خاص : قراءة – سماح عادل :
الرواية مرآة المجتمع.. تنقل صورة حقيقة لمجتمع ما في وقت ما، فهي تتفوق على كتب التاريخ وعلم الاجتماع في أنها تنقل بوضوح أكثر وعمق حياة الناس اليومية.. فالرواية تكشف كل شيء، قواعد وتقاليد مجتمع ما وإطار قيمه، كما تكشف مدى تحرره أو انغلاقه، ومكانة المرأة فيه، وطريقة تعامل الرجل معها.. تكشف هل المجتمع متحرر أم منغلق ؟.. هل يعاني من أزمات وتناقض ؟.. هل هو في مرحلة تقدم أو تراجع، لذا تعتبر قراءة الروايات أمر هام للتعرف على المجتمعات.
رواية “أنثى لرجل واحد”..
رواية (أنثى لرجل واحد)، للكاتبة السعودية “لطيفة الزهير”، إصدار دار مدارك، 2015، تحكي عن فتاة تنتمي للطبقة الغنية في السعودية، تستطيع أن تحقق ذاتها وتصبح صحافية معروفة، لكن الرواية في مجملها محافظة.. تتحدث وفق قواعد المجتمع وشروطه، تتناول قصة حب قوية، حيث يحب شاب غني تلك الفتاة ويظل يلاحقها لتكتشف أنه يحبها منذ سنوات، وأن خطيب لها سابق هو من عرفه عليها وكان يكتب له خطابات رومانسية لها، ثم تحبه هي أيضاً وتنتوي الزواج منه إلى أن تكتشف عنفه وغيرته، ورغبته في الاستحواذ عليها، خاصة حين يطلب منها أن تترك عملها الذي حققت فيه ذاتها قبل الزواج، فتتركه وتتزوج بزميل لها رغم أنها مازلت تحبه، وتنتهي الرواية بانتقام الحبيب، حيث يصطدم بسيارته سيارة زوجها في اليوم التالي للزفاف، ويموت الجميع هي وزوجها وحبيبها.
رغم أن الرواية تصور نموذج الفتاة الغنية التي تشعر بتميزها عن باقي الفتيات من طبقتها، كما وتحتفظ بقيم المجتمع وقواعده، إلا أنها سطحية في تناولها للمجتمع.. اهتمت بتصوير قصة الحب بمزيد من التطويل، لذا كانت رواية (بنات الرياض)، للكاتبة السعودية “رجاء عبد الله الصانع”، والتي صدرت في 2005 عن دار الساقي، أكثر تعبيراً عن وضع المرأة السعودية المنتمية للطبقة الغنية في المجتمع السعودي.
رواية “بنات الرياض”..
أحدثت رواية (بنات الرياض) ضجة هائلة في المجتمع السعودي وقت صدورها، لأنها واجهت المجتمع وزيفه، وتحدثت في جرأة عن وضع الفتيات في هذا المجتمع.. كانت الكاتبة في عمر الـ23 حين إصدارها للرواية، وقد اختارت طريقة غربية في نشرها على الناس، حيث نشرتها من خلال إيميلها إلى ايميلات كثير من السعوديين، كانت ترسل إيميلاً كل يوم جمعة لعدد كبير من السعوديين، تتناول فيه جزءاً من روايتها، وقتها كانت تنوي حكاية حياة صديقاتها، والتي حدثت في الواقع وعايشتها هي معهن، وكيف يعشن في واقع سيء ويعانين من انغلاق المجتمع وتزمته، ولم تكن تفكر أن ايميلاتها ستتجمع في رواية مطبوعة فيما بعد، كما كانت تخفي اسمها عن الناس، وأثارت الرواية مناقشات حامية في المجتمع، لأنها حطمت قيود كثيرة، وكشفت عن عيوب كثيرة في المجتمع، وهاجمت أوجه الخلل فيه بجرأة ولغة لاذعة.
الشخصيات..
قمرة: فتاة من ضمن أربع فتيات يشكلن بطلات الرواية.. أنهت دراستها الثانوية وتزوجت بناء على اتفاق عائلي، فرحت بزواجها لكنها، بعد سفرها مع زوجها “راشد”، إلى أميركا لإكمال دراسته العليا، اكتشفت أنه يحب فتاة يابانية، وكان يعيش معها سنوات عدة، وأن أهله أجبروه على الزواج منها، ثم تركها زوجها بعد معرفتها لذلك، وأنجبت منه طفل بعد طلاقها، وحبست في المنزل لأن المطلقة مدانة في المجتمع السعودي، فهي أشبه بفضيحة مستترة لابد من إخفاءها ومحاصرتها، وبعد سنوات من الوحدة تعمل مع صديقاتها وتصبح سيدة أعمال ناجحة، بعد ضغط على أهلها ومقاومة.
لميس: وهي طالبة في كلية الطب ولها توأم تدعى “تماضر”.. تتفوق “لميس” في دراستها، وحين تشاهد صديقاتها وهن يعانين من الحب في مجتمع مغلق، ومن تخلي الذكور الذين ينصاعون لأهلهم وقواعدهم تقرر أن تكون عقلانية، وتتعامل بروية مع “نزار”، وهو زميل لها في كلية الطب، ثم تتزوج من “نزار” وتعيش حياة سعيدة تعتمد على المشاركة والندية، وذلك لانها تعاملت منذ البداية بندية وقوة، ولم تستسلم للحب بضعف.
سديم: تتعرض “سديم” لأزمات متعددة.. حيث تحب شاب تقدم لخطبتها، وبعد أن عقد قرانه بها يتركها لأنها سمحت له أن يصل معها إلى درجة الحميمية في العلاقة، ثم تتماسك وتحاول إكمال دراستها والسفر إلى لندن، لكنها تقابل فتى آخر من نفس مجتمعها ويدعى”فراس”، ورغم أنه في الثلاثينات من عمره ودبلوماسي شهير، ويبدو مسؤولاً وقوياً إلا أنه يتخلى عنها هو أيضاً، لأن المجتمع لا يحبذ أن يتزوج من مطلقة وهو لم يسبق له الزواج، وهو ينصاع لأهله وأصدقاءه وقواعدهم، ويتركها ليتزوج من أخرى، ثم يضعف بسبب حبه لها ويقرر أن يتزوجها، لكنها ورغم حبها له تقرر الزواج من ابن خالتها الذي يحبها.
ميشيل: اسمها “مشاعل”، أمها أميركية وأبوها سعودي.. ورغم تحرر والدها ومقاومته لأهله بزواجه من فتاة أميركية، وبرفضه أن يتركها بعد إصابتها بمرض السرطان وتعذر إنجابها لطفل آخر، حتى أنه يتبنى طفل أميركي ويفرضه على أهله، إلا أنه بعد عودته إلى السعودية يصبح أكثر تحفظاً، خصوصاً مع ابنته، تواجه “ميشيل” مصاعب أكثر في الحب، فقد أحبت “فيصل”، شاب وديع وراقي، يفهمها جيداً، لكن أهله رفضوا فكرة ارتباطه منها لأن أمها أميركية، واستسلم هو لهم من البداية، وسافرت “ميشيل” لإكمال دراستها في أميركا، تقترب من ابن خالها الأميركي “مايك” لكن عائلتها ترفض ذلك الحب، وترحل إلى الاستقرار في دبي، وتجبرها على ترك أميركا والعيش معهم، وتقابل فتى ثالث متفتح، يبدي استعداده بالارتباط بها لكنها، لم تكن متحمسة بعد أن صدمت في حبها الأول وأصبحت لا تريد الارتباط، تعمل في مجال الإعلام، معدة برامج لأن أبيها يرفض أن تكون مذيعة، وتجد قوتها في العمل وتحقيق الذات.
“أم نوير”: امرأة كويتية مطلقة، متعلمة وتعمل بمهنة جيدة.. تعامل الفتيات بحنان ورعاية، لكنها لا تسلم من انتقاد الجميع، أولاً لأنها مطلقة، وثانياً لأن ابنها الوحيد “نوري” قد بين في فترة مراهقته ميلاً نحو الأنوثة، وكان يحب ارتداء الملابس النسائية والتصرف مثل النساء، مما جعل زوجها يطلقها ويتركها ويعيش مع زوجته الثانية، وكان المحيطين بها من جيران وصديقات عمل يهزأون بها ويسمونها “أم نوير”، أرسلت ابنها إلى مدرسة في الخارج، وتلقى علاجاً نفسياً واستطاع التخلص من هذا الميل.
الراوي..
راوي عليم، يعرف كل ما يدور في داوخل الشخصيات، ويحكي عن أفكارها ومشاعرها، وعن أحداث حياتها.
السرد..
رغم أن الرواية كانت عبارة عن نصوص قصيرة متقطعة، توزعت في شكل رسائل، إلا أنها مكتملة سردياً وتعتبر تجربة جيدة بالنسبة لأنها أول رواية للكاتبة الشابة.. أصرت الكاتبة على أن تجمع النصوص كما هي وبمقدمتها فبانت في شكلها الأول، حكت الكاتبة بلغة لاذعة وساخرة واستطاعت أن ترسم شخصيات مكتملة، وتقدم صورة صادقة وعميقة لمجتمعها، فتنقلت ما بين الرياض وجدة ومدن أخرى، ما بين لندن وأميركا، وصاحبت الشخصيات حتى النهاية.
سعي المرأة للتحرر..
الصديقات الأربع ينتمين جميعاً للطبقة الغنية، ما يتيح لهن مميزات لا تتمتع بها الفتيات في طبقات أخرى في المجتمع السعودي، كالسفر إلى البلدان الغربية، والتعليم الجيد، وحرية الحركة.. ورغم ذلك تقسو عليهم التقاليد والعادات في مجتمع مغلق، والتي تستمد قوتها من قدسية الدين وأحكامه، ويفشلن في الحب لأن الذكور ينصاعون إلى حكم المجتمع أكثر، لأنه يزيد من مكاسبهم الاجتماعية، ولأن الذكور أكثر انغلاقاً منهن رغم أنهم يحصلون على تعليم جيد، وفرصة اختلاط بمجتمعات متحررة.
ميزة الرواية أنها تكشف عن وجود بوادر تحررية في صفوف نساء الطبقات العليا، ليس جميعهن طبعاً، ولكن بعض الحالات التي لا ترضى عن قيم المجتمع وتريد أن تعيش تحررها واستقلالها، مادامت تستطيع تلقي تعليم جيد والتفوق فيه مثل الرجال، وتستطيع أن تقوم بالأعمال بنفس الكفاءة فلما تُعامل بدونية، وتظل رهناً للعادات والتقاليد وتحت حكم المسنات من النساء، ورهن مصير الزواج الذي تحكمه مصالح العائلات، هذه البوادر في اعتقادي سوف تزيد مع زيادة حجم النساء المتعلمات لتصبح حركة قوية لها تحركاتها وضغوطها.
تفسخ المجتمع الزائف..
تنبع ميزة الرواية أيضاً من أنها لم تركز فقط على الحكي عن وضع المرأة السيء، حيث حكت الكاتبة أيضاً عن الفتيات من طبقات أخرى بشكل عابر، وكيف يعانين هن أيضاً ويبذلن جهوداً مضاعفة للالتحاق بالتعليم رغم ظروفهن المادية القاسية، لكنها تكشف أيضاً كم التناقض في المجتمع ما بين ما هو محلل ومقبول اجتماعياً وما بين الممارسات السرية، فشرب الخمر مباح بين أفراد الطبقات العليا لكنه بشكل علني حرام، والاختلاط ممنوع لكن مباح تعدد الزوجات، الحب يعتبر كارثة لكن مباح التمتع بالمحظيات.
كما أن المثلية مدانة بشدة في القواعد الرسمية للمجتمع رغم انتشارها بشكل كبير بشكل سري، وهذا المجتمع الإسلامي، الذي يرى بعض أفراده أنه المجتمع الوحيد الذي يسير على قواعد الدين الصحيح يضطهد الشيعة، ويعاملهم كمواطنون من الدرجة الثانية، كما حدث حين قبض على “علي” زميل “لميس” في كلية الطب، لأنه يجلس معها في كافية، وقد أطلق سراحها هي وبقى هو يتعرض لعقاب مضاعف لكونه شيعي، كما يفرض هذا المجتمع الإلتزام بالدين بالقوة والجبر ومن يرفض يتعرض لعقوبة السجن، وذلك من خلال جماعة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، التي تتصيد الناس في الشوارع.
الكاتبة..
الكاتبة “رجاء عبد الله الصانع”، من مواليد عام 1981، طبيبة أسنان، خريجة جامعة الملك سعود.. استمرت في كتابة الرواية ست سنوات قبل نشرها على الناس، وكانت جامعة إلينوي الأميركية قد منحت “رجاء الصانع” جائزة لأبحاثها المتميزة في علم الخلايا الجذعية وتخصّصها الدقيق في مجال علاج الأعصاب السنية.
رواية (بنات الرياض)، أثارت ضجة كبيرة في المجتمع السعودي.. ووقع على غلافها الكاتب السعودي “غازي القصيبي”، قائلاً: “هذا عمل يستحق أن يُقرأ.. وهذه روائية انتظر منها الكثير.. تزيح الستار العميق الذي يختفي خلفه عالم الفتيات المثير في الرياض..”، وترجمت إلى أربعين لغة عالمية وبيع منها ثلاثة ملايين نسخة حول العالم.
حوار مع رجاء الصانع