خاص: إعداد- سماح عادل
“عائشة محمد علي عبد الرحمن” المعروفة ب “بنت الشاطئ”، مفكرة وكاتبة مصرية، وأستاذة جامعية وباحثة، وهي أول امرأة تحاضر بالأزهر الشريف، ومن أوليات من اشتغلن بالصحافة في مصر وخاصة في جريدة (الأهرام).
حياتها..
ولدت في مدينة دمياط بشمال دلتا مصر في منتصف نوفمبر عام 1913، وهي ابنة لعالم أزهري فقد كان والدها مدرسا بالمعهد الديني بدمياط، وهي أيضاً حفيدة لأجداد من علماء الأزهر فقد كان جدها لأمها شيخا بالأزهر الشريف، وقد تلقت تعليمها الأول في كتّاب القرية، فحفظت القرآن الكريم ثم أرادت الالتحاق بالمدرسة عندما كانت في السابعة من العمر، ولكن والدها رفض ذلك، فتقاليد الأسرة تأبى خروج البنات من المنزل والذهاب إلى المدرسة، فتلقت تعليمها بالمنزل وقد بدأ يظهر تفوقها ونبوغها في تلك المرحلة، عندما كانت تتقدم للامتحان فتتفوق على قريناتها بالرغم من أنها كانت تدرس بالمنزل.
حصلت على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929 وقد كان ترتيبها الأولى على القطر المصري، ثم حصلت على الشهادة الثانوية بعدها التحقت بجامعة القاهرة لتتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية 1939، وكان ذلك بمساعدة أمها فأبوها كان يأبى ذهابها للجامعة، وقد ألفت كتابا بعنوان (الريف المصري) في عامها الثاني بالجامعة، ثم نالت الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941.
تزوجت أستاذها بالجامعة الأستاذ “أمين الخولي” صاحب الصالون الأدبي والفكري الشهير بمدرسة الأمناء، وأنجبت منه ثلاثة أبناء، وواصلت مسيرتها العلمية حتى نالت رسالة الدكتوراه عام 1950 وناقشها عميد الأدب العربي د. طه حسين.
كانت “بنت الشاطئ” كاتبة ومفكرة وأستاذة وباحثة، فمن طفلة صغيرة على شاطئ النيل في دمياط إلى أستاذ للتفسير والدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة القرويين في المغرب، وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة عين شمس بمصر، وأستاذ زائر لجامعات أم درمان 1967 والخرطوم، والجزائر 1968، وبيروت 1972، وجامعة الإمارات 1981 وكلية التربية للبنات في الرياض 1975- 1983.
وبدأت النشر منذ كان سنها 18 سنة في مجلة (النهضة النسائية)، وبعدها بعامين بدأت الكتابة في جريدة (الأهرام) فكانت ثاني امرأة تكتب بها بعد الأديبة “مي زيادة”، فكان لها مقال طويل أسبوعي، وكان آخر مقالاتها ما نشر بالأهرام يوم 26 نوفمبر 1998. وكان لها مواقف فكرية شهيرة، واتخذت مواقف حاسمة، فخلّفت وراءها سجلاً مشرفًا من السجالات الفكرية التي خاضتها بقوة، ودعمها لتعليم المرأة.
تركت “بنت الشاطئ” وراءها أكثر من أربعين كتابا في الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية، وأبرز مؤلفاتها هي: (التفسير البياني للقرآن الكريم)، و(القرآن وقضايا الإنسان)، و(تراجم سيدات بيت النبوة)، وكذا تحقيق الكثير من النصوص والوثائق والمخطوطات، ولها دراسات لغوية وأدبية وتاريخية أبرزها: (نص رسالة الغفران للمعري)، و(الخنساء الشاعرة العربية الأولى)، و(مقدمة في المنهج)، و(قيم جديدة للأدب العربي)، ولها أعمال أدبية وروائية أشهرها: (على الجسر.. سيرة ذاتية)، سجلت فيه طرفا من سيرتها الذاتية، وكتبته بعد وفاة زوجها أمين الخولي بأسلوبها الأدبي.
بنت الشاطئ..
كانت “عائشة عبد الرحمن” تحب أن تكتب مقالاتها باسم مستعار، فاختارت لقب “بنت الشاطئ” لأنه كان ينتمي إلى حياتها الأولى على شواطئ دمياط والتي ولدت بها، حتى توثق العلاقة بينها وبين القراء وبين مقالاتها والتي كانت تكتبها في جريدة (الأهرام) وخوفاً من إثارة حفيظة والدها.
جوائز..
حصلت على الكثير من الجوائز منها: جائزة الدولة التقديرية في الآداب في مصر عام 1978، وجائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية، والريف المصري عام 1956، ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية، وجائزة الأدب من الكويت عام 1988، وفازت أيضا بجائزة الملك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام 1994. كما منحتها العديد من المؤسسات الإسلامية عضوية لم تمنحها لغيرها من النساء مثل مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، والمجالس القومية المتخصصة، وأيضاً أَطلق اسمها علي الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من الدول العربية.
متحررة..
في حوار مع السيدة “أديبة الخولى” ابنة “بنت الشاطئ” أجراه “وجيه فلبرماير” تقول عن تحرر أمها من القيود: “والدتي استقلت جداً بدليل أنها خرجت عن جميع القيود الموجودة فعلاً ودرست الثانوية العامة من منازلهم، واستطاعت أن تدخل الجامعة في وقت لا تدخل فيه البنات الجامعة أصلاً، فهي حطمت حواجز البنات لجيلها والجيل التالي، لم تخضع أبداً لقيود الرجل، وهي تزوجت أبي وكانت الأسرة ضد هذا الزواج لأنه كان متزوجاً، ولكنها صممت على الزواج.. كما أنهاً استقلت إلى حد كبير فكرياً”.
عاشقة صوفية..
تقول “هدى قزع” في مقالة بعنوان “تأملات في السيرة الذاتية لعائشة عبد الرحمن- بنت الشاطئ-“: “السيرة الذاتية لعائشة عبد الرحمن والتي جاءت بعنوان “على الجسر بين الحياة والموت” يمكن عدها سيرة وفاء وحب قبل أن نعدها سيرة تسجيلية لأهم محطات حياة كاتبتها. فهذه السيرة مع صغر حجمها، إلا أنها بدت موشحة بعاطفة حزن وحيرة تأسر القارئ وتجعله يتعايش معها وكأنه يحياها، أو يتمنى أن يحياها.. لقد كتبت بنت الشاطئ هذه السيرة بعد عام من وفاة أمين الخولي، ومن الطبيعي أنها كانت مؤججة بمرارة الفقد ويأس الفراق. وقد أقبلت على تسجيل أثر لحظة الفقد على نفسها، لا تسجيل حياتها بمراحلها المتعددة، فأنت لا تخرج إلا بالقليل عن حياة هذه المرأة العالمة، في حين أنك تخرج بكثير من العاطفة والحب لشخص أمين الخولي وأثره في حياة كاتبة السيرة..وأبرز ما يلاحظ على وصفها، حياتها البسيطة، و تشدد والدها وحرصه على تقاليد معينة، ومحاولة عائشة مجاوزة هذه التقاليد الخانقة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا في سبيل تحصيل العلم والرقي بالفكر والثقافة.. ويتجلى أن ما تحدثت فيه منذ بدء تعليمها، ومحاولتها التحرر من القيود، والكتابة تحت اسم مستعار، والدراسة التي أوصلتها للجامعة، وبساطة الريف الذي طالما حنت إليه وهي تعيش صراعها الجديد مع المدينة، ما هي إلا مراحل إعداد، للقاء أمين الخولي، الذي ما شعرت يومًا بغربته.. إذن عاشت عائشة حياتها تبحث عن الشيخ أمين الخولي الذي صار منذ اللقاء الأول معلمها وأستاذها ونصفها الآخر وأمضت حياتها الباقية تتساءل “أكان يمكن أن أضل طريقي إليه، فأعبر رحلة الحياة دون أن ألقاه؟ وحتى آخر العمر، لم يتخل عني إيماني بأني ما سرت على دربي خطوة واحدة إلا لكي ألقاه.. وما كان يمكن أن أحيد عن الطريق إليه، وقد عرفته في عالم المثل ومجالي الرؤى وفلك الأرواح من قبل أن أبدأ رحلة الحياة”.. ولا أغالي إن قلت إن ما سجلته عائشة يميز سيرتها بطابع قلما نجده في سير غيرها من النساء، فهي ظهرت بمظهر المرأة العاشقة لزوجها والمتفانية في علاقتها به بروح صوفية، ولم يكن أساس هذه العلاقة البعد الحسي فقط وإنما أخذ بعدُ العلاقة العقلية جانبا آخر لا يمكن الاستهانة به”.
ومن شعرها الذي كتبته بعد رحيل زوجها مباشرة تحت عنوان “رؤيا”:
طيف من أحببته طاف بنا فتنبهنا على وقع خطاه
خلته قد آب من رحلته مرهف الشوق وقد طال سراه
….
فجأة نبهنا من غفونا رجع إيقاع أليف من خطاه
وتهادت نحونا أنفاسه تحمل البشرى لنا ،عطر شذاه
….
فاستبقنا الباب لاستقباله وعلى الأفق شعاع من سناه
لمحة من ناظريه بدلت ما كسانا الليل من ثوب عماه
لمسة ساحرة من كفه عاد منها الكهف محراب صلاة
قلت : أشكو من تباريح النوى؟ قال: لا ؛ ليس ذا وقت الشكاه
حسبنا أنّا التقينا فاغفرى لزمان البين ما اغتالت يداه
قلت : أخشى ما طوى من غدره ليت ما ذقناه منه قد كفاه
قال : خلّى همّ أمس و غد أمس قد ولّى ولم تأت الغداه
قلت : ما أدرى ؛ أحلم ما أرى أم بعثنا ..
وانتهى الصوت و تاه
وصحونا فإذا تلك رؤى بعثرتها الريح في تيه الفلاه
وإذا نحن كما كنا هنا في قرار الكهف لم تفتح كواه
نلعق المر ونقتات الجوى عافنا الموت وعافتنا الحياة
ثمّ كتبت أبيات أخرى فى ذكرى رحيله بعد مرور عام على هذا الرحيل كانت نهايتها كالتالي:
هل مضى العام ومازلت هنا
أنقل الخطو؛
على الجسر إليك؟
أبأنفاسك أحيا أم ترى
مات بعضي؛
وبكى بعضي عليك؟
وفاتها..
توفت “عائشة عبد الرحمن” عن عمر يناهز 86 بسكتة قلبية في 1998.