عليا، يدبجون ما تمليه عليهم عقولهم الخاوية إلا من التفكير بالمال”.

وتضيف: “ومن مفهوم الديمقراطية نفسه، اختار الشعب أن يثور ويُطالب بحقوقه المشروعة، من متطلبات العيش الأساسية. وجاءت هذه الثورة بأشكال شتى، كلٌّ عبّر عن رأيهِ بطريقته ولكن بصورة جماعية هذه المرة. وهنا اتجهت الأقلام الأدبية اتجاهاً آخر في التعبير والتصريح، كلٌّ ينظر إلى الثورة من زاوية مفهومه الخاص، إلا إن هذه الزوايا جميعها أعادت أدباً جديداً إلى الساحة، وهو أدب الأقلام الحرة والألسن الناطقة بالحق عند السلطان الجائر، هذا النوع من الأدب الذي كاد أن يُنسى وسط لُّجة النصوص المستهلكة وقصص الحب والواقعية التي لا تُغني عقلاً ولا تُسمن وعياً، لم تحقق الثورة الأهداف التي خرج من أجلها بعضٌ من أبناء الشعب، لكنها صنعت تغييراً نوعياً في مسار العقول المثقفة الواعية، وعلى الأخص في طبقة الشباب المحب والراغب والمندفع للانخراط في مجال الثقافة والأدب ومساراته”.

ابتعدوا عن برجهم العاجي..

ويقول الشاعر “انمار مردان البياتي”: “بالحقيقية إن ثورة تشرين كان لها أبعادا ثقافية وفكرية ،حيث شارك في هذه الثورة أغلب المثقفين من أدباء وفنانين. ولأول مرة ابتعد الأدباء عن برجهم العاجي وشاركوا في مهرجانات وفعاليات وندوات داخل ساحات التظاهر، واستخدموا لغة سهلة وكسروا الفجوة الكبيرة بين الأديب والملتقي، ويعد هذا نجاحًا فكريًا وكذلك صدرت صحف ونتاجات أدبية مهمة (شعر وروايات ومجاميع قصصية) من رحم الثورة ومعاناتها، فكانت الوحي للأديب، وهو يستلهم موضوعاته من الثورة. لذا فثورة تشرين تعد ثورة ضد التخلف ثورة للفكر وثورة للتلاقح الثقافي”.

جبل كتب مقابل طلقة..

ويقول الشاعر”عباس رحيمة”: “‏نعم الثورة انبثقت من دماء الشباب المتطلع لغد أفضل، ثورة كان أول ضحاياها شاعر شاب، وتلاه كثيرون من الشباب الواعي، الواعد. من إنجازات الثورة إنهم خطّوا بأقلام البنفسج على  جدران الحزن لوحاتٍ من أروع وأبهى وأعمق، لوحات تجعل جدران بغداد تزهو. وينتصر اللون على الدماء النازفة غيظا، بل اختلطا وامتزجا، أصبحا لوحة فنية معبرة عن الحزن والأمل”.

ويكمل: “هذا بالنسبة للرسم أما الشعر فشكلوا حلقات من تداول الشعر بينهما وتخللها نقد. وإيقاع موسيقى، كانت لياليهم مثل سوق عكاظ، يتباهون بقصائد شابة ملؤها العنفوان والحب. أما الفنون الأخرى مثل القصة فكانت لياليهم لا تخلوا من سرد القصص وتداول الأفكار والنقد. فرشوا شوارع بغداد بالكتب وتبرعوا بكتبهم، وجعلوا أكبر مكتبة في فندق الزهور عامرة بالكتب واللوحات. نسيت أن أضيف إنهم رغم وجعهم كانت حناجرهم تصطدح بالغناء وأصابعهم تداعب الوتر. سيدتي إنهم حوّلوا المطعم إلى مسرح تدار فيه أمسياتٍ من الشعر والعرض المسرحي والنقد. وحولوا اسمه من الفندق التركي.. إلى “جبل أحد” تيمنا بأمجاد أجدادهم الإسلاميين والعرب وما بنوه من حضارة رائدة، ازدهر بها العالم، سمّوه أحد لأنه جبل الصمود والتحدي. جبل كتب مقابل طلقة، ماذا أقول فهو العراق، بلد ألف ليلة وليلة”.

 تأثير الثقافة العصرية..

ويقول الكاتب”بختيار عزيز”: “ليست هناك ثورة دون تٲثيرات، فكل ثورة بطبيعتها هي تيارات معاكسة للمٲلوف. والثورة التشرينية، هي تختصر في ذاتها مآسي العراق المتعددة، فهي ضد النعرات الطائفية والقومية وكل النعرات الأخری التي تسود العراق منذ عشرات السنين. وهي نابعة من صميم جيل لا يؤمن حقيقة بمواقف وٲفعال الأجيال التي سبقته، بمعنی أنها ثورة تنادي بتراجع أجيال هرمة، فشلت في تنظيف وجه العراق، وتسليم الراية للجيل السائر، الذي بح صوته في المطالبة بالٳصلاح، والذي دون غيره يذهب ضحية لٲفعال ٲجيال سابقة وفاشلة”.

ويؤكد: “الثقافة بطبيعتها لها حالتان مكملتان لبعضهما، ٳما ٲن تكون ذاتية، نابعة من خصوصية ذات الفرد، ٲو جمعية‌ تجمع ذوات متعددة، ليس شرطا ٲن تؤمن بمنهج ثقافي ٲو لها ٲهداف ثقافية مشتركة. والحالتان كليهما تصبان في التغيرات التي ترافق المجتمع، بمعنی الذات المثقف هو نفسه ركن الجماعة المثقفة، ثم هو ركن لوحده ٳذا ما سمح له. من الصعب ٲن تعدد تٲثيرات ثقافية لثورة التشرين، كونها إلي الآن ثورة تراوح مكانها، تجمع قدراتها، ببساطة ٳنها لم تصل لهدفها في ٳزاحة الٲجيال الهرمة التي مسرطنة في العمق العراقي، بثقافته وسياسته وجميع نواحي حياته. لذا ثورة تشرين،ٳذا ما ٲدامت ديمومتها، فهي ليست سياسية فقط، فهي ستنتج تغيرات قد تمتدد حصادها عشرات السنين، وهي تغيرات ثقافية وٳجتماعية وفكرية”.

ويواصل : “في تصوري ٲن الثقافة العصرية وتٲثيرها، هي التي مسئولة بشكل رئيسي، عن ٳبتداء هذه الشعلة الثورية، فالذين يشاركون فيها شباب، وهؤلاء جيل السوشيال ميديا، الجيل الطامح للتقدم والاتصال مع العالم العصري. فالجيل المثقف، وٳن كان لا يقرٲ كثيرا، هو الجيل الذي لا يؤمن بالقومية والطائفية والمذهبية، وجميع المسميات التي تقطع شرايين العراق. بمعنی آخر هذه الثورة التي وحدت المجتمع، في جانب منها، ردة فعل ثقافي ضربت الطبقات التي تعيش عالة علی الناس وتنحرهم بٳسم الدين والقومية والطائفية”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب