25 فبراير، 2025 4:58 ص

امرأة الأسانسير !

امرأة الأسانسير !

قصة قصيرة

خاص : بقلم – علي رجب :

وضع رأسه على الطاولة، تعبًا، من يوم طويل كعادته، أنتظر الدقائق الأخيرة من العمل، شعر منكوش غير مصفف، قميص مكسر، والسيجارة قبل الأخيرة الكليوباترا، والتي يُطلق عليها “الوقيد”، يحمل هم الأيام الأخيرة في كل شهر، مرتبه لا يكفي أجرة شقته ومصاريفه وزجاجة البيرة الوحيدة في نهاية الأسبوع، غفى للحظات.. فإذا بزميله في العمل “وجدي” قوم الشفت خلص، الحق شغلك التاني…

يقوم بلامبالاة ينظر بعيون تائهة لمن حوله، يخرج، يدق زر الأسانسير يستعجله في الصعود لكي يلحق بتعب آخر في انتظاره.. مكتب عمله في عمارة نصف سكنية وتجارية، يركب يجد أنثى ثلاثينية، فيما هو يحتفل بخريفه الثلاثيني قريبًا، يصطدم بها ويعتذر بكل هدوء ولا ينظر إليها، تُدقق فيه جيدًا هي امرأة سمراء بعيون عسلية وشفاه حمراء، وشعر كيرلي، تقول له بصوت رقيق كدواء سري المفعول: “ولا يهمك”؛ ينظر إليها مكررًا اعتذاره ولكن لا يستطيع تكملة جملة، فتتنبه هي إلى تلعثمه وتضحك “فتشرق أسنانها البيضاء” فيعرف نفسه: “وجدي رحيل” فتستغرب للاسم: “وجدي رحيل”، وجدت أم رحلت ؟ اسمك فلسفي يجمع الحضور والغياب، البقاء والذهاب، القوة والضعف… ينصت لها وهي تتكلم.. الاسانسير يواصل النزول حيث مكتبه في الدور الـ 10 والبرج من عشرون دورًا نصفه العلوي سكني والسفلي إداري.. يحدث نفسه “قوي وضعيف حاضر وغائب”.. وأيضًا “غيبوبه”، حيث حياته بين الذاكرة والنسيان، لا يذكر إلا شغله وينسى غالبيته وقته.. “روحت فين” تكلمه ببساطه وهي تبتسم يقول لها مرة أخرى: “آسف”..

الأسانسير يواصل النزل ويواصل زبائنه… يقترب من رقم (3) أي أنه باقي خطوتان وينتهي من هذا المأزق… يرد: أبدًا أنا هنا شكرًا لكلماتك.. تُعيد السمراء تقول له: يبدو أنك إنسان مهذب.. يقترب الأسانسير من القاء حمولته على قارعة المدخل.. ينزل الجميع وهو آخر واحد.. عفوًا “ممكن أعزمك على قهوة.. أستاذة”، هي.. “شكرًا” مرة أخرى أو صدفة أخرى.. وتركب سيارتها “كيا”.. فيما هو يترجل إلى الناصية الأخرى من الشارع ليلحق بعمله الإضافي.. وتسقط فرصة أخرى للحياة.. يشعل سجارته “الوقيد” هي الأنثى الوحيدة في حياته.

تمت

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة