خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “ألوان العار” للكاتب المصري “ألبير قصيري”، ترجمة “منى رشاد”، إصدار المركز القومي للترجمة، تنتقد بلغة ساخرة ثورة يوليو، والانفتاح الذي جاء بعدها وأثارهما على المجتمع المصري، ورغم أن “ألبير قصيري” قد هاجر إلى فرنسا في زمن الحرب العالمية الثانية إلا أنه ظل مهموما بوطنه.
الرواية مكتوبة بلغة ساخرة فلسفية مليئة بمصطلحات ثورية، يضع فيها الكاتب مفاهيم مغايرة لما هو مألوف، مفاهيم للشرف وللفقر وللسرقة ولاستعباد الشعب من جهة وخضوعه لهذا الاستعباد من جهة أخرى.
الشخصيات..
أسامة: البطل هو شاب من أسرة فقيرة، رغم حصوله على تعليم إلا أنه لا يجد عملا مناسبا، ويضطر إلى التسول ليعيل والده الكفيف، ثم يعلمه أحد اللصوص السرقة لكي يستطيع أن يعيش، بعد أن كان قد فكر في الانتحار وإنهاء حياته، وبعد أن يتعلم السرقة يسن لنفسه منهجا خاصا، يتمثل في ارتداء ملابس فاخرة حتى تسهل عمله الجديد ويستطيع التحرك وسط الأغنياء بسهولة، لأن الفقراء منبوذون في وسط الأغنياء بملابسهم الرثة.
معاذ: أبو أسامة، كان عاملا في أحد المصانع وقد فقد بصره أثناء أحد الإضرابات أيام الملكية التي شارك بها، وظن أن الثورة التي قامت على الملكية قد حققت أهدافها وأقامت مجتمع العدالة، وأنها ستكرمه كبطل، ولم يشأ ابنه أن يطلعه على الحقيقة وظل يعوله ويزوره بانتظام في حي السيدة زينب الفقير، وفي منزله الآيل للسقوط والذي يرفض “معاذ” تركه.
نمر: لص فقير يجلب رزقه من سلب الأموال، ويذهب إلى السجن مرات عديدة، وهو الذي عرف أسامة على السرقة.
كرم الله: كاتب وصحفي، يكتب مقالة عن أحد رؤساء الدول الكبرى الذي أصيب بالجنون، وأدت تصرفاته إلى الإضرار ببعض الدول ومنها مصر، وقد قبض عليه بسبب تطاوله على هذا الرئيس، وتم تعذيبه داخل السجن وعندما خرج حورب في عمله، وأصبح مضطرا للعيش في مدفن ورثه عن والده، وقد تعرف على “نمر” في السجن.
سليمان: رجل أعمال فاسد، يبنى المباني بالغش والخداع، يقلل من مواد البناء مما يؤدي إلى تهدم تلك الأبنية وقتل أعداد من البشر الذين يقطنونها، وهو يتعاون مع شقيق وزير الأشغال العامة في ذلك.
الراوي..
الراوي عليم، لكنه متحذلق أيضا، يصدر الأحكام ويصف الأحوال بلغة متعالية وأقرب إلى التعقيد منها إلى البساطة، يقدم رؤية مغايرة لكل شيء، ويصف دواخل الشخصيات وانفعالاتهم بنفس طريقته المختلفة، تشعر أنه موجود دائما وحاضر رغم أنه ليس إحدى شخصيات الرواية.
السرد..
السرد أقرب إلى مجموعة من الأفكار والآراء منها إلى حكي قصة، فالكاتب لا يهمه حكي قصة بقدر ما يهمه نقل أفكار وآراء وأحكام حول حال مصر، والقاهرة تحديدا بعد الانفتاح وبعد ثورة أعلنت أنها قضت على الملكية.
الإفقار والخضوع..
يتكلم الكاتب بلغة ثوري متمرد مؤمن بالعدالة والمساواة، ويتضح من طريقته في التعبير أنه ذو انتماء يساري، حيث يتحدث عن الرأسمالية وتوحشها، وعن الأغنياء الذين أصبحوا يسرقون بطرق شرعية ومقبولة ولها قواعدها الاجتماعية، والذين أصبحوا قلة قليلة بعد الثورة وما تلاها من أحداث، وأصبح القطاع العريض من الشعب فقراء وخاضعون ومستعبدون، ورغم ازدياد فقرهم وبؤسهم إلا أنهم لا يتمردون على ذلك بل يقبلونه باستسلام تام، فقد ازدادت نسبة البطالة بشكل كبير وأصبح العوز والاحتياج سمة القطاع العريض من الشعب، في حين أن القلة القليلة يمارسون فسادهم بكل حرية ويحكمون البلاد.
