خاص: إعداد- سماح عادل
“تشارلز سيميك” هو شاعر ومترجم وكاتب مقالات أميركي من أصل صربي. تميز بتناول المواضيع اليومية والآنية الراهنة. عاش ظروفا معيشية صعبة بعد سفره إلى أمريكا وبعد خدمته في الجيش، مما صقل تجربته الشعرية. أصدر حوالي عشرين ديوانا شعريا وكتب وبحوث كثيرة، منها.
حياته..
ولد في مدينة بلغراد بيوغوسلافيا السابقة عام 1938. عاش سنين الكارثة التي حلت بأوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وهاجر بعدها في سني مراهقته إلى أمريكا (1953). وهناك واجه مصيرا صعبا حيث اضطرته ظروفه للعمل المرهق لتدبير معيشته وما تتطلبه الدراسة في الجامعة، فأشتغل بائعا للقمصان ثم بائعا في متجر للكتب، ذهب للخدمة العسكرية في الجيش الأمريكي. هناك حيث تعرضت تجربته الشعرية إلى تحولات شتى وضغوط نفسية شديدة. وبعد تجربة الخدمة في الجيش وبإصرار كبير أصدر بعد تخرجه في جامعة نيويورك 1966 مجموعته الشعرية الأولى «ما الذي يقوله العشب» عام 1967.
وعمل أستاذا للأدب الأميركي والكتابة الإبداعية في جامعة نيوهامبشر، ومحررا لمجلة (باريس ريفيو) بالاشتراك مع الكاتبة والشاعرة “ميغان أورورك”. نشر “سيميك” أولى قصائده عام 1959 ولكنه بدأ مسيرته الأدبية مع أول مجموعة ظهرت له عام 1967 بعنوان (ما يقوله العشب) وسرعان ما جذب المزيد من الاهتمام النقدي وخصوصا عند نشره قصائد له بالإنجليزية وترجمات شعرية لشعراء يوغسلاف.
الكتابة..
كان “تشارلز سيميك” كاتبًا غزير الإنتاج وفاز بجائزة بوليتزر في عام 1990 عن كتابه The World Doesn End وهو كتاب من قصائد النثر، وجائزة الولايات المتحدة من عام 2007 إلى عام 2008. قال في ذلك الوقت: “لقد تأثرت بشكل خاص ويشرفني أن يتم اختياري، لأنني فتى مهاجر لم أتحدث الإنجليزية حتى بلغت الخامسة عشرة من عمري”. قصائده تحدت التصنيف البسيط. كان بعضها بسيطًا وسرياليًا، بينما كان البعض الآخر واقعيًا وعنيفًا. كانت جميعها تقريبًا مليئة بالفكاهة الساخرة والاستعارات المذهلة.
قال عنه أحد النقاد: “بتفاصيل غنية، تمتلئ جميعها بأشياء عادية، لكنها تميل إلى ترك الانطباع بأن الشاعر قد أحدث فجوة في الحياة اليومية ليكشف عن لمحة عن شيء لا نهاية له”.
ليس من السهل تصنيف الشعر الذي يكتبه “سيميك”. فبعض قصائده يظهر نزوعا سرياليا وميتافيزيقيا واضحا، وبعضها يرسم صورا واقعية كالحة لحالات من العنف واليأس، والبعض الآخر يمزج بين هذه وتلك مما يجعل من الصعب وضع حد فاصل بين ما هو اعتيادي وبين ما يفوق المعتاد. إلا إن أسلوبه أخذ بمرور الزمن يزداد تميزا وتبلورا مما جعل بعض النقاد يشيرون إلى قصائده بوصفها “صناديق أحاجي صينية محكمة البناء.” وعلى الرغم من انه لم يتقن الانجليزية إلا عندما بلغ الخامسة عشر من العمر، كما يخبرنا هو، إلا إن إجادته الصنعة الشعرية وبراعته اللغوية تظهران بكل وضوح في غرابة وتفرد صوره الشعرية من جهة وفي قدرته العالية على تنظيم وإيصال رؤاه وتجربته الشعرية إلى متلقيه بسلاسة ويسر من جهة أخرى.
من مجموعاته الشعرية..
- تعرية الصمت 1971.
- مدرسة لأفكار سوداء 1978.
- أغاني بلوز لا تنتهي 1986.
- أرق الفنادق 1992.
- عرس في الجحيم 1994.
- اصطحاب القطة السوداء 1996.
- نزهة ليلية 2001.
- ستون قصيدة 2008.
- العودة إلى مكان مُضاء بكوب حليب مترجم إلى العربية 2009.
الجوائز..
الإكليل الذهبي (2017).
جائزة فيلسيك (2011).
زمالة أكاديمية الشعراء الأمريكيين (1998).
The Pulitzer prizes.jpg جائزة بوليتزر عن فئة الشعر (1990).
زمالة ماك آرثر (1984).
زمالة غوغنهايم (1972).
جائزة ولاس ستيفنز.
جائزة القلم للترجمة.
جائزة هارولد مورتون لاندون للترجمة.
تحرير لا نهاية له..
في حوار معه أجرته محررة الشعر في مجلة غرانتا “راشيل ألن” ترجمة “سهيل نجم” يقول “تشارلز سيميك” عن الشعر: “من بين كل الأشياء التي قيلت عن الشعر على الإطلاق، فإن البديهة القائلة إن القليل هو الأكثر قد أحدثت الانطباع الأكبر والأكثر ديمومة لدي. لقد كتبت العديد من القصائد القصيرة في حياتي، باستثناء أن كلمة «كتبت» ليست الكلمة الصحيحة لوصف كيفية ظهورها. نظراً لأن من غير الممكن الجلوس وكتابة قصيدة من ثمانية أسطر ستكون كبيرة بالنسبة لحجمها، تتركب هذه القصائد على مدار فترة زمنية طويلة من الكلمات والصور التي تطفو في رأسي. وتتطلب القصيدة المختصرة التي تهدف إلى أسر خيال القارئ تحريراً لا نهاية له للحصول على جميع أجزائها بشكل صحيح”.
وعن كيف يعرف متى يتوقف أثناء الكتابة يقول: “إنها مسألة مزاج وجماليات. في المطبخ، أحب الأطباق البسيطة المطبوخة بإتقان بدلاً من إبداعات الطهي المعقدة. في الموسيقى أيضًا، كلما قل عدد الآلات، كان ذلك أفضل. مثل من يتدرب على قطعة من موسيقى باخ على آلة التشيلو بينما يمشي شخص تحت نافذته، أو بيانو في وقت متأخر من الليل في مقهى بالكاد يتبقى فيه زبون، كل هذا نعمة بالنسبة لي”.
ويجيب عن تساؤل لماذا تشعر بالانجذاب لتحقيق التوازن بين الدفء واللعب بهذا الأسلوب المقتضب والمختصر: “لأن الحياة هكذا. صبيان صغيران يضربان بعضهما بعضاً بسعادة في الفناء الخلفي بينما تجلس والدتهما تبكي في المطبخ، لأن مكالمة هاتفية جعلتها تعرف أن زوجها يخونها. الكوميديا والمأساة ليستا بعيدتين عن بعضهما. اقضِ يوماً في التجول في أي مدينة وستجد العشرات من الأمثلة لما يدور في ذهني”.
وعن التغيير في قصائده يقول: “الحركات الشعرية متعة كبيرة للمشاركين فيها. مثل الكلاب التي تنبح في انسجام تام في قرية ما في الليل إزاء خصم حقيقي أو وهمي، وبعد فترة من الوقت تنبح للاستمتاع الخالص. اكتشافي في تدريس أدب القرن العشرين على مدى سنوات عديدة أن القصائد الجيدة يمكن أن تكتب من أفكار شعرية مختلفة جذرياً بل ومتناقضة، لذلك أبقى متفتحاً. لكن ما يؤلمني حتى الموت وجهة النظر القائلة بأن الشعر يحتاج إلى التغيير باستمرار لكي يتكيف مع التكنولوجيا الجديدة وقصر فترة انتباه القراء اليوم”.
عالم لا ينتهي..
في مقالة بعنوان (عالم تشارلز سيميك الذي لا ينتهي) كتبت “أنديرا مطر”: “الكاتب ليام ريكتور يقول عن أعمال سيميك انها تصل الصفاء والأصالة التي لم يدركها أحد من معاصريه. أما فيكتور كونتوسكي فيرى أن انجاز سيميك يعتبر أحد أهم التجارب الشعرية المتأصلة في القرن العشرين. وكتب بيتر ستيت ان سيميك أمضى العقد الأول من حياته كناجٍ من الحرب العالمية الثانية في أوروبا الشرقية، وذلك بعدما أمضى سنوات عمره الأولى في بلغراد وأجلت الحرب عائلته مراراً هرباً من القصف العشوائي. وكان الشاعر قد قال في إحدى لقاءاته على موقع بورتلاند ريفيو «هتلر وستالين كانا وكيلي سفري»، ليستمر جو العنف واليأس بعد الحرب التي أرغمت والده على مغادرة بلغراد للعمل في إيطاليا، وحاولت والدته مراراً أن تلحق به لكن السلطات أعادتها المرة تلو المرة إلى أوروبا الشرقية فيما كان ابنها سيميك هناك.
في الخامسة عشرة من عمره رتبت والدته أمر سفره إلى باريس وبعد سنة قضاها في دراسة الإنكليزية في مدرسة مسائية، إلى جانب حضوره دروساً في مدرسة فرنسية حكومية نهاراً، أبحر سيميك إلى أميركا حيث أعيد لمّ شمل العائلة هناك. وانتقل مع عائلته إلى مدينة شيكاغو حيث أكمل دراسته السنوية في الضواحي”.
وتضيف: “وقد لاحظ أحد النقاد أن جوهر شعر سيميك المبكر هو أوروبي ريفي أكثر مما هو أميركي وحضري. فأوربا الوسطى الغابات وبحيرات الماء وآلات المزارعين، هي مصدر عالمه الشعري. ثم ان بعض قصائده تعكس نزعة سوريالية وميتافيزيقية، بينما تعرض بعض قصائده الأخرى لوحات واقعية كالحة من العنف واليأس، لكن ناقداً فنياً آخر يرى أن جذر قصائده الرئيسي يذهب عميقاً في الفولكلور الأوروبي. وهناك من ردّ تهكميته إلى يوغسلافيا. ذلك ان ماضي أوروبا الوسطى والشرقية ينبض في عروقه. تجارب الحرب في طفولته والفقر والجوع تكمن خلف كثير من قصائده على ما يؤكد بيتر ستيت، معتبراً أن هذا أثر الأنظمة السياسية القمعية.
وفاته..
توفى “تشارلز سيميك” عن عمر ناهز الـ 84 عامًا يوم 10 يناير 2023.
ضد الشتاء..
قصيدة “تشارلز سيميك”
ترجمة “الشاعر السوري أحمد م. أحمد”
الحقيقة داكنة تحت جفنيك!
فماذا ستفعل بشأنها؟
الطيور صامتةُ
وما من أحد تسأُله
ستمضي طيلة النهار محدّقا بالسماء الرمادية
وحين تعولُ الريح
سترتجف مثل قشة
وسينمو لك صوف
مثل حملٍ ذليل
منتظرا أن يطاردوك بمجزاتهم الهائلة
الذباب يحوم حول فمٍ مفتوحٍ
وما يلبث أن يهوي
كما الأوراق تتبعها الأغصان العارية
بغير جدوى.
الشتاءُ يحلّ
مثل بطلٍ أسطوري في جيش مهزوم
بينما تظلّ في مكانك
كاشفا رأسك لنديف الثلج الأول
لحين وصول جارك
الذي يصرخ بك:
أنت أكثر جنوناً من الطقس.. يا شارلي.