إعداد/ محمد عبد القادر خليل
باحث في الشؤون التركية
تُعَدّ تركيا واحدة من القوى الإقليمية الرئيسية التي تبحث عن مزيد من النفوذ في المنطقة، باعتبارها دولة ذات ثقل ولديها رصيد مُهِمّ من أدوات التأثير الناعمة والصلبة في محيطها الإقليمي. وقد ذهبت تركيا نحو بناء شراكات استراتيجية مع دول الجوار الإقليمي، بعدما فشلت في تحقيق طموحها في أن تصبح عضوًا بالاتحاد الأوروبي، وذلك في سياق تحقيق مشروعها الجديد المرتبط بتوجّه إدارتها ذات الميول الإسلامية والقومية.
ومن خلال تبنّي مبدأ «صفر مشكلات» مع دول الجوار فتحت تركيا أفقًا لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع دول المنطقة، غير متناسية الترويج لنموذجها كمشروع سياسيّ وثقافيّ واقتصاديّ بديل مطروح أمام دول الجوار، لا سيّما أمام القوى الإسلامية التي كانت أسهمها في تصاعد مع بداية القرن الجديد وحتى اندلاع أحداث الربيع العربي. وبالفعل استطاعت تركيا خلال عقد أن تعيد تموضعها كقوة رئيسية يحسب لها حساب في المنطقة.
بالتوازي مع ذلك تبنّت إيران التي يقوم نظامها على عقيدة مذهبية/قومية تصدير نموذجها لدول الجوار، لتصبح منافسًا إقليميًّا مُهِمًّا يسعى لتأكيد تأثيره ووجوده، وذلك من خلال عَلاقات متطوّرة مع عدد من الميليشيات والأحزاب التي تجتمع تحت مظلة ولاية الفقيه، فضلًا عن عَلاقات متطوّرة مع بعض الدول تحت مظلة المقاومة والممانعة.
وقد وفّرت البيئة الإقليمية عددًا من المعطيات لتتمكّن الدولتان من مدّ نفوذهما وتأثيرهما إلى المنطقة، إذ انكشفت مظلة الأمن الإقليمي بعدما سقط العراق في قبضة الاحتلال الأمريكي، وانفتح المجال أمام الدولتين لدور أكبر على الساحة الإقليمية بعدما تبنّى أوباما سياسة الانسحاب من المنطقة وعدم الاستعداد لتحمّل تكلفة الحفاظ على التوازن الإقليمي، فضلًا عن حالة الضعف التي انتابت النظام العربي وتراجع القدرة على التأثير في مجريات الأحداث.
تنافس المشروعان الإيراني والتركي في عدد من المحطات، وذلك على خلفية المصالح السياسية والاستراتيجية المتضاربة، وطبيعة الدور الإقليمي، فضلًا عن طبيعة التوجّه العقائدي والديني، كما تلاقيا في عدد من المحطات، لكن وفق طبيعة النظامين البراغماتية فإن الخلافات في ما بينهما لم تصل إلى مرحلة القطيعة والمواجهة، كما لم تصل إلى مرحلة التفاهم والتعاون التام، وإن غلب عليها التنسيق.
لم يكن الوجود التركي والإيراني على الساحة الإفريقية بعيدًا عن توجّهات البلدين للبحث عن هوامش أكبر للحركة ودعم النفوذ، كما لم يكن منعزلًا تورطهما المتزايد في الأزمات والصراعات التي تشهدها المنطقة، إذ تمثل إفريقيا ساحة خلفية لتصفية الصراعات والخلافات الإقليمية، كما أنها مجال حيويّ لدعم القدرات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية والعسكرية.
لا تعبّر بالضرورة التوجهات التركية والتوجهات الإيرانية نحو إفريقيا عن وجود تنسيق مشترك، لأن استراتيجية البلدين وخططهما وأدوات تغلغلهما جدّ مختلفة، لكن قد يمثل هذا التوجّه في مرحلة ما مصدر تهديد بالنسبة إلى المصالح العربية والخليجية، لا سيّما أن البلدين يركزان حضورهما على الساحة الإفريقية على خطوط التماس مع شبه الجزيرة العربية وبالقرب من الممرات البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لدول الخليج ومصر في حوض البحر الأحمر وبحر العرب.
فالوجود التركي في الخليج من خلال القاعدة العسكرية في قطر بدأ كمُعامل توازن إقليميّ، لكنه مع بلوغ الأزمة الخليجية ذروتها تحوّل إلى عامل تهديد، في ظل التنسيق التركي الإيراني وموقفهما من الأزمة. والأمر ذاته قد ينسحب في لحظة ما على منطقة البحر الأحمر، إذ إنّ فشل إيران في إيجاد موطئ قدم مؤثر لها على سواحل البحر الأحمر قد ينجح في مرحلة ما تتوافق فيها مصالح تركيا وإيران، ومِن ثَمّ تبدو خطورة التوجه التركي للوجود العسكري المكثف في حوض البحر الأحمر وعلى السواحل الشرقية لإفريقيا من خلال قاعدتها العسكرية في الصومال، ومشروعها الجديد في جزيرة سواكن على الشواطئ السودانية.
تحاول هذه الدراسة إلقاء الضوء على التوجهات التركية نحو إفريقيا، ومدى تقاطع المصالح التركية والإيرانية على هذه الساحة، وانعكاسات ذلك على التوازنات الإقليمية.
أولًا: أنماط وأدوات التأثير التركي في إفريقيا
خُطا متتالية تتخذها الحكومة التركية نحو ترسيخ وجودها متعدّد الأشكال والأدوات في القارة الإفريقية، انطلاقًا من حسابات جيو-استراتيجية يتداخل فيها البُعد الاقتصادي بالبعد الأمني، في ظل طموح تركيّ لأن تغدو دولة مؤثرة في دوائر متعدّدة، بما يمنحها عمقًا استراتيجيًّا في إفريقيا، بالتوازي مع الانخراط في التفاعلات الأوروبية، والعمل على توثيق عَلاقاتها مع القوى الآسيوية.
أعلنت تركيا أن عام 2005 يمثل «عام إفريقيا»، وقام الرئيس التركي (رئيس الوزراء وقتذاك) رجب طيب أردوغان، بجولته الإفريقية الأولى، وفي العام نفسه منح الاتحاد الإفريقي تركيا صفة «مراقب»، لتحصل في يناير 2008 على صفة «الشريك الاستراتيجي» للاتحاد، كما حصلت على عضوية بنك التنمية الإفريقي في مايو من العام ذاته[1].
انضمت تركيا، في يونيو 2008، إلى منتدى شركاء الهيئة الحكومية للتنمية في شرق إفريقيا (إيجاد)، ووطدت عَلاقاتها مع المنظمات الإفريقية الفرعية (مثل: تجمّع شرق إفريقيا، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ECOWAS)، وتوّجت ذلك بآلية أشمل للعَلاقات تمثلت في آلية انعقاد القمة التركية-الإفريقية[2].
عقد أول مؤتمر في عام 2008 في العاصمة التركية، والثاني في عام 2014 في غينيا الاستوائية، ومن المقرر أن تعقد القمة المقبلة في عام 2019. وقد صوتت الدول الإفريقية بالإجماع على عضوية تركيا غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لعام 2009-2010. كما ارتفع عدد سفارات تركيا في إفريقيا إلى 44 سفارة، بينما كان العدد نحو 12 سفارة عام 2004[3].
كما استخدمت تركيا قوتها الناعمة والصلبة لتأكيد وجودها في إفريقيا، فعلى مستوى الأدوات الناعمة بدا حاضرًا في جميع التصريحات التركية حيال دول القارة تأكيد افتقاد الأهداف التركية إلى الطموحات الاستعمارية أو التوجّهات الاستغلالية. وارتكز الخطاب التركي على الرغبة في تقديم المساعدة وتعزيز الإخاء بين الأتراك والشعوب الإفريقية. وقد جاء ذلك عبر عدد من الأدوات الرئيسية، أهمها المؤسسات التعليمية، إذ روّجت تركيا إلى أن سياساتها حيال إفريقيا تستهدف نقل الخبرات، وتعزيز فرص التعليم للشباب الإفريقي، فعلى سبيل المثال تتحمل تركيا أيضًا الدور الأساسي في التعليم بالصومال، باستضافة أكثر من 15 ألف صومالي للدراسة بالجامعات التركية، وإنشاء المدارس التركية بالصومال[4].
وثقافيًّا، تعمل تركيا على نشر ثقافة تعلم اللغة التركية، إذ توفّر فرص عمل للذين يجيدون اللغة التركية فقط. وتغيير أسماء بعض الشوارع من العربية إلى التركية في الدول التي تملك بها نفوذًا كالصومال. وقد أضحت مدارس الأئمة والخطباء الدينية التي تخرّج فيها أردوغان تنتشر في الصومال، عبر تمويل مباشر من هيئة وقف الديانة التركية التابع للحكومة التركية. وتقدم الجامعات التركية عددًا أكبر من المنح الدراسية للطلاب الأفارقة[5].
وبديلًا عن مدارس حركة الخدمة المعارضة والمتهمة بالانقلاب باتت إدارة أردوغان تعمد إلى إيجاد مؤسسات بديلة. وتعقد تركيا المنتديات والمؤتمرات السنوية بين الصحفيين الأفارقة والأتراك، كما توسعت تركيا في تنظيم الرحلات، وتوجيه دعوات منظمة إلى المثقفين وقادة الفكر والإعلام في الدول الإفريقية، كما أطلقت أنقرة عديدًا من المواقع باللغات المختلفة لكي تصل رسائل تركيا السياسية إلى المواطنين في إفريقيا.[6]
وعلى المستوى الإغاثي تمارس تركيا دورًا في دعم قضايا اللاجئين والنازحين الأفارقة، وفي توفير موادِّ الإغاثة الإنسانية، عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية (TAKA)، والهلال الأحمر، وهيئة الإغاثة (IHH). وإلى جانب الاستثمارات والمساعدات الإنسانية قدَّمَت أنقرة مساعدات في مجالات الصحة والأعمال الخيرية لعدد من الدول الإفريقية[7].
اقتصاديًّا، استضافت أنقرة في نوفمبر 2016 أول منتدى أعمال إفريقيّ-تركيّ حضره 3000 مشارك، من بينهم 2000 يمثلون المجتمع الاقتصادي لـ45 دولة إفريقية. ووقعت عشرات العقود مع جمهورية جنوب إفريقيا، ونيجيريا، وكينيا، وغانا، وزامبيا، وتنزانيا[8]. وقد أبدت الحكومة التركية وأبدى رجال الأعمال اهتمامًا بالسوق الإفريقية، انصبّ أولًا نحو بلدان شمال إفريقيا الأقرب إلى تركيا جغرافيًّا وثقافيًّا وتاريخيًّا ودينيًّا. وفي وقت لاحق، توجّه الاهتمام إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء.
أما على مستوى الأدوات الصلبة، فقد عملت تركيا على عقد عديد من الاتفاقيات العسكرية مع البلدان الإفريقية. كما شرعت أنقرة في تحويل النفوذ المتنامي في عديد من الدول «الرخوة» (السودان- الصومال- جيبوتي) إلى وجود دائم عبر مناطق صناعية أو قواعد عسكرية[9] .
ثانيًا: أهداف التحرك التركي نحو إفريقيا
1- الأهداف السياسية:
جاء التوجه التركي نحو إفريقيا بناءً على محركات رئيسية، منها أن القارة السمراء تضم نحو 54 دولة، كما أنها تعد ثاني أكبر قارة من حيث المساحة وعدد السكان، وهي أيضًا غنية بالموارد والثروات، فضلًا عما تمتلكه من اقتصادات تعدّ الأسرع نموًّا، خصوصًا في منطقة غرب إفريقيا، بما يجعلها قارة جاذبة للاستثمار الأجنبي.
لا تنفصل عن طموحات تركيا، بشأن تعزيز روابطها السياسية مع إفريقيا، الرغبة في تأمين دعم دول القارة في المحافل الدولية، وتحاول تركيا كذلك استباق القوى الإقليمية الأخرى التي تسعى إلى التمدّد والتموضع حول طرق التجارة الدولية. وتُعَدّ منطقة شرق إفريقيا مجالًا حيويًّا للتحركات التركية نظرًا لأهميتها في التحكم في الملاحة الدولية التي تمرّ عبر البحر الأحمر، والتي تشكل نحو 15% من حجم التجارة الدولية، أي ما يعادل 2.5 تريليون دولار، طبقًا لإحصائيات عام 2016[10].
لا تنفصل عن طموحات تركيا، بشأن تعزيز روابطها السياسية مع إفريقيا، الرغبة في تأمين دعم دول القارة في المحافل الدولية، وتحاول تركيا كذلك استباق القوى الإقليمية الأخرى التي تسعى إلى التمدّد والتموضع حول طرق التجارة الدولية. وتُعَدّ منطقة شرق إفريقيا مجالًا حيويًّا للتحركات التركية نظرًا لأهميتها في التحكم في الملاحة الدولية التي تمرّ عبر البحر الأحمر، والتي تشكل نحو 15% من حجم التجارة الدولية، أي ما يعادل 2.5 تريليون دولار، طبقًا لإحصائيات عام 2016 [11]
وتعمل تركيا في هذا الإطار بالتنسيق مع بعض القوى التي ترتبط معها بروابط سياسية ومصالح مركبة، مثل قطر. فبينما زار أردوغان السودان، وتونس، وتشاد مؤخرًا، فإن أمير قطر، تميم بن حمد، قام بزيارة بعض عواصم الساحل الإفريقي وغرب القارة. زيارتان قطرية وتركية في ذات التوقيت وبالاستراتيجيات الاتصالية ذاتها، فذلك إيذان بمرحلة وأهداف متسقة.
يوضح ذلك تحركات قطر وتركيا المتزامنة حيال السودان، والتي تشير إلى تزايد احتمالات تشكل محور ثلاثي بين الدول الثلاث التي تتبنى مقاربات داعمة لجماعات الإسلام السياسي متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين. وقد يمتد هذا التحالف ليشمل إثيوبيا، وربما إيران.
2- الأهداف العسكرية:
تسعى تركيا إلى مد النفوذ العسكري التركي إلى القرن الإفريقي، وإجراء مناورات مشتركة مع جيوش المنطقة، إذ وقّعت بالفعل اتفاقيات أمنية مع كل من كينيا، وإثيوبيا، وتنزانيا، وأوغندا، لتدريب قوّات الأمن في تلك الدول على مكافحة الإرهاب[12].
ويعكس التوجه التركي العسكري نحو الصومال، والسودان، وقطر، الاهتمام المتزايد بأمن الممرات الملاحية، ورغبة تركيا في توسيع نفوذها لتأكيد دورها القيادي في منطقة الشرق الأوسط، بالمقارنة بالفواعل الإقليمية الأخرى، والتي تسعى بدورها لإنشاء قواعد عسكرية حول ذات الممرات الحيوية.
يحقق ذلك ما يمكن أن يُطلَق عليه «حرب القواعد العسكرية» في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا، لا سيّما في ظل القاعدة الإسرائيلية للتجسس، وتزويد غواصات البحرية الإسرائيلية بالوقود في أرخبيل دهلك الإريتري، والقواعد العسكرية الأمريكية، والفرنسية، والصينية، واليابانية، والإيطالية والسعودية في جيبوتي، والقاعدة الإيرانية في إريتريا، وتمركز الإمارات بدورها في عدة مواني في بحر العرب والبحر الأحمر[13].
وقد وضع أردوغان قدمه في الصومال، لكنه فشل عند محاولته في جيبوتي، التي تضم قواعد عسكرية لفواعل دولية كبرى، ولا يزال أردوغان يحاول في هذا الإطار مع جيبوتي.
على جانب آخر، تسعى أنقرة إلى فتح أسواق جديدة أمام الصناعات العسكرية التركية التي تطوّرت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة. ويأتي التحرك التركي-القطري حيال السودان في ظل تزايد مؤشرات تشكل محور إقليمي بين الدول الثلاث قد يشمل إثيوبيا. يؤكد ذلك الإجراءات العسكرية غير المسبوقة التي أعلن عنها من قبل الدوحة والخرطوم بعد زيارة أردوغان للسودان مباشرة. إنّ محض الإعلان عن هذا الإجراء، بالنظر إلى الأزمة الخليجية-القطرية، وطبيعة المواقف الضبابية لكل من السودان وأنقرة حيال هذه الأزمة، قد يرجح وجود تحالف في طور التبلور بين الدول الثلاث.
كما أن هذا الوجود العسكري التركي يمثل مصدر خطر محتمل أمام المملكة العربية السعودية ودول الخليج في ظل تباعد المواقف تجاه بعض القضايا الإقليمية، فالنظام التركي لديه براغماتية قد تتجه به عند تعرض مصالحه لخطر للتنسيق مع إيران، كما حدث في أزمة استفتاء كردستان وكذلك كما حدث في سوريا.
من زاوية ثانية، تستهدف تركيا التأثير سلبًا في فاعلية التحركات المصرية حيال القارة الإفريقية، وإحباط فرص نجاح الدولة المصرية في احتواء القيادة السودانية، من خلال توسيع هامش المناورة أمام نظام عمر البشير.
ذلك أن تأسيس قاعدة عسكرية في سواكن، القريبة من الحدود المصرية، إنما يستهدف الأمن القومي المصري، لا سيما في ظل العَلاقات المتوترة بين مصر مع كل من تركيا وقطر وبمستوى أقل مع السودان.. وتسعى تركيا من وراء ذلك التحرك الرد على التوجه المصري لتعزيز العَلاقات العسكرية مع كل من قبرص واليونان، وتشكيل محور عسكري في شرق المتوسط، وتتوالى التدريبات العسكرية والمناورات البحرية بين دوله. كما يعبّر ذلك عن الانزعاج التركي من توجّه مصر لبناء خط أنابيب مع اليونان وقبرص، وتجاهل المواني التركية، وإصرار مصر على «نزع الأهمية» عن الموانئ التركية كـ«مصبّ للغاز» على البحر الأبيض المتوسط[14].
من جهة أخرى يسعى أردوغان إلى تعزيز التوجهات التركية في ليبيا، من خلال استراتيجية تستهدف تشتيت انتباه مصر عبر تفاعل الدور التركي مع دول الجوار الليبي، والتي يتخذ البعض منها مقاربات مغايرة للمقاربة المصرية حيال الوضع في ليبيا.
إجمالًا يمكن القول إن الوجود العسكري التركي في البحر الأحمر قد يشكل مصدر تهديد في المستقبل أمام مصالح دول الخليج ومصر، بما يعرقل عملياتها العسكرية في اليمن وبما قد يحدّ من تأثيرها إفريقيًّا، كما أنه قد يتجه للتنسيق مع إيران إذا ما اقتضت مصالحه ذلك، لا سيّما أن هناك بونًا شاسعًا بين وجهة النظر التركية والخليجية حيال إيران.
3- الأهداف الاقتصادية:
تعمد تركيا إلى تعزيز عَلاقاتها الاقتصادية والتجارية مع بلدان إفريقيا، التي تنظر إليها انطلاقًا من «اقتراب الفرصة»، وتجسيدًا لطبيعة الائتلاف السياسي-التجاري الذي يشكل حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والذي يعبر عن تحالف التيار الإسلامي (المللي جورش-إخوان تركيا) ومجموعات مغايرة من رجال الأعمال (ممثلو جمعية موسياد).
لذلك، تستهدف تركيا تعزيز استثماراتها الخارجية في إفريقيا، وفتح أسواق أمام منتجاتها التي تواجه صعوبات في النفاذ إلى الأسواق الغربية، وتجد رواجًا في الأسواق الناشئة، وهي في ذلك تبتغي حماية مصالحها الاقتصادية. فمن المخطط أن يصل حجم التجارة التركية-الإفريقية نحو 50 مليار دولار بحلول عام 2023.
لذلك، فإن أردوغان اصطحب في جولته الأخيرة في السودان وتشاد وتونس أكثر من 150 رجل أعمال، ونفس الشيء في زيارته إلى القارة في فبراير 2016. وأفضت زياراته إلى توقيع عدد كبير من المشروعات، أغلبها تجارية، وبعضها ذو طبيعة أمنية لا يعلن عنها، لذلك دائمًا ما يكون بصحبته الوزراء الأمنيون أو البعض منهم[15].
وأوضحت الجولة الأخيرة لأردوغان، في ديسمبر 2017، أن ثمة محركًا جديدًا في عَلاقات تركيا بإفريقيا يتمثل في قطر، بحسبانها تسعى إلى توثيق عَلاقات تركيا مع الدول الإفريقية-العربية، سعيًا للتأثير في المعادلات السياسية والأمنية العربية، وتشكيلًا لمحاور تخدم مصالحها، وتعزز من وضعها الإقليمي، مقارنة بدول المركز أو دول الاعتدال العربي.
وتستخدم الدوحة في هذا السياق المحرك المالي، بحسبان العديد من الدول الإفريقية تعاني انخفاض مستوى الأداء الاقتصادي، وتسودها الرغبة في توفير تمويل ماليّ للمشروعات التجارية، والاستثمارات في البنية التحتية.
فلم تكن زيارة الرئيس التركي لتصل إلى ما بلغته، حال عدم تقديم الأموال لنظام البشير، التي يحتاج إليها ويناور من أجلها لمواجهة عثراته الاقتصادية. وقد كان واضحًا مسعى قيادة قطر إلى تعزيز نفوذها، بالتنسيق مع أردوغان، عبر البوابة التركية، من خلال ضخ استثمارات ضخمة في السودان، وهي تسعى لإقامة مشروعات تنموية في ميناء بورتسودان -المجاور للحدود المصرية والمقابل للموانئ السعودية- على البحر الأحمر[16].
يعيد المشروع القطري-التركي مع السودان بشأن إنشاء أكبر ميناء للحاويات في البحر الأحمر في مدينة بورتسودان نمط المنافسة القطرية مع «شركة دبي للمواني» على الفوز بالصفقة، كما أنه يوضح طبيعة الرغبة في التأثير في مخططات مصر لتطوير منطقة قناة السويس، لتغدو أحد روافد الدخل القومي.
يؤكد ذلك فكرة التحالف الثلاثي بين الدول الثلاث، فالسودان يسهم بجغرافيا الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر، وتركيا بالوجود العسكري، وقطر بالدعم المالي. ويعمل هذا التحالف على التأثير في مصالح مصر أيضًا من خلال طرح مناطق بديلة للمواقع السياحية في مصر، لا سيّما في ظل تحركات الدوحة لتطوير ساحل البحر الأحمر في السودان، وضخ استثمارات في البلد الإفريقي تقدر، حسب بعض التقديرات، بنحو 3.8 مليار دولار[17]. إضافة إلى زيارة الشيخة موزة بنت ناصر للخرطوم، وانتشار صورها خلال وجودها في منطقة مجسمة للأهرامات.
ويُتوقع أن يثير الوجود التركي في سواكن كثيرًا من التوترات المعلنة أو الصراعات المكتومة، لا سيّما أنه يدشِّن مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي أن أنقرة أصبحت على حدود مصر (غربًا في ليبيا وشرقًا في السودان) والسعودية (غربًا في السودان وشرقًا في قطر).
وليس من الطبيعي قراءة عودة «العثمانيين الجدد» لحدود أكبر دولتين عربيتين بحسبانها «مبرمجة» ضمن «السياحة» التي تحدث عنها أردوغان، وإنما تعيد على ما يبدو برمجة خريطة التحالفات والنفوذ في المنطقة.
ثالثًا: حدود التشابك بين مصالح تركيا وإيران في إفريقيا
بين تركيا وإيران تقاطعات واتفاقات على الساحة الإفريقية، فكلتا الدولتين تسعى لتعزيز نفوذها السياسي، وتَمدُّدها الاستخباراتي، وحماية مصالحها الاقتصادية، وإيجاد مراكز تدريب، أو قواعد عسكرية على الساحة الإفريقية، تُسهِم في إعادة خلط المعادلات القائمة، وتعزيز دعم ومساندة الدول الإفريقية لبلدان الجوار للمنطقة العربية، لا للقضايا والمصالح العربية.
1- تنسيق المواقف وتهديد المصالح الخليجية أو العربية:
واحد من التوافقات غير المباشرة بين تركيا وإيران في ما يخص تحركات البلدان على الساحة الإفريقية يتعلق بالسعي للتأثير ومد النفوذ، وتعزيز التمركز في المناطق الجغرافية، أو الممرات الملاحية المحيطة بالدول العربية. وإن اختلفت الدول المستهدفة من جانب البلدين من هذه التحركات، أو اختلفت الأدوات.
فبينما تكنّ إيران عداء لدول الخليج وتستهدف حركتها على الساحة الإفريقية فرض طوق حول شبه الجزيرة العربية، فإن تركيا تسعى لأن تكون رقمًا إقليميًّا لا يمكن تجاوزه، مع الحدّ من حركة مصر في ظل العَلاقات المتوترة بين البلدين منذ عام 2013، وبينما تعتمد إيران على الفوضى وأدوات التدخل غير المقبولة دوليًّا، تبدو حركة تركيا تعتمد على مداخل أكثر إيجابية. لكن إجمالًا فإن سياسات الدولتين تمثل تهديدًا لمصالح بعض الدول العربية، وقد تتفق الدولتان في مرحلة ما على تنسيق تحركاتهما ومواقفهما، ففي ما يخص تركيا، بدا واضحًا نمط التحرك حيال حركة حماس في قطاع غزة، وليبيا، والسودان على الحدود المصرية، وكذلك التحرك التركي في منطقة الخليج العربي، والرغبة في تأسيس قواعد عسكرية أخرى في هذه المناطق تجمع بين الحضور والتأثير أو مناوأة قوى تراها معادية[18].
ويبدو أن سياسات الوجود حول دول الخليج من الشرق والغرب تأتي في إطار البقاء جزءًا من المعادلة الإقليمية، بما للخليج من دور ومكانة مؤثرة على الساحتين العربية والإسلامية، وقد ظهرت خطورة هذا الوجود وتَحوُّله من مصدر تعزيز للأمن إلى مصدر تهديد بعد اندلاع الأزمة القطرية، إذ تَحوَّل هذا الوجود إلى مصدر تهديد للمملكة، كما أنه نسَّق مواقفه إيران لمساعدة قطر في مواجهة دول الخليج.
وبالقياس قد يكون التمركز في سواكن السودانية مصدر تهديد لمنطقة الخليج بما للبحر الأحمر من أهمية للأمن الخليجي، بل قد يكون هذا الوجود عند وقوع أي أزمة بؤرة لتعاون إيرانيّ-تركيّ قد يضرّ بمصالح دول الخليج ومصر، إذ تبعد سواكن عن السواحل السعودية 297 كم.
وهنا قد تستفيد تركيا من إيران، الموجودة عسكريًّا في العراق وسوريا واليمن، وتستفيد إيران من الوجود التركي في إفريقيا، لمحاولة محاصرة المنطقة العربية من الشمال والجنوب والشرق والغرب.
يوظف البلدان البعد الديني لمد النفوذ والتأثير بوصفه وسيلة لتحقيق المصالح القومية للبلدين، إذ أدرك صانع القرار التركي جيدًا أن البعد الديني سوف يزيد من قوة أنقرة التنافسية في القارة السمراء، ويميزها من فاعلين آخرين لهم نفوذ كبير داخل القارة الإفريقية.
في الإطار ذاته، تتبنى إيران مقاربات تستهدف العمل على استغلال البعد الديني في تشكيل أطر سياساتها حيال عديد من الدول الإفريقية، كما تعمد طهران إلى نشر المذهب الشيعي، ومِن ثَمّ تشكيل جماعات مذهبية متمايزة عن محيطها[19].
وبينما عمدت القيادة التركية إلى أن تتصدر إفريقيا جدول أعمال السياسة التركية، عملت طهران من جانبها، خلال السنوات الخالية، على التغلغل تدريجيًّا إلى العمق الإفريقي عبر استغلال الأقليات الشيعية، والتي تبلغ ما بين 5 إلى 10 في المئة من مجموع السكان المسلمين، كما تنتهج عملية التبشير عبر البعثات العلمية، والمؤسسات التعليمية الخاصة، والمراكز الثقافية، والحوزات العلمية، وجمعيات الهلال الأحمر.
ولعل هذا ما يفسر السبب الذي جعل طهران ترفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في القارة الإفريقية بصورة ملحوظة في أكثر من 30 بلدًا إفريقيًّا خلال السنوات العشر الأخيرة. كما أن أدواتها وأساليبها تأتي عبر برامج غير حكومية ومبادرات غير رسمية، فمعظم المنشآت الخيرية تبقى بمعزل عن الحكومة، بيد أنها تتميز بقدرات مالية، وعلى رأسها مؤسسات المستضعفين، والشهيد، والإمام الرضا، والـ15 خرداد، وهي مؤسسات معفاة من الضرائب، وتتبع المرشد الإيراني، علي خامنئي، على نحو مباشر، وتؤدي أدوارًا في تقديم الخدمات الاجتماعية، ونشر الدعوة السياسية الدينية، وتعزيز التجارة[20].
وتعمل الدولتان على استخدام الآيديولوجية الدينية الحاكمة في تعزيز الروابط مع التيارات الإسلامية والأنظمة التي تتبنى ذات الآيديولوجية، لذلك تعمل تركيا على توثيق عَلاقاتها مع نظام البشير القريب من تيار الإخوان المسلمين المدعوم من قطر. وهذا التوجه لا شك يخصم من تأثير دول الخليج على الساحة الإفريقية ويحد من تأثيرها.
وجاءت زيارة أردوغان إلى السودان محاولة لتعزيز توجهه التدريجي نحو إعادة التمركز ضمن «المحاور» العربية على الساحة الإفريقية، فقد يكون من المحتمل ترك معسكر التحالف العربي، والاتجاه نحو محور «الإسلام السياسي (القطري-التركي)»، وهو محور قد يشمل إيران في مرحلة لاحقة، بالنظر إلى محركات عددية، من بينها الاصطفافات الإقليمية التي أوجدتها الأزمة الخليجية-القطرية.
2- مجالات التنافس التركي-الإيراني:
على الرغم من التوافقات الضمنية بين تركيا وإيران حيال التمدّد الناعم والوجود الخشن على ساحات القارة السمراء، فثمة سباق أيضًا بين البلدين لتعزيز النفوذ، وتوطيد المصالح السياسية والأمنية وحمايتها.
ففي ما يتعلق بإيران، فقد حظيت القارة الإفريقية باهتمام متعدّد المستويات خلال السنوات الماضية، على النحو الذي جعلها تحظى بصفة عضو مراقب في الاتحاد الإفريقي، شأنها شأن تركيا. جاء ذلك في ظل المقاربات التي تتبعها طهران للتغلغل والنفاذ في القارة السمراء، عبر زيارات متوالية وعالية المستوى، من خلال حلقات متصلة لمجموعات من الدول الإفريقية في إطار جولات إيرانية على نحو دوري. فعلى سبيل المثال، قام الرئيس السابق، أحمدي نجاد، بأكثر من ست جولات لدول غرب إفريقيا.
قد يكون الوجود العسكري في البحر الأحمر وفي الصومال مصدر تهديد لمصالح إيران في القرن الإفريقي، الذي يعد من المناطق الاستراتيجية التي تسعى طهران إلى إيجاد موطئ قدم فيها، خصوصًا في ظل تداعيات عملية «عاصفة الحزم» في اليمن على النفوذ الإقليمي الإيراني المتآكل في منطقة الشرق الأوسط. لا سيّما إذا ما نسقت تركيا موقفها مع دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.
ويخلق الوجود التركي في الصومال مزاحمة للنفوذ الإيراني المتزايد هناك، الذي تمدّد تحت ستار الأنشطة الخيرية والثقافية، فضلًا عن إدراك أنقرة للأهمية الاستراتيجية لمقديشو النابعة من موقعها الجغرافي، إذ تعدّ بوابة الدخول إلى القارة الإفريقية[21].
وبينما تعمل إيران على دعم حلفائها عبر شحنات السلاح التي يتم تمريرها بحريًّا، فإن تركيا بدورها تسعى إلى تعزيز التطوّر الذي شهده قطاع الصناعات العسكرية التركي، والذي يحتاج إلى أسواق لترويجها، فضلًا عن سعي تركيا إلى إظهار نفسها دولة إقليمية تستطيع لعب دور مهمّ في تدريب قوّات دول الجوار[22].
وتقوم طهران في هذا الإطار بمحاولة تعظيم أوجه الروابط المشتركة، من خلال توظيف ارتدادات المساعدات العسكرية للعديد من الدول الإفريقية، وذلك في إطار محاولة لبسط نفوذها على الممرات المائية في المنطقة. وتعمل تركيا بدورها على تعزيز نفوذها عبر استغلال تخوف بعض الدول الإفريقية من النفوذ والتدخلات الإيرانية، وتحديدًا بعد الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران. وكردّ فعل على ذلك قطعت كل من السودان، والصومال، وجيبوتي، وجزر القُمر، وموريتانيا، عَلاقاتها تمامًا مع طهران وطردت سفراء إيران لديها، معلنة تضامنها مع الرياض، التي تبدو أكثر الفواعل الإقليمية قدرة على التحرك الاستباقي والوقائي، إحباطًا للمخططات التركية والإيرانية [23].
ولا شك أن إيران بوصفها لنفسها مرجعية دينية للشيعة تنافس تركيا التي تعدّ نفسها قائدة لنموذج إسلاميّ سنّي حديث، تتنافسان للهيمنة على المجال الديني في دوائر الاهتمام المشترك ومن بينها القارة الإفريقية، والدين لدى الدولتين مدخل رئيسيّ لبناء العَلاقات ومدّ النفوذ بوصفه إحدى أدوات القوة الناعمة.
3- النفوذ في مداخل البحر الأحمر:
خلال الأعوام القليلة الماضية بات السباق محمومًا على البحر الأحمر الذي يُعَدّ ممرًّا لنحو 3.3 مليون برميل من النفط يوميًّا، كما يشكِّل المعبر الرئيسي للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيّما الصين والهند واليابان، مع أوروبا[24]، وبالإضافة إلى الدول الإقليمية المطلّة على البحر الأحمر (الأردن ومصر والسعودية والسودان وإريتريا والصومال واليمن وجيبوتي وإسرائيل) دخلت قوى دولية وإقليمية على خطّ النفوذ في هذا البحر.
فأحد محرِّكات مجابهة التحالف العربي لجماعة الحوثي في اليمن يتعلق بحماية الموانئ اليمنية الغربية من أن تقع ضمن النفوذ الإيراني، الذي يُستهدف تمدّده على سواحل البحر الأحمر. وبالنسبة إلى إيران، فإن إنشاء القاعدة التركية بالصومال يدفعها لتغدو أكثر حرصًا على التشبث بالتمركز في القرن الإفريقي، بذريعة محاربة القرصنة في الإقليم. وهو أمر تضاعفت أهميته، وفق مدركات القيادة الإيرانية، إثر الحملة العسكرية العربية-الإسلامية التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد جماعة الحوثي[25].
ولعل ذلك ما يفسر حرص طهران على افتتاح سفارة في مقديشو، وإقامة المشروعات الخيرية والاستثمارية، ومراكز التدريب المهني بالصومال، والسعي للحصول على تسهيلات عسكرية في الإقليم، وتوثيق العَلاقات مع إريتريا، وتعزيز عَلاقاتها ودعمها التسليحي لجماعة الحوثي الإرهابية في اليمن، في محاولة لاستغلال سواحل اليمن في تحقيق استراتيجياتها القائمة على زعزعة استقرار البلدان العربية، وتمرير السلاح الإيراني إلى حلفائها في إفريقيا.
وعلى الرغم من التنافس التركي-الإيراني، فلا صدامات أو صراعات بين الجانبين على الساحة الإفريقية، والمعطيات السابقة وتشابكاتها، المعلنة والخفية، تقود إلى توقع أن يكون هناك أفكار تخص امتداد مثلث تركيا-إيران-قطر، ليشمل السودان معه، والمبررات التي ينطلق منها كثيرة، نطرحها على النحو الآتي:
» تشابه الأهداف التي تتحكم في تحركات ومفاصل الدول الأربع، وأبرزها الإصرار على دعم التيار الإسلامي بأطيافه المختلفة، والتي أصبحت جزءًا من هُوية تركيا، وقطر، وإيران، والسودان، وتطوير العَلاقات بينها لمواجهة المد الذي يحظى به تحالف مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وبات عنصرًا محوريًّا لكشف كثير من ممارسات الدول الداعمة للإرهاب.
» وجود رغبة لدى الدول الأربع للتمدّد نحو القارة الإفريقية، فلدى تركيا مصالح كبيرة في القرن الإفريقي، وهي تحاول تطوير نفوذها في الشرق والجنوب، ولدى قطر محاولات ظاهرة للتغلغل في العمق، وقطعت إيران شوطًا كبيرًا في توسيع نفوذها بالقارة السمراء، كما يمتلك السودان عَلاقات وطيدة مع عدد كبير من الدول الإفريقية، بما يجعله مدخلًا مُهِمًّا لأي من هذه الدول الثلاث للنفاذ إلى عمق القارة ومناطقها المؤثرة، والسودان في ظل احتياجه إلى الدعم السياسي والاقتصادي قد يكون مستعدًّا للقيام بمثل هذا الدور، لا سيما إذا ما تعرضت عَلاقاته مع مصر لمزيد من التوتر.
» تشكل تحالف بهذه الطريقة يمنح بعض القوى الكبرى فرصة لدعم تصوّراته بشأن مزيد من استنزاف القوى الرئيسية في المنطقة، لا سيما أن الصدام قد يكون حتميًّا بين القوى الداعمة للتيار الإسلامي، بأشكال مختلفة، والقوى المناهضة له.
» لدى الدول الأربع، تركيا، والسودان، وقطر، وإيران، مشكلات متعاظمة، تحاول تجاوزها أو التخفيف من حدتها، عبر تشكيل نسق تعاوني إقليمي، يوفر لكل دولة منها جانبًا مما تريده من تحركات وطموحات لتقليص الاستهداف الفردي.
وفي النهاية يمكن القول إنّ الوجود التركي في إفريقيا في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة يمثل تهديدًا أكثر منه فرصة، إذ إنّ هناك تنسيقًا متعدّد الجوانب بين تركيا وإيران على صعيد أكثر من أزمة، كما أن حجم الخلاف بين دول الخليج وفي مقدمتها المملكة شاسع، لكنه بين تركيا وإيران ليس بهذا الحجم، ومِن ثَمّ فإنه يجب الحذر من احتمال التنسيق بين تركيا وإيران في تلك المنطقة الحيوية بالنسبة إلى الأمن العربي والخليجي، كما حدث في مواجهة الأزمة الخليجية الأخيرة.
[1]وكالة الأناضول للأنباء: أردوغان الرئيس الأكثر زيارة لإفريقيا بين زعماء العالم: http://cutt.us/G0Dkf
[2]د. أيمن شـبانة، أبعاد الدور: دوافع تأسيس تركيا قاعدة عسكرية في الصومال، مركز المستقبل للدراسات المستقبلية والمتقدمة، 6 أبريل 2017.
[3]تركيا تعتزم فتح 5 سفارات جديدة في إفريقيا. تركيا الآن، 30 أكتوبر 2007، متاح على الرابط التالي:https://www.turkeyalaan.net
[4]بهاء العوفي: الصومال.. بوابة تركيا الاستراتيجية في إفريقيا: http://cutt.us/vE6y1
[5]العثمانيون يعودون من الصومال، جريدة مكة (السعودية)، 14 مارس 2014.
[6]الوطن: تركيا تخوض حربًا ضدّ مؤسَّسات كولن في إفريقيا: http://cutt.us/B4bLa
[7]رئاسة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق: “تيكا” التركية تفتتح مبنى “كلية الأناضول الزراعية” في الصومال: http://cutt.us/zUgd
[8]المرجع السابق.
[9]آر تي: اجتماع ثلاثي لرؤساء أركان السودان وقطر وتركيا: http://cutt.us/A8kxW
[10]السودانيون ينتفضون: تسليم «سواكن» لأردوغان يهدد الأمن القومي العربي، مبتدا (مصر)، 26 ديسمبر 2017، على الرابط التالي:https://www.mobtada.com/details/682865
[11]المرجع ا لسابق.
[12]د. أيمن شـبانة، أبعاد الدور: دوافع تأسيس تركيا قاعدة عسكرية في الصومال، مرجع سبق ذكره.
[13]”سواكن” السودانية تحرِّك حلم الخلافة العثمانية.. وخطوات مصر الاستباقية حائط صد أمام تهديدات الجنوب، جريدة الأهرام (مصر)، 27 ديسمبر 2017.
[14]بعد زيارة أردوغان للسودان: مخططات تركية للتلاعب بثروات البحر الأحمر، موقع مبتدا (مصر)، 27 ديسمبر 2017. متاح على الرابط التالي:https://www.mobtada.com/details/682865
[15]المثلث الآيديولوجي: كيف تفكر تركيا في علاقاتها مع السودان وقطر؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 31 ديسمبر, 2017.
[16]محمد مصطفى جامع: ميناء بورتسودان والأزمة الخليجية.. هل تختار الخرطوم قطر؟ 06، نون بوست، ديسمبر 2017.
[17]قطر تعتزم بناء أكبر ميناء على البحر الأحمر، arabic.rt، 17 نوفمبر 2017. متاح على الرابط التالي: https://arabic.rt.com
[18]Olivier Decottignies and Soner Cagaptay, Turkey’s New Base in Qatar, Washington institute, January 11, 2016.
[19]السودانيون ينتفضون: تسليم «سواكن» لأردوغان يهدد الأمن القومي العربي، مرجع سابق.
[20]إفريقيا ملجأ إيران من العزلة الدولية، موقع “دوت مصر”، 5 فبراير 2015.
[21]التغلغل الناعم: إفريقيا في الاستراتيجية التركية.. المحدّدات والسياقات والتحدّيات، دورية قراءات إفريقية، يونيو 2017.
[22]طايل يوسف عبد الله العدوان، الاستراتيجية التركية والإيرانية نحو الشرق الأوسط (رسالة ماجستير)، جامعة الشرق الأوسط، 2013.
[23]5 دول تقطع علاقاتها مع إيران.. والعالم يندد بانتهاكاتها بعد اعتداء طهران على البعثات الدبلوماسية السعودية، جريدة الشرق الأوسط (لندن)، 08 يناير 2016.
[24]https://www.turkpress.co/node/43539
[25]د. أيمن شـبانة، أبعاد الدور: دوافع تأسيس تركيا قاعدة عسكرية في الصومال، مصدر سبق ذكره.
المصدر / مركز الخليج العربي لدراسات الإيرانية