خاص: إعداد- سماح عادل
رغم أن “سيجموند فرويد” قد مر على وفاته زمنا طويلا، إلا أن تحليلاته للنفس البشرية، وتقسيمه لها، وأفكاره مازالت محط اهتمام للكثيرين، وليس فقط المتخصصين في مجال “علم النفس”، بل يهتم بأفكاره أناس من تخصصات مختلفة، وحتى من غير المتخصصين في أي مجال علمي أو بحثي. ربما بسبب تميز أفكاره، وبسبب اقتراب تلك الأفكار والنظريات من محاولات الفهم المضنية للنفس الإنسانية وتشابكاتها وتعقيداتها.
صنف العالم النفسي الشهير “فرويد” أقسام النفس إلى ثلاثة، “الهو والأنا والأنا العليا” ثلاثة مصطلحات يعتبرها «النظرية البنيوية» كما أسماها، في 1932 قدم “فرويد” هذه المصطلحات الثلاث ليصف فكرته عن التقسيم بين العقل الواعي conscious والعقل اللاواعي: الهو ‘id’ والأنا ‘ego’ والأنا العليا ‘super-ego’.
العلاقات الديناميكية..
رأي “فرويد” أن هذه المصطلحات تقدم وصفا دقيقا للعلاقات الديناميكية بين الوعي واللاوعي، فالأنا التي غالبا ما تكون واعية تتعامل مع الواقع الخارجي، والأنا العليا الواعية جزئيا هي الوعي أو المحاكمة الأخلاقية الداخلية. وتمثل الهو اللاوعي، مخزن الرغبات والغرائز اللاواعية والدوافع المكبوتة.
يقول “فرويد” أن الشخصية مكونة من ثلاثة أنظمة هي الهو، والأنا، والأنا الأعلى، وإن الشخصية الانسانية حصيلة التفاعل بين الأنظمة الثلاثة.
الهو (ID)..
هو الجزء الأساسي الذي ينشأ عنه فيما بعد الأنا والأنا الأعلى. يتضمن هذا الهو جزئين: الأول جزء فطري: عبارة عن الغرائز الموروثة التي تعطي الشخصية الطاقة بما فيها الأنا والأنا الأعلى. والثاني جزء مكتسب: عبارة عن العمليات العقلية المكبوتة التي منعها الأنا (الشعور) من الظهور.
يعمل الهو وفق مبدأ اللذة وتجنب الألم. حيث لا يهتم بالمنطق أوالأخلاق أو الواقع. وهو لا شعوري كلية.
الأنا (ego)..
الأنا هي شخصية المرء في أكثر حالاتها اعتدالا بين الهو والأنا العليا، حيث تقبل بعض التصرفات من هذا وذاك، وتربطها بقيم المجتمع وقواعده، حيث من الممكن للأنا أن تقوم بإشباع بعض الغرائز التي تطلبها الهو ولكن في صورة متحضرة يتقبلها المجتمع ولا ترفضها الأنا العليا.
مثل: عندما يشعر شخص بالجوع، فإن غريزة البقاء تفرض عليه أن يأكل حتى لو كان الطعام نيئا أو بريا وفق (الهو)، بينما (الأنا العليا) ترفض وفق قيم المجتمع والأخلاق مثل هذا التصرف، لذا تسعي الأنا إلى إشباع تلك الحاجة بطريقة متحضرة فيكون الأكل نظيفا ومطهوا ومعد للاستهلاك الآدمي ولا يؤثر على صحة الفرد أو يؤذي المتعاملين مع من يشبع تلك الحاجة.
إذن يعمل “الأنا” كوسيط بين “الهو” و”الأنا العليا” فيتحكم في إشباع مطالب “الهو” وفقا للواقع والظروف الاجتماعية. ويعمل وفق مبدأ الواقع. ويمثل “الأنا” الإدراك والتفكير والحكمة والملاءمة العقلية. ويشرف على النشاط الإرادي للفرد. ويعتبر مركز الشعور، إلا أن كثيرا من عملياته توجد في ما قبل الشعور، وتظهر للشعور إذا اقتضى التفكير ذلك. ويوازن “الأنا” بين رغبات “الهو” والمعارضة من “الأنا الأعلى” والعالم الخارجي الذي يحكمها، وإذا فشل في تحقيق ذلك التوازن أصيب بالقلق ولجأ إلى تخفيف ذلك القلق عن طريق الحيل الدفاعية.
الأنا الأعلى (super-ego)..
“الأنا العليا” هي شخصية المرء في صورتها الأكثر تحفظا وعقلانية، حيث تتحكم في أفعاله القيم الأخلاقية والمجتمعية والمبادئ، مع الابتعاد نهائيا عن جميع الأفعال الغرائزية، فهي الضمير، والذي يتكون مما يتعلمه الطفل من والديه ومدرسته والمجتمع من معايير أخلاقية. فهي مثالية وليس واقعية، تتجه للكمال لا إلى اللذة ، فمعني أنه يعارض “الهو” و”الأنا”.
حين يستطيع “الأنا” تحقيق التوازن بين “الهو” و”الأنا الأعلى” والواقع يعيش الإنسان الفرد متوازنا وراضيا، لكن لو تغلب “الهو” أو “الأنا الأعلى” على الشخصية يؤدي ذلك إلى حدوث اضطراب فيها. أنظمة الشخصية ليست مستقلة عن بعضها البعض، ف”الهو” يمكن التعبير عنه بأنه الجانب البيولوجي للشخصية، و”الأنا” الجانب السيكولوجي للشخصية، و”الأنا الأعلى” الجانب السسيولوجى للشخصية.
الخير والشر..
قد يصفها البعض في محاولة لتسهيل الأمور بأن الهو (Id) هو الشيطان والشر والحيوان، طبيعة الإنسان التي طبع عليها، وهي طبيعة غرائزية شهوانية تملكية، تريد الاستحواذ علي كل الشهوات وتستأثر بكل المال وتهيمن على كل الأشياء وتنازع من أجل البقاء والسيطرة من يوم تكون الإنسان جنيناً وحتى آخر لحظات حياته بما يعرف بالنزع الأخير، و وأن “الهو” تسعى طوال حياة الإنسان أن تكون حرة بلا رادع أخلاقي أو ديني أو قانوني وبلا أي ضوابط وتمثلها أقلية قليلة من البشر.
بينما “الأنا العليا” هي النقيض “للهو” ، الملاك والمثال والخير والأخلاق ومكتسب من الأسرة والمجتمع والدولة والدين، والأنا العليا تنشد الحرية بأن تتحرر من غرائزها ومن الشيطان والشر ومن نوازعها الحيوانية لتسموا عاليا في عالم المثل والمبادئ والأخلاق والقيم السامية وتعيش من أجل الغير وتمثلها أقلية من الناس.
في حين أن “الأنا” وهي التي تشكل حالة وسطية بين super ego وبين Id أي بين الخير والشر، بين الملائكية والحيوانية، تتصالح معهما وتسعى لأن تكون حرة، ولكن حريتها مقيدة فلا تطلق العنان للهو (Id) على حساب الأنا العليا (super ego) أو العكس،هي بين بين وتمثل الغالبية العظمى من البشر.
علم نفس الأنا..
(Ego psychology) هو مدرسة التحليل النفسي المبنية على النظرية التركيبية للنفس لفرويد، ونموذج الهو، والأنا والأنا العليا. ويطلق عليه أيضا اسم المدرسة الأمريكية. هذه المدرسة ترى على أن نمو الشخصية يمتد على مدى العمر كله. ولا تنكر الصراعات النفسية التي تعكس رغبات الهو ودفعاته، إلا أنها تقر أن دوافع الأنا مثل التوافق والكفاءة والهوية والحميمية والاكتمال لا تقل أهمية. ويعتبر “إريك إريكسون وآنا فرويد وهاينز هارتمان ولويس لوينشتاين” من رواد هذه المدرسة.
ترى تلك المدرسة أن الفرد يتفاعل مع العالم الخارجي وكذلك يستجيب لقوى داخلية. يستخدم العديد من المحللين النفسيين النظرية التركيبية للنفس، والتي تسمى الأنا لشرح كيفية إتمام ذلك من خلال مختلف وظائف الأنا. ويُركز أتباع “علم نفس الأنا” على تطور الأنا العادية والمرضية، وإدارتها لدوافع عدوانية، وطريقة تكيفها مع الواقع.
التطور التاريخى ل”علم نفس الأنا”
البداية الرسمية لظهور “علم نفس الأنا” كان في عام 1932، رغم أن كتابات “فرويد” التي ظهرت قبل ذلك التاريخ، كانت تحتوى على الكثير من الأفكار التي يحملها “علم نفس الأنا”، ورغم من أن كلمة الأنا سبقت كتابات “فرويد”، كما أنها استعملت كثيرا في مجالات أخرى غير علم النفس.
“ديفيد رابابورت” قام بتقسيم تطور “علم نفس الأنا” في الخمسينات إلى أربعة مراحل، الأولى هي التي شهدت الصياغات الأولى لنظرية التحليل النفسي عند “فرويد” وانتهت في 1897، الثانية امتدت في الفترة بين عامي 1897 و1923 وتزامنت مع وضوح معالم التحليل النفسي، وواكبت المرحلة الثالثة تطوير النظرية الفرويدية للأنا في الفترة من 1923 حتى 1937، ولهذه المرحلة مركزا هاما وبارزا في السياق العام لنظرية التحليل النفسي.
واختتمت بالمرحلة الرابعة التي أعقبت وفاة “فرويد” في 1939 وقد شهدت تنظيم وتنسيق علم نفس، علما للأنا على أيدي كل من “هارتمان وكريس ورابابورت” ومن تبعهم. وانطلاقا من هذه المرحلة، بدأ التركيز على السياق الاجتماعي والثقافي الحضاري حيث تطور مفهوم الأنا وبدأ في تأدية مهمته وكان ذلك تزامنًا مع “إريك إريكسون”.