19 ديسمبر، 2024 1:18 ص

تاريخ اختبارات الذكاء 3.. يستطيع الإنسان تنمية المعارف والفهم والخيال والإبداع

تاريخ اختبارات الذكاء 3.. يستطيع الإنسان تنمية المعارف والفهم والخيال والإبداع

خاص: سماح عادل

في مجتمعاتنا مايزال المختصصون يستخدمون مقياس ستانفورد لاختبار الذكاء خاصة بالنسبة للأطفال في عمر الدراسة، لقياس قدراتهم ومعرفة مدي قابليتهم علي التعاطي مع التعليم ومواده، في حين أن علماء كثيرون قد تجازوا هذا المقياس.

الذكاء تحليلي وعملي وإبداعي..

“روبرت سترنبرغ” عالم نفس أمريكي، متخصص في القياس النفسي. عانى من نتيجة اختبار الذكاء العام “g” عندما كان تلميذًا في الابتدائية، حيث أعطاه الفاحص درجة ضعيفة، فحزن، وعرف أن هذا الاختبار غير كاف لتحديد مستوى معرفته وقدراته الأكاديمية. وعندما أعاد ذلك الاختبار في وقت آخر مع طلاب أصغر منه سنًا، وحصل على درجات عالية شعر بالراحة. هذه المشكلة أثارت اهتمامه، ودفعته إلى دراسة علم النفس.

يري “ستيرنبرغ” أن التركيز على أنواع محددة من القدرات العقلية في قياس الذكاء مفهوم ضيق، وأن قياس ذكاء واحد فقط والحكم على الشخصية من نتيجته يؤدي إلى معرفة أحادية للإنسان. مثلا هناك كثير من الأشخاص حصلوا على درجات منخفضة في اختبار الذكاء، ثم أظهروا قدرة اجتماعية خلاقة في تشكيل بيئاتهم، والتكيف بإبداع مع الآخرين. أكد “ستيرنبرغ” على ضرورة عدم حصر اختبارات الذكاء على قياس ذكاء واحد، وضرورة أن تشتمل الاختبارات قياس أكثر من ذكاء.

وقدم نموذجا يقوم على ثلاث ذكاءات رئيسية:

– التحليلي (A): مشابه لتعريف الذكاء في الاختبارات القياسية.

-العملي (P): حل مشاكل الحياة الحقيقية.

– والإبداعي (C): مسئول عن البصيرة، والتوليف بين الأشياء، والقدرة على الاستجابة للمؤثرات والمواقف الجديدة.

يعتقد “سترنبرغ” أن الذكاءات أشمل مما افترضه النموذج الكلاسيكي ل”سيبرمان” في “الذكاء العام”، ويفسر ذلك أن بعض الناس الذين حققوا درجات مرتفعة في اختبار الذكاء  IQ عادة ما يفشلون في الحياة. طور “سترنبرغ” اختبارا أسماه ”اختبارSTAT”، وهو مجموعة من الأسئلة متعددة الخيارات تقيس كل الذكاءات الثلاث بصورة منفصلة، لكل ذكاء مقياسه الخاص. هذه النظرية علامة فارقة في فهم طبيعة الذكاء عبر التعرف على العمليات الإدراكية الكامنة خلف الذكاء والعوامل المؤثرة فيه.

الذكاءات المتعددة..

“هوارد جاردنر” عالم نفس أمريكي، أستاذ الإدراك والتعليم في جامعة هارفارد في كلية الدراسات العليا، اشتهر بنظرية الذكاءات المتعددة. عرض نظريته لأول مرة عام 1983 في كتاب بعنوان “أطر العقل”، وذكر فيه سبعة أنواع من الذكاءات، وهي: الذكاء اللغوي، والمنطقي- الرياضي، والمكاني، والموسيقي، والجسدي-حركي، والشخصي، والاجتماعي. استمر في تطوير نظريته عشرين عاما، بعد عقد أضاف الذكاء الواقعي، والطبيعي ليصبح عدد الذكاءات تسع ذكاءات. حاز جائزة “ماك آرثر” 1981، وعام 1990، ثم جائزة جامعة لويزفيل عام 1995، وفي 2011 حصل على جائزة أمير أستورياس  للعلوم الاجتماعية.

حصل على درجة فخرية من 26 جامعة ومؤسسة من عدة دول مثل: بلغاريا، وتشيلي، واليونان، وإيرلندا، وإيطاليا، وكوريا الجنوبية. وتم اختياره من قبل مجلة بروسبكت (Prospect magazines) من ضمن أفضل مائة شخصية مثقفة ذات تأثير بالعالم.

“هوارد جاردنر” يرى أن كل الأطفال يولدون وهم يحملون كفاءات ذهنية متنوعة، بعضها قوي، وبعضها ضعيف، التربية الفعالة تُقوي القوي، وتُنمي الضعيف. هذه النظرية لم تربط الكفاءات الذهنية بعامل الوراثة فقط، والتي تحرم الإنسان كل إرادة لتنمية هذه الذكاءات، فلا يوجد إنسان ولد ذكي، وآخر غبي، بل الاختلاف بين البشر يكون في ارتفاع نسبة ذكاء عن آخر. حدد “جاردنر” لنظريته ثلاثة معالم:

ذكاء الإنسان ليس ثابتا أو جامدا عند ولادته، ولا تحدده الوراثة، وليس ثابتا يمكن قياسه عبر اختبارات الذكاء، فذكاء الإنسان هو كفاءات ذهنية تنمو باستمرار وتتغير خلال حياة الإنسان.

كما أكد أنه يمكن تعلم الذكاء وتعليمه وتحسينه، لأن قدرات الذكاء لها قاعدة عصبية/ ذهنية. وأي قدرة ذهنية يمكن أن تتحسن في أي مرحلة عمرية.

الذكاء ظاهرة متعددة الأبعاد توجد في عدة مستويات من نظام دماغ الإنسان (Brain)، وعقله (Mind)، وجسمه (Body)، وهناك طرق متنوعة يستطيع الإنسان عبرها تنمية المعارف والفهم والخيال والإبداع. وتنقد نظرية الذكاءات المتعددة  في أنها لا تعطي نتائج رقمية لهذه الذكاءات تتمثل في درجة علمية تُثبت بشهادة للطالب في كل مقرر دراسي.

مبادئ نظرية الذكاءات المتعددة..

نظرية الذكاءات المتعددة  تعتمد علي أربعة مبادئ رئيسية:

“لا يخلو إنسان من ذكاء/ ذكاءات”. هذا المبدأ يؤكد أن كل إنسان لديه ذكاء/ ذكاءات، غير أن مستويات/ أنواع هذه الذكاءات تكون متابينة بين الناس. فهذا المبدأ يؤكد على أن عموم البشر أذكياء، وأن هناك فئتين قليلتين من البشر: فئة قليلة تمتلك عددا من الذكاءات في مستويات مرتفعة، وأخرى قليلة أيضًا تمتلك عددا محددا من الذكاءات في مستويات منخفضة.

“معظم الناس يستطيعون تنمية ذكاءاتهم إلى مستوى مناسب من الكفاءة والجدارة”. يؤكد “جاردنر” أن كل إنسان لديه القدرة على تنمية ذكاءاته إلى مستوى عال عبر  التعليم في بيئة مناسبة، ومن خلال خبرات تعليمية مناسبة.

“الذكاءات المتعددة تعمل بطرق مركبة”. لا يوجد ذكاء قائم بذاته إلا في حالات مرضية نادرة، مثل الأفراد الذين لديهم تلف في المخ، وأنه لا يمكن فصلها إلا في حالات ثلاث: عند دراستها، وأثناء فحص ملامحها، وخلال تعلم كيفية استخدامها بفاعلية فقط. أنَّ الذكاءات تتفاعل مع بعضها البعض، وهذا ما أكده التفكير النظمي (System Thinking).

“هناك طرق عديدة لتنمية كل ذكاء”  تنوع وتعدد الخبرات  التعليمية التي تُطور كل ذكاء، مما يُعطي الفرصة لتنمية الذكاءات لدى كل الناس، فلا توجد خبرات تعليمية مقننة الخصائص لتنمية كل ذكاء.

“هوارد جاردنر” لم يكن أول عالم يذكر نموذج الذكاءات المتعددة، لكنه أول عالم صاغها نظريةً، وطورها نموذج. العلماء الذين أشاروا إلى الذكاءات المتعددة، وإن كانت تحت أسماء مختلفة، كمتغيرات الاستدلال، والقدرات الخاصة، والمدخل المتعدد، وغيرها ليؤكد هذه الحقيقة هم:

– نموذج بينيه- سايمون: أشارت النسخة الرابعة منه (SB-IV) إلى تعدد الذكاءات، كما يظهر في بنائها الهرمي الذي يحتل الذكاء العام (g) المستوى الأعلى فيه، ثم تأتي ثلاث قدرات عامة في المستوى الثاني، وهي: القدرات المتبلورة، والقدرات التحليلية الفطرية، والذاكرة قصيرة الأمد. أما المستوى الثالث، فتحتله متغيرات الاستدلال الثلاثة: اللفظية، والكمية، والتجريدية/ البصرية.

– نموذج سيبرمان: كان من أشد المتحمسين لنموذج الذكاء العام “g”، إلا أن نموذجه قسمه إلى قسمين: قسم القدرة العامة (الطاقة العقلية)، وقسم القدرات الخاصة، وتقوم نظريته على فرضية أن الأفراد الذين يحققون معدلات مرتفعة في القدرة العامة، يحققون في المقابل معدلات مرتفعة في القدرات الخاصة، والعكس صحيح.

–  نموذج ثرستون: أول نموذج تناول الذكاءات المتعددة تحت اسم “المدخل المتعدد للذكاءات”. وقد عدَّها سبع ذكاءات، وهي: فهم العلاقات اللفظية (الشفهية)، والطلاقة اللفظية، والعدد، والذاكرة، وسرعة الإدراك الحسي، والتصور المكاني، والتفكير.

– نموذج فيرنون: خالف فيرنون أستاذه سيبرمان في قياس الذكاء بالعامل العام “g” فقط، وعدم الأخذ بالذكاءات الأخرى. طور نموذجه الهرمي وجعل نموذج سيبرمان “العامل العام- القدرة العامة” يحتل قمة الهرم، ثم يأتي المستوى الثاني مُمثلاً في القدرات الرئيسة التي تنقسم إلى اثنتين: القدرة اللفظية التربوية، والقدرة العملية الميكانيكية. أما المستوى الثالث الذي يمثل قاعدة الهرم فيتكون من القدرات الفرعية مُمثلةً في القدرات الخاصة لسيبرمان، والذكاءات الإنسانية لثروستون.

– نموذج جيلفورد: اختلف جليفورد عن غالبية المنظرين لعامل الذكاء العام “g”، برفضه الاعتراف بوجود العامل العام على الإطلاق، فقد اقترح نموذجه للذكاءات، وهو يضُم 180 قدرة ابتدائية (5x6x6)، مكونة من مزيج من ثلاثة أبعاد: المحتويات 5 أنواع، والمنتجات 6 أنواع، والعمليات 6 أنواع.

–  نموذج كاتل: كذلك، خرج كاتل عن اتباع نموذج الذكاء العام “g”، وطوَّر نموذجًا يتكون من قسمين: الذكاء المتدفق (السائل)، والذكاء المتبلور. وهناك عدد قليل من الاختبارات وفقا لهذه النظرية المتاحة، وهي تنسب إلى اختبارات الذكاء العام، وتشمل مقياسين: ذكاء التدفق، وذكاء التبلور.

–  نموذج ستيرنبرغ: يعتقد ستيرنبرغ أن التركيز على أنواع محددة من القدرات العقلية في قياس الذكاء يُعد مفهوما ضيقا جدا، وأن قياس ذكاء واحد فقط والحكم على الشخصية من نتيجته يؤدي إلى معرفة أحادية للإنسان المفحوص. ويقوم نموذجه على ثلاثة ذكاءات رئيسة: التحليلي (A)، والعملي (P)، والإبداعي (C).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة