14 نوفمبر، 2024 11:43 م
Search
Close this search box.

اليهود في جنوب أفريقيا.. دراسة في الجذور والتكوين والدور

اليهود في جنوب أفريقيا.. دراسة في الجذور والتكوين والدور

عرض: نادية سعد معوض
ليس ثمة شك أن الجماعة اليهودية أينما حلت أوجدت لنفسها مكانة مؤثرة، بفضل سيطرتها على الاقتصاد ونجاحها في السيطرة على معظم عوامل الإنتاج والتجارة، مما يوجِد لها في المجتمع وضع اقتصادي وسياسي مؤثر في القرارات المجتمعية والسياسية الهامة.

وبينما يكثر الحديث عن الوجود الإسرائيلي في إفريقيا وتحديدًا حول منابع النيل، ينسى الكثيرون أن هناك جالية يهودية قديمة نسبيًا تكونت في جنوب إفريقيا وشاركت في الحكم العنصري بها، ولا تزال قائمة وقوية في جنوب إفريقيا إلى اليوم، فمع اكتشاف رأس الرجاء الصالح دخل اليهود لأول مرة إلى جنوب إفريقيا كأفراد ثم تكاثروا وعملوا في العديد من المهن، خاصة تجارة المعادن وخاصة الألماس وغيرها، وكونوا ثروات ضخمة، ورغم قلة أعدادهم فإنهم مع الحكم العنصري بعد عام 1910 والهجرات الأوروبية البيضاء إلى جنوب إفريقيا صار لهم وجود سياسي قوي عبر الصحافة وفي البرلمان..

هذا ما تناولته الباحثة نجلاء عبد الجواد في دراستها التي صدرت مؤخرًا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر تحت عنوان: “اليهود في جنوب إفريقيا.. دراسة في الجذور والتكوين والدور”، وقدم لها الدكتور السيد فليفل، عميد معهد الدراسات الإفريقية الأسبق بجامعة القاهرة.

بداية مبكرة
تشير الباحثة إلى أنه تطبيقًا لنظرية الشتات اليهودي الدياسبورا التي ترجعها المراجع إلى السبي والتهجير البابلي، على يد نبوخذ نصر، الذي حكم من 605 ق. م وحتى وفاته عام 562ق. م، وهدم الهيكل الذي أسقط العبادة المركزية لليهود في عام 70 على يد الإمبراطور الروماني تيتوس فيلافيوس فاسباسيانوس، 39- 81، وتهجير اليهود بأعداد كبيرة في مختلف بقاع الأرض، قد تحول مصطلح اليهود نتيجة هذه العملية من مصطلح يدل على التماسك والتجانس والوحدة، إلى مصطلح يدل على جماعات يهودية، منتشرة في العديد من أرجاء العالم، لا يوجد بينها تماسك أو وحدة في أي من الأمور، سواء الدينية أو الفكرية، اللهم إلا أمر واحد ألا وهو قيام دولة إسرائيل وبقاء فكرة الشعب المختار، لذا كان اختيار مصطلح الجماعة اليهودية في اتحاد جنوب أفريقيا أشمل وأدق في المعنى والمنهج.

وتبين الباحثة أن مجتمع اتحاد جنوب أفريقيا خلال فترة الدراسة ـ سنوات عمر اتحاد جنوب أفريقيا منذ قيامه عام 1910 تحت الهيمنة البريطانية إلى إنهاء هذه الهيمنة باستقلال البلاد عن بريطانيا في عام 1961 وبزوغ جمهورية جنوب أفريقا الموسومة بالعنصرية ـ مجتمعًا استيطانيًا مبنيًا على الفصل بين الأعراق والقوميات، وهذا هو المحدد الأساس في علاقة أعضاء الجماعة اليهودية مع باقي الأجناس الأخرى في هذا المجتمع، الذي انقسم بين مجتمع الأغلبية الأفريقية أصحاب الأرض، والملونين والآسيويين، ثم مجتمع الأقلية بحكوماته العنصرية البيضاء المغتصبة، ومن ورائها دول الغرب، ممن ربطت الجماعة اليهودية نفسها بهم.

كما ذكرت الباحثة عند حديثها عن الأوضاع الاجتماعية ليهود جنوب أفريقيا طرقًا يلجئون إليها للحفاظ على ترابطهم وتوحدهم، وأفردت مساحة للحديث عن الزواج وتقاليده، مشيرة إلى أن رجال الدين كانوا يضغطون على الرجال غير المتزوجين لحثهم على الزواج.

وبينت أنه منذ بداية الحركة الصهيونية نشطت هذه الحركة بين يهود جنوب إفريقيا، حيث تشكل الاتحاد الصهيوني الجنوب إفريقي في عام 1895، ورغم أن أعضاءه كانوا أفرادًا محدودين فقد كان لديهم نفوذ واسع، ونشطت الجماعة اليهودية في جنوب إفريقيا للعمل على إقامة دولة “إسرائيل ” في فلسطين، وصحيح أن يهود الجنوب لا يقبلون على الهجرة إلى إسرائيل، لكنهم يساعدون المهاجرين اليهود من البلاد الأخرى بجمع الأموال الطائلة، وفعلوا ذلك مع يهود العراق عند هجرتهم إلى إسرائيل، وساعدت أموالهم في بناء العديد من المستوطنات، ومع الاعتراف المتكرر من قادة اتحاد جنوب إفريقيا البيض بأحقية اليهود في إقامة دولة خاصة ومستقلة لهم في فلسطين فقد تشجع الصهيونيون في الجنوب الإفريقي على ممارسة نشاطهم عمليًا، وقد تكشف ذلك خلال حرب 1948.

وعندما قامت دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين في منتصف مايو 1948 أسرعت حكومة اتحاد جنوب إفريقيا إلى الاعتراف بالدولة الجديدة يوم 24 مايو، وعملت الجماعة اليهودية في جنوب إفريقيا على توطيد علاقاتها بدولة “إسرائيل”، وتم إرسال طائرتي نقل ماركة بونانزا إلى فلسطين، فضلًا عن كميات من الأسلحة والعتاد الحربي والمواد الغذائية والتجهيزات الطبية والمساعدات المالية، وحتى حينما قامت الأمم المتحدة بمنع تدفق الأسلحة على “إسرائيل” والعرب فإن جنوب إفريقيا أمكنها تهريب الأسلحة إلى “إسرائيل”.

كما لعبت أموال يهود جنوب إفريقيا دورًا بارزًا في نمو وتطوير العديد من الشركات والمصانع الإسرائيلية، مثل شركة العال للطيران وشركة أتا الخاصة بصناعة الملابس وشركات التأمين ومصانع التبريد وسباكة المعادن، فضلًا عن المصارف، ويعتبر مصيف اشكالون الذي أقيم مكان مدينة عسقلان العربية على البحر المتوسط شاهدًا على الدور الذي قامت به استثمارات يهود جنوب إفريقيا.

ولعب يهود جنوب إفريقيا دورًا في تأسيس العديد من الكيبوتزات داخل فلسطين قبل قيام “إسرائيل”، وكان هناك رواد عدة من جنوب أفريقيا للاستيطان في فلسطين تمهيدًا لقيام الدولة.

ولم يكن ذلك غريبًا عليهم، فقد استوطنوا من قبل جنوب إفريقيا، وجاء معظمهم من هولندا، أي أن الاستيطان كان عاديًا في بنائهم النفسي وتكوينهم العقلي، وحين قامت “إسرائيل” كان عدد اليهود في جنوب إفريقيا يزيد قليلًا على مائة ألف، ومع ذلك فقد اعتبر جولدشتاين رئيس اللجنة التنفيذية الأمريكية للمؤتمر اليهودي العالمي في زيارة له عام 1959 إلى جنوب إفريقيا أن هذا البلد به أكثر الجماعات اليهودية حيوية خارج “إسرائيل”، وهي جديرة بمكانتها إذا قيست بمقاييس الارتباط بالمعبد والتعليم اليهودي والإخلاص للصهيونية الذي لا يشمل استجابتها لطلبات جمع الأموال لإسرائيل فحسب، وإنما يشمل أيضا الهجرة لإسرائيل والاستثمار فيها.

نشاط ثقافي وسياسي

وترى الباحثة أنه بسبب غلبة العنصر الانجليزي على البيض الحاكمين في جنوب إفريقيا فقد نشط اليهود بينهم ثقافيًا، حيث صدرت في جنوب إفريقيا صحف خاصة باليهود، وتأسست دور نشر أصدرت العديد من الكتب عن إسرائيل، واتسعت العلاقات الثقافية بين البلدين، وتمت زيارات للفنانين بين جنوب إفريقيا وإسرائيل، فضلًا عن الكتاب والعلماء وأساتذة الجامعات.

كما بينت الباحثة أنه يتم تقسيم الموروث الثقافي لديهم لقسمين، الأول كتب بالإنجليزية، واتسم هذا القسم ببعده عن الأفكار التوراتية التي أثرت في معظم كتّاب اليهود، خاصة في فترة اتحاد جنوب أفريقيا، حيث تناول موضوعات ألقت الضوء على مشكلات الاتحاد، ومن أشهر الأدباء نادين جورديماير، الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب، ووسام الأكاديمية الأمريكية في العلوم والفنون، وكانت تندد بسياسة الفصل العنصري بين البيض والسود التي مارسها الحكم النازي الألماني، أما القسم الثاني فهو المكتوب باليديشية، وهو في الأساس أدب موجه، ويهتم بمعاناة اليهود من اضطهاد في شرق أوروبا.

ويفخر يهود جنوب إفريقيا بأن أول طيار إسرائيلي قتل في حرب 1948 كان متطوعًا من يهود جنوب إفريقيا للمشاركة في الحرب، وبعد هذه الحرب ضغط الاتحاد الصهيوني على حكومة جنوب إفريقيا لتدريب الطيارين الإسرائيليين عبر ميناء امستردام، وكان ذلك يكلفهم كثيرًا، وهذا ما دعاهم إلى العمل على إنشاء طريق بحري بين جنوب إفريقيا وإسرائيل مباشرة، لينقل كافة المساعدات والمعونات إلى تل أبيب، وقد أعلن دافيد بن جوريون أن يهود جنوب إفريقيا جماعة صغيرة لكنهم أرسلوا متطوعين عدة ومعونات تفوق أي جماعة يهودية أخرى في العالم، وظلت العلاقة وطيدة بين جنوب إفريقيا وإسرائيل بفضل هؤلاء اليهود.

وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي حين أخذ الرئيس المصري جمال عبد الناصر يساند حركات التحرر الإفريقية نشطت الجماعة اليهودية في جنوب إفريقيا في تصوير عبد الناصر باعتباره عدو الرجل الأبيض، ويريد أن يفرض الإسلام في إفريقيا كلها، ويجعلها قارة مسلمة، وهذا ما جعل حكومة جنوب إفريقيا تزيد من تعاونها العسكري مع إسرائيل وفق نظرية أن يكون هناك عدو قوي عسكريًا لعبد الناصر على حدوده، ويستنزفه ويرهقه عسكريًا واقتصاديًا، وحققت إسرائيل استفادة ضخمة عسكريًا واقتصاديًا، وكانت جنوب إفريقيا تدرب الطيارين الإسرائيليين وتقوم بصيانة الطيران الإسرائيلي، فضلًا عن أسلحة أخرى عديدة، والمعروف أن جنوب إفريقيا عاونت إسرائيل في مشروعها النووي.

وعند تناول الوضع السياسي للجماعة اليهودية اعتمدت الباحثة على كتاب إسرائيل وجنوب أفريقيا لريتشارد –ستيفنز وعبدالوهاب المسيري، حيث ورد في هذا الكتاب تحليل العديد من الوثائق التي تتناول علاقة اتحاد جنوب أفريقيا بنشأة دولة إسرائيل، ودور كل من رجالات حكومة اتحاد جنوب أفريقيا في ذلك، كما أنه يلقي الضوء على مدى الضغوط التي مارستها الجماعة اليهودية من خلال نفوذها الاقتصادي في دفع حكومة الاتحاد للاعتراف بقيام دولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، كما يرصد بالوثائق والطرق العلمية الصحيحة وضع الجماعة السياسي في الاتحاد، وما مارسته حتى تصل إلى غايتها ونفوذها القوي خلال تاريخ اتحاد جنوب أفريقيا، مما كان له أثر في قيام دولة إسرائيل في قلب الوطن العربي، وعلى حساب الشعب الفلسطيني.

ومما يذكر أن الكتاب جاء في خمسة فصول استعرضت فيها الباحثة الأوضاع الاجتماعية والدور الاقتصادي والحياة الدينية والتعليمية والنشاط السياسي للجماعة اليهودية في جنوب أفريقيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معلومات عن الكتاب
اليهود في جنوب أفريقيا.. دراسة في الجذور والتكوين والدور
المؤلف:نجلاء عبد الجواد
الطبعة:الأولى -2011 م
عدد الصفحات:340 صفحة من القطع المتوسط
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة –مصر

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة