8 أبريل، 2024 6:11 ص
Search
Close this search box.

“برهان شاوي”.. ما بين الرواية والفلسفة  

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

أجرى الحوار: يوخنا دانيال 

إن كتابة مقدمة تعريفية بالروائي العراقي “برهان شاوي”، المعروف في الأوساط المثقفة والأكاديمية في عموم العالم العربي، ربما يكون أمرا صعبا، خصوصا عندما يكتبها أحد أصدقائه ومعجبيه، لأن رواياته ودواوينه الشعرية ودراساته الفكرية تزيّن المكتبات منذ عشرين عام ربما. أما متاهاته الروائية التسعة فربما تمثل أهم وأكبر مشروع روائي عربي مستمر، وهو مشروع يمزج الرواية بالفلسفة والبوح الإنساني الصادق. في هذا اللقاء حاولت الغور معه في منطقة جديدة نوعا ما، ولحسن الحظ فإن “الشاوي” كان مسرورا بالكشف عن هذه الأعماق. وكان هذا اللقاء الممتع الغني بإجاباته المركزة العميقة التي ستنير أمورا كثيرة لدى قرائه ومتابعيه، لكن في آفاق أخرى بعيدا هذه المرة عن ثيمات الجنس والأديان والتحليل النفسي.

** أين ينتهي برهان المتفلسف، وأين يبدأ برهان الروائي؟

– هو نفسه حين يغمس الفكر الفلسفي بالحياة الافتراضية للشخصيات، ويتقمصها لجعلها تتحدث بأفكار تقترب من حدود الفلسفة. أنا أكتب الرواية المعرفية، وأحب هذا الجنس الروائي. أقرأ الكتب الفلسفية، لكن الشطح الفلسفي لدي أجعل شخصياتي تقوله وتتجادل فيه. والحقيقة إن شخصياتي شخصيات قلقة، مهنتها التفكير كما يقول راسكولنيكوف في (الجريمة والعقاب)، قلقها وجودي وميتافيزيقي، يهتم بما وراء لحظة تشكّل الوجود. أحيانا أحمّل شخصياتي قلقي الشخصي. وللإجابة بدقة على سؤالك ينتهي المتفلسف عندي، حينما ابدأ السرد الروائي. حينها أكف عن التفكير الفلسفي المجرد، وأتوغل في أعماق شخصياتي وأسوقها من أجل القول الفلسفي أو التعبير عن تلك الأفكار القلقة. والحقيقة أنا أميل لطرح الأسئلة الفلسفية ولا إجابات فلسفية لديّ. أنا مؤمن بالنسبية وبجدل الأفكار ومبدأ التناقض ووحدة وصراع الأضداد.

** هل الرواية، كأهم جنس أدبي في عصرنا، حاضنة جيدة للفلسفة؟

– أعتقد أن كل الآداب والفنون يمكنها أن تتضمن أفكارا فلسفية أو توحي بها، لكن الرواية بحكم بنيتها الأدبية وعناصرها من شخصيات وحوار يمكنها أن تبحث أكثر وتجسد أكثر. الشعر يمكنه أيضا أن يعبق بالفلسفة. الرواية ليست فقط حاضنة جيدة للفلسفة، وإنما هي خطاب حضاري، يمكن أن تكون مرآة لعصرها. يمكن أن تكون حاضنة للتحليل النفسي، وللتاريخ، ولفنون البلاغة والجمال الشعري. كما يمكنها أن تعمّق من معرفة الإنسان لنفسه وتواجهه مع أعماقه.

** عندما ينسحر القارئ بالحوارات والنقاشات الفلسفية المطولة والمتكررة .. كيف سيرجع بعدها إلى الحبكة الروائية والتطورات الدرامية الحياتية؟

– هذا الأمر يخص قدرة الكاتب أن يسيطر على شخصياته وحواراتها وألا يضيّع على القارئ خيط الحكاية. عليه ألا يشطح كثيرا بحيث يبتعد عن بؤرة الحدث الروائي. الاستطراد المبالغ فيه يقتل متعة التلقي،  حتى لو كانت الرواية تتضمن أعظم الأفكار وتناقشها. الرواية ليست بحثا فلسفيا وليست حوارية فلسفية كما لدى أفلاطون وسقراط وأرسطو.. الرواية رواية. إنها حكاية تسرد بطريقة جمالية ودرامية، فإذا فقدت الرواية العنصر الجمالي الذي يتجسد من خلال كل ما يتعلق بأسلوب السرد وبناء الجملة الروائية لغويا وبلاغيا، إلى جانب ضبط إيقاع الأحداث وترابط الزمان والمكان، إلى جانب منطقية الشخصيات ومصداقيتها، عندها حتى العنصر الدرامي القوي لا يشفع للرواية، ولا حتى الأفكار الفلسفية التي تتضمنها.

إن دراستي للسينما وجمالياتها أكاديميا ساعدتني كثيرا في ضبط السرد وإيقاعه، وضبط النمو الدرامي في بناء الحكاية، عبر رواية في أجزاء كثيرة.

**هل تعتقد – كما اعتقد – أنك تكتب جنسا أدبيا مختلفا.. يرتدي زي الرواية.. لكنه يعلو فوقها.. وفوق تفاصيلها.. محاولا إيصال رسالة أو تشخيصًا؟

– لا أدري إن أكتب جنسا أدبيا مختلفا يرتدي زي الرواية. هذه مهمة نقدية وحكم نقدي لا يعنيني كثيرا. أنا أعتقد أن ما أكتبه ينتمي إلى الجنس الروائي، أي ما أكتبه هو الرواية، لكنها رواية معرفية تتوهج فيها الأفكار الفلسفية والجمالية.

** ماذا تقترح أن نطلق على مشروعك هذا؟ لأني لا أستطيع النظر إليه إلّا كمشروع .. وأحيانا اسميه مشروعا تربويا!

أقصد هل يمكن التفكير باسم آخر غير الرواية؟كده

– هو مشروع روائي. شخصيا لا ولم أطلق عليه أي اسم. هذه مهمة النقاد والباحثين. ومن دون تواضع مصطنع فإن هذا الأمر لا يعنيني كثيرًا. بل أحيانا أندهش حين أقرأ بعض الأطاريح عن رواياتي وما يجد الباحثون من طلبة الدكتوراه والماجستير، أو الباحثون الأكاديميون فيها من جوانب لم أفكر فيها قط لحظة الكتابة.

الروايات التسع الأولى حملت اسم (المتاهات: متاهة آدم، متاهة حواء، متاهة قابيل، متاهة الأشباح، متاهة إبليس، متاهة الأرواح المنسية، متاهة العميان، متاهة الأنبياء، ومتاهة العدم العظيم)، وهي تتناص مع (جحيم – انفيرنو – Inferno) دانتي أليغيري ذي الطبقات التسع، أما (المتاهات الجديدة) وهي تحمل اسمًا جامعا عاما هو (فندق باب السماء)، وقد صدرت منها إلى الآن روايتان هما: مملكة الموتى الأحياء، ومطهر الخطايا المقدسة – إيفا ماجدولينا، فهذه سلسلة ستكون من تسع روايات أيضا، (إذا مدنّا القدير بالعمر لإنجازها)، وهي تتناص مع (مطهر -بورغاتوريو-  Purgatorio).

** أخيرا .. من أنت؟! 

– أنا إنسان تائه في متاهة الوجود، أبحث عن معنى الحياة، ومهووس بالمعرفة التي تأتي عن طريق الشك. واجتماعيا أنا وجودي، فرويدي، مررت بالفكر الماركسي ووصلت إلى ما بعد الفرويدية، وبالتحديد إلى اليسار الفرويدي. أحب دوستويفسكي، وستندال، وتشيخوف، ولورنس، وكونديرا، وهاروكي موراكامي، ونجيب محفوظ، والطاهر وطار. أؤمن بالشك كطريق إلى المعرفة. مؤمن بالعدم العظيم الذي سبق الوجود، بالروح الكوني، بالعقل الكوني، الذي كل هذا الوجود هو تجلٍ لإرادته. الذي هو كما وصفه أحد نصوص (المانيو شو) الشنتوي: صعب وصفه، مستحيلة تسميته، الإنسان يحس فقط هذا الوجود الخفي).

أو كما جاء في إحدى النصوص السيخية من (آدي غرانث): (لِمَ لا تذهب أنت للبحث عنه في أجمات غابة وحيدة؟ كعطر يغلف فوحه زهرة، فالرب العلي يتخلل الكون كله، لكن هيهات للكون أن يحده، ابحث عنه في ذات نفسك، فحقًا هو مقيم في كنهك).

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب