23 نوفمبر، 2024 7:39 م
Search
Close this search box.

تأملات في جدل البشر والحيوان.. ملاحظات على المجموعة القصصية (البشر والسحالي)

تأملات في جدل البشر والحيوان.. ملاحظات على المجموعة القصصية (البشر والسحالي)

 

كتب- صلاح محمد الحسن القويضي – السودان

[email protected]

غواية العنوان:

أهداني الصديق عثمان الشيخ  الخضر قبيل عيد الأضحى نسخة ورقية من مجموعة قصص قصيرة للقاص والروائي المصري الشاب حسن عبد الموجود صدرت في طبعة أولى عن الدار المصرية اللبنانية هذا العام  في 155صفحة من القطع المتوسط. ورغم أنني أكملت قراءة (البشر والسحالي) قبل عطلة العيد، إلا أنني فضلت أن أكتب عنها خلال العطلة بعد أن أٌعيد قراءتها مرة أخرى.

صدرت لحسن عبد الموجود ست كتب قبل هذه المجموعة وهي (ساق وحيدة- مجموعة قصصية 2002م)، (عين القط – رواية، 2004م) (ناصية باتا – رواية، 2010م) (السهر والخطأ- قصص، 2016م) (حروب فاتنة – قصص، 2018م) (ذئاب منفردة – بورتريهات، 2020م). قصدت أن أورد أسماء ما نُشِر لحسن عبد الموجود لأقل بأنه من بين سبع إصدارات تتضمن عناوين ثلاث منها أسماء (حيوانات). ثم جاءت مجموعته الأخيرة مكرسة بالكامل لجدليات علاقة الإنسان/ الحيوان.

والعنونة، كما هو واضح من عناوين كتاباته السابقة، (لعبة غواية) يتقنها حسن عبد الموجود بصورة استثنائية ووعي عميق بدور (العنوان) كعتبة ونداء للقارئ بالدخول في عوالم النص السردي.

غير أنه باختيار (الحيوان) كموضوعة أساسية في هذه كل عناوين هذه المجموعة يرتقي بغواية العنوان لدرجة أعلى من خلال (العنونة الداخلية). فكل عنوان من عناوين قصص المجموعة العشرة يشكل إضاءة مسبقة للنص بالجملة (التفسيرية) القصيرة التي تلي اسم الحيوان. وهي جملة تفسيرية (لا تفسر) ولا تشرح، لكنها (تشوق) القارئ وتدعوه بقوة لاستكشاف عوالم النص السردي:

  1. الخنزير: أدونيس يعود للقصر.
  2. السحلية: مفتاح الجنة.
  3. الكلب: أعمى في غابة.
  4. القط: نصف نوبة حراسة.
  5. الدودة: حديث دافئ في المقبرة.
  6. العقرب: سحابة قريبة أو مطر.
  7. الديك: خمسة دقون ناعمة.
  8. الحمار: سعف ذهبي ونبيذ وأحذية قديمة.
  9. التيس: الحياة القصيرة الجميلة.
  10. أبو الدقيق: تراب أبيض مقدس.

ولا يدرك القارئ مراد المؤلف من (جملته التفسيرية) إلا بعد أن يقرأ نص الأقصوصة كاملًا. فيدرك أن المؤلف أراد أن يقدم جانبًا مختلفًا من جوانب العلاقة بين البشر والحيوانات، ولكن أيضًا للعلاقة بين (البشر والبشر) من خلال علاقتهم بالحيوانات.

العنونة الداخلية عند حسن عبد الموجود قمة في (الإغواء) الذي هو عندي من أهم أدوات السارد في قيادة القارئ (للاندهاش) بما يقدمه من عوالم حقيقية ومتخيلة وفانتازية. وتلك (ملكة) أخرى من ملكات حسن عبد الجواد تتبدى من خلال قراءة مجموعته القصصية (المدهشة) البشر والسحالي …

فحكايات حسن عبد الموجود عن الحيوانات تنبئ عن معرفة عميقة بالموروث المصري للحيوانات (المؤسطرة). ولكنه لا (يستسلم) لتلك المعرفة ولا (يتبناها) بل يعيد صياغتها في (جمل سردية) وعبر (حكايات معاشة) أو متخيلة. فيستحيل ما في الذاكرة (الجمعية) المصرية لخطوط درامية تتقاطع بصورة مشوقة لتقدم في آخر الأمر (صورة مختلفة) لما رسخ في (الذاكرة الجمعية) وربما متعارضة معها.

عوالم الدهشة والمختلف..

قصة (الخنزير: أدونيس يعود للقصر) مثالًا (رؤية الوجه الآخر للعملة)

في قصة (الخنزير) يكاد الخنزير أن يكون غائبًا رغم أنه الشخصية (المفتاحية في القصة). الحضور الوحيد تقريبًا للخنزير يتم من خلال (رغبة) طفل مسلم في تذوق لحمه وموقف أهله (المسلمين) من تلك الرغبة. ومن خلال التعارض بين رغبة الطفل وموقف أهله الرافض يغوص حسن عبد الموجود عميقُا في (تلافيف) المجتمع المصري ويكشف المختلف.

من خلال أدوات سردية ماهرة يزيح الكاتب القناع عن أوجه غير منظورة للعلاقة (الحقيقية) بين (المسلمين) و(المسيحيين) في (القرية) المصرية. وهو وجه (مختلف) تمامًا هو (الأكلشيه) السائد عن (التسامح) و(الصليب والهلال) المتعانقين. في رحلة الصبي (المسلم) لتحقيق حلمه في ذوق لحم الخنزير (النجس) تتكشف أسرار تلك العلاقة بين (المسلمين والمسيحيين). وهي علاقة – على خلاف الشائع (المبسط) – تتميز (بتعقيد) يشبه الحقيقة. تعقيد تختلط فيه (المصلحة بالنظرة الدونية) و(المحبة بالتخوف) و(الوجود المشترك بالهواجس الوجودية).

يفتتح حسن عبد الموجود قصته الأولى قائلًا على لسان الصبي:

(جدي قفز في النيل ليتطهر حينما لمسه خنزير ذات مرة. أما أنا فأكلت لحمه  “…” لم يسمح أهل قريتنا بوجود الخنازير. اعتبروها نجاسة، ومنعوا المسيحيين من تقتنائها. كان على المسيحي – إذا رغب في أكل خنزير – أن يحضره مذبوحا من قرية “القصر”). ص 9.

ويختتم حسن عبد الموجود قصة المجموعة الأولى قائلًا – على لسان الصبي الذي استطاع – أخيــرًا – أن يحقق رغبته في تناول لحم الخنزير (المختلف):

(… وكثير من الأطباق ذات الرائحة المميزة. لم تكن رائحة عدس أو قلقاس أو بصارة، وإنما رائحة شواء ثقيل. رأيت طبقات من اللحم الأبيض الساخن يتصاعد منها البخار إلى سماء الغرفة الخشبية الداكن ( … ) لم أكن مهتمًا بشئ آخر، حتى إنني نسيت مها ، ونسيت الحب،ونسيت القبلات “الوهمية” الجميلة، ونسيت نظرة التصميم المقلقة في عيني ظريف، ونسيت أمي ونسيت خالي. كنت أفكر فقط في مذاق أول قضمة من “الخطيئة”. وأدركت أن الإنسان لا بد أن يولد في “عشاء أخير”) ص 20 – 21.

مقاربة حسن عبد الموجود لعلاقة (المسلمين والمسيحيين) في (تاريخهم الآني) تتماهى مع مقاربة زيدان لوقائع (ناريح المسيحية الرسمي) في رواية (عزازيل)، حيث يفضح من خلال مذكرات الراهب المصري (فرية) (الانتشار السلمي) للمسيحية بمصر في عصورها الأولى. وكما يكشف زيدان في (عزازيل) أن دماء كثيرة أريقت في عصور المسيحية الأولى في مصر، يكشف حسن عبد الموجود في قصة (الخنزير: أدونيس يعود للقصر) أن راهن العلاقة بين (المسلمين والمسيحيين) في المجتمع المصري – الريفي على الأقل – ليست بذلك (البهاء) النقي الذي تصوره الكتابات (الرسمية) المعاصرة.

وتلك الجرأة على تقديم (المختلف) ورؤية الوجه الآخر للعملة وتناول (المسكوت عنه) – في قصص المجموعة – وجه آخر من أوجه مقدرة حسن عبد الموجود.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة