20 أبريل، 2024 10:31 ص
Search
Close this search box.

تجاهل الكادحين ومصالحهم في فيلم “الكنز 1”

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: كتب- مؤيد عليوي

الفيلم من تأليف “عبد الرحيم كمال” وإخراج “شريف عرفه”، وإنتاج “وليد صبري”، ومن بطولة “هند صبري وعبد العزيز مخيون ومحي إسماعيل وهاني عادل”، الذين جسدوا شخصيات الصراع في عهد تحتمس الأول ومِن بعده ابنته حتشبسوت الملكة المصرية، و”محمد رمضان وسوسن بدر وروبي وعباس أبو الحسن”، كانوا شخصيات الصراع الطبقي بين “الشطار” وسلطة الحكم العثماني بمصر، فيما كان “محمد سعد وهيثم أحمد زكي وأحمد رزق وأمينة خليل وعبد العزيز مخيون”، ليجسدوا الصراع في العهد الملكي.

كما ضم الفيلم مجموعة كبيرة من الفنانين، في جميع تفاصيل الحقب التاريخية الثلاث التي اتصلت بعالمنا الحديث من خلال الفنان “أحمد حاتم” الذي جسد شخصية أبن “محمد سعد” “بشر الكتاتني”، فقد أبدع المخرج المبدع “شريف عرفه” حين نجح أن يتجلى السيناريو، بحركة وإيقاع جميع الفنانين دون استثناء، تلك الفكرة القديمة الجديدة في السينما المصرية والعالمية، التي بُنيت على القطع التاريخي ووصله بمدة تاريخية  أخرى.

ما جذب انتباهي في منتصف الفيلم، فكرة “الشطار” التي قرأت عنها في العصر العباسي عندما كانت بغداد العاصمة حاضرة العالم بأسره، والتي وجدتها واقصد فكرة “الشطار”،  تتمحور حول إعادة توزيع الثروة بأخذ المال من السلطة وتوزيعه على الفقراء من الناس، هو امتداد لفكرة “عروة بن الورد” أمير الصعاليك  قبل الإسلام، وإعادة توزيعه الثروة بين الفقراء والأغنياء في قلب الجزيرة العربية، إن فكرة “عروة بن الورد” لم تنتهِ معه، بل استمرت ولكن بمسميات تختلف عن اسم الصعاليك، حتى وصلت إلى اسم “الشطار” من العصر العباسي وما تلاه…

ثم تطورت الحياة وتطورت الفكرة أيضا لتكون الماركسية أو الشيوعية أو الاشتراكية أو اليسارية، والسبب في استمرارها هو سوء توزيع الثروة من قبل السلطة، وهذا الصراع الطبقي قديم جدا، لكنه اختفى من الفيلم “الكنز1”  في الحقبة المصرية القديمة، بينما ركز المؤلف على الصراع داخل القصر الملكي بين الكهنة وحتشبسوت، فالكاهن مذكر والإله مذكر وحتشبسوت امرأة..

إذا علمنا أن الفكرة المشاعية الأولى للإنسان كانت تساوي بين الرجل والمرأة مرتبطة بفكرة “عروة بن الورد” وتعامله مع النساء بالمساواة، ومرتبطة بتعامل “الشطار” مع المرأة بالمساواة كما أظهره الفيلم، وأظهر نقيض تعاملهم هذا وهو سلوك “الوالي العثماني” المبني على المذكر أيضا في مقدسه، لقد أغفل الفيلم في مدة الحضارة المصرية القديمة أن الصراع المصالح اقتصادية ونفوذ السياسي يلقي بظلاله على المجتمع والفقراء منه.

فالكهنة في كل وقت يسخرون المقدس لمصالحهم الشخصية، ومنها الملك نفسه وأقصد سلطة الملك، نافيا الصراع الطبقي في تلك الحقبة الزمنية الفرعونية من خلال “هند صبري” “الملكة حتشبسوت” عندما قرّبتْ إلى قصرها “هاني عادل” “المهندس سنْموت” أحد أبناء العامة نتيجة حبه لها، وهل ينتفي الصراع الطبقي بتقريب شخص واحد من المجتمع إلى السلطة؟!، الحقيقة أقول كننا ننتظر أن يكون واقع الفقراء متجليا ولو في لقطة واحدة لكشف أثر تدخل كهنة المعبد على حياة الناس وإفقارهم واستعبادهم بالمقدس الكهنوتي. وإن لم يكن الوعي الإنساني للمجتمع المصري القديم بذاك الوعي الطبقي، لكنها لقطة تظهر طبيعة الصراع وتجلياته على واقع الناس.

أما “محمد رمضان” الذي جسد شخصية “حسن الغول” ثم ابنه علي الزيبق” ومعه “الشطار”، لتكون بهم حركة وعي طبقي في المجتمع تماما مثل فكرة “عروة بن الورد”، ويكون الصراع مباشر بين “الشطار” ومعهم المجتمع، ضد “عباس أبو الحسن” “الوالي العثماني” على مصر وخادم الفرس في الخفاء، بإشارة واضحة للجماعات التكفيرية، موصلا المؤلف بهذه الإشارة مع فكرته الأولى عن كهنة المعبد في عهد الحضارة المصرية القديمة، ثم ننتقل بهذا الفكرة إلى مدة العهد الملكي قبل نهايتها بإعلان الجمهورية في مصر، حيث يكون الصراع حينها بين الجماعة التكفيرية والقصر الملكي الذي يمثله محمد سعد “بشر الكتاتني” رئيس القلم السري للأمن.

وكيف نصبت الجماعة الاسلاموية التكفيرية فخا لأخيه “هيثم أحمد زكي” “مصطفى” من خلال تجارتهم بالمخدرات، ليكون “مصطفى الكتاتني” البريء من عمل أخيه، ليكون مدمنا واحد ضحاياهم في سجون أخيه، كاشفا الفلم كهنوتية الجماعة الإرهابية وعنفها ضد المجتمع وكل مَن يخالفهم تماما مثل كهنوتية معبد المصريين القدماء مثل سلطة الوالي العثماني أو الفارسي باسم الدين والمقدس، فيما أغفل الفيلم في مدة الحكم الملكي الامتداد الطبيعي لفكرة “عروة بن الورد” و”الشطار”.

فلم يتطرق إلى الماركسيين أو الشيوعيين أو الاشتراكيين في مصر، على الرغم من مروره على مسألة الأرض الزراعية التي استولى عليها “محمد سعد” “بشر الكتاتني”، وفيها “بيت المساخيط” الذي نشأ فيه “محمد رمضان” “علي الزيبق ” و”سوسن بدر” “أمه”، حيث التقى فيه بـأحد “الشطار” الذي رباه على فكرتهم وقيمهم في مناصرة المظلوم ومساعدة عموم الناس الفقراء.

قضية الأرض الزراعية هذه وارتباطها بظلم الإقطاع بما يؤكده التاريخ المصري، وقد نقلها فيلم “الأرض” بوضوح، كما أهمل الفيلم في المدينة حياة العمال ومعاناتهم وفقر الناس واستئثار الملك وحاشيته بالمال والثروة، كما خلا الفيلم من أي ذكر للشيوعيين في سجون “بشر الكتاتني”؟!، فقد أظهر المؤلف بهذا الإغفال أن الصراع السياسي كان محصورا بين الجماعة التكفيرية وبعض ضباط الجيش المصري من جهة، والملك وبوليسه السياسي من جهة ثانية..

فليست هذه المرة الأولى التي يتغافل فيها فيلم عن جوهر الصراع الطبقي السياسي بتغيب الماركسيين أو الشيوعيين أو الاشتراكين في العهد الملكي المصري، لكن الفكرة تظل مستمرة مهما غُيبت، فأستّل كلمة من حوارات الفلم، على لسان “محمد سعد” “بشر الكتاتني” وهو يشير إلى صورة “محمد علي باشا”، إذ قال: (الكثير يرى محمد علي باشا وطني، لكنه استعبد الناس، وهذه وجهات نظر)..

إلا أن الفيلم ربط من خلال استعراض الفني راقص في صالة بملهى ليلي، بين “الشطار” وصراعهم مع سلطة الوالي العثماني، وبين سلطة “بشر الكتاتني” وطرفها الغائب في الفيلم وهم الماركسيون الشيوعيون أو الاشتراكيون الامتداد الطبيعي لفكرة “للشطار” في الفيلم ؟! ، ذاك الغياب الذي كان ثغرة تاريخية وفنية في ذات الآن.

* عضو إتحاد أدباء العراق

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب