8 أبريل، 2024 2:11 م
Search
Close this search box.

بيني وبين نفسي

Facebook
Twitter
LinkedIn

قراءة نقدية لكتابي بيني وبين نفسي
للباحث خيرالله سعيد
عِــنـدمـا يتـحـدّث الضـمـير : قـراءة تحـتـيّـة في كـتاب ” بـيني وبيـن نفسـي ” للكاتب محـمـد الـسَـعـدي .
منشـورات الـرافدين – ط1 – بغـداد 2021 .
القسم الأول – 1 مـن 3
يستـفـزّك العـنوان ” بيني وبين نفسي” حين تسرح ذاكرة الكاتب لشجون الذكريات في سفر الأحـلام، ليحـكي قِـصّـة مناضلٍ في صفوف الحركة اليسارية العراقية، أوصلته قناعاتهِ النضالية لأن يترك سـاحـة النضال، بعـد تـراكم الأخطاء في تنظيمٍ كان ينتمي إليه طـوال عُـمره .
* فهـرست الكتـاب، تقـودك الى ( 65 خـاطرة) أو حـدثٍ مـرَّ بهـا الكـاتب، مُـسطّـرة على صفحات الكتاب البالغـة ( 397 صفحة) .
* في الإهـداء الى زوجـته ( جنان – ص9 ) يُـدخلك الكاتب الى ” حالة نرجسية شعرية حالمة” كانت دواخله تعيشهـا، بغية أن يراهـا مُجسّـدةً مع حبيب العُـمر، ولكن ” النكسات المتـواليـة” كانت تقول غير ذلك:
” إلى جِـنان … أيّـة خيبةٍ، أيَّ خُـذلان,, كنتُ وعـدتُكِ، إن نجوب معـاً أزِقّـةَ الهـويـدر، موسم القِـدّاح، موسم الشَـذى ” .
في هـذا المُـفـتَـتح، يُـريد الكاتب أن يدخلنا معه الى ذلك العـالم المُـتخيّـل في رؤاه الحـالمة ولــكن ( مات شجرُ الصبّـار، والسواقي لم تعـد تهـدر” فأدخلنا الكاتب بالتناقض المباشر، بين المُـتخيّـل والـواقع ومـآلاتـه القادمة .
* كاتبُ المقدمة، د. عبد الحسين شعبان، يُـسلّط الضوء على تجربة سابقة، كان الكاتب محمد السعدي، قـد وقع في ” فخ الإستخبارات العراقية ” عام 1978م ، بخديعةٍ أو تـواطئ، حيث أصبح لُـقـمـةً سائغـة لرجال الإستخبارات العراقية ” في الشعـبة الخـامسة ” ولمدة 87 يوماً، حيث ذاقَ أنـواع التعـذيب، بغية الإعـتراف، وقـد اقـتيدَ الى ” محكمـة الثـورة” والتي تـمَّ تـأجيل النظر في قضيته، مع 8 أشخاص من حزب الدعوة الإسلامي، وعند العـودة الى مقر الشعبة الخامسة، جرت المساومة معه ” للتعـهُّـد” بالعمل لصالح الإستخبارات العسكرية، وهـو أسلوب تَـتّـبعه المخابرات العراقية مع مَـن يلقى القبض عـليهم، لا سيما مِـمّـن كانوا يتوجّـهون الى الداخل العراقي، لإعادة بناء ” التنـظيم” ، وقـد أفلحت المخابرات العسكرية من تجـنيدهِ، هُـو وغيرهِ، لإدارة “أمـاكن حزبيّـة” مرصودة كل تحرّكاتها واتصالاتها، مُـتعقِّـبة أثرهـا، في أكبر عملية اختراق لصفوف الحزب الشيوعي العراقي، في مطلع التسعينات من القرن الماضي” وقـد شرح الكاتب محمد السعدي، هـذه العـلاقة في كتابهِ ( سـجين الشُـعبة الخـامسة). راجع مقدمة د. شعبان ص11- ص12 .
* تـدور أحداث هـذه ” المذكرات” في ” قـرية الهـويدر” وبساتنينها ومقاهيها الواقعة في محافظة ديالى – وحـواري أزقة بغـداد وجامعاتها، وبين ” العمل الأنصاري” في المنطقة الجبلية في شمال العراق ” منطقة كردستان” حيث شاهـد ولامس الكاتب كل تجربة الحزب الشيوعي عام 1978 وصولاً الى المـؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي عام 1985 م .
* وتكاد تمثّـل المرحلة من 1980 – 1983 ، وحوادثها التي رافقت انفراط : عقـد الجبهـة الوطنية” وقيام الحرب العراقية – الإيرانية، مع انتظامه في ” نـواتات الخلايا الشيوعية في داخل العـراق، ومشاركتهِ في تـأسيس ” منظمة الصدى” ، ومن ثم توجُّـهِـهِ الى المناطق الجبلية عام 1983، حيث تكون صدمتهِ الكُـبرى، وهـو يلتقي بقـياداتٍ سياسيةٍ تاريخيةٍ للحزب الشيوعي العراقي، من أمثال بهـاء الـدين نـوري، وكيفيّـة عـزلهِ، مع وقوفهِ على ” حيـثيّات ” أحـداث بشت آشان عام 1983 ” حين شَـنَّ حزب الإتحاد الوطني الكرستاني هجومهم على مقرات الحزب الشيوعي العراقي، إذ راح ضحية هذا الهجوم الغادر عشرات الرفاق والرفيقات، وتداعيات ذلك على القاعدة الحزبية في شمال العراق، أو في منظمات الخـارج. وقـد وقف الكاتب محمد السعدي على الترتيبات للمؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي، وآثـار الإنقِسامات فيه، لا سيما كلمة ” السكرتير العام للحزب عـزيز محمد، وهـو يفتتح المؤتمر بقوله ” إجتمعنا هُـنا اليوم ليُـلغي نصفنا النصف الآخر” حيث تم في هذا المؤتمر، استبعاد أغلب أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية، من القيادات العربية، حيث جرى ” فصلهم وإبعادهم بسبب وجهات نظرهم الفكرية والسياسية، لا سيما بعـد انـدلاع الحرب العراقية – الإيرانية. ثـم يكشف الكاتب ” الإختراقات الخطيرة ” التي قامت بها المخابرات العراقية داخل صفوف ” الأنصار” للحزب الشيوعي العراقي في جبال منطقة كردستان العراقية ، وقد اعترف بعضُ هـؤلاء المندسين، بعـد التحقيق معهم بفعلهم هذا . صـ 14 .
يذكر د. عبد الحسين شعبان ، في مقدمته للكتاب ص 15 بـأن الكاتب محمد السعدي امـتـــازَ بجرأةٍ وشجاعـة نادرتين ، بكتابه الأول والثاني، حين اعترف بالكثير من اخـطائه ومثالبه وعيوبه، ومنها تعاونه مع أجهزة الإستخبارات العسكرية، حين تم اعتقاله، وذلك إنقـاذاً لنفسهِ، بعـد أن لم يتمكّـن من الصمود في التعذيب الى النهاية ، حينها قرر قبول عرض الإستخبارت، بعد أن رفضه في السابق باصرار، ولكنه قـرّر تضليلها، ثم الهرب في أوّل فرصت سنحت له، وذهب الى الجبل، مرّة ثانية، وقد أخبر الحزب الشيوعي بجميع هذه التفاصيل التي جرت معه، لا سيما أخبرهم عـن ” الرفاق” الذين تـمَّ إلقاء القبض عليهم، وتعاونوا مع الأجهزة الأمنية، ويعـتقد أن قِـسماً منهم قد أخفى هذه المعلومات عن الحزب، وكان هـؤلاء في ” مواقع متقدمة” داخل صفوف الحزب. ص16 .
* هـذه الأحداث السياسية والتاريخية، والتي مـرَّ بها الكاتب، كانت تَـمُـرُّ على خاطرهِ، ويتوجّـسَ منها، وأحياناً يعيد استحضارها بين يقظةٍ وذهـول، وحالة تراجع ومراجعة وتقيّـيم حيث يقول : ” في هذه الأوراق، هُـناك ما كُـتب بدواع من توثيق حقبة مهمـة من حُـقب تاريخ الحركة الأنصارية، سبقني الكثيرون من رفاق المسيرة في تـدوينِ أحداثها، كُـلاًّ فيما يخص تجربتهِ ونظرتهِ للأحداث، كما أني وجدتُ أنه من الأمانة التاريخية أن اُكـمل سرد بعض التفاصيل التي لم يأتِ عليها أحـدٌ مِـمّـن سبقني في الكتابة عنها، لأنها تفاصيل تخُـصّـني شخصيّـاً، وباتـت جُـزءاً من كياني” ص 23 . ثم يُـضيف عبارةً مهمة ومسؤولة، يقول فيها :” أنا أُعـلن أنّـني مسؤول عن كل ما فيها، مسؤولية تاريخية وأخلاقية يفرضها عليَّ الضمير العقائدي” ص24 .
* تتـحدّث الفصول الأولى من ” المذكرات ” عن حياة ونشأة الكاتب محمّـد السعدي، وتُـظهـر انتماءه الطبقي للفلاحين من قرية الهـويدر، ص25 ، وانعكاس عادات وتقاليد الفلاحين على تربيته الإجتماعية ومواقـفهِ الأخلاقية، فيما تُـظهر بقية الفصول نشأتهِ الثقافية، وتأثُّـرهِ بالكُـتاّب الذين أثّـروا فيه، أمثال ( سيمون دي بفوار ، آرنست همنغـواي، والمفكّـر المصري المعروف ( سلامة موسى ) . وبدايات تعرُّفهِ على سلمان الفارسي، وأبي ذر الغـفاري وما تعرّض له، فيما كانت بداياته نحو الفكر الماركسي – الشيوعي . ص27 – 28 .
فيما كانت إسقاطات وتأثيرات التراث الحسيني ومظاهره الفولكلورية، في أيّـام عاشوراء، تجد لهـا مكاناً في نفسيته القلِـقـة، قبل أن يتلمَّـس معالم طريقهِ نحو الماركسية . ص31 .
* يلتفت الكـاتب الى ( الحِـس الشـعبي) من خلال نظرات الناس ومطالبتهم باتخاذ موقف مبدأي تجاه ممارسات سلطة القمع البعثية، بعـد انفراط عقـد الجبهة الوطنية، وضرورة إشهار موقف مُـمـيّز للشيوعيين بوجه البعث الفاشي، وإن الشيوعيين هُـم المناضلين من أجل الشعب وعيشهِ الكريم، لكن السؤال الذي كان يؤرّقـه من قبل الناس هـو : كـيف ستـتمكـّـنون من زعـزعـة النظام الجاثم على صدورنا ” ؟
وأزاء هذه الأسئلة المُـحيّـرة، كانت حـالة التـداعي لديه تُـثير داخله هـواجس التراجع في العمل الحزبي داخل الساحة العراقية،، فـقـد انكشفت أمام السلطة الفاشية للبعث كل تحركات الشيوعييّـن، وأصبحت خلاياهم مكشوفــة، لذلك كانت حملتهـم القمعية شـديــــدة عام 1978م . ص35 .
* كان غـياب الـرؤيـة السياسية قـد ظهرت على قيادة الحزب الشيوعي من خـلال التخبّـطات التي ظهرت بعـد ضربة الحزب، وانفـضاض عـقد الجبهة عام 1978م . ويستـنتـج الكاتب أن القـادة الشيوعيين يعلمون بجرائم البعث التي مورست ضدّهـم عام 1963م ، فسلطة البعث هي من قامت بالإطاحة بحكومة عبد الكريم قاسم، وبيـان رقم 13 للحاكم العسكري رشيـد مصلح، القاضي بإبـادة الشيوعيّين، وقـد استشهـد منهم خيرة قادتهم في أقبية التعذيب، فيما قـامت ” الجبهة الوطنية ” بمعزل عن آراء القـاعدة الحزبية، وخضعوا لإمـلاءات القيادة السوفيتية في إقـامة تلك الجبهـة، وهـذا ما كشـفـهُ الشيوعي البارز في ” القـيادة المـركـزية” إبـراهيم عـلاّوي في كـتابهِ الهـام ” المقـايضة – برلين بغـــــداد” الصادر عام 1991م . صـ 36 .
* ثم ينتقل الكاتب الى ” بـداية هجمـة البعثيين على منظمات الحزب الشيوعي العراقي، في عام 1978م ، حيث يكشف أن ” حـالة التملمُـل بـدأت تظهر داخل صفوف الحزب الشيوعي ، حينما أخذ المَـد الجماهيري الواسع بكافة القطاعات الشبابية والطلابية والنسوية، والتضيّيق عليهم من قبل البعثيين، حيث عمد حزب البعث الفاشي الى شَن هجماته الشرسة، ضد قواعد الحزب الشيوعي العراقي، الأمر الذي يكشف أن قـادة الحزب الشيوعي كان الخَـلَل في تفكيرهم قـد أفقـدهم الإدراك لمعنى ” جـدلية التحالفات الستراتيجية، ومضمونها التكتيكي” حتى أن قرارات الحزب الشيوعي كانت تـؤخذ بعيداً عـن آراء القـاعدة الحزبيـة، لا سيما المنظمات الطلابية والمهنية الأخرى . ص41- 42 . وقـد زاد الطينُ بلّـة مسألة الإشاعـات بين أوسـاط الحزب الشيوعي ، حين اتخذت سلطات البعث الحاكمة قراراتها التعسفية بحق ” كـل عسكري، إنتـمى الى غير حزب البعث ، يحكم بالإعـدام، وفق قرار مجلس قيادة الثورة رقم ( 111 ) في 7/ 6/ 1978م، حيث قُـدّر عـدد الشيوعيين الذين أُجبروا على ” التـوقيع ” على هـذا التعـهّـد ” نحو ربع مليون إنسان من الشعب العراقي، بين شيوعي ومساند للحزب الشيوعي، خـلال الأعـوام 1978 – 1980 . ص43 .
وفي معـمـعـة تلك الظروف الصعبة من حياة الشيوعيين العراقيين، بـدأت تتـوارد الأخبار بـأن الشيوعيين بـدأوا بتـأسيس ” قـواعـد للأنصار الشيوعيين” في شمال العراق، الأمر الذي فـتح المجال لإلتحاق الكثير من الشيوعيّين بتلك القـواعـد النضالية، لـتبـدأ مرحلة جـديدة من النضال السياسي . ص 44 .
* في ظلِّ تلك الضروف الصعبة للحياة السياسية في العراق، في ذلك الوقت من عام 1978 وما بعدها، يُشير الكاتب محمد السعدي إلى مسألةٍ مهـمّـة، ألا وهي : غـياب قيادة الحزب الشيوعي العراقي، من الساحة العراقية، ومـن بقي منهـم تـمَّ إلقاء القبض عليه، أمثال الشهيد ” صفاء الحافظ، وصباح الـدُرّة” حيث اعـتقلا وغُـيِّـبا في عام 1980، ولم يعرف خبرهما حتى اللّـحظة . / ص45 . الأمر الذي دفع بعض الرفاق في ” القـاعـدة” من تشكيل ” خـلايا سِـريّـة” للحزب، خـارج إطار التنظيم المركزي، حيث كان هـؤلاء الرفاق على استعـداد للإلتحاق برفاقهم في الجبل بتوصية من هـذه الخلايا السريّـة / ص46 – 47 / رغم أن سلطات البعث كانت تأخذ الناس على الشُـبُهـات، بغية زرع الخـوف في قلوب الناس، وقـد أعلن حزب البعث الحاكم في 1/ك2/ 1986م ساعة الصفر للقضاء على تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي، حيث بدأت أجهزة الأمن العراقية بالهجوم على أوكار ومقرات الحزب الشيوعي في كافة أنحـاء العراق، وفق معلوماتٍ دقيقة قـد اعترف بها ” المنهارون” من أعضاء الحزب الشيوعي / ص48/ .
* إستطاع بعض الكـوادر الحزبية، بعـد فترة قياسية، من العمل التنظيمي بأن يصبحوا ” أعضاء ارتباط” من ضمنهم الكاتب محمد السعدي،، حيث اصبح عضو ارتباط بين كركوك وبغـداد، لتسهيل عمليات الإلتحاق بأنصار الحزب الشيوعي في المنطقة الجبلية .
* حـين ألقت الحرب العـراقية – الإيرانية أوزارهـا عام 1988م، بـدأت تلوحُ في الأُفق جولاتٌ مكوكية للوزير الشيوعي الوحيد الذي بقي في الحكومة ” مُـكرم الطـلباني” بغية غـلق صفحة البعث السابقة، وإعـادة الحِـوار بين الشيوعيّين والبعثيّـين، وكـأن ما قـد حـدث للشيوعيين ” شـربة مـاء” مرّت مـرور الكرام . / ص50- 52 .
* ثـمّـة نقطـةٍ هـامة يتوقّف عـندها الكاتب، ألا وهي : التسفير الى إيـران، كـإجراءٍ شوفيني نـازي، قامت بـهِ سلطة البعث الديكتاتورية، تحت ذريعة ” التـبعـيّـة الإيـرانية” فيوصّـف تـداعيات هذه الحالة وما حدث لصدام حسين، بعـد مسرحية ” قتل رفاقه البعثيّـين في قاعة الخلد” عام 1979م، حيث بعـدها، تـوجّـه نظامه الفاشي في صيف عام 1980 ، وبـدأت قطعانه المسعورة باقتحام ” قـرية الهـويدر” الغافية على ضفاف نهر ديالى، وكلّـهم مُـدجّـجين بالسلاح، واقتحموا بيوت القرية، وحشروا الناس في عربات مكشوفة وإرسالهم الى مصيرٍ مجهـول، بعـد أن إنتزعوا منهم عِـنوةً منازلهم بقوة السلاح / ص63 .
وتوصيف للحـالة السلبية والموقف العاجز، جَـرّاء هـذا الأجراء العنصري، يتـأمّـل الكاتب، المشهـد الدرامي الذي حَـلَّ بقريته الصغيرة، ووقوف الشيوعيين وغيرهم موقف المتفرّج على هـؤلاء الناس المحشورين بالسيارات المكشوفة، وهُـم يلوِّحون لهم بالأيـدي، وتـمتـماتٍ مخنوقة بالدمعِ والعبرات، وهـم يرصدون هذا المشهـد بصمت، والناس جالسة على أعتاب المنازل وتخوت المقاهي وعواميد الدكاكين الموجودة في القرية . / ص63 . ويعلّق الكاتب على ذلك المشهد بالقول :لم ألمُـس موقفاً شُـجاعـاً أو إنسانيّـاً من أيِّ بعـثي في القرية، للتضامن مع أبناء جلدتهم” . رغم أن التهجير كان عـنوةً لكلِّ ذكرٍ دون سِـن 18 سنة مع أهـلهِ، في حملةٍ هستيريّـة بلا أيِّ رادع إنساني ولا شرفٍ وطني، حيث تم رمي هـؤلاء الناس على الحدود الإيرانية، وقـد وجد هـؤلاء المهجّـرين أنفسهم، بين ليلة وضُـحاهـا أمام مسؤولية كبيرة في البحث عن سُـبل العيش، ومُـعاناةٍ جديدة، ومسؤولياتٍ تفوق أعمارهم وقُـدراتهم على التكـيّـف مع حياةٍ جديدة بعيدة عن نشأتهم الأولى . / ص65 .
* وفي حـالةً واعـية لمراقبة ” الحـالة السياسية في العراق” في زمن صدام حسين، يـؤشّـر الكاتب الى ” قبضة النظام الفاشي البعثي وأجهزته القمعية، والتي كانت مفروضةً على مقدرات البلد، ومفروضة بقوة النار والحديد، وطاغية على أفكار الناس وتصرّفاتهم، فهـاجس الخوف هـو الغالب في منظومة العلاقات الإجتماعية وتـداعياتها، الأمر الذي يفرض تَـردُداً وخوفاً على ممارسات الناس للعمل السياسي المعارض، فيما كانت شعارات البعث الشوفينية كان يرددها قـرود الإعـلام والمطبلين لـه، فيما كانت لغـة الشارع العراقي مُـتهـكِمـةً على هذه الشعارات الجوفاء/ ص70 . رغم أن البعث فرض عسكرة الحياة كاملة، ومع ذلك كان الكاتب محمد السعدي، يلمس أثناء جلوسهِ بين الناس، وحـالة من الإستقراء الخفايا في الوضع السياسي وتـداعياته اليومية، كان يلمس أوجاع الناس وويلات الحروب المكبوتة في نفوس الناس، ناهيك عـن طوابير الجثامين القادمة من جبهـات الحروب، والملفوفة بالعلم العراقي، وسط استهجان عام من الناس، وكان هاجس العراقيين مُنـصبّـاً على ” ضابط شـريف” يذيع البيان الأول، للإعـلان عن سقوط النظام الديكتاتوري في العراق، فيما كانت القِـوى الكردية في شمال العراق، كانت تُـؤمّـل على ” الهـجوم الإيراني” لإسقاط النظام، فيما كان البعـثيّـون يتخوّفون ويتوجّـسون من انفجـار الوضع في الداخل، وهـذا واضح للمراقب السياسي. / ص72 .
