25 ديسمبر، 2024 7:54 ص

“مدينة الحضر الأثرية” .. قصة تحرير “الحضارة” من بين مخالب الظلام

“مدينة الحضر الأثرية” .. قصة تحرير “الحضارة” من بين مخالب الظلام

كتب – هاني رياض :

يعتبر تحرير “مدينة الحضر التاريخية” من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام، والمعروف باسم “داعش” بعد احتلال دام أكثر من سنتين منذ نهاية 2014، خطوة كبيرة فى الحفاظ على المناطق الأثرية والتاريخية وحمايتها من خطر التدمير والتشويه الذى أصاب العديد من المواقع الآثرية العراقية مثل “نمرود”، ومثيلتها فى “تدمر” السورية.. والتي تمثل خط الدفاع الأول فى اتجاه التماسك الوطني، والتعايش الثقافي والحضاري المختلف بين أبناء الوطن الواحد.

جهود دولية..

استقبلت الأوساط التاريخية والثقافية المتخصصة منها والشعبية، سواء على المستوى الدولي، والإقليمي، والمحلي فى العراق خبر تحرير مدينة الحضر التاريخية، والتي تعد أقدم موقع عراقى مسجل فى قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي منذ عام 1985، فقد أعربت المديرة العامة لليونسكو “إيرينا بوكوفا” عن تحرير القوات العراقية للمدينة الأثرية التى تم إدراجه على قائمة التراث العالمى المعرّض للخطر عام 2015، على إثر احتلال “داعش” للمدينة وقيامها بتشويه آثارها، والتي أعتبرتها خسارة كبيرة للشعب العراقي والعالم، وأن تحريرها يمثل نقطة تحول إيجابية، ويمهد الطريق لضمان حمايتها والحفاظ عليها، والتى تعد من صميم الجهود الدولية، حيث قالت “بوكوفا”: أن “التدمير المتعمد للتراث هو جريمة حرب، وسوف تبذل اليونسكو كل ما في وسعها لضمان أن لا تمر هذه الجرائم دون عقاب”.

و قد اعتبرت أن حماية التراث أكثر من مسألة ثقافية، بل هو أيضاً قضية أمنية، وأشارت إلى قرار “2347” الذي اتخذه مجلس الامن بالإجماع فى 24 آذار/مارس الماضي، بالإضافة إلى المؤتمر الذى عقدته “اليونسكو” في 23 – 24 شباط/فبراير 2017 تحت عنوان “الجهود الدولية لحماية التراث الثقافي في المناطق المحررة من العراق”، ووضع الأساس لخطة عمل طويلة المدى للحفاظ على التراث الثقافي في بلاد حالة الطوارئ والمتوسطة، ودعت جميع الأطراف إلى الحفاظ على هذا التراث الفريد كشرط أساسي لتحقيق السلام ومستقبل المنطقة، وكان مجلس الأمن قد وافق منتصف شهر شباط/فبراير الماضي بالإجماع، على مشروع قرار روسي يقضي بتجفيف منابع تمويل تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية من خلال بيع النفط والآثار والفدية.

كما أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً رحبت فيه بتحرير مدينة الحضر الأثرية، التي تعتبر على غرار “مدينة نمرود” و”الموصل” نموذجاً للتنوع الثقافي فى الشرق الأوسط، وقد أبدت فرنسا فى البيان استعدادها فى التحرك مع شركائها فى التحالف الدولي ضد داعش بمساندة القوات العراقية، ومواجهة عمليات التدمير والنهب للمناطق الأثرية. وقد أشار البيان إلى المؤتمر الدولى الذى عقد فى أبو ظبى فى كانون أول/ديسمبر 2016 بشأن التراث الثقافي المهدد فى مناطق النزاع، وقرار مجلس الأمن “2347” لمكافحة تدمير ونهب الكنوز الأثرية.

