خاص: إعداد- سماح عادل
“بديعة مصابنى” ممثلة استعراضية وراقصة لبنانية قضت حياتها في مصر، من مواليد 1892 في لبنان من أسرة سورية، وهاجرت مع والدتها إلى الولايات المتحدة لتعود في 1919 إلى مصر، حيث تعلمت الغناء والرقص وعاشت أعواما طويلة في القمة، وكانت واحدة من ألمع نجوم الفن وكانت الفنانة الاستعراضية الأولى، وأتيح لها أن تخرج كثيرا من الفنانين من خلال صالتها، وكانت فرقتها أشبه بمدرسة تخرج فيها عدد كبير من فناني الغناء الاستعراضي ومن أبرزهم (فريد الأطرش وتحية كاريوكا وسامية جمال وهاجر حمدي ومحمد الكحلاوي ومحمد فوزي) ممن لمعت أسماؤهم في مجال الفن في السينما والمسرح والاستعراض.
عندما جاءت “بديعة مصابنى” إلى القاهرة انضمت إلى فرقة “جورج أبيض” ومنذ اليوم الأول الذي عملت فيه برزت كفنانة وراقصة، فقد كانت ذات مواهب متعددة في الرقص والغناء والتمثيل، وكان من بين نجوم الفن آنذاك الشيخ “أحمد الشامي”، الذي كان يبحث عن بطلة تتمتع بتلك المواهب المتعددة. لما سمع الشامي عن “بديعة مصابنى” سعى إليها ليضمها إلى فرقته ويسند إليها أدوار البطولة مقابل راتب شهري كبير، وهناك جمعتها الصدفة بالممثل “نجيب الريحاني” الذي قرر أن يعمل معها عملا مشتركا وأعد لها مع “بديع خيري” مسرحية (الليالي الملاح) التي نجحت نجاحا فنيا وجماهيريا كبيرين وأسهمت في تعريف الجمهور ب”بديعة مصابني”.
وبعد ذلك لعبت دور البطولة في العديد من المسرحيات من خلال فرقة “نجيب الريحاني” ومنها (الشاطر حسن) و(أيام العز) و(ريا وسكينة) و(البرنسيسة) و(الفلوس ومجلس الأنس) وفي هذه الأثناء اتفقا على الزواج هي و”نجيب الريحاني” بعد أن أحب كل منهما الآخر، وبالرغم من ذلك الحب لكن الحياة بينهما لم يقدر لها الاستمرار لاختلاف طباعهما لذا فقد قررا الانفصال، وبالفعل انفصلت عنه وأسست مسرحا استعراضيا لها، ومن خلاله استطاعت أن تكون ثروة طائلة.
كازينو بديعة..
وأصبح “كازينو بديعة” مؤسسة هي الأولى من نوعها لرعاية تلك الفاتنة اللبنانية التي أصبح لها وزنها في صناعة الرقص الشرقي، وأيضا سجلت بديعة باسمها «رقصة الشمعدان». وبعد ذلك أصبح “كازينو بديعة” مدرسة تخرج فيها العديد من الفنانين، وكانت الكاتبة الانكليزية “أرتيميس كوبر” تحكي عما شاهدته في القاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية أيام تألق “بديعة مصابني” فقالت: “إنه في تلك الفترة كانت الصالات والكباريهات والمقاهي الموسيقية لا تخلو من الجنود والضباط البريطانيين والحلفاء العائدين من جبهات القتال للراحة والانتعاش، وقد ازدهرت صالات “بديعة مصابني” و”ببا عزالدين” بالكيت كات، وكباريهات شارع الهرم الذي بدأ يحتل مكانته كمركز للهو في شارع عماد الدين، وزادت أعداد الراقصات زيادة كبيرة، وقد تزايد إعجاب الأجانب بـ “رقصة البطن” الشهيرة واشتهرت نتيجة لذلك تلميذات مدرسة “بديعة مصابني” أمثال “تحية كاريوكا” و”سامية جمال” و”حكمت فهمي” وكلهن تألقن في هذه الرقصة ورقصات أخرى”.
وبعد هذه الأيام الزاهرة الضرائب طالبتها بديون طائلة، وفشلت المفاوضات، وكادت أن تحجز عليها، وجمعت أموالها وقررت مغادرة مصر إلى لبنان، تقول “بديعة” في مذكراتها، عندما شبت الحرب العالمية الثانية.. كان ذلك سببا لأن تكون أكثر ثراء فقد تحول مسرحها بدلا من مسرح تقدم فيه المسرحيات أو العروض للجمهور العادي إلى أداة للترفيه عن الجنود الإنكليز الذين يخوضون حربا ضد الألمان داخل مصر وأيضا للترفيه عن حلفاء الإنكليز.
وبعد انتهاء الحرب، حاولت “بديعة” العودة مرة أخرى واستعادة مجدها فقد كونت ثروة كبيرة وهي تريد الشهرة وأيضا تريد المزيد من المال، غير أن معظم المواهب التي رعتها من قبل كانت قد ذهبت وانخرطت في مجال السينما، وبذلك خسر مسرحها الاستعراضي بعدم عودة هؤلاء النجوم السينمائيين إليها، وبدأت الضرائب تطالبها بديون قديمة لم تسددها، كما بدأت تضيق عليها الخناق، وتهددها بالحجز والبيع.
وبعد أن وقع الخلاف بين “بديعة” ومصلحة الضرائب نتيجة لتقدير الضرائب المستحقة منذ العام 1944 إلى العام 1949، خصوصا أنها كانت صاحبة أكبر ملهى في ميدان الأوبرا في القاهرة “كازينو بديعة”، جمعت ثروتها وقررت أن تهرب إلى لبنان وبالفعل قامت بذلك بعد أن اتفقت مع طيار إنكليزي على تهريبها، وتخفت “بديعة” في ملابس راهبة في مستشفى واستقلت الطائرة التي كانت رابضة في ميناء روض الفرج الجوي قبل إلغائه، ويقال إنها خافت من مضايقات الملك فاروق لها لذا هربت للبنان واستطاعت أن تستغل ثروتها في مشروعات زراعية حققت لها أرباحا كبيرة، وقد دخلت إلى لبنان عن طريق سورية واستقرت في مدينة “شتورة” 1950وأسست متجرها التجاري الأول 1952 في شتورة وبنت أيضا منزلها المعروف اليوم في لبنان بفيلا “عقل” لكنه هُدم وجرف.
في لبنان..
تمتع متجر”بديعة” بشهرة كبيرة وحقق نجاحا تجاريا، وجودها في شتورة أضفى على المنطقة نكهة مميزة، وكانت بديعة بسيطة وكريمة أما لهجتها المصرية فقد كانت قريبة من القلب فقد عاشت أيامها السابقة بالقاهرة، لكن حياتها في “شتورة” أعطت ل”بديعة” صفحة أخرى عاشتها عند سفح الجبل بسهل البقاع.
أمضت بديعة 24 عاما في “شتورة” قبل أن تودع الحياة الصاخبة وتدفن في منطقة البترون، ومازال متجرها في شتورة يقصده الكثير من الناس ليتذكروا هذه السيدة التي كانت لها صولات وجولات فيما مضى بالقاهرة مع الرقص، وصفحة أخرى على طريق الشام الدولي في “شتورة” عندما ينبسط الطريق مع سهل البقاع حيث يوجد مطعم “بديعة مصابني” مرتفعا فوق مطعم صغير وعلى بعد أمتار من بلد حديثا مطعم آخر باسمها أيضا.
الجامعة الفنية..
في مقالة بعنوان (بديعة مصابنى) يقول “أحمد عبد النعيم” : “في إبريل 1924 افتتحت الست بديعة مصابني مبني أنيقا يتوسط الميدان بالدور الأرضي مطعما كبيرا وحديقة خاصة، وبالدور الثاني مسرح وكازينو والروف مكان خاص يتوسطه بار وعدد من الشماسي بألوان مزركشة وأصبح المكان ملتقي فنيا ثقافيا وكان رواد الكازينو من الأدباء والفنانين يتخدون من الحديقة مكانا لندواتهم ولقاءاتهم، وكان الأديب نجيب محفوظ يقيم ندوة أسبوعية فيه، وأصبح الكازينو أكاديمية فنية خاصة عمل فيه معظم نجوم الغناء والتمثيل والكوميديا (بشارة واكيم، محمد فوزي، سامية جمال، فريد الأطرش، إسماعيل ياسين، تحية كاريوكا، زينات صدقي، هاجر حمدي، حورية حسن، ببا عز الدين، محمد الكحلاوي، محمد عبد المطلب، حكمت فهمي، سامية جمال، تحية كاريوكا، حورية عبده).. وقدمت بديعة الاستعراض بالكازينو والمسرحيات الفكاهية بالمسرح لتقدم حفلات نهارية كل يوم جمعة وأحد بنصف الأجر وتبدأ الحفلات العاشرة والنصف صباحا وفي الخامسة تقدم بأسعار مخفضة أما ميعاد الحفلات مساء فهي تبدأ من التاسعة والنصف.. نجحت فكرتها في استغلال ساعات النهار فقدمت في 30 نوفمبر 1940 المسرحية الاستعراضية (ساعتين حظ) من تأليف أبو السعود الابياري”.
ويواصل: “ومن كازينو بديعة تكونت فرقة بديعة مصابني من 40 ممثلا وممثلة وراقصة وبدأت الفرقة في تقديم عروض مسرحية بالوجه البحري والقبلي يوم الاثنين 4 إبريل 1934 بمسرح البلدية بدمنهور والثلاثاء بطنطا والأربعاء بالمحلة الكبري بالسرادق الفخم المقام خصيصا للفرقة وكانت التذاكر تشتري من مقر الفرقة أو من محمود علي صاحب اللوكاندا السورية مقر سكن الفرقة.. ويوم الخميس والجمعة كانت الفرقة تقدم الاستعراض والمسرحية بالمنصورة بتياترو عدن وتطلب التذاكر من متعهد الجرائد محمد افندي عبد الوهاب وأحمد أفندي محمود صاحب قهوة رمسيس أو من صاحب سينما بلاس نجيب أفندي نصر. بعدها تشتري بديعة كازينو جديدا بالجيزة بجوار الكوبري الانجليزي الذي أطلق عليه كوبري بديعة لأنه الموصل إلي كازينو الست “مكان الشيراتون الآن” وتقدم عليه في مايو رواية (نينتي وخالتي) من فصل واحد، ويبقي كازينو بديعة بالأوبرا هو الجامعة الفنية لنجوم الفن والبداية قبل الانطلاق وإن كان طال الكازينو بعض الانتقادات كتقديم الرقصات الماجنة وبعض الشائعات ولكن بديعة ظلت تعمل علي تطوير الكازينو تسافر سنويا إلي أوربا لزيارة المسارح العالمية وشراء الملابس الخاصة بالمسرحيات بعد انتهاء عرضها”.
وفاتها..
وفي 23 يوليو عام 1974 ماتت “بديعة مصابني” عن عمر يناهز السادسة والثمانين من عمرها، وقبل أن تموت وقعت على الدرج وأدخلت مستشفى تل شيحا في زحلة ومن ثم فارقت الحياة.
https://www.youtube.com/watch?v=insjzVoNJIs