* وضمن هذا المشهـد التحليلي السياسي للكاتب، لم يذكر موقف الحزب الشيوعي العراقي من هذه الأوضاع المتفاقمة في ظلِّ هـواجس البعثيّين وخوفهم من الإنفجار الداخلي، ولذلك يشير الكاتب/ ص73 بالقول: لم يكن العمل السياسي السرّي سهلاً في خضم هذه الأوضاع، وأمام تساؤلات الناس المُـلحّـة والمحرجة حول أوضاعنا، ومواقفنا وخُـططنا المستقبلية، لذلك كان من الصعوبة بمكان تحُـثِّ هـؤلاء الناس والحديث معهم حول العمل السياسي المعارض، ونتائجه الوخيمة بالنسبة لهـم، حيث يكون الموت المحتّـم إن حصل شئٌ خارج الحسابات / ص73 . وكان سؤال الناس لأعضاء الحزب الشيوعي العراقي : هـل لكم القـدرة والإمكانية على إسقاط البعث ؟ وهـذا السؤال كان يبرز دور العـامل الداخلي في نفوس الناس، والمتردّد دائماً، والمقتنع بشكلٍ أو بآخر، بعـد إمكانية الحزب الشيوعي على إحـداث أيّ شئ، بمعنى آخر، إن ثقة الناس بالحزب الشيوعي باتت منعدمة، لذلك يظهر هذا التردّد والخوف، ولذلك كان قلق الكاتب كبيراً، حتى نقل تصوراته وأسئلة الناس الحيرى الى قـيادة الحزب الشيوعي في المنطقة الجبلية عام 1986م وجعـبتهِ ملئ بإستقراءات الوضع السياسي وأمزجة الناس، وتقلباتهم وخوفهم، حتى أنه يشير الى أنه ” أصبح أكثر إيماناً بقدرة الشعب على التغييّـر، لكن فراغ الشارع العراقي من قـوّةٍ سياسية فعلية ، قادرة على استيعاب تطلعات الناس بخطاب وطني يُـدغـدغ مشاعرهم، كان يحول دون ذلك ” . ص73 . فالشارع يبحث عـن ” نموذج لقيادة يحتذى بِـهِا، في التغييّـر، لذلك كان وجود الكادر الحزبي المتمرّس في الشارع العراقي، وبشكلٍ يومي وفعّـال، هـو الضرورة التي يجب توفّـرها في النضال السياسي والميداني، بغية إعـادة ثـقتة الناس بالحزب، وكسرِ حاجز الخوف الطاغي على تفكير ونفسية المواطن العراقي البائس.
* ونتيجة هـذا الفراغ السياسي للحزب الشيوعي العراقي بين أوساط الناس، كان للإسـلامييّن الدور الواضح في ملئِ هذا الفراغ، وبمواجهةٍ عـلنية مع البعثيّين، الأمر الذي زاد من حظوظهم وتعلّق الجماهيرِ بهـم، حتى أن الكاتب محمد السعدي يشير صراحة بالقول: ” لم يبقَ لنا أيَّ تنظيم شيوعي داخل قرية الهـويدر، فالعديد من رفاقنا اعـتكف وعـزل نفسهِ، خـوفاً وتوجسـاً من تسارع الأحداث وتـداعياتها، لا سيما بعـد أن تصدّر صدام حسين المشهد السياسي، وأصبح رأس الدولة في تموز 1979م ./ ص74 .
* حـين تـواردت أخبار وجـود ” حركات الأنصار للحزب الشيوعي العراقي” في المنطقة الجبلية، إستشعر الناسُ خيراً، الأمر الذي يعكس رغبة الجماهير في مساندة العمل الثوري، حتى أصبح الإستعداد النفسي عند الناس الثوريين، بدرجة كافية، للإلتحاق الجماعي من بعض الشيوعيّين القُـدماء، ومسانديهم الى مواقع الثـوّار، بعـد أن ذاع صيت ” التجربة العسكرية للأنصار الشوعيين” ، وشاعت بين أوساط الشيوعيين أنفسهم ، وخصوصاً ” مقطوعي الصِـلة” بحزبهم، لا سيما في أوائل الثمانينات، حين بـدأت تنتشر أخبار الأنصار بكثافة، عـن حجم وقوة الثـوّار في المنطقة الجبلية . / ص79 .
ورغم تلك الإنـدفاعات الجماهيرية، وتوجّـه البعض منهم الى المنطقة الجبلية، إلاّ أن سلطات البعث كانت ترصد تحركـاتهم، وقامت بنصب الفِـخـاخ، وأوقعت أول دفعة من هـؤلاء المناصرين بيـد الأمن العام، حين انطلقت سيارة النقل العمومي، التي كانت تقُـلّـهم من قضاء الخالص في ديالى باتجاه مدينة كركوك، حيث تبعتهم سيارتين للأمن الخاص وأوقفتهـم، بعـد عِـدّة كيلو مترات، وصعـد رجال الأمن الى داخل السيارة، ونـادوهم بالأسماء، وجرى إنـزالهم على مرآى ومسمع من الركاب، وتـم اعتقالهم جميعـاً / ص80 .
هـذا الأمر يوضّـح مدى الإختراق الأمني للتنظيم، وعـدم اليقظة والحذر، في أوّل تجربة تنظيمية سِـريّـة، قُـبرت في مهـدهـا .
* بشير الكاتب محمد السعدي، إلى أن هـذه الإختراقات الأمنية للتنظيم، كان مصدرها الأرأس” وُكــلاء الأمـن” الذين كانوا بأعـــدادٍ كبيرة من الشيوعيين الذين وقّـعـــوا على ” تعـهـدات المادة 200 ” من قانون العقوبات البغـدادي، حيث أن هـؤلاء ” الوكلاء” كانوا يبلّـغون سِـرّاً أجهزة الأمـن عـن أيِّ نشاطٍ حزبي، محاولة منهم- كما يقول الكاتب- للنخلّص من عُـقـدة الإتهـام والشُـبهةِ والمُـلاحقة المرهقـة، وقـد وقعت بالفعل حالات كثيرة مُـماثِـلة، قِـسمٌ منها أدّى الى استشهـاد نخـبة من الرفاق الشيوعيين / ص83 .
* مُـنظمـة الـصدى وتـداعيـاتهـا :
سَـلّط الكاتب محمد السعدي الضوءَ على ” هـذه المنظمة الحزبية ” والتي قام بتـأسيهـا النصير الشيوعي ” آشتي الشيخ عطـا الطـالباني” مع محمد دانـا جلال المغنّـي والشهيد صارم حسن الزهـاوي” الذي اعتقل عام 1981، حيث تـمَّ تأسيس هـذه المنظمة الحزبيّـة السِـريّـة في عأم 1978 – 1979م في بغـداد، بين الأوساط الطلابيّـة في بغـداد، في الجامعـة المستنصرية والجامعة التكنلوجية، وكذلك في كركوك وقضاء كُـفري والسبيمانية، وأربيل والبصرة، وبعض المناطق الأخرى، وكان تشكيل هـذه المنظمة من ” خـارج نطاق الحزب وبـدون معرفتـهِ” حتّـى تـم الإتصال بالحزب الشيوعي عام 1980م ، عـن طريق مـام صالح . / ص86 . وكان من بين أعضاء هـذه المنظمة ، الشهيد صارم، من جامعة البصرة، حيث كان هـذا الطالب، قـد هـرب من البصرة والتقى في بغـداد بالأعـضاء المؤسِّـسين للصـدى، ثُـم كلّـفته هذه المنظمة الى الإنتقال الى العمل في الفرات الأوسط والجنوب، وذلك لـتوسيع القـاعـدة الحزبية، إلاّ أنـهُ اعـتقـل في عام 1981م، ورغـم قساوة التعـذيب معـه، لم يعترف بأيِّ شئ، فـأعـدم بعـدهـا، وقـد كان هـذا الفـتى قـائداً ميدانيّـاً صارمـاً ومـبدئيّـاً، وشجاعاً بمعنى الكلمة . / ص86 .
* كـان بـداية نشاط هـذه المنظمة عام 1979م، عنـدما قامت بكتابة واستنساخ ” أوّل بيـان بإسم الحزب الشيوعي العراقي” دون عِـلم قـيادة الحزب، نظراً لعـدم وجـود صلـة اتصال بالحزب، حيث قام أعضاء هـذه المنظمة باستنساخ، بـخط الـيـد ” 500 نسخة” وتـمَّ توزيعـها في بغـداد، داخل الجامعة المستنصرية، والجامعة التكنلوجية، وبعض من إعـداديّـات مدينة الـثورة وشارع فلسطين، وفي أكثر من 12 بـاص للنقل العام. ويقول الكاتب محمد السعدي: بـأنـه عرض مضمون هـذه البيانات على السيد ” د. مكـرّم الطـالباني” واستحسن مضمونها، ومن ثُـمَّ تـم استنساخ 60 نسخة وتم توزيعها في كركوك، و 250 نسخة في البصرة، و50 نسخة في الحِـلّـة ./ ص87 .
* مـا يُـلفِـت النظر، وفـق استعراض ما قَـدّمـه الكاتب لنشاط هـذه المنظمة، أن الـكادر السياسي والتنظيمي الطـلاّبي، كـان أكثر وعـياً من قـيادات الحزب في اللجنة المركزية، والتي تركت الساحة العراقية وتوجّـهت الى الخـارج، بـدليل أن هـؤلاء الثـلاث، الذين أسّـسوا هـذه المنظمة ( الصدى) استطاعوا أن يعيدوا الى الناس صَـدى الحزب الشيوعي العراقي، وثـوريّـة أعضاءه، حتى وإن كـانوا خـارج سياق الحزب، ولكن تجربتهم التنظيمية، وشعورهم الوطني دفعهم الى ذلك النشاط، وهـو المر الذي نستنـتِجُ مـنه ، أن القـيادات الشبّـة تستطيع أن تخـلق تنظيماً لوحـدها باقـتدارٍ ملحوظ، وهـذا الأمر يُـعيد الى الأذهـان ” المنظمات الطتلابية في العراق ” الإتحـاد العـام لطلبة الجمهـورية العراقية” والذي رفضت أغلبية قـياداته – وأنـا واحـدٌ منهـم- قـرارات الحزب في تجميد هـذه المنظمات المهـنية، ونـلاحظ هُـنا أن ” منظمة الصدى” قام بتـأسيسهـا طلبة كُـليّـات، واستطاعوا أن يثبـتوا جدارتهم السياسية في العمل داخل أرض العراق، وبزمن البطش البعثي، وهـذا الأمر يعيد الى الأذهـان بأنّ القـيادات الشابة هي أصلح للقيادة والمجابهـة، واتخـاذ القـرار في لحظتهِ التاريخية، حـتى أن المؤلف يشير إلى هـذه المنظـمة بـدأت تـأخــذ الــقرارات لإيــــجــاد ” هـيكلية تنظيمية” للإشراف على تنظيمات الحزب في الجنوب وفي الفرات الأوسط، والإشراف على تـنظيم المنطقة الشمالية، حتى أنّـهم / خلال ثلاثة أشهـر/ إستطاعـوا أن يوسِّـعـوا التنظيم، وأوجـدوا ركـائز لته، ووزّعـوا التنظيم على أساس عـملي وفـقَ المحـدّدات التالية:
آ -العـناصر المعـتمدة جـداً . وعـددهـم يتراوح بين 25 – 30 عضو .
ب- العـناصر غـير الفـعّـالة. ويكونوا ” محطّـات عـند الحاجة” .
ج- شكّـلوا ” جهـازاً إعــلاميّـاً” يقوم بكتابة ” الشعارات على الجـدران” وغيرها من الأماكن .
د- القيام بحملة ” جمع التبرعـات المـالية” . راجع تفصيلات ذلك على ص87- 89 .
* حـين تأسّست هـذه المنظمة ” منظمة الصدى” كانت تضُـمُّ عـدداً بسيطاً من الرفاق، موزعين على أغلب مناطق العراق، وكان المركز الرئيسي لهـذه المنظمة هـو ” مـدينة كركوك” وكانت فعالياتها السياسية والتنظيمية بين أوساط طلبة الكليّـات والثانويّـات، وقـ امتدَّ التنظيم وتوسّـع، وشمل قطاعات واسعة من الشعب العراقي، نتيجة الفراغ السياسي لأي حزب، ثـم أن أعضاء هـذه المنظمة، مَـدَّ أواصر صلاتهِ الى تنظيماتٍ كانت تفتقـر الى التواصل بينهـا، عِـبر خيوطٍ حزبيـة، وبلقاءات فردية، كما استطاعت هذه المنظمة من أن تَـمُـدَّ ” خيطاً تنظيمياً ” الى كثير من القيادات الحزبية المقطوعـة، وتـم التواصل معها، لا سيما الكوادر الطلابية، وقـد أخـذ صداهـا يصل الى أبعـد نقطة في مُـدن العراق، حيث كانت العـزائم والمعنويات مرتفعة جـداً، رغم شراسة البعثيّـن وعيونهم الأمنية، وقـد بـدأت “منظمة الصدى” بتوزيع جـريدة ” طريق الشعب” وأدبيات الحزب الشيوعي، ونشاطات الأنصار في المناطق الجبلية، ونشر تقـارير اللجنة المركزية. / ص90 .
* ومنظمة حزبية مثل ” الصدى” لو كان الحزب الشيوعي بلجنته المركزية اصدر بيـاناً تضامنيّـاً، وموجّـهـاً للـداخل العراقي، يحضُّ فيه قوى الشعب العراقي للإلتحاق بها، لكانت وصلت إلى مديات أبعـد وأعمق وأكثر تـأثيراً، لكن قيادة الحزب الشائخة، كانت تنظر بعـين الريبة الى عمل هذه المنظمة، وتخشى على مواقعها القيادية من الضياع، لذلك لم تُـصدر مثل هذا البيان.
* * *
* شكّـلت مسألة رفـد ” حركات الأنصار” في شمال العراق، هـاجسـاً عـند أعضاء ” منظمة الصدى” فتوجّـه بعض أعضاءها الى مفاتحة الشيوعيّـين السابقين، والناس الآخرين الذين سـيقوا الى جبهات الحرب عِـنوةً، وتـم مفاتحة هـؤلاء الناس، بشكل فردي، وبعـد تـردّد وانتظار ، تـمَّ موافقة البعض، والتحقوا بقوات الأنصار. / ص99- 101 . إلاّ أن منظمات الحزب الشيوعي كانت مـُـتردِّدة بقبولهم في قوات الأنصار، ممّـا شكّـل صدمة عنيفة لهـؤلاء الملتحقين، ولذلك سلّـموا أنفسهم إلى قوات الحدود الإيرانية . / ص102 .
* يوضّـح الكاتب محمد السعدي هـذه الإشكالية على النحو التالي : ” عندما عرفت قيادة القاطع بالأمر، أرسلت لي برقية لإبـلاغي رسميّـاً وحزبيّـاً، بعـدم استقبالهم، والمنع البات في السماح لهم بالبقاء في المقر، ولـو لِـلحظات، وكان موقفاً غريباً، لا يمت بصلة لروح الرفقة، ومجرّد من أي موقف إنساني وأخـلاقي، لكني تعاملت معهم بأصلي، وإعتبارات إنسانية ونضالية، وحتى مناطقية، وبـلا تـردّد، قمت بما يمليه عليَّ ضميري الشيوعي ، ولم أمتثل لأوامر القيادة، واستقبلتهما بكل اهـتمام، حيث قضيا ليلة كاملة معنا، وودعتهما في الصباح، حيث انطلقوا صوب الأراضي الإيرانية، طـالبين اللّـجوء مرة أخرى، وبأسماء مغايرة وسيناريو جديد / ص103 * لم تكن مسألة الصعود إلى الجبل للإلتحاق بقوات الأنصار الشيوعية مُجرّد حُـلُمٍ ثوري، كان يصبُ إليه بعض الثـوريّين من الحزب الشيوعي، أو من جماهيرهِ، بـل هـو تجربة جـديدة وقاسية تتخلَّـلهـا نزعاتٌ نفسية ووعيٍ متـفاوت، وخِـسّـة في في بعض المواقف، لم يكن لأحّـد أن يتصوّرهـا، نـاهيك عـن بروز ” بعض التـكتلات” والإنحرافات الفكرية، وبروز العنصرية والشوفيتية المُـتعـدِّدة الوجوه والأشكال، حتى وصلت في بعض ظواهرها الى ” تصدعات وانشقاقات داخلية للحزب” ففي صيف عـام 1984م ،أُرسل د. كاظم حبيب للإشراف على قاطع السليمانية وكركوك، كمندوب عن قيادة الحزب، للنظر في التصدعات الداخلية التي أصابت هـيكلية عمل “قاطع السليمانية” عسكرياً وسياسيّـاً وتنظيميّـاً، على ضوءِ تـداعيات ” أحداث مجزرة بشت آشان” وما نتج عنها من تكتلات واستياء وتـذمّـر، وعصيان في بعض السرايا والأفـواج، واتّـفاقية ” قـرية ديوانه” بين المسؤول الأول في القاطع ” بهـاء الـدين نـوري” ومسؤول تنظيمات الإتحـاد الوطني الكردستاني ” مُـلا بختيار” والتي كانت تنص على ” عـدم الإقتتال بين الأخـوة، ووجوب اللّـجوء الى المفاوضات والسِـلم والهُـدنة، وقـد لاقت تلك ” الإتفـاقية” الرفض والإستهجان من القاعدة الحزبية في قاطع السليمانية وكركوك، وأدّت الى انسحابات من مواقع الثـوّار باتجاه إيران، لا سيما بعد أحداث بشت آشان، “وصدور بيان تساومي ” رفض حزبيّـاً، بعـد أسر الرفيق كريم أحمد وأحمد باني خيلاني، وقـد أُذيع البيان من ” إذاعة الإتحاد الوطني الكردستاني” وكان وقعهُ مُـدويّـاً بين الرفاق، خصوصاً بعـد “قـتل الأسرى من الرفاق العرب” إضافة الى الشُهـداء الذين اغـتيلوا غـدراً، وقـد شَـنَّ د. كاظم حبيب في أحاديثهِ ونـدواته، هُـجوماً شديداً ضد ” بهـاء الدين نـوري” ومتناولاً تطورات الوضع السياسي، والحرب العراقية – الإيرانية، ومحاولاً مغـازلة قاعـدة الحزب الرافضة والمعترضة والمحـتجبة، بسبب هـزيمة بشت آشان، وعـدم مُـساءلة القيادة، كما يقول المؤلف . / ص111 .
* يتوقّـف الكاتب محمد السعدي مع هـذه الأحداث الحاصلة في مواقع الأنصار الشيوعيّين بصورة دقيقة، بغية تحليلها ووضعها في مكانها الصحيح، لا سيما بعـد أن ترك الحزب الشيوعي العراقي مواقعه الداخلية والتجاءه إلى الخارج، ودفع بعض أنصاره الى المناطق الجبلية، حيث تعرّض الكثير من الرفاق إلى ” عـقوباتٍ قاسية” بل إلى العـزل والتهميش، بسـبب اعتراضهم على قـرار ” عسكرة الحزب” وإرسال الرفيقات والرفاق إلى كردستان، مع أن بعض الرفيقات كُـنَّ حـوامل، أو رفيق مريض، موهمين إيّـاهم بأنهـم سوف يطلقون آخر رصاصة على نعش النظام الآيـل للسقوط، ليصطدموا عند وصولهم الجبل بالواقع المـرير، فـتهـز قناعاتهم، ويصبح الأمر عبئاً عليهم، وتتـحمّـل القيادة – كما يؤكّـد الكاتب- مسؤولية ما تعرّض له المئات من الرفاق الذين اضطرّوا إلى ترك الحزب أو فصلوا منه، أو حتى بعضهم مِـمّن عادوا إلى الداخل، ولا قوا مالاقـوه، بينما القيادة في مكانها، تتـمتّـع بالإمتيازات، وتتصارع فيما بينها على المواقع، كمـا حصل في المؤتمـر الرابع للحزب . / ص113 .
* لعـبت كارثة بشت آشان عام 1983م دوراً سلبيّـاً جداً في مسار الحزب الشيوعي العراقي ، حيث تـرك الحـزب رفاقٌ بشكل جماعي، وتركوا مواقع النضال، حيث تـوجّـه قسمٌ منهم الى دول الجوار، فيما توجّـه آخرون الى دول أوربا وغيرها من البلدان،، وزادت وتيرة الصراع بين قيادات الحزب، كان أول ضحاياهـا ” بهاء الدين نـوري” حيث عُـزل عن مهامه ومسؤوليّـاته الحزبية والعسكرية، الأمر الذي حـدا بـهِ للتلويح بالإعـلان عـن ” نشر وثيقـة التقـيّـيم حول سياسة الحزب الشيوعي، في فترة ” الجبهة الوطنية” مع حزب البعث، واختلاف المواقف بـدأً من العام 1968 – 1979م ، لا سيما وأن قيادة الحزب الشيوعي كانت تُحـذّر من مغبّـة ذلك، نظراً لتـأثيراتها السلبية وتـداعياتها على سير التجربـة ومعنويات الرفاق، وكشف المخفي، حيث كان القـرار الحزبي للقيادة ” يطالب تأجيلها الى المؤتمر الرابع وطرحها للنقاش والتصويت ” / ص114 .الأمر الذي رفضه بهاء الدين نوري، وأعـلن عن تشكيل ” تكتـّل جديد حمل إسم ” القـاعـدة” وقد قام بإصدار ” نشرات داخلية” هـدفها فضح سياسة الحزب الداخلية فيما يخص التحالف مع البعث، وعشية التوقيع على ميثاق الجبهة الوطنية” وقـام يتوزيعها على ” القِـوى السياسية الكردية” في قاطع السليمانية وأربيل، ووصل بعضها الى ” النظام” عـن طريق عُـملائه ( مُـلا عـلي) مسؤول التنظيم العسكري وسـرية حلبجـة بقيادة توفيق الحاج وإخوانه وأبناء عشيرته وشخصيات أخرى) وأخذ هـذا الصراع مديات خطيرة في التشهير والتلويح بالتصادم العسكري، واستقدام ” قوة عسكرية” الى مناطق شهرزور، وبالتعاون مع قوات الإتحاد الوطني الكردستاني “جماعـة جلال الطلباني” المتحالفة مع قـوات حكومة البعث ، والتي كانت تجري مباحثاتها مع قيادة ” أوك” مـنذ عام ، أي قبل وقوع أحداث بشت آشان، الأمر الذي يفضح شكل التـآمر الكردي على الحزب الشيوعي العراقي . / راجع تفصيلات ذلك على ص115 وما بعدها .