وعلى المستوى المحلي ساد الأوساط الثقافية والشعبية فرحاً عارماً بتحرير “مدينة الحضر” من قبضة داعش، وكانت وزارة السياحة والآثار العراقية قد أصدرت فى آذار/مارس 2015 بيان أدانت فيه تباطؤ المجتمع الدولي فى دعم العراق، الأمر الذى شجع تنظيم داعش بعد احتلاله مدينة الحضر على تشويه وسرقة آثارها، وطالبت مجلس الأمن إلى أخذ وقفة جدية، فى سبيل إيقاف جرائم داعش فى الحضر المسجلة على لائحة التراث العالمي عام 1987.

تاريخ مدينة الحضر الأثرية..

تعد “مدينة الحضر” الأثرية، التي تقع على بعد 80 كم جنوب غرب الموصل، وعن نهر دجلة 40 كم، وعلى بعد 2 كم شمال غرب الحضر الحالية بمحافظة نينوى، عاصمة أقدم مملكة عربية في العراق، وكانت تسمى “عربايا”، وقد أسست في بداية القرن الثاني قبل الميلاد، على شكل مستدير تقريباً قطرها حوالي 2 كيلومتر، ويحيط بها خندق عميق، وسور مدعم بـ 163 برجاً، ويتكون هذا السور من جدارين عرض كل منهما 3 م و2.5 م، وبينهما مسافة 12 م عند البوابة الشمالية، وخارج السور بنصف كيلومتر تقريباً يوجد خط ترابي يحيط بالمدينة من جميع الجهات لإعاقة الجيوش الغازية التي تحاول غزوها، وللمدينة عدد من القلاع، وكانت الحضر تتميز بوفرة مياهها العذبة وأراضيها الخصبة، بالإضافة إلى طرازها المعماري المتميز، وفنها ونقوشها التي تشبه الطراز المعماري والفني الروماني.

تميزت مدينة الحضر التاريخية بموقع جغرافي هام، فهي تمتد من دجلة شرقاً، والفرات غرباً، ومن الشمال جبال طوروس، والمدائن جنوباً، جعلها تسيطر على الطرق التجارية والعسكرية بين دجلة والفرات، بالإضافة إلى أنها تربط وادي الرافدين بالخليج العربي، كما اشتهرت بالصناعات الحربية، وصلابة دفاعاتها وتحصيناتها المتمثلة في الأبراج المرتفعة، والأسوار العالية، مما جعلها تصمد ضد محاولات الفرس وملكها “أردشير الأول” لاقتحامها، وكذلك محاولات الرومان في غزوها، حيث فشل الإمبراطور “تراجان” و”سيبتيموس سيفيروس” عام 199م، حتى سقطت أخيراً بيد الفرس عام 241م بعد تدميرها.

وقد كشفت التنقيبات الأثرية فى مدينة الحضر الأثرية في عام 1951 وما تلاها، عن مجموعة من النصوص الكتابية التي دلت على أن نظام الحكم فى الحضر كان ملكياً، وتم تحديد أسماء الملوك الأربعة الذين حكموا الحضر لفترة تمتد لحوالي 84 عام، وأبرز: الملك “ولجش” الذي حكم الحضر من “158 – 165 م”، والملك “سنطروق” الذي لقب بملك العرب فى “165 – 190 م”، وابنه الملك “عبد سميا” من “190 – 200 م”، وأخيراً أبنه الملك “سنطروق الثاني” من الفترة “200 – 241 م”، بالإضافة إلى وجود قوانين حاكمة وعقوبات تتعلق بمرتكبي  السرقة والجرائم الأخرى.

كما دلت الاكتشافات الأثرية العديدة، ومنها المعبد الكبير، على ملامح العقيدة الدينية لسكان الحضر من العرب، وهم أغلبية السكان، بالإضافة إلى القليل من الآراميون الذين برعوا في اللغة والكتابة، فقد كان أهالي الحضر يعبدون آلهة عربية مختلفة بحكم موقعها كمركز للقبائل العربية التجارية، أبرزها ” اللات”، و”شمش”، وهي من الآلهة العربية التي عبدت منذ القدم في الجزيرة العربية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة