كتب: سفيان العلالي
إن الرواية باعتبارها جنسا نثريا أدبيا له خصائصه ومقوماته، تفرض نفسها في الساحة الأدبية، فهي اقتناص للحيظات قصيرة من لحظات الوجود الإنساني في بيئة زمكانية محددة، عن طريق تكثيف الأحداث وتضمينها دلالات وتأويلات متعددة.
تجدر الإشارة في البداية إلى أن ما سنتطرق إليه في هذه الورقة رأي شخصي حول رواية *امرأة تخشى الحب* لصاحبها الكاتب والقاص والروائي المغربي “مصطفى لغتيري” الصادرة سنة عن دار النايا بسوريا سنة 2013 في طبعتها الأولى، وعن منشورات غاليري الأدب سنة 2019.
تمثل عتبة العنوان تعريضا للأحداث، كما تشكل بنيات دلالية كبرى تساعد القارئ على فهم دلالات الرواية أو القصص المتضمنة في المؤلف، فالعنوان يحمل دلالات متعددة تجذب القارئ، امرأة: هي الأنثى وهي شريكة حياة الرجل، تخشى: تخاف وتهاب وتوجل، الحب: هو الود والوداد، ومن منظور فلسفي هو الميل إلى الأشخاص أو الأشياء العزيزة او الجذابة او النافعة.
” قرأت يوما أن المرء إذا انطلق من تجربة حياتية قوية استطاع الكتابة”
افتتح لغتيري الرواية في مطلعها بعبارة استفاهمية استنكارية حيث قال “هل يمكن لمكاملة بسيطة أن تغير حياة المرء؟” ص5. معبرا عن المتناقضات التي نعيشها ونتعايش معها رغما عنا في هذا الوطن الأبي بل في هذا العالم الأبيض.
واختار شخصية محورية هي العمود الفقري للرواية اختار لها اسم *ماريا* المرأة المسكينة ذات الحظ السيئ في العلاقات العاطفية، والتي لم تفلح قط ولو مرة واحدة في نسج علاقة وطيدة متينة، يخيّل إليها أنها ستغادر بها هذا الواقع البائس نحو عالم الاستقرار العاطفي، ويُشَبّه لها أنها ستعيش في وداد ورحمة، لكن ولسوء حظها القدر رعا وأصرّ على أن يجعل ماريا تصطدم بأناس ذوي جسارة في انتهاك حقوق الإنسان الشيء الذي يجعلها تعود إلى ركحها صافرة عزلاء ناجية بروحها من كلاب ضارية. كما عبر عن ذلك لغتيري حيث قال: خلال جلسات عديدة صفيت حسابي مع القدر. النتيجة التي توصلت إليها هي أن القدر خائن وغادر ولا يؤتمن جانبه. لم يمنحني ما أستحقه. لم أسئ لأحد، ولم أتسبب في الأذى لكائن من كان. ص11.
لم تكتف ماريا بمحاولة واحدة بل مرات ومرات، فمنذ زواجها الأول حيث لم تستقر على حال واحدة ولم تحصل على الحب كما تتصوره هي في ذهنها، حيث فارقت زوجها بعد أن قضت معه سنتين نعتتهما بالكئيبتين ووسمت التجربة بالمريرة، مستشعرة جو الراحة والاطمئنان في بيتها بمنزل أسرتها، مرورا بتجربة المخرج المسرحي “الأستاذ شفيق حسني” الذي كان يتربّص بماريا وبجمالها الفاتن، لا لشيء سوى طمعا في إشباع رغباته الجنسية كما يفعل مع الأخريات مستغلا المجال الفني الذي يشتغل فيه، حيث التقى بها صدفة في المعرض المسرحي وسرعان ما لفت جمالها انتباهه، فأبدى رغبته في الوصول إليها بأي وسيلة من الوسائل مظهرا جوانب الود والحب بنظراته وتصرفاته.
بالرغم من أن ماريا قد واعدت نفسها بأن لا تعود للعلاقات العطافية، نسيت الأمر او بالأحرى تناسته، وصارت تفكر مليا في المخرج “شفيق حسني” حيث قال مصطفى لغتيري على لسان شخصية ماريا: ‘ هذه المرة يبدو الأمر مختلفا، لا ادري سببا منطقيا لذلك، لكني حاولت إقناع نفسي بأن هذا الرجل، الذي وضعته الأقدار في طريقي، يبدو مختلفا عن الرجال الذين صادفتهم من قبل، إنه رجل من أهل الفن’ص46.
بقلب رؤوم وحنون اعتورت الأمر مع نفسها الواجمة، لعلها تندسّ في علاقة حب غير موارية، تعوضها عمّا فاتها مع زوجها السابق الذي كانت تحسب نفسها خادمة له ولأهله، ذكرت ماريا أن أهل الفن إن أخرجتهم من محيطهم الفني ستظهر معادنهم الأصلية، وهذا ما ساعدتها عليه الاستاذة رقية التي كتبت العرض المسرحي حتى اكتشفت أن شفيق حسني يستعد الحرب وطيسة وأنه قادر على هصر قلبها الطيب.
مرة أخرى باءت محاولة ماريا بالفشل، لا تدري سبب هذا الحظ القاتم، وربما قد استسلمت للأمر الواقع بأن الورع يخيم عليها، وصولا وانتهاءً بتفسير حلمها الذي رأت فيه أن أحد الثعبانين ذكرين كانا أو أنثيين التهم الآخر بعض صراع قوية ومحتدم، حيث انتهت بها الأمور إلى أن طرحت عليها فكرة إقامة علاقة عاطفية بطريقة غير مباشرة مع امرأة من نفس جنسها، فإذا كانت ماريا قد أشارت إلى أن الرجال يرون المرأة مجرد آلة لتفريغ الكبت الجنسي، فإن من النساء السحاقيات من لديهن القدرة على فعل ذلك بل أكبر، جاء على لسانها: فجأة زحفت الأستاذة نحوي، امتدت يدها نحو شعري، فمررتها عليه، بالتذاذ ونشوة بدتا ظاهرتين عليها… لقد قدمت إليها برغبتي، ولكنني لم اتعود على هذا النوع من الحب.ص 99.
وقالت ايضا: فرحتي هذه لم تقدم طويلا، إذ سرعان ما أشعر بالحزن يتسرّب تدريجيا إلى نفسي فيثقل على قلبي” ص101.
إن خواتم -رواية امرأة تخشى الحب- لصاحبها الروائي المغربي مصطفى لغتيري، تترك القارئ في حيرة من امره، وتجعله سابحا في بقاع الإبداع الأدبي المختلف، بحيث تبدأ من حيث تنتهي وتنتهي من حيث تبدأ.
رواية امرأة تخشى الحب أو بعبارة أخرى تخشى براثن الحب، عبارة عن فصول عشرة إن صحّ القول، تتدحرج فيها امرأة مسكينة مع شخصيات ضارية كما يحلو لها تسميتها، وكل من هذه الشخصيات يكشّر عن أنيابه منتظرا الفرصة للانقضاض عليها تحت ذريعة تسمى الحب بأشكال وألوان وأنواع مختلفة.