23 ديسمبر، 2024 4:01 ص

“توني موريسون” .. نبشت تاريخ العبودية لكي تتحرر منه

“توني موريسون” .. نبشت تاريخ العبودية لكي تتحرر منه

كتبت – سماح عادل :

ولدت الكاتبة الأميركية، من أصل إفريقي، “توني موريسون” في 1931، في لورين – أوهايو، وكانت الطفلة الثانية في عائلة بها أربع أطفال.. كان والدها يعمل حداداً، ووالدتها مغنية ضمن الجوقة الكنسية، عاشت طفولتها في فترة كساد اقتصادي عرفتها أميركا في الثلاثينيات.. وكانت أسرتها تعتمد في بعض الأوقات على مساعدات غذائية.. كان اسمها “كلوي أنطونيا فونورد”، على اسم الإقطاعي الأبيض الذي كان يمتلك جدودها وآباءها ويشغلهم عبيداً لديه، لكن أسرتها تحررت وكافحت لتعيش وسط مجتمع البيض، فوالدها عند ولادتها كان قد تحوّل إلى “عامل مصنع”، لكن ظلت حكايات العبودية تصلها عن طريق أسرتها التي كانت تحتفظ بمئات القصص.

كانت تقرأ منذ طفولتها حيث شغفت بالأدب الفرنسي والروسي والانكليزي.. ومن كتابها المفضلين “ليو تولستوي” و”جين اوستن”، بدأ اهتمامها بالقصص حين كان والدها ووالدتها يرويان لها في طفولتها العديد من الحكايات الشعبية عن مجتمع الأميركان من أصل إفريقي، وكان لهذه القصص أثر كبير عليها.

في 1949 التحقت “توني موريسون” بجامعة “هاوارد”.. وخلال العام  1953 حصلت على شهادة في الأدب الإنكليزي منها، وقررت استكمال دراستها العليا حيث نالت عام 1955 شهادة الماجستير من جامعة “كورنيل”، ثم عملت في “الجامعة الجنوبية بتكساس” في “هوستون” خلال الفترة ما بين (1955 – 1957)، ثم عادت للعمل في جامعة “هاوارد”، وفي 1958 تزوجت من “هارولد موريسون” وكان مهندساً معمارياً من أصل جامايكي وخلال 1964 طلقت منه، وأنجبت طفلين منه، ثم انتقلت إلى “نيويورك” لتعمل محررة كتب منهجية، ثم محررة في المقر الرئيسي لدار النشر “راندوم هاوس”.

الكتابة..

بدأت الكتابة لدى “توني موريسون” بالروايات الخيالية، أثناء انضمامها لمجموعة من الكتاب والشعراء في جامعة “هاوارد”، وكانوا يناقشون أعمالهم، وفي أحد المرات ذهبت “موريسون” إليهم وهي تحمل قصة قصيرة عن فتاة سوداء تتمنى أن تكون لها عيون زرقاء، وقد كتبت هذه القصة بعد ذلك لتصبح روايتها الأولى التي سميت (العين الأكثر زرقة) ونشرتها عام 1970.. كانت “موريسون” أثناء كتابتها لهذه الرواية تربي طفليها وتعمل في جامعة “هاوارد”، حيث ساهم طلاقها وتغيير حياتها في اتجاهها إلى الكتابة، كمحاولة للتأقلم مع التغيير الجذري لحياتها.. وحول بداياتها في الكتابة تقول توني موريسون: “في البداية انصرفت للكتابة كنوع من التعويض عن ذلك التبدّل الكبير الذي طرأ على حياتي، لكني، بعد ذلك، أدركت أن الكتابة أصبحت حاجة ضرورية في هذه الحياة، وبخاصة من أجل التعبير عن احتجاجي ضد الظلم الذي طال أهلي من السود الأميركيين”.

في 1975 رشحت روايتها (سولا) التي كتبتها عام 1973 لجائزة الكتاب الوطنية، أما الرواية الثالثة (نشيد سليمان) فقد حصلت على جائزة النقاد الوطنية، عام 1987 فازت روايتها (محبوبة) بجائزة الكتاب الأميركي، وفي نفس العام عملت “توني موريسون” كأستاذ زائر في “بارد كوليدغ”، وفي 1998 تحولت رواية (محبوبة) إلى فيلم سينمائي من بطولة المذيعة الأميركية الشهيرة “اوبرا وينفري” و”دان كلوفر”، كما رشحت هذه الرواية في عام 2006 كأفضل رواية أميركية نشرت خلال الخمس وعشرون سنة الماضية.

تتميز “توني موريسون” بأنها متعددة المواهب فهي أستاذة جامعية، وكاتبة روائية، وواضعة كلمات الأوبرا، وشاعرة، وكاتبة للأطفال، كما عملت أستاذاً للإنسانيات في جامعة “برينستون” في نيوغيرسي، حيث نالت درجة الأستاذية وحصلت على مقعد، كما عملت ناقدة للأدب وألقت العديد من المحاضرات في الأدب الإفريقي الأميركي.. ولقد فازت بـ”جائزة نوبل” في الأدب عام 1993 عن مجمل أعمالها، وهي أول أميركية من أصل إفريقي تحصل عليها، وآخر أميركية حصلت على هذه الجائزة، كما فازت بجائزة “بوليتزر” عن روايتها (محبوبة) وتُرجمت أعمالها إلى مختلف لغات العالم.

التمييز العنصري..

منذ روايتها الأولى حددت “توني موريسون” موضوعها الرئيس الذي ستظل تناقشه بتنويعات مختلفة وهو اضطهاد أهلها من الإفريقيين الذين جلبوا ليكونوا عبيداً.. حيث حاولت إعادة رسم خارطة الذاكرة للأفارقة الأميركيين، من خلال نبش تاريخ العبودية، وتفاصيل الاضطهاد العنصري الذي تعرضوا له، وكانت منحازة أكثر للنساء الذين عانوا في ظل العبودية وما بعدها، حتى أنهن عندما تحررن عانين من محاولة التأقلم مع مجتمع البيض، الذي ظل يفرض عنصريته ولم يعترف أبداً بحقوق الأميركيين من أصل إفريقي.

رواية “محبوبة”..

في هذه الرواية تتناول “توني موريسون” العبودية من خلال أسرة تتفرع لثلاثة أجيال، وتتجلى بشاعة العبودية حين تقدم البطلة “سيث” على ذبح ابنتها حين يأتي أسيادها ليأخذونها بعد أن هربت منهم، وكانت تنتوي قتل باقي أبنائها لولا أنهم منعوها، لقد فعلت ذلك لتخلصهم من العبودية التي سيرثونها، ثم يظل شبح ابنتها يطاردها حتى بعد أن تحررت، وتظل تشعر بالذنب رغم أن أبنائها الآخرون يعيشون معها ثم تنجح في النهاية في التحرر من ثقل الجرم الذي أقدمت على فعله مجبرة.

تحاول “توني موريسون” دوماً النبش في التاريخ ليكون حياً أمام الأفارقة الأميركيين حتى يتحرروا هم أيضاً منه، من قسوته ووطأته عليهم ولكي يعوا حاضرهم ويفهموه جيداً.

رواية “جاز”..

رغم أنها تبدأ كقصة عادية لزوج يعشق فتاة صغيرة بعد أن يزهد في زوجته، ويقتل تلك الفتاة بعد أن تهجره ثم تحاول زوجته أن تستعيده، إلا أن “توني موريسون” تستعيد الماضي أيضاً وتنبش فيه، لتثبت أن ما يعيشه الأفارقة الأميركيون في حاضرهم يترتب بشكل أساسي على الفواجع والحياة القاسية التي عاشوها من قبل، والتي إن تناسوها إلا أنها تظل تتواجد في لا وعيهم وتحكم حياتهم، الرواية مكتوبة بلغة شعرية وتعطي لموسيقى “الجاز”، تلك الموسيقى التي تخص أهلها، الرابط الأساسي فيها، فـ”توني موريسون” تحتفي بكل ما يخص الأفارقة الأميركيون من تفاصيل حياتية تميزهم وتعطيهم إحساساً بالاختلاف عن مجتمع البيض الذي لا يقبلهم تماماً والذي يتغافل عنهم عامداً.

فموسيقى “الجاز” تمثل فعل تحرّر وخلفية للأحداث في الرواية، كما ترصد “موريسون” التبدّل الذي حدث لحياة الأفارقة الأميركيين وأوضاعهم بعد أن خرجوا من القرى ووصلوا إلى المدن عقب الحرب العالمية الأولى، هذا التبدّل الذي رسمته عبر وصفها مئة عام من حياة البؤس والقهر في روايتها.

حاولت “موريسون” أن تعيد كتابة تاريخ الأميركيين من أصل إفريقي فقامت بنبش ذاكرتهم في معظم، إن لم يكن كل، رواياتها، نبشت ماضيهم المظلم، الماضي الذي كانوا يلعبون فيه أتعس الأدوار، لأنهم ضحايا الجنس والعرق، وأضافت إليه شعورها هي الخاص بالاضطهاد كامرأة أولاً وإفريقية أميركية ثانياً.

تميزت “توني موريسون” بغزارة إنتاجها الأدبي حيث كتبت 11 رواية، بالإضافة إلى كتب للأطفال اشتركت فيها مع ابنها، كما حازت على تقدير واحتفاء النقاد في أميركا وحازت على شهرة كبيرة تشبه شهرة النجوم، وهي على المستوى الإنساني تتمتع بالقوة فقد تجاوزت محنة انفصالها عن زوجها بالكتابة، وتجاوزت محنة موت ابنها متأثراً بمرض السرطان واستأنفت الكتابة أيضاً، كما وساندت الرئيس الأميركي السابق “باراك اوباما” أثناء ترشحه للرئاسة مما منحه شعبية كبيرة وكانت مقربة من الرئيس الأميركي الأسبق “كلينتون”، حيث كانت تمدح اهتمامه بالمهمشين بسبب انحداره من عائلة فقيرة، وهي تعيش حالياً في نيويورك.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة