قصة قصيرة
خاص : بقلم – عدة بن عطية الحاج (ابن الريف) :
كان “حسام” فتى يافعًا أصابه داء السرطان في كبده منذ كان طفلاً، ولم يجد إلى جانبه سوى والدته التي ظلت لسنوات طويلة تدعو الله أن يمنّ بالشفاء على ولدها الوحيد، ولكن لا حياة لمن تنادي، لقد أوصدت السماء أبوابها وتمكن المرض من جسد ولدها فأوهنه وأصابه الخور وأشرف على الهلاك وصار جسدًا بلا روح، وكانت والدة “حسام” تُردّد في نجواها هذه الكلمات: نجلي ولد صالح لم يعص الله يومًا بل كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب بل كان يحفظ الأحاديث والمتون العلمية كلّها؛ ولكنّي لم أر اليوم القرآن أو العلم ينفعانه، لقد دبّ الداء في جسده لم يفرح يومًا في حياته، لقد أصبح ولدي “حسام” أسير مرضه الذي أدخله سجن الكآبة والحسرة والهوان.
ـ نادى “حسام” والدته: يا أمّاه عمّا قليل سأرحل عن هذا العالم وسيلتهمني العدم التهامًا وأصبح نسيًا منسيًا.
ـ قالت له والدته: لا تقل كلامًا ستندم عليه في المستقبل، أنت ستذهب عند ربّك وسيغفر لك الخطايا وسيدخلك الجنّة التي عرضها السماوات والأرض فما بالك بطولها، وستتزوج بالحور العين وستشرب الخمرة الإلهية الأزلية ومعها اللبن الإلهي المصفى والعسل الناصح الربّاني مع ماء الحياة الأزلية ستتنعم في البرزخ مع آبائك وأجدادك وسلفك الأوّلين.
ـ قال “حسام” معترضًا: يا أمّاه لقد دخلت النار هنا والتهمت نيران المرض جسدي النحيف وصرت أرى الجحيم في كلّ مكان، لم تشملني رحمة الله هنا ولا أظنّها ستشملني هناك.
ـ قالت له والدته: استغفر مولاك وتب إليه قبل فوات الأوان، لا تقنط من رحمة الله.
ـ قال “حسام”: الله أعلم بحالي، نشأت يتيمًا فقيرًا لا أملك فلسًا واحدًا، وكنت منبوذًا من طرف المجتمع؛ ومع ذلك كنت رجلاً صالحًا أخاف الله في السر والعلانية وأفعل الخير مع من أعرف ومع من لا أعرف، حفظت القرآن عن ظهر قلب حتى أظفر بأعلى الدرجات في الجنّة، فمنزلتي عند آخر آية أقرؤها، سيكون القرآن شفيعًا لي في قبري سأقهر الشجاع الأقرع وسأجعل منكرًا ونكيرًا تحت رجليّ بل سأضربهما بتلك المطرقة التي يمتلكانها.
ـ قالت له والدته: أرجو أن تدخلني معك إلى الجنّة، ولكن ماذا سأفعل بالحور العين ؟
ـ قال لها “حسام”: الحور العين سيقمن بخدمتك، ولكن يوجد الغلمان المخلّدون فاختاري منهم ماشئت.
ـ قالت له والدته: سأختار والدك، إنّي أحبّه حبًّا جمًّا ولا أستطيع فراقه، ولو ذهب إلى النار سأذهب معه وأخلّد في العذاب الأبدي معه.
ـ قال لها “حسام”: والدي سكّير عربيد ومات على سوء الخاتمة فالنار مثواه وموئله.
ـ قالت له والدته: أهلاً وسهلاً بجهنم، فيها حبيبي الذي فارقني في هذه الحياة الدنيا، سأذهب إليه بعد موتي، كم أتمنى أن أموت حتى ألحق برفيق دربي وقرّة عيني والدك الكريم، هو أوّل حبّ وآخر حبّ في حياتي، هو فارس أحلامي الذي ترجّل عن صهوة حصانه وآثر الرحيل قبل أوان الرحيل، اختار العدم والصمت الأبدي، اختار السكينة الأبدية.
ـ قال لها “حسام”: إنّي أحفظ القرآن عن ظهر قلب؛ لذلك سأشفع لكما يوم القيامة وسأدخلكما الجنة، بل أنا من زمرة العلماء الذين سيشفعون في سبعين من أهاليهم، وأزيدك من الشعر بيتًا هناك شفاعة النبي “محمد”، ولكن لمن يُكثر من الصّلاة عليه.
ـ قالت له والدته: أنا أصلّي عليه كلّ يوم جمعة آلالاف المرّات وأصوم يوم الإثنين احتفالاً بمولده.
ـ قال لها “حسام”: هنيئًا لكِ من الآن أبشّركِ بالجنّة بل بالفردوس الأعلى، أنت لا تحتاجين إلى شفاعتي، فشفاعة النبي “محمد” تكفيك، يجب أن يكون آخر كلامك وأنت تغادرين هذه الدّنيا هي كلمة لا إله إلاّ الله؛ وعندما تدخلين القبر عليك أن تجيبي على هذه الأسئلة الثلاثة وهي كالآتي: من هو ربّك ؟ من هو نبيّك ؟ ما هو دينك ؟
ـ قالت له والدته: هل هذا امتحان ؟
ـ قال لها “حسام”: نعم.. وإلاّ سينهشك الشجاع الأقرع إنّه ثعبان عظيم له زبيبتان وسيضربك الملكان منكر ونكير بمطرقة من حديد حتى تبلغي الأرض السابعة.
ـ قالت له والدته: أنا أحلم بالسكن في السماء السابعة وأحلم بالطيران مع الملائكة وأنت تبشّرني بالسكنى مع إبليس في الأرض السابعة، يا بُنيّ أوصيك بأن تحرق جثتي بعد موتي وأنثر رماد رفاتي في نهر العدم.
تمت