خاص: إعداد- سماح عادل
الحب مجموعة من المشاعر الإيجابية والحالات العاطفية والعقلية عميقة الأثر، تتراوح بين أسمى الأخلاق وأبسط العادات اليوميَة الطيبة. يختلف حب الأم أو الأخت عن حب الزوج أو عن حب الطعام. يشير الحب إلى شعور الانجذاب القوي والتعلُّق العاطفي بالشخص.
أحيانا يعبر الحب عن الفضائل الإنسانيَة التي تتمثَّل بالتعامل الحسن ومشاعر الإيثار والعمل على سعادة الآخرين وتحقيق الخير العام، كما يمكن أن يصف التعامل العاطفي مع بقية البشر أو الحيوانات أو حتى النفس.
يعد الحب بأشكاله المختلفة أساس العلاقات الشخصية بين البشر، وبسبب أهميته النفسية يعد واحدا من أكثر الموضوعات شيوعاً في الفنون الإبداعية، ويفترض عادة أنَ وظيفة الحب أو غايته الرئيسيَة الحفاظ على النوع البشري من خلال التعاون معاً ضد الصعاب والمخاطر والمحافظة على استمرار النوع.
خمسة أنواع..
حدَد فلاسفة الإغريق خمسة أنواع من الحب: حب العائلة، حب الصديق، الحب الرومانسي، حب الضيف، حب الإله، فيما ميَز كتاب معاصرون أنواعا أخرى من الحب مثل: الحب دون مقابل، الحب إلى درجة الوله والافتتان، حب الذات، حب التملُّق، نجد أيضا في الثقافات الآسيوية أسماء وصفات مختلف للحب كحب الكلّ، حب الإله كوسيلة للخلاص، العشق وغيرها من المعاني والصفات المستخدمة في دول الشرق وحضاراته المختلفة.
للحب أيضا معان دينيَة وروحانيَة مختلفة وهذا التنوع الكبير في الاستخدامات والمعاني لمصطلح الحب يجعل من الصعوبة تحديد معنى الحب بشكل دقيق مقارنة بالحالات والمشاعر العاطفية الأخرى.
تعريف..
يشير مصطلح الحب إلى مجموعة متنوعة من المعاني المتشابهة ولكن في سياقات مختلفة، تستخدم العديد من اللغات الأخرى كلمات مختلفة للتعبير عن مفاهيم أو معاني تشبه كلمة حب بالإنكليزية، وفي بعض اللغات كاليونانية كما ذكرنا سابقاً أكثر من مصطلح يشير لنفس المعنى، وقد تكون الاختلافات الثقافية بين حضارة وأخرى ولغة وأخرى هي التي تمنع وضع تعريف عالمي موحد لهذه الكلمة.
طبيعة أو جوهر الحب هو موضوع نقاش متكرر، ويمكن توضيح أو تحديد الجوانب المختلفة للكلمة من خلال تحديد نقائض أو متضادات الحب، فالحب يتناقض مع الكراهية لأنه تعبير عام عن المشاعر الإيجابية، ويتناقض مع الشهوة الجنسية لأنه شعور رومانسي عاطفي وليس جسدي، ويتناقض الحب أحيانا مع الصداقة رغم أن كلمة حب عادة ما تطبق على الصداقات الوثيقة.
يشير الحب عادة إلى تجربة أو شعور شخصي تجاه شخص آخر وغالبا ما يرتبط الحب بمفهوم رعاية شخص أو شيء والاهتمام به، بالإضافة للاختلافات بين الثقافات في فهم الحب أو تعريفه، تغيرت الأفكار حول الحب أيضا وبشكل كبير مع مرور الزمن فبعض المؤرخين يرجعون المفاهيم الحديثة للحب الرومانسي إلى أوروبا خلال وبعد العصور الوسطى على الرغم من وجود مفاهيم الرومانسية في الشعر الكلاسيكي القديم.
غالباً ما تقلِّل الأمثال والحكم الفكريَّة الشائعة التي تتحدَّث عن الحب أو تصفه من طبيعته المُعقَّدة والمجرَّدة، ومن أشهرها: «الحب ينتصر» لفيرجيل، «كل ما نحتاجه هو الحب» للقديس توما الأكويني، أو كما وصفه أرسطو: الحب هو إرادة الخير للآخر، ويقول برتراند راسل إنَّ الحب هو قيمة مطلقة وليست نسبيَّة، ومن جهته يصف الفيلسوف غوتفريد لابينز الحب بأنَّه السعادة والرضى الذي نحصل عليه بسعادة شخص آخر، في حين يُعرِّف عالم الأحياء جيريمي غريفيث الحب بأنَّه الإيثار غير المشروط.
الحب غير الشخصي..
الناس يحبون الأشياء والمبادئ التي يؤمنون أو يلتزمون بها بشدة، ومن هنا يبرز حب المنتمين لهذه المبادئ والأهداف والعاملين في سبيل تحقيقها وهذا مثال عن الإيثار والحب غير الشخصي الناتج عن القناعات الدينية والسياسية والفكرية القوية، يمكن للبشر أيضا أن يحبوا الأشياء المادية والجمادات والحيوانات وقد يصل الأمر للشغف الجنسي بهذه الأشياء وهو ما يعرف بالبارافيليا في علم النفس، من الأمثلة الشائعة أيضا أن البشر يحبون الحياة بحد ذاتها.
الأساس البيولوجي للحب..
تميل التصورات البيولوجية إلى اعتبار الحب أو الجنس حاجة ضرورية للحيوانات مثل الحاجات الأساسية الأخرى كالجوع والعطش، تقسم عالمة السلوك البشري “هيلين فيشر” شعور الحب إلى ثلاث مراحل متداخلة: “الشهوة والانجذاب والتعلُّق”، الشهوة هي الشعور بالرغبة الجنسية أما الانجذاب فهو تحديد واختيار الشركاء الذين يبدون مناسبين والتعلَّق هو قضاء الوقت والاقتراب من الشريك المختار وما ينتج عن ذلك من مشاعر السلامة والأمان، يعتقد أنَ النواقل العصبية في الجسم تلعب الدور الأساسي في الأنماط السلوكية الثلاثة سابقة الذكر.
إن الشهوة الجنسية هي المحرض العاطفي الأساسي الذي يشجع على التزاوج، وأثناء حدوثها يتم إطلاق العديد من المواد الكيميائية الهامة «هرمونات» مثل التستسترون والأستروجين وعادة ما تدوم تأثيرات هذه الهرمونات لفترات زمنية قصيرة لا تتجاوز بضعة أسابيع، أشارت العديد من الدراسات الحديثة إلى أن الدماغ البشري ينتج العديد من النواقل العصبية الكيميائية أثناء فترة الحب مثل الدوبامين والنورإبينفرين والسيروتونين، هذه النواقل العصبية تحفز مراكز المتعة في الدماغ بصورة مشابهة لما تفعله بعض العقاقير المنشطة مثل الأمفيتامين، من التاثيرات الجانبية لهذه النواقل العصبية زيادة معدل ضربات القلب وفقدان الشهية للطعام وقلة النوم وقد تستمر هذه المرحلة لعدة سنوات في بعض الحالات.
عموما تعتبر مرحلتا الشهوة والانجذاب قصيرتان نسبيا ومؤقتتين وهنا تبرز الحاجة إلى مرحلة ثالثة طويلة الأمد تعزز العلاقات الدائمة لسنوات أو عقود وهذه المرحلة هي التعلُّق، يعتمد التعلُق عموما على التزامات مثل الزواج والأطفال أو على الصداقة المبنيَة على أساس اهتمامات المشتركة، وقد تم ربط التعلُّق بوجود مستويات أعلى من بعض المواد الكيميائية كالأوكسيتوسين والفازوبريسين بشكل أكبر من العلاقات قصيرة الأمد، في إحدى الدراسات ذكر إنزو إيمانويل وزملاؤه أن عامل النمو العصبي NGF يوجد بمستويات عالية عندما يقع الناس في الحب لأول مرة، ولكنَّه يعود إلى مستوياته الطبيعية السابقة بعد عام واحد تقريباً.
علم الأعصاب والحب..
تشير الدراسات الحديثة وكهرباء الدماغ إلى أن الافتتان يؤثر بقوة في مناطق الدماغ البشري المسئولة عن الغرائز، ما يبين أن «الشعور»، الذي يشار إليه عموما باسم الحب (بمعنى الولع أو لهفة الحب الأولى) في ارتباطه الكيميائي الحيويي. على اتصال قوي مع الغرائز البيولوجية.
تدوم الآثار التي تترافق في الغالب مع الحب (الولع، اللهفة، الافتتان) أيضا على عمليات الغدد الصم العصبية التي تكمن وراء هذه الظاهرة وتشكل أصلها، والتي يجب البحث عنها في النشاط الجنسي، والذي بدوره يخضع كثيرا للسيطرة على الغدد الصم العصبية في الدماغ البيني. أخيرًا، تلعب المواد الأفيونية الداخلية للفص النخامي دورا في هذا المجال.
إذا وقع شخص ما في الحب، فإن العديد من أشباه الكيميائيات (semiochemical) تسبب شعور بالابتهاج (الدوبامين) والانفعال والاستثارة (الأدرينالين) ومشاعر السعادة والغبطة العميقة (الإندورفين والكورتيزول) بالإضافة إلى زيادة الرغبة الجنسية (نقص هرمون التستوستيرون في الرجال، زيادة النساء). بالمقابل، الأوقات التي لا يكون المرء مع الشخص المحبوب يمكن أن تشعر بأنها مؤلمة للغاية لدرجة اليأس.
كذلك تُفرز العطور الجنسية (الفيرومونات) بشكل متزايد. من ناحية أخرى، ينخفض مستوى السيروتونين بشكل حاد، مما يجعل حالة الوقوع في الحب عند هذه النقطة مشابهة للعديد من الاضطرابات النفسية. هذا يساهم في كون العشاق في حالة تشبه حالة كون الإنسان «ليس في كامل قواه العقلية» مؤقتا ويمكنه القيام بأفعال غير عقلانية ومتهورة. بعد مرور بعض الوقت بضعة أشهر، يعتاد الجسم على هذه الجرعات وبالتدريج وفقا لمنظمة الصحة العالمية بحد أقصى بعد 24 إلى 36 شهرا ينهي الدماغ حالة «تسمم الحس» هذه.