شخصيات كرتونية..
رغم أن القارئ يشعر بأن الكاتب منحاز للفقراء وللشعب، على الرغم من أنه في ثنايا الرواية يدينهم أيضا لخضوعهم وانكسارهم، إلا أنه رسم شخصيات روائية كرتونية أقرب إلى الأفكار منها إلى شخصيات حية، ف”أسامة” شاب فقير يستخدم السرقة كوسيلة لإعالته وإعالة والده، لكن القارئ لا يشعر بأي ملمح إنساني له، إنه فقط مجرد تطبيق لفكرة ما داخل رأس الكاتب، كذلك “سليمان” الفاسد ممكن أن يشبه أي رجل أعمال فاسد آخر، وحتى الكاتب الصحفي “كرم الله” ورغم أن الكاتب كشف عن دواخله إلا أنه أيضا شخصية كرتونية.
تعالي الكاتب..
كقارئة شعرت بالتعالي أكثر من التعاطف، وكأن الكاتب ينظر من مكان عالي بعيد إلى مكان يشعر بالحنين إليه لكنه لا يحبه، ينتقد الناس رغم أنه يبين أنه متأثر لفقرهم وبؤسهم، في بداية الرواية وصف الكاتب القاهرة بازدحامها وتداعيها وانهيار الخدمات بها لكنه وصف لا يخلو من تعالي أيضا، وكأنه يقترب في تقزز من مكان لا يحب التواجد فيه، شعرت حتى قبل أن أعرف أنه أجنبي يتحدث عن مصر لا مصري ينتقد سلبيات وطنه، كما أنه استخدم المبالغة الشديدة إلى جانب السخرية، فليست الأوضاع في مصر بهذا السوء على الأقل في فترة التسعينات، ربما ازدادت سوءا في الوقت الحالي لكنها لم تكن بتلك الدرجة التي وصفها بها الكاتب.
الأفكار قد تفقدنا الإنسانية..
رغم أن أفكار الكاتب تبدو وكأنها أفكار اشتراكية تهتم بالبشر، إلا أنه يصف الفقراء بطريقة سيئة، فحين صور مشهد مقابلة إحدى الفتيات التي أجبرها الفقر على العمل في البغاء وتقربها من “أسامة” لظنها أنه قد يحبها بما أنه لص وصفها بتعالي أيضا، وصور كراهية “أسامة” لتواجده معها رغم أنه يبين اهتماما إنسانيا بها، وأخذ يصف ملابسها الرثة وسذاجتها، وكذلك وصفة للطالبة التي تزور الكاتب “كرم الله” لأنها تقوم بعمل دراسة عن كتاباته، كان يمعن في وصفها بالقبيحة ويمعن في وصف فقرها ونفور “كرم الله” منها.
التلذذ بالتقرب من العار..
في إحدى سرقاته يجد “أسامة” خطابا هاما من شقيق وزير الأشغال العامة إلى رجل أعمال فاسد “سليمان” يتنصل فيه من مسئوليته عن موت خمسين من السكان الذين ماتوا في انهيار مبنى بناه “سليمان” بالغش، يعتقد أسامة أن هذا الخطاب مهم وأنه يستطيع الاستفادة منه فيذهب ل”نمر” لاستشارته، لكن “نمر” يحذره من خطورة هذا الخطاب ومن أن محاولة كشفه للإعلام لن تجد، ثم ينصحه باستشارة “كرم الله” ويذهبا إليه، ويقترح عليهم “كرم الله” أن يقابل “سليمان” فقط ليتعرف على مبررات هؤلاء الفاسدين في فسادهم، ويشاهد ملامح العار الذي يتسلح به هؤلاء الفاسدون عن قرب، يقابل الثلاثة “نمر” و”كرم الله” و”أسامة” رجل الأعمال “سليمان”، ويناقشونه فيما فعله وكالعادة يكذب ويقدم مبررات واهية، ويتلذذ “كرم الله” برؤية ذلك الفاسد وهو يتقلب في عاره وفساده، وهو يحاصره بالأسئلة، ولا أعلم مبررا كقارئة لهذه اللذة وتنتهي الرواية على ذلك.
الكاتب..
“ألبير قصيري”، كاتب مصري من أصل سوري يكتب بالفرنسية، لقب ب”فولتير النيل” و”أوسكار وايلد الفرنسي” و”باستر كيتون العربي”. ولد ألبير قصيري في 3 نوفمبر 1913م بحي الفجالة بالقاهرة لأبويين مصريين أصولهما من الشوام الروم الأرثوذكس، كانت عائلته من الميسورين حيث أن والده كان من أصحاب الأملاك.
تلقى “ألبير قصيري” تعليمه في مدارس دينية مسيحية قبل أن ينتقل إلى مدرسة “الجيزويت” الفرنسية، حيث قرأ ل”بلزاك” و”موليير” و”فيكتور هوغو” و”فولتير” وغيرهم من كبار الكتّاب الفرنسيين الكلاسيكيين.
كانت فلسفة “ألبير قصيري” في حياته هي فلسفة الكسل، لم يعمل في حياته وكان يقول أنه لم ير أحدا من أفراد عائلته يعمل الجد والأب والأخوة في مصر كانوا يعيشون على عائدات الأراضي والأملاك، أما هو فقد عاش من عائدات كتبه وكتابة السيناريوهات.
عمل في البحرية التجارية ما بين عامي 1939 و1943 مما أتاح له زيارة العديد من الأماكن منها أمريكا وانجلترا، زار فرنسا لأول مرة عندما كان في السابعة عشر من عمره قبل أن يقرر أن يستقر فيها في عام 1945 وكان حينها في الثانية والثلاثين.
عاش “ألبير قصيري” طوال حياته في غرفة رقم 58 في فندق “لا لويزيان” بشارع “السين” بحى “سان جيرمان دو بريه” منذ عام 1945 وحتى وفاته، واختار العيش في غرفة فندق لأنه كان يكره التملك حيث كان يقول (الملكية هي التي تجعل منك عبدا).
تزوج “ألبير قصيري” من ممثلة مسرحية فرنسية ولكن لم يدم هذا الزواج طويلا وعاش بقية حياته أعزب، وحين كان يسأل عن السعادة كان يقول أن أكون بمفردى. تعرف “ألبير قصيري” في فرنسا على “ألبير كامى” و”جان بول سارتر” و”لورانس داريل” و”هنرى ميللر” الذين أصبحوا فيما بعد رفقته وصحبته اليومية طوال 15 عاما في مقهى كافيه “دو فلور”.
أصيب في عام 1998م بسرطان في الحنجرة حرمه من حباله الصوتية بعد عملية أجراها لاستئصاله وفقد القدرة على النطق، وكان يجيب على أسئلة الصحفيين كتابة. لم يطلب “ألبير قصيري” الحصول على الجنسية الفرنسية على الإطلاق وكان يؤكد (لست في حاجة لأن أعيش في مصر ولا لأن أكتب بالعربية، فإن مصر في داخلي وهى ذاكرتي).
بدأ ألبير قصيري الكتابة في سن العاشرة، وكان يصف نفسه ب(الكاتب المصري الذي يكتب بالفرنسية)، ترجمت أعماله إلى 15 لغة منها العربية، ولم يكن راض عن نسخة الترجمة العربية بسبب الحذف الذي تم من قبل الرقابة، وقد ترجم له بعض رواياته محمود قاسم وصدرت في القاهرة. كانت مصر دائما مسرح رواياته وشخصيات رواياته من المصريين البسطاء، ورواياته.
أعماله..
– لسعات، 1931، ديوان شعري نشر في القاهرة.
– بشر نسيهم الرب، 1941، مجموعته القصصية الأولى، وصدرت بالقاهرة.
– بيت الموت المحتوم، 1944.
– تنابل الوادى الخصب، 1948.
– العنف والسخرية، 1962.
– شحاذون ومتغطرسون، من أشهر أعماله، حولت إلى فيلم سينمائي أخرجته أسماء البكري.
– طموح في الصحراء، 1984.
– مؤامرة مهرجين، 1975.
– موت المنزل الأكيد، 1992.
– ألوان العار، 1999 وهى آخر أعماله.
الجوائز..
– جائزة جمعية الأدباء 1965.
– جائزة الأكاديمية الفرنسية للفرنكوفونية عام 1990 عن رواياته الست التي كتبها عن عامة الشعب بمدينة القاهرة.
– جائزة أوديبرتى عام 1995.
– جائزة البحر المتوسط عام 2000.
– جائزة بوسيتون لجمعية الأدباء عام 2005.
توفى “ألبير قصيري” في 22 يونيو 2008 عن عمر 94 عاما بغرفته بفندق “لا لويزيان”، وقد ترك ميراث أدبي عبارة عن 8 روايات ومجموعة قصصية وديوان شعر.