* تكشف هذه التـداعيات المتلاحقة مـدى تخلخل الوعي السياسي بين القيادات الحزبية، حالما تتعرّض مواقعها الى الإهـتزاز، بحيث تصبح ” المبادئ الأخلاقية” مبادئ عشائرية، وتصبح هي المقياس في التعامل الكردي – العربي، وتصبح سِـني النضال السياسي مكشوفة للعيان، ويُـبان الخـرمُ فيها في أول تجربة تخص اختبار المبادئ الوطنية.
وقـد وصل الإنحـطاط الشوفيني، عـند القـيادات الكردية بالتواصل مع حكومة البعث بشكلٍ عـلني وواضح للعيان، وقـد امـتـدَّ هـذا الكره الشوفيني ليصل حَـد ” إعـدام كوكبة من الشيوعيين العرب” الذين وقعـوا أسرى بيـد قـوات الإتحاد الوطني الكردستاني، عقيب أحداث مجزرة بشت آشان، لاسيما بعـد ” البيان السياسي” الذي وقّـعـه الرفيق كريم أحمد وأحمد باني خـيلاني وقـادر رشيد” حيث ان هذا البيان سـاهـم في شق وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية، حتى أن القاعدة الحزبية مازالت تستهجن باستغراب وغضب من هذا البيان أولاً، وتستهجن القاعدة الحزبية كذلك تنصيب أحمد باني خيلاني، كـمسؤول أول لقاطع السليمانية وكركوك، خلفاً لبهاء الدين نـوري، وهـو من وقّـع على ” البيان” الأمر الذي أدّى إلى التمرّد والعصيان الحزبي، والتلويح بالإنتقام، ممّـا أدّى الى تـدخل وسطاء لإلغـاء هـذا القـرار . / ص116 .
* يشير الكاتب محمد السعدي الى أن ” توجيهات حزبية، وتـحذيرات من الإقتراب ” نحو جماعة بهاء الدين نـوري” مصحوبة بجملة تشويهات طالتهم، حتى وصلت هذه التشويهات الى منحىً خطير، حيث إتّـهمت هذه المجموعة ” بالتعاون مع أجهزة سلطة البعث”. وكانت سيـاسة التشهير هذه بحق بهاء الدين نـوري وصلت حَـدّاً لا يقبله الضمير ولا التاريخ النضالي لهــذا الرجل. /ص117 .
* إن المتابع لتطور الأحداث في شمال العراق، وفق ما يعرضه الكاتب محمد السعدي، يشاهـد أو يتلمّـس بأن ” الساحة الكردستانية” مُخترقة من أكثر من جهـة، داخلية وخارجية، الأمر الذي يضع ( جهـاز أمـن الحزب) أمام عِـدّة أسئلة مصيرية وتنظيمية حول / الكيفية والآليـة/ التي تـم بهـا إختراق ساحات الحزب النضالية، وكيف وصل ” عملاء النظام الفاشي” الى هـذه ” الفجوات” واختراق التنظيم في أكثر من نقـطـة !؟.
يقول الكاتب: في يومٍ من الأيام وصلتنا بعض الأخبار والتي تُـفيد بأن ” مُـلاّ دانــا” وكيل أمـن رسمي، مرتبط برفاق داخل تنظيماتنا، وعلى مستوىً عـال من التنسيق، وبـدأنا بحملة مراقبة وتـدقيق وحـذر، حيث اكتشفنا / بوقتٍ متـأخّر/ أن عـدداً من الرفاق على اتصال بأجهزة البعث ، عِـبر مُـلاّ دانـا، وبعـد أن شعر هـذا المُـلاّ بالخطر، تمكّـن من الإفـلات من قبضتنا والهروب إلى ” مدينة حلبجـة” والإحتماء بأجهزة السلطة، وهُـناك من رجّـح في حينها، أن يكون ” بعض رفاقنا” مسؤولين عـن هـروبهِ، وإثـر هـروبهِ، تـم اعتقال مجموعة من الرفاق داخل التنظيم، فيما تمكّـن البعض الآخر من الهروب باتجـاه المُـدن التي هي تحت سيطرة الدولة!
ويؤكّـد الكاتب أيضا : كان أغلب المتهمين هُـم الرفاق الأكراد، وفي محاولة يائسة من البعض، زُجَّ بالنصير العربي ” أبـو أنـور” ولكن سرعـــان ما كُـشف عن دوافعــها الشوفيـنية”./ ص119 .
* مُفـجعٌ هـذا النص، وأكثر وجعاً مـنه هـو مشاهـدة الكاتب بـأُمِّ عينيه بأن ” الدكتور سـالار” وهـو خريج كلية الإقتصاد، من الأكاديمية البلغارية، ومِـمّن تخرّج من مدارسها الحزبية، يقود بعض السُـجناء باتجـاه القرية” قـرية أحمد آوه” ويُهـرّبهـم من معـتقلات الحزب، عِـلماً أن غُـرفة سجنهم تقع وسـط المقر، وبجانب المطبخ، فإذا أهمل الحرّاس المراقبة، فعيون الرفاق مفتوحةً” ص119 . فكيف تـمَّ تهريب هـؤلاء ؟ . والمُحزن المبكي في هـذا العرض للحقائق، عـندما يكشف الكاتب/ وكان وقتهـا/ ضمن قوات الأنصار، هذا الأمر، يكشف ذلك لأحد القيادات الحزبية ( د. محمد هـادي – أبو عـادل) وطرح تلك المعلومات في الإجتماع مع مسؤول قاطع السليمانية وكركوك باني خيـلاني، حـول تهريب أؤلئك السُـجناء ” العُـملاء” . وقد طلب المسؤول باني خيلاني، من الرفاق المجتمعين عـن ” مصدر هذه المعلومات” فأشار أبو عـادل إلى أن ” الرفيق لطيف – الكاتب محمد السعدي – هـو صاحب هـذه المعلومات، قال الكاتب : فغضبوا مني، وتـمَّ نقلي، بعـد أن عُـقـبت، ومقاطـعة حزبية واجتماعية، ونُـقلت على أثـــرهـا الى منطـــــقة ( هـزار روست) المقر العام للتنظيم المدني، حيث كان في هـذا المقر ( بعض الرفاق المغضوب عليهم من الحزب ) نتيجة مواقفهم المبدئية تجاه ما يجري من خروقات ، ومن هـؤلاء : الشهيد أبو سالار،من السماوة، وأبو أحمد وأبو سرمد/ من الديوانية- ناحية الدغّـارة، والشهيد بختيار عـرب من بغـداد – مدينة الشعب، والشهيد يوسف من الكوت، ورفاق آخرون، مـازالوا على قــيد الحـياة ” ص120 .
إن الـبوح ، في هـذا النص، يظهـر أن هُـناك ( طمطمـة حـزبيـة) لإحـكام وغـلق الحقيقة، ومحاربة الشرفاء من الرفاق داخل صفوف الحزب، ونحـنُ نتسائـل : عـن السبب في محاربة الرفاق ، أصحاب الفكر والرأي ، داخل منظمات الحزب في كردستان وفي غيرهـاّ؟ مَـن المسؤول عـن إخفـاء هـذه الحقائق؟ ولمصلحة مَـن يجري هـذا الفِـعِـل َ؟ .
* * *

عِـندما يتحـدّث الضمير : القسم 2 د. خيرالله سـعـيد
* * *
* حــالة الحِـزب الشيوعي العـراقي، عَـشيّـة انعـقـاد المـؤتـمر الرابع :
لقـد خلقت حـالة ” الإخـتراق الأمني للحزب” من قبل أجهزة الأمـن البعثية، أمراً خطيراً، جعلت الحزب أن يتـّخـذ إجراءاتٍ دقيقة وتكتيكية، بغية التـمويـه على ” عـقـد المؤتمر الرابع للحزب” فـقـد انعقد المـؤتمر في ” خـيـمـةٍ” نُصبت في منطقة آرموش السفلى، من ناحية لـولان عام 1985م. وقـد أصدر الحزب بيـانـاً تمويهـيّـاً، بُـثَّ من إذاعـة الشعب في المنطقة الجبلية، يُـعـلن فيه ” تـأجيل عـقـد المؤتـمر” خوفاً من مُـداهمات السلطة، أو استهـداف مكان المؤتمر ومـندوبيه، ومع ذلك تـمَّ استهـداف المكان بإطـلاقاتٍ وقـذائف من الربايا الحكومية، وسقطت حول المرتفعات القريبة من خيمة المؤتمر . / ص121 .
* كان من نتائج هـذا المـؤتمر ” كـارثـة حـزبية” على كافة الأصعـدة، فقـد ظهرت انقسامات واضحة في التوجّـه والتنظيم، فقـد أزاح عـزيز محمد – سكرتير الحزب وجماعتهِ ( 26 قياديّـاً) من اللّـجنة المركزية، وأبعـد عشرات الكوادر المتقدمة، واخـتار – من غير انتخاب – عشرة رفـاق للّـجنة المركزية سِـرّاً، عُـرفوا هـؤلاء، فيما بعـد بـ ” العشرة المبشرة بالجنة” راجع ص121 .
وقـد ظهـرت حالات من الإنـدساس والتعامل مع الأمـن العراقي، ظهـرت عِـند عـودة الرفاق من المؤتـمر الرابع، وقـد كان الرفيق ” محمد وردة – أبو جيفارا ” أول الضحايا، حيث قام عضو الإرتباط المدعو ” شـهـاب” بتسليمه بطريق العـودة إلى مُـديرية أمـن دهـوك، وبعـدها اتصل بالحزب ليُـطمإنـهم بأن ” الرفيق أبو جيفارا، وصل بأمان، وقـد انكشف هـذا الأمر بعـد مُـدّةٍ، وانكشفت كامل تفاصيله ./ ص122 .
* وعلى مـا يبدو، أن حالات الإختراق الأمني لصفوف الحزب، بـدأت واضحة من خلال بعض الوقائع والأحداث، فبعض الرفاق كـان يعمل ” بخـط مـائل ” فهـو في الليل مع فصائل الحزب وقوات الأنصار، وفي النهـار مع أجهـزة الأمـن التابعة لحكومة البعث. وقـد كلّـفت حالات الإختراق هـذه الحزب كثيراً، وفق ما ذكره الكاتب محمد السعدي . / ص122 .
* لم تـكن حالات البطولات الفـردية لصمود الرفيق أبو جيفارا حالة نادرة، فهو كغيره من البشر، له قدرته المحدّدة، رغم أنه مورس عليه أنواع التعذيب، فاقت قـدرته، فانهار واعترف بأنه ” من الكوادر القيادية” ، وأدّت اعترافاتهِ من توجيه ضربة قوية لقواعـد الحزب، سرعان ما انعكست آثارهـا السلبية على الشارع العراقي، وتغيّر مزاج الناس من جهة، ومن جهة أخرى انعكس على واقع التنظيم الحزبي الداخلي . / راجع تفاصيل ذلك في ص122- 123 .
وهُـنا يُـثار أكثر من سؤال : على من تقع مسؤولية هـذا الإختراق !؟ أوليس هـناك ” جهـاز الأمن الحزبي” وهـو مختص بالناحية الأمنية للحزب! أين دورهُ ؟
ومن ثُـمَّ السؤال الأهـم : لماذا تتـكرّر هـذه الإخـتراقات بوضوح في إقليم كردستان !؟ .
* ومن تـداعيات المـؤتمر الـرابع أيضاً، إنكشاف خطير لعضوٍ متقدم في الحزب إسمهُ ” أبو بهـاء – فـالح حسـن ” عضو محلية مدينة السماوة، مع زميلٍ آخر لـه يُـدعى ” عـدنان الطالقاني أبو هـيمـن” فقـد دُعـيا لحضور المؤتمر الرابع، إلاّ أنهـما حُـجِزا بعـيداً عن خيمة المؤتمر، ولم يحضرا وقائع المؤتمر الرابع. ويذكر الكاتب محمد السعدي، بـأن اللّـغط حولهما كان قـويّـاً حول ارتباطهما بأجهزة الأمن العراقية، وكانا يتظاهران باليسـارية، وينتـقـدان نتائج المؤتمر الرابع، وكانت الفرصة سـانحة لهـما للهروب، لكنهما لم يفعـلا ذلك ! / ص125 .
وبعـد انقضاء أعمال المؤتمر الرابع بـأيام، تـمّ احتجاز ” أبو بهاء، في حين سُـمِـحَ لأبي هـيمن بالذهـاب إلى بغـداد، ممّـا أثار تسـؤلات واعتراضات بين رفاق ” الفصيل المستقل” ، ورغم الشكوك القوية حـوله، كـونه المسؤول عـن تسليم واعـدام عـدد من رفاق الفرات الأوسط، ولكن الصراع بين قـادة الحزب على المواقع القيادية، والتنظيمات الإقليمية، كان السبب الرئيسي وراء تسريب أبو هيمن الى الداخل عـندما افتضح أمره، فـترك الحزب، وبواسطة الحكومة العراقية تـمَّ إرساله الى السـويد، ونشط هـناك في التعاون مع البعثيّين. / ص 125 .
* ثـمّـة اعتراضٍ تُـبديه السيدة والرفيقة السابقة ” نصيرة القيسي” زوجة أبو بهـاء، بأن زوجهـا – أبو بهاء، لم يكن من المتعاونين مع اجهزة السلطة، وإن هـذا التشويه والغبن الذي لحق بزوجها ” وتسميه الشهيد أبو بهاء ، لم يكن في يومٍ من الأيام ” خائن للحزب” وقـد دوّنت شهادتها هـذه في ” برنامج ” شهادات خاصة ” مع د. حميد عبدالله ، وقد بُـثّ البرنامج بتاريخ 7، أبريل، 2019 ، وعلى الرابط التالي ” https://www.youtube.com/watch?v=RXAwMceNU_Y&t=449s ”
* يـبدو أن مسألة اختراق صفوف الحزب الشيوعي العراقي، قـد أخذت بُـعـداً غير محدود، نتيجة الخيانات التي قام بهـا المنهـزمون، والذين أُسقطوا سياسيّـاً، وأصبحوا “عُـملاء لمخابرات النظام” وهـذا الشرخ أصاب الحزب بشكل عمودي، فقـد استطاعت مخابرات النظام البعثي أن تستدرج بعض قيادات الحزب من كردستان الى بغـداد، بواسطة عميل لهـم ” وهـو مرشّـح للّـجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، يُـدعى ” نجـم الجبوري- أبو طالب” حيث عمل هذا العميل على استدراج الرفاق القادمين من منطقة كردستان الى بغـداد، حيث أسكنهم في شُـقق تخضع جميعها لكاميرات المخابرات العراقية، وهُـم تحت النظر في كل حركة من حركاتهم، وقــــد فضح هـذا الأمر ” ضابط كـردي” كان يشتغل في مديرية الأمن العامة، ويقوم أيضاً بترجمة الوثائق الكردية، وقـد طلب هـذا الشخص – بواسطة الحلقة السـريّـة لمسعود البرزاني، بترتيب لقاء له في قاطع بهـدينان، مع محلية الحزي الشيوعي العراقي في نينوى، وطلب اللّـقاء بقادة الحزب، لأمـرٍ هـام، وبالفعل تـمَّ لقاءه بـ ” حميد مجيد موسى – أبو داود ” السكرتير الجديد للحزب الشيوعي العراقي وتـوماس تـوما، عضو اللجنة المركزية، وأخبرهم بما قام بهِ ” نجم الجبوري ” فـانصدموا من هـول المفاجأة، وأخبرهم بان ” كـل رفاقكم الموجودين في بغـداد مخترقين، وإن تحرّكاتهم تـتُـم بإشراف أمني كبير، حيث كان يوجـد ” ثمانية من أعضاء اللّـجنة المركزية، بضمنهم عضو المكتب السياسي عُـمر الشيخ عـلي، . راجع تفاصيل أكثر في ص 130 .
وعلى ضوءِ ذلك اتخذت قيادة الحزب إجـراءً، إستدرجوا فيه ” أبو طالب – نجم الجبوري” ودعوه للقدوم الى كردستان، وأن يصطحب معه بقية الرفاق بحجّـة ” إجتماع طـارئ في شقلاوة” ، وقـد انطلت هـذه الحيلة على أجهزة المخابرات العراقية، واعتقدوا أنهـم سوف يمسكون بكامل أعضاء قيادة الحزب، وحين وصلوا إلى المنطقة الجبلية مع نجم الجبوري، والذي تـمَّ اعتقاله فـوراً، ومواجهـتهِ بالأدلة والإعترافات، عـندها إعترف بكل شئ، ومن ثم جرى إعـــدامـه. / ص 131 .
*إن مثل هـذه الإختراقات الأمنية، تضع قيادة الحزب أمام مسؤولية التساؤل والمحاكمة، في مؤتمرٍ خاص، يقصيهم عن المسؤولية التنظيمية والسياسية، على أقل تقـدير .
* * *

* أخطاء الحـزب الشيوعي وانعكاساتهـا على تجربـة الكفـاح المسـلّـح :
# يتوقّـف الكاتب محمد السعدي، بنظرةٍ تـأمُليّـة، على تجـربـة ” الكفاح المسلّـح ” والتي اتّـخـذها الحزب في مطلع ثمانينات القرن الماضي، عـازيـاً مُجمل الإخـفـاقات السياسية والتنظيمية، التي مـرَّ بهـا الحزب إلى ” عـدم استثـمار التصدعـات والأزمات التي كان يعاني منها النظام العراقي، لاسيما بعـد انكسارهِ في ” معركـة المُـحمّـرة” عـام 1982م، وما أعقبها مـن تـذمُّـر واستياء شعبي في الشارع العراقي” ويعـلّق الكاتب محمد السعدي على ذلك بالقول : ” كُـنّـا نعاني من ضعف الإرتباط، سياسيّـاً وفكرياً وإعـلامياً ونفسياً، كما إنـنّـا لم نستطع التـمـدّد داخل المُـدن، لتعبئة الجماهير للقيام بانتفـاضة شعبية، أو عصيان مـدني، أو إنقـلابٍ عسكري يقـوده ضابط شريف ، كما كانت تـراودنا بذلك أمـانـيـنا بشكلٍ دائم ” / ص132 .
* إن التعليقت التي أبـداهـا الكاتب، بالأسطر السابقة ، تشير بوضح الى ” ضعف القيادة السياسية والتنظيمة، وعـدم آهـلية تلك القـيادة في قيادة المرحلة السياسية والتنظيمية التي مـرَّ بها الحزب، والدليل على ذلك ، بكل بساطة، هـو استثمار ” القـوى الدينة الإسلامية ” تلك الأوضاع وقامت بمهاجمة النظام في أكثر من بقعـةٍ ومكان، وسيطرة على نبض الشارع ، بشكلٍ أو بـآخر .
وبالعـودة إلى الكاتب محمد السعدي، وما دوّنه أعـلاه، فهـو ينطلق من أحاسيس الشارع العراقي وأمنـياتهِ، ومـا يحسُّ بـهِ كشيوعي مرتبط بتنظيم يساري، يرفع شعـار” إسـقـاط السـلـطة” ، ولكنه كـان يـدرُك أو لا يدرك، أن غـياب ( الوحـدة الفكرية والتنظيمية والجماهيرية) في داخل صفوف الحزب الشيوعي، لـم تـكن قـائمة أو متوفّـرة ، لا سيما بعـد أحـداث مجزرة بشت آشان 1983 ونتـائج مخرجات المؤتمر الـرابع للحزب عام 1985م والتي قضت على آخر أمـلٍ ثـوري داخل صفوف هـذا الحزب، بغية تنفـيذ شعاره المركزي ” إسـقـاط السـلطة”، وفي ظلال هذه الرؤى النرجسية الثورية الحالمة، كان الكاتب يؤشّـر إلى وجود ” بعض الظروف المساعدة لإيجاد مكـان تعبئة الجماهير، المنقـطعة عن التنظيم، أو المسانـدة للحزب، حيث كانت المنطقة الجبلية في شمال العراق تُـشكِّلُ مساندة للحزب، بوصفها ” محطّـة حزبية ” أو ” خط رجعة” للرفاق الذين ضاعـوا في أزقّـة ودرابين بغــداد وفنادقها الرخيصة، وليس لهم من معينٍ سوى ” إيمانهـم الشيوعي بعـدالة قضيتهـم” كما يقول الكاتب . / ص132 .
* شكّـلت مسـألة التـواجد مع الـثوار – الأنصار، في المنطقة الجبلية، فُـسحةً للملـتحقين من داخل المُـدن، والتي هـربوا منها نتيجة شِـدّة القبضة الأمنية للنظام، كما أن ” المحطات الجبلية للأنصار الشيوعيين” شكّـلت نقطة انـدفاع للداخل العراقي.
ويشير الكاتب ، بشكلٍ واضح الى وجود ” دائرة صراع فكري ” ، فيها مختلف الرؤى ووجهـات النظر، كانت سـائدة داخل صفوف الحزب، مُـضافـاً إليها ” نـزعـة في التنـكيل لكل المعارضين، وصلت ذروتها في الإعتقالات والقتل، ومنها إستشهـاد الشيوعي ” مشتاق عـبد الجبار – منتصر” تحت التعذيب بيـد رفاقهِ الشيوعيين، وإخـفاء جُـثّـتـه، رغـم مطالبة عـائلـتهِ بالكشف عـن مصيره، والإعـلان عـن مسؤولية قـتله، ومحاسبة مرتكبي جريمة قتل رفيق شيوعي” / ص133 .
* لقـد أشعلت مسالة إستشهـاد الرفيق ” منتصر” الكثير من الجـدل والنقاش، بين أوساط الحركة الشيوعية في العراق، وما زالت تثير الكثير من الأسئلة واللغـط السياسي والتنظيمي ، وكنتُ وادّاً أن يقوم الكاتب بتعرية الفـاعلين بالإسم والصفة الحزبية وبالوسيلة المستخدمة في قـتلِ هـذا الرفيق المقدام،، ومن أشرف وآمر بـإعـدامـه، ولماذا لم تجري محاكمة الفاعلين حتى هـذه اللّحظـة !؟ . بالرغم من أن الكاتب محمد السعدي، مـرَّ على هـذه الواقعـة وبذكرها، مشيراً إليها بالإدانة والإستنكار بقوله : ” كانت هـذه الأفعـال مخالفة لأخلاقنا ومشروعـنا السياسي في بناء مجتمع مُـتعـدد الآراء والإجتهـادات، ومـا حـدثَ في منطقة ” بـرزان” عام 1984م بقيَ مثيراً للجـدل، ولم يجرؤ أحـدٌ على كشف ملابسات الإعـتقال بحق الشيوعيين ” ستار غـانم – سامي حركات، وأحمد الناصري – أمين ” وغيرهم ، ومقتل “مشتاق عبد الجبار – منتصر” بحيث تـركت عِـدّة تساؤلات مُـبهـمة، حول تلك الأعمال المُـستنكرة، والتي مازال العـديد من القياديين السابقين، والمسؤولين عـنها يغضـّون النظر عنها، أو يكـذّبونها، أو يهملون الإجابة عنها، حين يسألهم الرفاق، ولمذا لم يجرِ التوقّـف عـندها الى الآن !؟ ومن يتحمّـل مسؤولية تلك الأحداث!؟
أسئلة مازالت مُـعلّـلقة ويسودهـا الإلتباس والغموض إلى الآن، والكثير لا يملك الجرأة لكي يسمّي الأشياء بمُـسميـاتها.
وقد شكّـلت مسألة ” إغتيال وإعـدام” النصير الشيوعي ” منتصر” وقضية زُمـلائه المتمردين ” سامي حركات وجماعته” قـلقـاً بـدأ يـؤرّق الكثير من رفاق الحزب الشرفاء، وراحت هـذا القضايا تُـشغل بال صاحبنا ” محمد السعدي” وهـو يرصد هـذه الظاهرة ويقـرأهـا بعيون وأفـئدة الآخرين، ويحاول أن يصل الى نتيجة تُـقـنِـعُـهُ بأن ماجرى غير متوقّـع من قيادة الحزب الشيوعي العراقي، والتي تمادت بهـذه القضية تحـديداً، ممّـا حـدا بسكرتير الحزب عـزيز محمد لأن ” ينزل إشرافاً على قاطع أربيل، ويعطي الضوء الأخضر بالتحرّك ضد ” هـذه المجموعـة المعروفة بإسم ” جماعة سامي حركات – أو ستّار غـانم، وأحمد الناصري – أمين، ومنتصر – مشتاق ، ومهـنّـد” باعتبارهـم ” إنقـلابيّين وخـونـة ومخطّـطين لإغـتيال أعضاء قـياديين في الحزب” / ص134 . وهـكذا تـمَّ اعتقالهم من قبل رفاقهم في منطقة ” برزان” بزنزاناتٍ فـردية، عبارة عـن ” مـرافق صحيّـة قديمة” وقد شُـكّـلت لجنة تحقيقية برئاسة ” مُـهـنّـد البراك”، وهـو طبيب الشهيد ” مشتاق – منتصر” ويعرف أمراضهِ،ويُـقـال أنّـهم ” ضربوه على كُـليتيه، اللّـتين كان يعني منهما، مِـمّـا أدّى إلى إستشهـادهِ، ودُفِـن في ” حُـفـرةٍ” بقيت سـريّـة إلى يومنا هـذا ” / ص134 .
وقـد تجرّأ الكاتب محمد السعدي، وللمرّة الأولى من ذكر ” الأشخاص الذين كانوا يساعـدون مـهـنّـد البراك في التعـذيب، وهـم كل من : أزهـر المظفّـر – من مدينة النجف ، وهو معروف بإسمٍ حركي هـو ” حميد صريم” يعيش في السـويد حـالياً، ومـام كاويش، والذي تبيّـن فيما بعـد بأنـه ” عميل للمخابرات العراقية” ، واشترك معهم في التعـذيب، مسؤول قاطع أربيـل ” يوسف حـنّـا – أبو حكمت” عضو اللجنة المركزية، ولحُـسنِ الأقـدار التي كشفت – بعـد سقوط النظام – أن ” أبو حكمت هـذا، كان عميلاً للسلطة، وفق ماذكره الكاتب محمد السعدي. / ص134 .
* إن هـذه الأحداث التي يقشعـر لهـا بـدن كل شريف في الأرض، ناهيك عـن الرفاق الشرفاء في الحزب يتساءلون: أيِّ خيانـةٍ للضمير ارتكبها سكرتير الحزب عـزيز محمد وأعضاء اللجنة المركزية يوسف حـنّـا ومـهـنّـد البرّاك ، بحق الشهـيد ” منتصر” وبحق الآخرين ” جماعة سامي حركات:!؟ أحقّـاً يكون الشيوعييين أكثر فاشية من أعـدائهم البعثيّـين !؟ لماذا لم يكتفوا بطرد هـؤلاء من الحزب! مَـن أعطاهـم حـق تصفية الرفاق بهذه الوسائل الدنيئة!؟ أهـذا هـو حزب فهـد الثـوري !؟
ولقد ذكر الكاتب محمد السعدي: أنـه بعـد شهـور من اعتقال سامي حركات وجماعته، تمكّـن أحد الكوادر الحزبية ويدعى ” قاسم سلمان داود” والمعروف بإسم ” أبو الجاسم” وهـو من أهـل الرمادي، يسكن حالياً مدينة مالمو السويدية، أن يحصل على ” قميص الشهـيد منتصر، مضرّجـاً بالدماء” مع أدوات التعذيب، وفي إجتماعٍ حـزبي، رماهـا أمام السكرتير عـزيز محمد قائلاً لـه : هـذا هـو حزبنا الثوري!؟ مِـمّـا دعـا عزيز محمد إلى إطـلاق سراحهم، ورميهم على الحدود الإيرانية في حزيران عام 1984 / راجع ص 135 .
وقد استطاع الكاتب محمد السعدي من أن يلتقي بالرفيق ” سامي حركات ” داخل الأراضي الإيرانية، وحكى لـه عـن كل شئ بالتفصيل، يقول الكاتب ” وجدتهُ مناضلاً، يحملُ مشروعاً سياسيّـاً متقدّماً عـنّـا، ولخمسين سنة قادمة، وبعـد حـوارٍ لم يخلُ من الأوجـاع، ودّعـنا بعضنا، وفي طريق العـودة إلى المقر، سـألت الرفيق ” علي الجبوري” والذي كان يرافقني في تلك الرحلة: من أين لـنا تلك القسوة في قتلِ رفيقٍ وهـو حي ، بِـشتّـى التُـهَـم والأقـاويل ونحنُ حزب معارض ومناضل!؟ ، أجابني قائلاً : سامي ورفـاقه، ما تعرّضوا لـه لا يُـذكر قياساً بما تعرّض له رفاق آخرون من التشهير والتهميش والطعن والغُـبن في تاريخنا الطويل ” / ص136 .
* وفي نهـاية المطاف، عـاد سامي حركات إلى العراق، واستطاع أن يُعـيد تشكيل بعض الخلايا الحزبية السريّـة، ولكن أُلقي القبض عـليه بوشاية من الساقطين سياسياً، وأُعـدم بيد البعثيّين عـام 1994م . / ص138 .
* في تجـواله بين مـواقع تواجد قوى المعارضة العراقية بين كردستان العراق والمناطق الإيرانية، ينقلنا الكاتب محمد السعدي إلى الداخل الإيراني، حيث تتواجد بعض قوى المعارضة العراقية في ” هـوتيل حـافظ” في مدينة “رضائية الإيرانية” وقد وصلها بأوراق تحمل بصمة ” الحزب الديمقراطي الكردستاني ” وصادف وصوله إنتهاء أعمال المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي، بفصلٍ نصف أعضاء اللجنة المركزية أو أكثر، فقد أصبحوا 15 عضواً في اللجنة المركزية، بعـد أن اختار عزيز محمد ، سكرتير الحزب، عشرة أعضاء، سُـمّيوا فيما بعـد بـ ” العشرة المبشرة بالجنة” بشكلٍ فاضح، يشير إلى الخرق التنظيمي الذي قام به سكرتير الحزب، وهـو الأمر الذي ظلَّ محيّـراً لكل من شهـد او سمع بوقائع المؤتمر الرابع. وعلى أثر نتائج هذا المؤتمر، ظهرت حـالات من التمرّد الحزبي ” غير المُـعـلن” حيث كان الكثير من الرفاق يرفضون التوجّـه للعمل في الـداخل العراقي . / ص144 .
* إن الجولات المكوكية التي كان يتحرّك بها الكاتب محمد السعدي، بوصفه رفيقاً مـلتزماً بتوجيهات الحزب، فهـو كان يُـنفِّـذ كل أمرٍ يطلبُ منه، إن كان ذلك في مناطق كردستان الجبلية، أو في داخل إيران، أو النزول إلى بغـداد أو كركوك، وهـذه التنقلات جعلته يتلمّـس آراء الناس وأفكارهم عـن قُـرب، وبـدأ يعرفُ هـواجس الأحزاب الكردية التي يتعامل معها الحزب الشيوعي بصدقيّـةٍ، بينما كانت هي تتعامل معه بِـتـدليس وخيانةٍ مُـبطنة، لا سيما ما ظهر منها وانكشف في أحداث بشت آشان عام 1983م، أو تـترك هذه الأحزاب الكردية رفاقنا في بعض الأماكن وتنسحب عنهـم دون إشعارٍ مُـسبق، فـلقـد ذكر الكاتب أنه ” في ليلة هـادئة ومقمرة، كُـنّـا في كمين متقدّم، أنا وأبو زاهر والشهيد عمّـار والشهيد قاسم، وقـد تخلّى عنا مقاتلو الحزب الديمقراطي ” البيشمركَـة” عن راقمهم، مما أثار التساؤل والحيرة بيـنـنا، ونحنُ في ذلك الوضع العصيب، وبدون التنسيق مع مسؤولي فوجنا، وقد كان موقعنا الواقع بين مدينة حلبـﭼـة والسليمانية مُـجرّداً من أي تحصينات، بعكس ربيّـة البيشمركَـة، التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني ، حيث أنها موقع عسكري مُحصّـن بالسواتر الترابية والصخور والحواجز، ورغم مرور كل هذه السنوات، لم تُـكشف الأسباب الحقيقية التي كانت وراء دوافعهم للتخلّي عن واجبهم في تلك اللّـيلة، والتي حـدث فيها التقدّم للقوات العراقية، ولم يصدر اي بيان، ولا حتى قصقوصة من ورق لأيّ اجتماع دوري، يُـحلّل ويفنّـد هذا الشأن ./ ص147 – 148 .
ويضيف الكاتب : حين قرّرنا الإنسحاب والمناورة والتخلّص من كمين القوات العراقية المُـهـاجمة، ونجونا باعجوبة، وعـند أول اجتماع للهيئات الحزبية، تمّـت معاقبتنا ! وبهذا الإنسحاب كُـنّـا قـد أنقـذنا ” 70 رفيقاً” كانوا يغطّـون في نومٍ عميق، في وادٍ محصور بين جبلين، وذلك بعـدم إطلاقنا الرصاص باتجـاه العـدو” . / ص140 .
* لقـد زرعت أحـداث بشت آشان 1983 غِـصّة بنفوس الشيوعيّين العراقيين بشكلٍ عام، والأنصار الشيوعيين بشكلٍ خاص، لا سيما أولئك الذين شهدو المعركة، وشافوا الغـدر ولمسوا الخيانة من قبل الأكـراد في الإتحاد الوطني الكردستاني ، مما شكل عـند هـؤلاء الشيوعيين توجّساً دائماً من هـذه الأحزاب الكردية العاملة في كردستان، ورغم صدور” بيان ديوانه ” بعدم الإقتتال بين الطرفين ( الأكراد والشيوعيين) عـاد الأكراد الى الغـدر بعـد سنين، وراحوا ينصبون الأفخاخ والمكائد للنيل من الأنصار الشيوعيين، وبالتعاون مع كل الأطراف المعادية، ومـا حـدث مع مفرزة الشهيد ” مـلازم سعد – أبو يسار” ورفاقه في منطقة ” ﮔـرميان” خيرُ دليل على الغـدر وسوء النيّـة، وعقدة الشوفينية، كما يقول الكاتب، حيث تم الغـدر بكوكبة من الأنصار الشيوعيين العرب، في إحـدى المفارز المشتركة والحراسات اللّـيلية، والتي كانت قائمة في ظِـلِّ وضعٍ ملتبس، وكان الشهيد أبو يسار مع مفرزة صغيرة مشتركة من مقاتلي الإتحاد الوطني الكردستاني ” أوك” في مناطق ” ﮔـرميان” عام 1988، وقـد تـمَّ تسليمهم إلى أجهزة السلطة في المنطقة، مع تسليم أنفسهم لهم، حيث اتّـضح لاحقاً بأن هـناك تنسيقاً بين أجهزة السلطة العراقية ومفرزة الإتحاد الوطني الكردستاني، وأن المسؤول عـن تنفيذ هـذه الجريمة لا يزال حيّـاً طليقاً، ومقيمـاً في هـولندا، ويتقاضى راتباً تقاعدياً من وزارة البيشمركَة في أربيـل. / ص153 . ومن المؤسف أن الكاتب محمد السعدي لم يذكر إسم هذا الشخص الذي قام بهـذا الفعل الدنئ، هـذا أولاً، وثانياً، كان حريّـاً بالحزب الشيوعي العراقي أن يصدر بياناً سياسيّـاً يدينُ بِـه هذه الجريمة النكراء، ويعلن موقفاً واضحاً من تحالفهِ مع الإتحاد الوطني الكردستاني، ويطالب بتقديم هـذا الجاني وجماعته إلى العـدالة، لا سيما بعد سقوط نظام البعث عام 2003، وتقديم اعـتذار رسمي من ” أوك” لهذا الفعل الجبان الغـادر، لكن ذلك لم يحدث، ومرّت الجريمة بدون عقاب، كما هي جريمة بشت آشان .
* في تنفيذهِ للمهـام الحزبية، كان الكاتب محمد السعدي، لا يُـبدي أيّ ممانعـة من تنفيذ أي مهمّـةٍ حزبية يُـكلّف بها، لا سيما تلك المهام الصعبة التي يتوجّـه لتنفيذها في بـغـداد العاصمة، في ظل القبضة البعثية الشديدة الصارمة،، فذات مرّة كُـلّف بالنزول إلى بغـداد، وقـد مضى على الحرب العراقية – الإيرانية سِـتـّة أعوام، إلاّ أنه كان يرى حركة الناس والمركبات توحي إليه بالطُـمأنينةِ والدفئ / ص166 / ولكنه بعد أسابيع من وصوله إلى بغـداد وجد ” صعوبةً في إيجاد سكن يستقرُّ بـهِ” بغية وضع مسارٍ لتحرّكه السياسي والتنظيمي ، غير أنه فـوجئ بأن أغلبية الناس، لا سيما الرفاق الشيوعيين القدماء والمتابعين لأخبار الحزب كانوا سلبيّـين في آراءهم بالإجمال، وكانت ردود أفعالهم مُـتشنّـجة إلى حـد الإتهامات بالخيانة،، فقـد كان ما ينكأ جُـراحهم هـو ” موضوع الجبهة الوطنية” مع البعثيّين عام 1973م، وكارثة الهـجرة من الوطن عام 1978م ، وترك الناس في نفـقٍ مظلم، معلّـقة المصير والخُطى، فلقد كانت هذه الترسبات من مواقف الحزب السابقة تـركت ظلالها التراجيدية على مشهـد وحياة الناس الطبيعية، والتي نالها الكثير من الحيف والغُـبن / راجع ص167 .
* يصطـدم الكاتب محمد السعدي بالخيبة التي واجهتـهُ، وهـو يضع خطواته الأولى في بغـداد، من قبل أولئك الناس الذين كان يعتقد أنّـهم سيقابلوه برومانسية ثورية، لكن أغلبهم كان في زنازين البعث أو في جبهات القتال، وقـد عرف عـن بعضهـم بأنهـم قابلوا عِـدّة فـواجع./ ص167
ويرصد الكاتب، اللّـوحة الإجتماعية – السياسية لبقايا الشيوعيّين السابقين، والذين تركو العمل الحزبي دون مواصلة أو لقاء بوصفهم” شيوعيّين عُـملاء” وفق تصنيفات البعث الفاشي، إذ اعتبرهم ( خـونة وطـن مجرمين) وحين تلتقي ببعضهم تجدهم ” مُـعبّـئين بمعلوماتٍ خاطئة، لا تمت بصلةٍ الى أخـلاق الشيوعيين ومواقفهم التاريخية، إنها سياسة البعث في تحطيم صور مُـعارضيه. ويعتقد الكاتب محمد السعدي، أن هـول الحملة على الشيوعييّن وقوة الإعـلام المعادي لـنا، وفجوة غيابنا الطويل عن الشارع، قـد ساعدت البعثيين على الإستئثـار بمقدرات البلد، وتشويه الحقائق حول تاريخنا الوطني والأخـلاقي، ناهيك عـن العامل الأكبر وهـو ” دمـويـة البعث في التعامل مع خصومهِ ومعـارضيه” / ص168 .
* * *
* كـان عـام 1986م، عـاماً تعيساً على بغـداد وعموم العراق ، جرّاء سياسة البعث الدموية، وهـو في خضم حربه على إيران، ولذلك كان يوجّـه أجهزتـهِ الأمنية لمتابعة الشيوعيين وغيرهم، وضرب أوكارهم، وقـد استطاعت مخابرات النظام البعثية في شهر كانون الثاني من عام 1986 من توجيه ضربة مُـميتـه للتنظيم الشيوعي في ” قـريـة جـديدة الشط ” *1 ، وهي المركز الرئيسي للّـقاء والتجمّـع والمبيت في محافظة ديالى، والخيوط الممتـدة لهـم، وقـد دُمّـر بالكامل ./ ص168
وفي ظَـلِّ هـذه الأوضاع الأمنية والسياسية ” المكهربة” لم يجد كاتبنا محمد السعدي مَـنْ يـأويـه أكثر من يومٍ واحدٍ للمبيت، حيث أن ” الرعـب النفسي ” الذي زرعـه البعث في نفوس الناس، يجعل الجميعَ يشعر بأنـه ” مُـتهـم” إذا آوى شخصاً سياسياً معارضاً إذا لم يُـبلّـغ عنه، وقـــــد نقل

*1- في هذه القرية، إلتقيت للمرة الأولى الكاتب الساخر شمران الياسري ” أبو ﮔـاطع “.
الكاتب مشهـد الرُعبِ هذا على ملامح وسلوك زوج أختـهِ، والذي بات عندهم الكاتب ليلتين فقط، فهو يوضّح بالقول : أن زوج أختي باتَ ليلتـه في الحديقة مرعوباً، يدورُ حول نفسهِ في البيت ويحدّث نفسه، وحينها تركت البيت، باحثاً عـن مـأوىً جـديد، ولو لِلية واحدة، بعيداً عـن المراقبة والمـتـابعـة . / ص169 .
* زاد القلق في نفسِ كاتبنا محمد السعدي، بعـد مغامرة النزول هـذه إلى بغـداد بأمرٍ حـزبي، فقـد كانت خيالاته النرجسية الثورية تـدفعه إلى مثلِ هـذه المغامرة، من قـناعةٍ مفادها ، كما يعـقد أن “الشيوعي أوّل من يُـضحي وآخر من يستفيد” ولكن الواقع قـد صدمه بكل كيانه، وهــزَّ ثوابت قتاعاته تلك، فهو يقول: “طرقت باب كلّ من كانت لي علاقة بهم، ومـن كنت أعتقد أنهم سيشرّعـون أبوابهم لي، وخصوصاً من كانت قرابتي بهم وثيقة، وارتباطي معهم مُـمـتـدّاً لسنين طـويلة، وقد كنتُ آمل أن أجد أحّـداً منهم يساعدني في الإختفاء، مرّرت عليهم واحداً تلو الآخر، لكـن أبوابهم كانت موصدة بوجهي، فضاقت بي الظروف والمنافذ، ولم يعد لي من بصيص أملٍ، أو من سبيل الى النجاة، سوى اللّـجوء إليهم، وإلاّ الموت سيكون بانتظاري” / ص169 .

* كـاشفٌ هـذا النص لحالة القلق والخوف التي كان يعيشها الكاتب، وقـد صوّر لنا كل أحاسيسه بصدقٍ، وجعلنا نشعر بهذا الخوف عليه، ولذلك نطرح هذا الأسئلة :

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب