14 نوفمبر، 2024 5:15 م
Search
Close this search box.

تاريخ الصراع العراقي ـ الإيراني: الطائفية غطاء المشروع الإيراني العراق نموذجا

تاريخ الصراع العراقي ـ الإيراني: الطائفية غطاء المشروع الإيراني العراق نموذجا

عرض/ إبراهيم درويش
ليس من الصعب فهم الطريقة التي تنفذت فيها إيران في المؤسسة الدينية والسياسية العراقية، وكيف تدخلت في كل أجهزة ومفاصل الدولة. ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن المشروع الإيراني في هذا البلد العربي المحوري سابق بالضرورة على الإطاحة بالنظام العراقي لصدام حسين عام 2003 وما تبع ذلك من تفاهمات إيرانية ـ أمريكية لتسليم السلطة للشيعة وإقامة نظام المحاصصة الطائفية. فما جرى بعد الإحتلال الأنكلو ـ أمريكي هو محاولة فرض التشيع الإيراني على الدولة والشعب بالقوة. وابتدعت سلطة الحكم المدني أو الإحتلال فكرة الأكثرية الشيعية والأقلية السنية وقننت التمييز بين أبناء الشعب العراقي من خلال الدستور وطريقة توزيع الوظائف ليس الحكومية فقط ولكن في مجالات الحياة العامة.

كل سني وهابي

وبدأ الأمريكيون الذين جاءوا بدون خطة ولا معرفة بتقاليد الحياة والتركيبة الإجتماعية المعقدة باللعب على الحساسيات الشعبية، فقد أصبح كل سني ضمن قانون اجتثاث البعث صدامي وكل سني وهابي. وكتاب الباحث العراقي علي العبيدي الجديد «تاريخ الصراع العراقي ـ الإيراني: الطائفية غطاء المشروع الإيراني ـ العراق نموذجا» الصادر في القاهرة عن المكتب العربي للمعارف، وإن قام على جمع وتحليل مجمل التقارير الصحافية التي نشرتها الصحافة العربية والأجنبية وما صدر عن مراكز أبحاث أمريكية وغربية ومن تصريحات مسؤولين أمريكيين وإيرانيين كبار حول التغلغل الإيراني في المنطقة والعراق تحديدا، إلا أنه يقدم مادة دسمة ومهمة للمهتمين بالعلاقات العربية ـ الإيرانية وما تخططه إيران للمنطقة وما قامت بعمله من أجل المحافظة على مصالحها عبر التحكم في المؤسسة الدينية الشيعية وإنشاء وتدريب ميليشيات عراقية أسهمت في حروب إيران مع النظام العراقي السابق لصدام حسين ولعبت دورا في الفتن الطائفية التي جلبها الإحتلال. وما قامت به السفارة الإيرانية في بغداد من محاولات للتغلغل في المؤسسات الأمنية العراقية والسيطرة على الأحزاب العراقية خاصة التي آمنت بفكرة ولاية الفقيه أو تلك التي صنعت على عين الحرس الثوري الجمهوري.

الشاه والأكراد

لعبت إيران دورا بالورقة الكردية لإضعاف النظام العراقي ولضرب الحركات القومية الكردية في مناطقها. فقد دعم شاه إيران ملا مصطفى البارزاني والد مسعود حاكم إقليم كردستان اليوم. ويرى الكاتب أن الخطة الإيرانية في المنطقة وما حققته حتى الآن من سيطرة وهيمنة نابعة من طريقة نظرتها للشيعة العرب باعتبارها «ولية» أمرهم. وبدا هذا التوجه واضحا في الطريقة التي ردت فيها الحكومة الإيرانية على إعدام نمر النمر، رجل الدين الشيعي السعودي بداية العام الحالي وما تبعه من هجمات على السفارة السعودية في طهران وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتفصح التهديدات التي صدرت من رأس المؤسسة الدينية عن «العقاب الإلهي» الذي سيحل بالسعودية عن الطريقة التي تتعامل بها المؤسسة الإيرانية في علاقاتها مع الشيعة في العالم العربي تحديدا وبقية أنحاء العالم. واستطاعت إيران استغلال إنحطاط النظام العربي وشركائها في المنطقة خاصة في العراق وسوريا ولبنان والبحرين والسعودية لتحقيق ما تريد. ومن خلال تحريضها الشيعة العرب ضد حكوماتهم وشعوبهم فقد أخرجت ولاءهم لبلدانهم إلى ولاية الفقيه. فرجل الدين محمد علي الشيرازي يقول إن «إيران تتجسس وتتدخل في العراق وفي كل مكان لأنها ولية الشيعة». وترى إيران أن شيعة المنطقة مشمولون في رؤيتها حول المهدي وظهوره، فممثل المرشد الأعلى في الحرس الثوري علي سعيدي يقول إن إحداث تغييرات مهمة في الدول المجاورة لإيران مهم و»تمهيد لظهور المهدي المنتظر». وتصريحات كهذه صدرت عن قيادة الحرس الثوري التي تدعو لحرب شاملة ضد «الدول المعادية للثورة الإسلامية» أي دول الخليج العربي أصبحت عامة ومعروفة. وكذا مفاخرات قادة المؤسسة الإيرانية عن القوس الإيراني الذي بات يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت وحتى صنعاء صارت عادية وروتينية. وهي تعبر عن رغبة إيرانية في مواصلة مشروع الهيمنة على المنطقة العربية باسم حماية الشيعة. ولم يتردد القادة الإيرانيون الذين استفادوا منذ
سقوط صدام وظهور موجات الربيع العربي التي وإن عارضوها في البداية في الحديث عن طموحاتهم للوصول إلى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة. وفي كل مرة تحصل فيها وفيات في موسم الحج، كما في العام الماضي يجدد الإيرانيون هجماتهم على السعودية وتتهم أنها غير قادرة على إدارة المشاعر المقدسة.

تصدير الثورة

وينظر الإيرانيون للنفوذ الحالي في العواصم العربية باعتباره ثمارا لمشروع تصدير الثورة الذي فشل بعد عام 1979 حيث واجهت طهران حربا ضروسا مع العراق انتهت عام 1988. ويرصد كتاب العبيدي التدخل الإيراني في المناطق العربية منذ الإحتلال البريطاني وسيطرة طهران على الأحواز العربية بالتواطؤ مع الإحتلال البريطاني والتي لا تزال تواصل فيها سياسة لمحو الهوية العربية والروابط التاريخية بين الأحوازيين وإخوانهم العرب. وكذا احتلال الجزر الإماراتية ـ أبو موسى وطنب الصغرى والكبرى والتدخل في البحرين التي تراها أرضا فارسية والهجوم على السعودية التي تصف إسلامها بالأمريكي وفي الكويت ومحاولة اغتيال أميرها عام 1985 وفي مصر واليمن وسوريا وفلسطين حيث استغلت القضية الفلسطينية من أجل الترويج لقضيتها. وقامت إيران بدعم ميليشيات وقوى عسكرية وأنشأت أعمالا خيرية كما في مصر لبناء مراكز تأثير واستخدمت ميليشيات مثل حزب الدعوة للقيام بعمليات إرهابية في لبنان والكويت. ويرى تقرير إسرائيلي صدر عام 2009 أن إيران ترغب في بناء قدرات لتهديد الأنظمة العربية من خلال الأطراف التابعة لها التي تعمل داخل هذه الأنظمة وفي الوقت نفسه تنكر تورطها المباشر. ويلاحظ الكاتب أن إيران لم تقتصر في تدخلها على الدول العربية المجاورة ولكنها استفادت من أي منفذ فتح للدخول حتى في الدول البعيدة عن المركز مثل موريتانيا والدول الأفريقية وجنوب شرق آسيا التي بات التشيع في مجتمعاتها ذات الغالبية السنية يفرض تحديات جديدة ويهدد النسيج الإجتماعي. وتملك الجمهورية الإسلامية رؤية واستراتيجية ونظرة وتعمل بصبر لتحقيق ما تريد. ومن هنا فقد استغلت النزاعات العربية ـ العربية مثل احتلال الكويت عام 1990 لتوسيع نفوذها. واعترف القادة الأمريكيون في دعم إيران للحملة العسكرية ضد طالبان في أفغانستان. واعترف محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية سابقا في ندوة في أبوظبي عام 2004 بما قدمته بلاده للأمريكيين في حربهم ضد العراق وأفغانستان. وبعد احتلال العراق لعبت طهران دورا في تكريس «عملية» سياسية وضعت الشيعة والأكراد على رأس السلطة وهمشت العرب السنة وأنشأت ميليشيات شيعية كان لها دور كبير في الفتنة الطائفية بين عامي 2006 ـ 2007 حيث انتشرت الجثث في الشوارع ومكبات النفاية. واستهدفت الميليشيات الضباط السابقين في الجيش العراقي. ويكشف الكاتب عن الموقف الطائفي للإدارة الأمريكية للعراق وتصريحات المسؤولين الذين عينهم جورج دبليو بوش لرعاية ترتيبات ما بعد صدام مثل زلماي خليل زاده الذي اتهم العرب بأنهم يتعاملون مع العراق من خلال المنظور الطائفي وهو أي زاده الذي كرس دستورا يؤكد الطائفية. وذهب زاده للقول إلى سبب حقد العرب على شيعة العراق نابع من «حبهم لآل البيت» وهو جهل بحقيقة الواقع العربي والعراق.

إيران وإسرائيل

ويقدم الكاتب سردا لطبيعة العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية لتقويض أمن العراق في عهد الشاه حيث دعم الطرفان التمرد الكردي واستمر التعاون فيما بعد الثورة. ويطرح أسئلة حول طبيعة تعاون إيران مع تنظيم القاعدة إذا ستقبلت عددا من قادته وكيف استخدم النظام السوري الجهاديين من القاعدة لضرب المصالح الأمريكية في العراق. ولعل أهم إنجاز حققته إسرائيل بالتعاون مع الأمريكيين ووكلاء إيران في العراق هو ملاحقة وتصفية علماء الذرة والفيزياء والكيمياء العراقيين وتشير أحصائيات لمقتل 200 عالم عراقي. ويشير الكاتب إلى أن العلاقة الإيرانية ـ الإسرائيلية نابعة من الإستراتيجية التي يتبعها الكيان الصهيوني بإقامة علاقات مع دول الطوق العربي أي إيران وأثيوبيا وأرتيريا وجنوب السودان. ومع إيران هناك تلاقي مصالح بين البلدين.

أحزاب العراق

وتظهر خريطة الأحزاب العراقية الدور الذي لعبته إيران في تشكيل هويتها وأيديولوجيتها وتمويلها وكيف تحولت هذه الاحزاب رأس حربة في تنفيذ مشروعها ضد النظام العراقي السابق. فالقارئ لأهداف حزب الدعوة يرى أنها لا تختلف في جوهرها عن أهداف الثورة الإسلامية الإيرانية. ولهذا السبب تسيد الحزب السياسة العراقية رغم صغر حجمه منذ الإحتلال وحتى اليوم، وشغل ثلاثة من قادته منصب رئيس الوزراء وهم على التوالي إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي. وكذا الدور الذي لعبه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (أصبح المجلس الإسلامي الأعلى) وما لعبه آل الحكيم في الحرب العراقية ـ الإيرانية خاصة الجناح العسكري له «فيلق بدر» . ومعظم الجماعات السياسية والميليشياوية التي ولدت في حضن إيران أو بعد الغزو ممولة أو لخدمة مصالح الثورة الإيرانية في العراق. ولم تكتف إيران بالتدخل في شؤون الجماعات الموالية لها وتسيير دفتها بل حاولت استغلال الخلافات بين الأحزاب الكردية وشجعت الأحزاب الشيعية التي ابتعدت عن السياسة على الدخول في اللعبة البرلمانية. ولا يعدم رغم هذا وجود أصوات في العراق ولبنان رفضت الهيمنة الإيرانية على الشيعة العرب ففي لبنان هناك صبحي الطفيلي وفي العراق تيار جواد الخالصي وغيرهما من الأصوات التي لم ترض بضياع الهوية العربية وإنحراف أبناء الطائفة لخدمة المشروع الإيراني. ويحفل الملف الأمني بإختراق إيراني واسع لكل المؤسسات والأشد من هذا هو أن بروز تنظيم الدولة «داعش» وفر الغطاء الإيراني للدخول وبطريقة رسمية للعراق وليس فقط عبر مستشارين بل قوات إيرانية وطائرات وتعاون وتنسيق مع الأكراد والأمريكيين واستغلال للقاعدة والمرجعيات الشيعية. يكشف كتاب العبيدي ووثائقه وصوره و»قصاصاته» الصحافية عن صورة مكبرة للمشروع الإيراني في المنطقة. وهو درس يجب أن يتعلمه العرب، ففي مشروع عربي موحد يصدق المثل عليهم «ألا أني أكلت يوم أكل الثور الأبيض».

علي العبيدي: «تاريخ الصراع العراقي ـ الإيراني
الطائفية غطاء المشروع الإيراني ـ العراق نموذجا»
المكتب العربي للمعارف ـ القاهرة 2016
506 صفحة
المصدر/ صحيفة القدس العربي

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة