كتبت – سماح عادل :
“تشارلز بوكوفسكي” شاعر وروائي وقاص أميركي.. كتب عدد كبير من القصائد والقصص القصيرة وست روايات، تميز بجرأته في الكتابة، كما امتاز بأنه يعبر عن المهمشين، ومرتادوا الحانات، والعمال المؤقتين، عاش طوال حياته في ولاية “لوس انغلوس” وعبر عن الحياة القاسية وغير المستقرة فيها.
حياته..
ولد “بوكوفسكي” في 1920 بألمانيا.. أمه ألمانية تزوجت جندي أميركي من أصل بولندي وقت الحرب العالمية الثانية، يدعى “هنرتش بوكوفسكي”، سافرت عائلته للاستقرار في أميركا بعد أن خسر والده أثناء تجارته في ألمانيا، لكن أحواله ساءت أكثر في فترة الكساد الاقتصادي الذي عم العالم في ثلاثينيات القرن العشرين وأصبح عاطلاً عن العمل، مما أثر على تعامله مع زوجته وأطفاله الأربعة وكان شديد القسوة مع “تشارلز” في طفولته، مما أثر على شخصيته ونشأ طفلاً انعزالياً وانطوائياً، كما أصيب “بوكوفسكي” بمرض “حب الشباب” الذي شوه وجهه وحكم عليه أن يعاني من قلة وسامته طوال حياته، وكان لذلك أثر كبير في شخصيته أيضاً.
بدأ “بوكوفسكي” يحتسي الخمر منذ أوائل شبابه وأصبح من وقتها سكيراً، لا تفارقه الخمر طوال حياته، بعد تخرجه من مدرسة لوس انغلوس العليا، التحق بالجامعة في مدينة لوس انغلوس لكنه لم يستمر سوى عامان، ثم التحق بعدة دورات في الصحافة والأدب والفن.
في سن الرابعة والعشرين نشر “بوكوفسكي” أول قصة قصيرة له في مجلة “القصة”، وبعدها بعامين نشرت له قصة قصيرة ثانية تحت عنوان “20 دبابة من كاسيل داون” في صحيفة “سن بلاك” في الإصدار الثالث، لكنها لم تلق قبولاً من القراء مما أصابه باليأس، فأهمل كتابة الأدب حوالي عشر سنوات، كان يعيش فيها في “لوس انغلوس”، يتنقل في الأعمال الهامشية والمؤقتة، ويحتسي الخمر ويهتم بسباق الخيل والعيش مع عدد من السيدات في فنادق رخيصة.. فلقد اختبر حياة التشرد لأنه كان مجبراً دوماً على الإنفاق على نفسه وتوفير مأوى.
منذ بداية 1950 التحق “بوكوفسكي” بوظيفة في البريد، استمر فيها حوالي ثلاث سنوات ثم استقال منها لأنها كانت مهنة “مملة” بالنسبة له وكانت تصيبه بالجنون، وفي 1960رجع “بوكوفسكي” مرة أخرى إلى مكتب البريد في “لوس انغلوس” حيث عمل هناك في وظيفة كاتب مالي، وخلال 1962 توفيت حبيبته الأولى “جين بيكر كوني” مما أصابه بحزن بالغ وأثر ذلك عليه كثيراً، وكتب عنها مجموعة من القصائد والقصص التي تحكي عنها.
التفرغ للكتابة..
خلال عام 1969 وبعد سنوات طويلة من الكتابة الأدبية التي لا تلاقى صدى، والعيش حياة غير مستقرة مادياً، قدم له الناشر “جون مارتن”، وهو صاحب دار النشر “بلاك سبارو”، عرضاً بأن يوفر له راتباً شهرياً مقابل كتابته الأدبية، وكان هذا العرض بداية مرحلة جديدة في حياة “بوكوفسكي”، فقد ترك عمل البريد للتفرغ للكتابة، دون قلق من الأعباء المعيشية، وفي أقل من شهر أنهى روايته الأولى “مكتب بريد”، ونشر تقريباً كل أعماله في صحيفة “بلاك سبارو”، كما كان يدعم دور النشر المستقلة الصغيرة، فكان يقدم قصائده وقصصه القصيرة لعدد كبير من دور النشر غير المعروفة والمبتدئة طوال حياته.
الترجمة إلى العربية..
ترجمت أعماله إلى العربية منذ سنوات قليلة، وربما يكون تجاهل المترجمين العرب له بسبب أنه ككاتب غير محتفى به في أميركا نفسها، فقد نال شهرته عندما ترجمت أعماله ووصلت إلى أوروبا، فقد تحمس له القراء الأوروبيون كثيراً، وربما أيضاً بسبب جرأته في الكتابة وتصويره لعالم “لوس انغلوس” الردئ، “الحانات والشوارع والتشرد وحياة العمال المؤقتين”، كما امتلأت مؤلفاته بالألفاظ الصريحة والشتائم، وكتب عن الجنس بغزارة وبسخرية لاذعة.
غزير الإنتاج الأدبي..
أول مجموعة شعرية له نشرت في 1959، وكان غزير الإنتاج، فقد كتب سبعين مؤلفاً ما بين الشعر والرواية والقصص القصيرة والمقالات، ومنذ السبعينيات في القرن العشرين بدأت أعمال “بوكوفسكي” تنال الشهرة في أوروبا (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، إسبانيا…)، في حين استمر تجاهل أدبه في أميركا، خاصة من النقاد.
في معظم أعماله، من “القصص القصيرة والمسرحيات والروايات”، اتخذ “بوكوفسكي” بطل ثابت أسماه “هنري شيناسكي” أو “هانك”، والذي ظهر أيضاً في العديد من قصائده، وكانت هذه الشخصية هي شخصية “بوكوفسكي” بكل تفاصيلها وظروفها المعيشية، حيث يتضح أن معظم أدب “بوكوفسكي” هو سيرة ذاتية لحياته الحقيقية، وتميز شعره بتضمينه كثير من سمات الرواية والقصة القصيرة، خاصة في الحوارات والسرد، كما حرص على الكتابة بلغة سهلة وبسيطة، أقرب إلى لغة الشارع الأميركي.
مجموعة “أجمل نساء المدينة”..
في هذه المجموعة، ترجمة الفلسطينية “ريم غنايم”، نقرأ “بوكوفسكي” كما كتب تقريباً، بنفس الألفاظ الجريئة والروح المتمردة واليائسة في نفس الوقت، قد يصدم القارئ في البداية من كم السخط الذي يحمله البطل للعالم، “هانك” البطل المشرد الذي يضطر إلى العمل مع عمال قويي البنية وغلاظ السلوك، يعاملونه دوماً بقسوة وهو في الغالب لا يستطيع أن يجاريهم في غلظتهم وقسوتهم، لا يشعر أنه ينتمي إليهم، لكنه أيضاً لا ينتمي لأية جماعة أخرى، يجبر على العمل بشكل يومي ليستطيع أن يأكل هو ورفيقته، ولكي لا يطردا من الفندق الرخيص الذي يعيشان فيه، تؤنبه دوماً رفيقته على العيشة البائسة ولا يجد غضاضة في معاشرة نساء آخريات وهي معه، كما لا يجد غضاضة في التعامل معها بقسوة قد تصل إلى إيذائها بدنياً، أحياناً يتعامل مع النساء كجسد للتناول ومرات أخرى يستشعر القارئ رهافته في التعامل مع إحداهن وتعلقه بها، ويبدو أنه حب عذب مرهف تجاه فتاة يشعر دوماً أنها ستهرب عند أول غفلة منه، ويظل واضحاً إحساس السخط على قسوة العالم وازدواجيته، وعلى الحياة البائسة التي يعيشها الكثيرون نتيجة لظلم وتفاوت طبقي كبير.
رواية “أدب رخيص”..
ترجمة “إيمان حرز الله”، هي آخر عمل له، تتحدث عن مفتش كبير في السن، يتضح انه هو “بوكوفسكي” بكل صفاته المعهودة، رجل يحتسي الخمر ويعيش حياة غير مستقرة، ويكلف بأعمال مراقبة يفشل في انجازها.. الرواية مليئة بالسحرية اللاذعة، وكأنها تهيئة لاستقبال الموت، ولكن بنفس السخرية التي عاش بها طوال حياته.
أعماله..
من أعماله “زهرة، قبضة، وجدار بوهيمي” (1959)، “قصائد طويلة المدى للاعبين مفلسين” (1962)، “رسوم وقصائد” (1962)، “تقبض على قلبي بيديها” (1963)، “اعترافات رجل مجنون بما يكفي للعيش مع الوحوش” (1965)، “أنا وكل سفلة العالم” (1966)، “عبقري الحشد” (1966)، “في شارع الرعب وطريق العذاب” (1968)، “قصائد كتبت قبل القفز من نافذة الطابق الثامن” (1968)، “ملاحظات عجوز أزعر” (1969)، “الأيام تعدو كجياد وحشية على التلال” (1969)، “الإطفائية” (1970)، “الطائر الغريد يتمنّى لي الحظ الطيب” (1972)، “جنوب الشمال” (1973)، “الاحتراق في المياه، الغرق في النار”، قصائد مختارة (1973)، “الحب كلب من الجحيم” (1977)، “نساء” (1978)، “شكسبير لم يفعل هذا أبداً” (1979)، “موسيقى المياه الحارة” (1983)، “تحت التأثير” (1984)، “الحرب طوال الوقت” (1984)، “وحيد في زمن الجيوش” (1986)، “نقاد السينما” (1988)، “لا نملك مالاً حبيبتي لكن لدينا المطر” (1990)، “في ظل الزهرة” (1991)، “قصائد آخر ليلة على الأرض” (1992)، “مشهور افتراضياً” (1992)، “صرخات من الشرفة: رسائل مختارة” (1993)، “الكذب على الحظ، رسائل مختارة” (1995)، “القبطان خرج لتناول الغداء والبحارة استولوا على السفينة” (1998)، “أكثر ما يهم هو بأي براعة تمشي على النار” (1999)، “مفتوح طوال الليل، قصائد جديدة” (2000).
