قراءة – سماح عادل :
احتفى كثير من القراء برواية (باب الخروج) للروائي المصري “عز الدين شكري فشير” وقت صدورها في 2012.. واعتبرها البعض رواية تنبؤية توقعت حدوث كثير من الأحداث بعد ثورة يناير المصرية، وانبهر بعض القراء بحدوث تفاصيل وأحداث توقعتها الرواية على أرض الواقع.. مثل تولي “الإخوان” السلطة وحدوث اضطرابات في سيناء.. فالرواية تتوقع أحداثاً سياسية مترتبة على ثورة يناير الشعبية التي جرت في مصر خلال عام 2011.
شكل الرواية..
من البداية يظهر شكل الرواية غير المنطقي.. حيث أنها عبارة عن خطاب طويل جداً لأب إلى ابنه الشاب يحكي فيه عن أحداث مرت في عدة سنوات، تبدأ من شبابه هو عندما كان طالباً في الجامعة، أي قبل إتمامه سن العشرين، بداية من غزو العراق للكويت في 1990 وحتى 2020 أي حوالي ثلاثين عاماً، من المفترض أن يكتب البطل الخطاب خلال يوم واحد لأنه في وضع حرج، ينتظر وصول القوات الأميركية للقبض عليه ومن معه بسبب أنه يحمل شحنة نووية داخلاً بها إلى مصر، وخلال تلك الساعات القليلة يستطيع البطل كتابة خطاب – رواية تبلغ 202 صفحة، يتحدث فيها بأريحية كبيرة عن حياته الخاصة، والأحداث العامة التي جرت في مصر خلال كل تلك السنوات، وحتى عن علاقاته العاطفية، رغم أنه متوتر جداً ويحاول تبرئة ذمته أمام ابنه، حتى لا يتهمه بالخيانة عندما يعرف الحقيقة، وخلال الرواية يتوقف أكثر من مرة ليذكر القارئ بالوضع الحرج للبطل وبتوتره الزائد، والذي في رأيي يفقد القارئ اندماجه مع أحداث الرواية.
البطل..
البطل شخصية سلبية كان أبوه يعمل في سفارة مصر في الصين وينتمي للصفوة، وحاول أن يزج بابنه “علي شكري” ليلتحق هو أيضاً بالصفوة حين علم بتفوقه في تعلم اللغة الصينية في زمن قياسي، واستطاع أبوه أن يلحقه بمؤسسة الرئاسة المصرية ليكون مترجماً هناك، ورغم أن ذلك لم يكن هدف “علي شكري” الذي كان يريد البقاء في الصين والتزوج من حبيبته الصينية، إلا أنه انصاع لوالده ووالدته وعمل بالرئاسة.
الشخصيات..
يبدأ الحكي عن كواليس ما يحدث داخل مؤسسة الرئاسة.. بدءاً من أوائل التسعينيات في القرن الماضي، وكيف أن الرئيس في ذلك الوقت كان لا يفعل شيئاً سوى حضور اجتماعات وهمية، وأن مؤسسة الرئاسة في ذلك الوقت كانت هشة.. ويبدأ الكاتب في الحكي عن بعض الشخصيات تمهيداً لإعطائها دوراً فيما بعد للأحداث التي تلي “ثورة يناير”.. “محمود” أحد زملائه في العمل داخل مؤسسة الرئاسة، الذي يحب “سالي” فتاة تصاحب الرجال بحثاً عن مصلحة مادية، ويطرد بسبب علاقته بـ”سالي”، ثم ومن دون مبرر منطقي، يصبح “محمود” وعشيقته “سالي” ممثلين لليسار وقوى اليسار في مصر، وكأن الكاتب يريد أن يقول أن اليسار هم فئة من السكارى والعاهرات اللاتي ينظمن شبكات دعارة لأجل المصالح، ولم تظهر في الرواية شخصيات تمثل اليسار المصري خاصة الاشتراكيين منهم سوى “محمود” و”سالي”.
و”عفاف” عاملة التليفونات بالرئاسة التي يتعرف عليها “علي” في بداية عمله ثم تختفي سنوات طويلة لأنه اقترب منها وحادثها بود، حيث يطردها “القطان”، ذلك الرجل صاحب النفوذ الذي أدخل “علي” إلى مؤسسة الرئاسة، وتعتبر “عفاف” وأخويها “ميرفت” و”حسن” ممثلين للفئات الفقيرة والمعدمة من الشعب في الرواية، صورهم الكاتب بعد “ثورة يناير” يتميزون بالقوة والتحدي، ثم توقع لهم مصير أسوأ، “حسن” سوف يتحول لسارق ويشكل عصابة لسرقة ممتلكات الحكومة المتهالكة، و”ميرفت” ستتحول لعاهرة أيضاً، ورغم التعاطف الكبير الذي يبديه “علي شكري” نحو “عفاف” وأسرتها إلا أنه أيضاً لا يخفى على القارئ حس التعالي الذي يشعر به البطل نحوهم، حتى أنه لم يحضر جنازة “عفاف” عند موتها غدراً على يد أحد البلطجية رغم إعلانه داخل خطابه الحزن عليها.. صمم الكاتب أن يضع هذه الأسرة في موقع دوني دوماً، فهم في كل الأحوال فقراء ومعدمين لابد أن تكون مصائرهم سوداء، وألا يكون لهم باب للخروج من مصائرهم التي حكم الكاتب أن تحدث لهم.
وشخصية أخرى هي “عز الدين فكري” ولا يخفي التشابه الكبير بين اسم هذه الشخصية واسم مؤلف الرواية، وأيضاً التشابه في صفات أخرى.. فالمؤلف يعمل في الجامعة الأميركية أستاذاً للعلوم السياسية، والشخصية كذلك، وكان على القارئ استنتاج أن “عز الدين فكري” هو نفسه “عز الدين شكري فشير”.
“عز الدين” ينتمي لأسرة متوسطة ويستطيع أن يتفوق في دراسته ويتعلم بالخارج، ثم يعود لمصر لكي يواصل حياته، ويعمل فترة في الجامعة الأميركية أستاذاً للعلوم السياسية، وبعد الثورة يعتبره الكاتب ممثلاً للتيار الديمقراطي المدني، حيث يحاول عمل قاعدة للشباب في أنحاء مصر، ويواصل العمل عدة سنوات على هذه الفكرة، وينجح في تشكيل تنظيم من الشباب سيعينه بعد ذلك حين يتولى السلطة، ويصبح ديكتاتوراً ويقتل آلاف من المصريين بدعوى مساندة الفقراء والشعب، والذي لا تتحسن أحواله أبداً بل تزداد سوءاً، حيث سيبدأ في تصفية خصومة من السفليين وقوى اليسار وجهاز الشرطة لكنه سينزاح في النهاية مسلماً البلاد لمصير أسوأ.
عين القارئ..
يرى القارئ طوال الرواية الأحداث بعيون البطل الذي ينتمي إلى الطبقة الغنية، بالإضافة إلى كونه بطل سلبي انهزامي ينصاع لأوامر الآخرين، تزوج رغماً عنه من ابنة أحد القادة العسكريين، “القطان”، وظل سنوات طويلة يعمل مترجماً بالرئاسة.. لا يعرف باقي طبقات الشعب، ولم يتعامل معهم إلا في حدود ضيقة، ورغم ذلك من المفترض أن يكون هو عين القارئ في الإطلاع على الأحداث والحكم عليها بعد “ثورة يناير”، يصدر أحكاماً قيمية على الطبقات الفقيرة وإن لم يعي هو ذلك، كما أنه بعيد عن كل القوى السياسية الأخرى، سواء من “جماعة الإخوان، أو السلفيين، أو قوى اليسار، أو القوى المدنية الديمقراطية”، كما أسماها، ولكنه رغم ذلك يعد شاهداً على الأحداث، من الخارج، كمتفرج.
الشعب ليس المخلص..
حين يتحول صديق عمره “عز الدين فكري” إلى ديكتاتور سيعمل معه ولن يوقف المجازر التي يقوم بها، ولن يحاول حتى.. وحين يقوم “عز الدين” بإعدام “محمود” سيحاول “علي شكري” التدخل لكنه سيفشل ويكتفي بمكان المتفرج، كعادته طوال الرواية، على إعدام صديقه وهو يشعر بالأسى، ثم حين يقرر الكاتب أن يقوم بطله “علي شكري” بالفعل سيكون خيانة واضحة وإن أسماها هو شيئاً آخر، حيث سيستعين بأميركا لتوقف الخراب وكأن أميركا في تصوره هي “المخلص” الوحيد، وهي المخرج الوحيد الذي لا يجد سواه.
لن يفكر بالاستعانة بالشعب لأن الشعب دوماً في نظرة مجموعة من الغوغاء والبلطجية، يثورون ويتحولون لوحوش، ولا أمل في تنظيمهم أو الاستعانة بهم كمخلص.
كل الشخصيات في الرواية تنتمي للطبقة الوسطي باستثناء “عفاف” وأخويها، الذين لم نشعر بالتعاطف معهم كقراء بل بالأحرى شعرنا بأنهم كائنات مخيفة لا روح لها.. وكقارئة لم أتعاطف مع البطل بل بالأحرى شعرت بالنفور منه طوال الوقت، خاصة حين أقدم على فعل مشين، مصوراً أنه بطولة، وهو إبلاغ أميركا عن الشحنة النووية التي وافق مرغماً على الاشتراك في جلبها.
ربما نجح الكاتب في تصوير مدى التناحر الذي يدور بين القوى المسماة سياسية في مصر، كما صور ترهل الدولة، لكنه حين تخيل المستقبل لم يصيب، وجاءت تخيلاته مبنية على أحداث ماضية حدثت في مصر، في حين أن الواقع وما حدث بعد ذلك كان أكثر غرائبية من خيال الكاتب.
تعريف الكاتب..
يقول موقع “ويكيبديا” في تعريف الكاتب “د. عز الدين شكري فشير، كاتب مصري، صدرت له ست روايات: “باب الخروج (رواية): رسالة علي المفعمة ببهجة غير متوقعة” (2012)، “عناق عند جسر بروكلين (2011)، “أبو عمر المصري” (2010)، ”غرفة العناية المركزة” (2008)، “أسفار الفراعين” (1999)، و”مقتل فخر الدين” (1995).
بالإضافة إلى عمله أستاذاً زائراً في قسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية.. اشتهر “فشير” برواياته التي ألهمت آلاف الشباب في مصر وأصبحت ضمن قائمة الأكثر مبيعاً، ففي نيسان/ابريل من عام 2012 نشرت جريدة “التحرير” روايته السادسة “باب الخروج” على حلقات يومية، ثم نشرت بالكامل في حزيران/يونيو من نفس العام (دار الشروق)، وأصبحت من أكثر الروايات انتشاراً في مصر، وتعد هذه الرواية من أكثر الروايات العربية ارتباطاً بالثورة المصرية حتى أنها توصف عادة بأنها “كتالوج الثورة”.