خاص: إعداد – سماح عادل
“تشارلز جون هوفام ديكنز” كاتب انجليزي شهير، واسمه الأدبي “تشارلز ديكنز” يعتبر بإجماع النّقاد أعظم الروائيين الإنجليز في العصر الفيكتوري، وما تزال كثير من رواياته تلقى إقبالا من القراء إلى الوقت الحاضر.
بسبب شعبية رواياته وقصصه القصيرة استمرت طباعتها ولم تتوقف أبداً. في عصره كانت رواياته تنشر في الدوريات والمجلات على أجزاء مسلسلة أولاً، وكان هذا هو الشكل المفضل لنشر الأدب للقراء. وكان معظم الكتاب الآخرين ينهون كتابة رواياتهم قبل نشرها متسلسلة، لكن “تشارلز ديكنز” كان في معظم الأحيان يكتب الرواية على أجزاء بالترتيب الذي يُريد أن يظهر عليه العمل. مما سبب في وجود إيقاع خاص لقصصه يتميز بتتابع المواقف المثيرة الصغيرة واحداً وراء الآخر ليبقي الجمهور في انتظار الجزء الجديد.
حياته..
ولد “تشارلز جون هوفام ديكنز” في “لاندبورت بورتسي” في جنوب إنجلترا في 1812. والديه “جون وإليزابيث ديكنز” وكان ثاني أشقاء ثمانية، عاش طفولة حزينة لأن والده كان يعمل في وظيفة بسيطة ويعول أسرته كبيرة وقد دخل السجن بسبب الديون، واضطر”تشارلز” لترك المدرسة في سن صغيرة وكان يعمل عملا شاقا بأجر قليل.
كتب “تشارلز” عن الظروف البائسة التي عاشها في طفولته في قصصه ورواياته التي تناولت أبطال من الأطفال ورصد المعاناة التي يعيشها الناس نتيجة الظروف الاجتماعية القاسية التي كانت سائدة في “إنجلترا” في زمنه، ورغم طفولته القاسية وعمله الشاق إلا أنه كان يستغل أوقات فراغه في القراءة، والتجول في الأحياء الفقيرة ب”لندن” مدينة الضباب، حيث يعيش الناس حياة بائسة قاسية وخارجة عن القانون في بعض الأحيان. وقد تأثر “تشارلز” بالقوانين الليبرالية فوصف بيوت العمل التي نشأت وفق قانون الفقراء الإنكليزي لسنة 1834 في روايته الشهيرة “أوليفر توست” وفي العديد من القصص والروايات حيث رصد تفاصيل هذه الأحياء الفقيرة بكل تفاصيلها وبكل المآسي التي تدور فيها.
وفي سن العشرين تمكنت أسرته من إلحاقه بأحد المدارس لإكمال تعليمه. وكان يعمل مراسلا لإحدى الصحف المحلية الصغيرة لقاء أجر قليل أثناء ذلك، وقد أخلص لهذا العمل الصحفي الذي مثل خطوة أولى على طريق تحقيق أحلامه،حيث كان تدريبا له للبدء في مهنة الأدب، وقد خدمه العمل الصحفي في إتاحة الفرصة لكشف أحوال الناس على مختلف مستوياتهم الاجتماعية والأخلاقية، واكتساب العديد من التجارب الإنسانية التي وسعت آفاقه ومداركه الأدبية والحياتية.
الكتابة..
نشر “تشارلز ديكنز” أكثر من اثنتي عشرة رواية مهمة، وعدداً كبيراً من القصص القصيرة، منها قصص تدور حول ثيمة عيد الميلاد، وعدداً من المسرحيات، وكتب غير خيالية. نُشرت رواياته مسلسلة في البداية في مجلات أسبوعية أو شهرية، ثم أعيدت طباعتها في شكل كتب. وفي سن الرابعة والعشرين في 1836. أصدر أولى رواياته الأدبية باسم “مذكرات بيكويك” وحققت نجاحا كبيرا وكانت بداية ليكون من أكثر الأدباء الإنجليز شعبية وشهرة، ثم ازدادت شهرته في إنجلترا وخارجها عندما توالت أعماله في العالم بلغات مختلفة.
ومن أشهر رواياته التي اشتهرت عالمياً وتُرجمت لعدة لغات عالمية ونشرت في1861 هي رواية “الآمال العظيمة” وتأثر بها صناع السينما ليتناولوها ويستخدموا تفاصيلها في أكثر من 250 عمل مسرحي وتلفزيوني.
الإصلاح الاجتماعي..
أنفق “تشارلز” حياته في كتابة المقالات والروايات والقصص القصيرة وإلقاء المحاضرات، وكان أهم فكرة تناولها ضرورة الإصلاح الاجتماعي وتدعيم المؤسسات الخيرية والصحية التي تدعم الفقراء. وكان مؤمنا بأن كل الأحوال السيئة يمكن اصلاحها مهما بلغت درجة التدهور، لذا كانت الكتابة لديه وسيلة إلى محاولة تغيير المجتمع البشري وبنيته غير العادلة ومحاربة الأوضاع الاجتماعية الطبقية.
مؤلفاته..
روايات:
- مذكرات بيكويك (مسلسل شهري، أبريل 1836 إلى نوفمبر 1837).
- مغامرات أوليفر تويست (مسلسل شهري في بينليز ميسليني، فبراير 1837 حتى أبريل 1839).
- حياة ومغامرات نيكولاس نيكلباي (مسلسل شهري، أبريل 1838 حتى أكتوبر 1839).
- متجر الفضول القديم (مسلسل أسبوعي فيماستر همفريز كلوك، 25 أبريل 1840، حتى 6 فبراير 1841).
- بارنابي رودج: حكاية تمردات الثمانينيات (مسلسل أسبوعي في ماستر همفريز كلوك، 13 فبراير 1841، حتى 27 نوفمبر 1841).
كتب عيد الميلاد:
- أنشودة عيد الميلاد (1843).
- موسيقى الأجراس (1844).
- فرقع لوز في المدفأة (1845).
- معركة الحياة (1846).
- الرجل المسكون وصفقة الشبح (1848).
- حياة ومغامرات مارتن تشزلويت (مسلسل شهري، يناير 1843 حتى يوليو 1844).
- دمبي وولده (مسلسل شهري، أكتوبر 1846 حتى 1848).
- ديفيد كوبرفيلد (مسلسل شهري، مايو 1849 حتى نوفمبر 1850).
- المنزل الكئيب (مسلسل شهري، مارس 1852 حتى سبتمبر 1853).
- أوقات عصيبة: لهذه الأوقات (مسلسل أسبوعي في هاوسهولد ووردز، 1 أبريل 1854، حتى 12 أغسطس 1854).
- دوريت الصغيرة (مسلسل شهري، ديسمبر 1855 حتى يونيو 1857).
- قصة مدينتين (مسلسل شهري في أول ذي يير راوند، 30 أبريل 1859، حتى 26 نوفمبر 1859).
- آمال كبرى (مسلسل شهري في أول ذي يير راوند، 1 ديسمبر 1860 حتى 3 أغسطس 1861).
- صديقنا المشترك (مسلسل شهري، مايو 1864 حتى نوفمبر 1865)
- لغز إدوين درود (مسلسل شهري، أبريل 1870 حتى سبتمبر 1870. اكتمل ستة من أصل اثني عشر فقط).
- الجولة الكسولة لمتدربين عاطلين (1890).
مجموعات قصصية:
- إسكتشات بوز (1836).
- أوراق مدفوغ (1837) في مجلة بلينتيز ميليسني.
- قطع أعيد طبعها (1861).
قصص عيد الميلاد من مجلة هاوسهولد ووردز:
- ما يكونه عيد الميلاد حين نشيخ (1851).
- سلسلة حكايات قرب نار عيد الميلاد (1852).
- سلسلة حكايات أخرى قرب نار عيد الميلاد (1853).
- المسافرون الفقراء السبعة (1854).
- نزل الشجرة المقدسة (1855).
- دمار “ماري الذهبية” (1856).
- أخطار سجناء إنكليز معينين (1857).
- بيت ليُترك (1858).
قصص عيد الميلاد من مجلة أول ذي يير راوند:
- البيت المسكون (قصة) (1859).
- رسالة من البحر (1860).
- أرض توم تريدلر (1861).
- أمتعة شخص ما (1862).
- مساكن السيدة ليريبر (1863).
- ميراث السيدة ليريبر (1864).
- وصفات الطبيب موريغولد (1865).
- موغبي جنكشن (1866).
- بلا شارع عام (1867).
- كتب غير خيالية، مسرحيات، وأشعار.
- مغازلات القرية (مسرحيات, 1836).
- الجنتلمان الإنكليزي العتيق (شعر, 1841).
- ملاحظات أمريكية: للتمرير العام (1842).
- صور من إيطاليا (1846).
- حياة سيدنا: كما كتبها لأطفاله (1849).
- تاريخ طفل لإنكلترا (1853).
- العمق المتجمد (مسرحية, 1857).
- خطابات، رسائل وأقوال (1870).
كتابة عابرة للعصور..
وفي مقال بعنوان “لماذا ما نزال نقرأ لتشارلز ديكنز”، نشر في صحيفة “الجارديان البريطانية”، يكشف”جون فاريس” أسباب استمرار الشغف بين القراء وروايات “ديكنز” رغم مرور سنوات طويلة على وفاته، مؤكدا أن “ديكنز” لم يكن كاتب إصلاحي فقط، بل هو كاتب يصلح لأن يكون موجودا في أي عصر، فكتابته عابرة للعصور، ومهما مرت السنوات عليها تبقى قوية وصاحبة تأثير. فقد تعمقت كتاباته داخل النفس الإنسانية، وحاولت تحليلها والوصول إلى أبعد نقطة فيها، كما رصدت كتابته أشياء لا نعرفها عن أنفسنا، من خلال تناول ممارسات وعادات قد تبدو عادية في باطنها، غير أنها تحمل الكثير من التناقضات، التي تعبر عن كل واحد منا، مما يعد جزء أصيلا من أجزاء النفس الإنسانية.
ويضيف “فاريس” أننا نحتاج إلى قراءة ديكنز، لأنها تخبرنا عن سبب ما نحن عليه، تكشفنا أمام ذواتنا دون زخرفة، وأنه لا يكاد قارئ ديكنز أن يفلت من الإحساس بأن تلك الروايات موجهة له بالأساس، أو ربما كتبها تشارلز لتحكي قصته، قصة ذلك القارئ الذي قد يجد نفسه “أوليفر تويست”، أو “نيكولاس” الذي يقتنع بأن أبيه الميت يراقبه رغم موته من قبره، أو “أستير سامرسون” الذي يحن إلى أمه التي تركته صغيرا لأسباب خارجة عن إرادتها.
وفي تقرير بعنوان “تشارلز ديكنز.. قصة قرنين”، نشرته صحيفة “إندبندنت” البريطانية يكشف سر خلود كتابات “تشارلز ديكنز” وأنه يكمن في أننا ما نزال نلجأ لرواياته حتى الآن، من أجل فهم ما يحدث حولنا من ناحية، وما يحدث داخلنا من ناحية أخرى.
ويؤكد التقرير الأثر الذي تركه “ديكنز” ليبقى الطلب على كتاباته من قبل القراء كل هذه السنوات، حيث صمدت كتاباته أمام الزمن، ولم تتطلب قارئًا معينًا، أو زمانًا مخصوصًا.
ناقد اجتماعي..
في مقالة بعنوان (شارلز ديكنز… الأديب ناقداً اجتماعياً) تكتب “ندى حطيط”: ” لو تسنى لك قراءة المقدمة التي كتبها الناقد الإنجليزي جليبرت كيث تشيسترتون (1874 – 1936) للطبعة الشعبية من رواية «كريسماس كارول» لظننت أن تشارلز ديكنز (1812 – 1870) مؤلفها أقرب ما يكون قديساً من العصور الوسطى، في الوقت الذي ذهب فيه ناقد ماركسي التوجهات – توماس ألفرد جاكسون (1879 – 1955) – إلى تصنيفه ثورياً راديكالياً نصيراً للبروليتاريا «فكأنما لو كان ماركسياً». لكن الحقيقة أن هذا الروائي والصحافي الإنجليزي القدير لم يكن لا هذا ولا ذاك، وإنما كان رجلاً موهوباً وظّف طاقاته التعبيرية وغضبه من الأوضاع البائسة التي عانتها قطاعات واسعة من مواطنيه عشية صعود الرأسمالية في بلاده لتقديم نقد اجتماعي متقدم لآثام الرأسمالية عبر سلسلة من أعمال أدبية خالدة، تركت في مجموعها أثراً لا ينكر على إدراك الطبقة البرجوازية أوجاع بعض فئات المجتمع الأقل حظاً، وساعدت بشكل أو بآخر في تهذيب القوانين والسياسات التي استهدفتهم، وأصبحت كلاسيكيات في إطار الأدب الإنجليزي الغاضب، لكن المقبول من الجميع، ودائماً داخل الخطوط الحمراء للمنظومة الليبرالية للمجتمع البريطاني”.
وتواصل: “خاض ديكنز معاركه مع سوءات مجتمعه على جبهات عدة. ففي «أوليفر تويست» التي كتبها نحو عام 1830 ولم يكن وقتها قد أصبح شهيراً أو ثرياً، فتلك أمور تحققت لاحقاً، فتح النار على قانون الفقر الجديد الذي فرضه البرلمان البريطاني حينها وكان يخير المعدمين بالالتحاق ببيوت العمل القاسية، حيث يمنحون الطعام والملجأ مقابل خضوعهم لمنظومة تشغيل أشبه بالعبودية، أو مواجهة حظوظهم في الشارع دون أي مساعدة. وقد بدأ حينها نشر فصول مسلسلة لقصة رمزية عن طفل يتعرض لمعاملة منهجية سيئة لقيت رواجاً عظيماً حتى قيل إنها وصلت إلى الملكة فيكتوريا وقرأتها بشغف ملحوظ.
وقد تسببت الفصول المتتالية التي كان ينتظر الكثيرون صدورها بتشوق، وجمعت لاحقاً في الرواية الشهيرة كما نعرفها الآن، بصعوبات جمة للساسة وراء قانون الفقر ذاك، على نحو ألجأهم إلى تنفيذ سلسلة من المحاضرات العامة والخاصة لإزالة السمعة السيئة التي التصقت به على يد ديكنز، وأوليفر بطل روايته.
وقد تضمنت «أوليفر تويست» وصفاً مفعماً بالحياة لنمط حياة الفقراء في أحياء البؤس المحيطة بالمدن، وأصيب كثير من برجوازيي العاصمة لندن بالصدمة عندما علموا بأن حي «جيكوبس آيلاند» السيئ الذي وصفه ديكنز في الرواية كان موجوداً بالفعل على بعد أميال قليلة من قصورهم ومساكنهم الفارهة (قبل أن يزال من الخريطة بالكامل عام 1860).
وقد حذر ديكنز لاحقاً في «قصة مدينتين» من أن تجاهل الحكومات للأوضاع الرثة لسكان تلك الأحياء (باريس ولندن) سيدفعهم آجلاً إلى التمرد والعصيان، وعاجلاً إلى الجريمة والموبقات، مستشهداً بالظروف التاريخية للفترة قبل وأثناء الثورة الفرنسية. وهو في مقالاته الصحافية أيضاً كان يدعم التدخل الحكومي لمنع الفوضى الممكنة، ويدعو إلى نشر التعليم العام كوسيلة لتوجيه الفقراء بعيداً عن السلوكيات السيئة، وتأسيس إصلاحيات بدلاً من السجون للأحداث الذين يتورطون بالجرائم”.
لم يحصل “تشارلز ديكنز” على جوائز، فقد كانت الجوائز في عصره من نصيب أصحاب الابتكارات والاختراعات العلمية. ولكن تم ترشيح بعض أعماله من بين أفضل مائة رواية بريطانية، فجاءت رواية (الآمال العظمى) في المركز الرابع ورواية (ديـﭬيد كوبر فيلد) في المركز الثامن ورواية (دومبي والابن) في المركز الواحد والأربعون.
وفاته..
توفى “تشارلز ديكنز” في 1870 عن عمر 58 عاما، ودفن في مدافن (وست مينستر ابي).