توفى “تشارلز بوكوفسكي” في 1994، عن عمر الثالثة والسبعين في “سان بيدرو”، كاليفورنيا بعد أصابته بمرض سرطان الدم.
قصائد له..
ترجمة: ريم غنايم
بداية
عندما تتوقفُ النّساءُ عن حملِ
المرايا معهنَّ
أينما ذهبنَ
ربما حينها
يمكنهنّ أن يحدِّثْنَنِي
عَن
التحرّرِ
.
أوه، نعم
هناك أشياء أسوأُ مِنَ
الوَحدةِ
لكن طالما استغرقك عقودًا
لتدركَ ذلكَ
وغالبًا
عندما تُدركُ ذلكَ
يكون قد فاتَ الأوانُ
ولا شيءَ أسوأ
من
فواتِ الأوانِ.
.
اِعتراف
وأنا أنتظرُ المَوت
مثل قطّ
سيقفز فوق السّريرِ
.
كم آسَفُ
لزوجتي.
ستَرى هذَا
الجَسَدَ
الأبيض
المتخشّبَ
ستهزّه مرّة،
ولرّبما
مرّة أخرى
“هانكَ!”
هانك لا
يردّ.
ليس هو موتي ما
يقلقني، بل زوجتي
المتروكة مع هذه
الكومةِ منَ
اللاشيءِ.
أريدُها
أن تعلم
رغم كل الليالي التي
نمتُ فيها
بجوارها.
وحتّى جدالاتنا
جفاءً
كانت
كانت أشياء رائعة دومًا.
والكلمات
الصّعبة
التي خفتُ يومًا
أن أقولها
يمكنني الآن
أن أقولها:
أحبّكِ.
القلبُ الضّاحك
حياتُكَ هي حياتُك
لا تخلطها في الخضوع الرّطب.
حاذرْ.
ثمّةَ منافذَ.
ثمّةَ نورٌ في مكانٍ مَا.
قد لا يكون نورًا كثيفًا لكنّه
يزيحُ الظّلمةَ.
حاذِرْ.
ستِعرض عليك الآلهةُ فُرصًا.
تفكّر فيها.
اقتنصها.
لا يمكنك أن تهزمَ الموت لكن
يمكنك أن تهزمَ الموت بالحياة، أحيانًا.
وكلّما تعلّمت كيف تفعلها،
ازدادَ النّور.
حياتُك هي حياتُك.
تفكّر فيها وأنتَ تعيشها.
أنت رائع
الآلهة تنتظر أن تلتذ َّ
بكَ.
تريد أن تصبح كاتباً؟
ترجمة : محمد الضبع
إذا لم تخرج منفجرةً منك،
برغم كل شيء
فلا تفعلها.
إذا لم تخرج منك دون سؤال،
من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك
فلا تفعلها.
إذا كان عليك أن تجلس لساعات
محدقاً في شاشة الكمبيوتر
أو منحنياً فوق الآلة الكاتبة
باحثاً عن الكلمات،
فلا تفعلها.
إذا كنت تفعلها للمال
أو الشهرة،
فلا تفعلها.
إذا كنت تفعلها
لأنك تريد نساءً …. ….
فلا.. تفعلها.
إذا كان عليك الجلوس هناك
وإعادة كتابتها مرة بعد أخرى،
فلا تفعلها.
إذا كان ثقيلاً عليك مجرد التفكير في فعلها،
فلا تفعلها.
إذا كنت تحاول الكتابة مثل شخص آخر،
فانسَ الأمر.
إذا كان عليك انتظارها
لتخرج مدويّةً منك،
فانتظرها.. بصبر.
إذا لم تخرج منك أبداً،
فافعل شيئاً آخر.
إذا كان عليك أن تقرأها أولاً لزوجتك
أو صديقتك، أو صديقك
أو والديك أو لأي أحد على الإطلاق
فأنت لست جاهزاً.
لا تكن مثل كثير من الكتّاب،
لا تكن مثل آلاف من البشر
الذين سمّوا أنفسهم كتّاباً،
لا تكن بليداً ومملاً ومتبجّحاً،
لا تدع حب ذاتك يدمّرك.
مكتبات العالم قد تثاءبت حتى النوم
بسبب أمثالك.
لا تضِف إلى ذلك.
لا.. تفعلها.
إلا إن كانت تخرج من روحك كالصاروخ،
إلا إن كان سكونك سيقودك للجنون
أو للانتحار أو القتل،
لا تفعلها.
إلا إذا كانت الشمس داخلك
تحرق أحشاءك،
لا تفعلها.
عندما يكون الوقت مناسباً،
إذا كنت مختاراً
ستحدث الكتابة من تلقاء نفسها
وستستمر بالحدوث مرة بعد أخرى
حتى تموت
أو تموت هي داخلك.
لا توجد طريقة أخرى.
ولم توجد قط.