7 أبريل، 2024 2:49 م
Search
Close this search box.

الوساوس القهرية.. عندما يرفض الشخص الاستجابة لها يصاب بالكرب

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

اضطراب وسواسي قهري (OCD أو اختصاراً الوسواس القهري) هو اضطراب نفسي يشعر فيه المصاب أنّ فكرة معيّنة تلازمه دائماً وتحتلّ جزءا من الوعي والشعور لديه وذلك بشكل قهري، أي أنّه لا يستطيع التخلّص أو الانفكاك منها، مثل الحاجة إلى تفقّد الأشياء بشكل مستمر، أو ممارسة عادات وطقوس بشكل متكرّر، أو أن تسيطر فكرة ما على الذهن بشكل لا يمكن التفكير بغيرها.

كما يُعرّفُ الوسواسُ القهري بأنّه فِكْرٌ متسلّط وسلوك جبري يظهر بتكرار لدى الفرد ويلازمه ويستحوذ عليه ولا يستطيع مقاومته، رغم وعيه بغرابته وعدم فائدته، ويشعر بالقلق والتوتر إذا قاوم ما توسوس به نفسه، ويشعر بإلحاح داخلي للقيام به. يلاحظ تكرار هذه الأفكار أو الممارسات بشكل دوري وعلى فترات طويلة نسبياً، وتشمل أعراضه التأكد من الأشياء مرات ومرات مثل غسل اليدين أو عدّ الأشياء أو تفحّص قفل الباب والشبابيك والقيام بعمليات الحساب بشكل مستمر، والصور التي تظهر في الذهن وتتعلق به وتكون ذات طبيعة مقلقة.

وأيضاً الصعوبة التي قد يواجهها البعض عند التخلّص من الأشياء ورميها خارجاً. عادةً ما تؤثّر هذه الأفكار سلباً على الحياة اليومية للأشخاص المصابين بهذا الاضطراب حيث تستلزم منهم ما يفوق الساعة في اليوم الواحد للقيام بها بشكل دوري. تترافق مع ممارسات الاضطراب الوسواسي القهري عادة تشنّجات لاإرادية واضطرابات القلق وزيادة في خطورة احتمالية حدوث انتحار.

ويعتبر الوسواس القهري أحد الأعراض المرتبطة بالقلق حيث تسبب الوساوس قلقا نفسيا ينتج عنه الحاجة إلى أداء الأعمال بشكل قهري مما يوفر إحساساً مؤقّتاً بالراحة؛ وما تزال أسباب الاضطراب الوسواس القهري غير معروفة بالشكل الكامل من الناحية البيولوجية، على الرغم من وجود عوامل وراثية مؤثّرة.

أمّا العوامل النفسيّة فتتضمّن سجلّاً من التعرّض إلى إساءة المعاملة في مرحلة الطفولة أو أي حوادث أخرى مسبّبة للتوتّر النفسي المرضي. يتمّ التشخيص بناء على الأعراض ويتطلّب إقصاء أية مسببات طبية أو دوائية أخرى.

مقياس بيل براون..

يمكن استخدام مقاييس مثل مقياس ييل- براون الوسواسي القهري (Y-BOCS) للمساعدة في تقدير درجة الاضطراب. من الاضطرابات الأخرى التي لها أعراض مشابهة للاضطراب الوسواسي القهري كلّ من اضطراب القلق والاضطراب الاكتئابي واضطراب الأكل واضطراب الشخصية الوسواسية.

الإصابة..

يصيب الاضطراب الوسواسي القهري حوالي 2.3% من الناس في مرحلة معيّنة من حياتهم، ويكون معدّل الإصابة في سنّ محدّد حوالي 1.2%، وهو اضطراب منتشر في كافّة أنحاء العالم. من غير المألوف أن تظهر أعراض الاضطراب بعد سنّ الخامسة والثلاثين، في حين أنّ حوالي نصف الناس الذين لديهم مشاكل بسببه، كانت قد ظهرت لديهم الأعراض قبل سنّ العشرين؛ كما تتساوى نسبة الإصابة به بين الرجال والنساء.

علاج نفسي..

قد تطول الحالة إلى عقود من غير معالجة، لذلك يتطلّب إجراء علاج نفسي للمصابين بالاضطراب الوسواسي القهري، وذلك يتضمّن علاج سلوكي معرفي (CBT)، وذلك بالتعرّض المتزايد لمسبّب المشكلة مع عدم السماح للسلوك المتكرّر بالحدوث. قد يلزم في بعض الأحيان استخدام عقاقير مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)؛ وكذلك المضادات غير النمطية للذهان، إلّا أنّ الأخيرة لها آثار جانبية كبيرة.

تفاوت..

تتفاوت درجة الوساوس الأولية والأفكار المتدخّلة من حيث درجة وضوحها بين الأفراد؛ حيث أنّ البعض قد تكون لديه وساوس غامضة تولّد شعوراً عاماً بالتشتّت أو التوتّر المترافق بالاعتقاد أنّ الحياة لا يمكن أن تستمرّ بشكل طبيعي مع بقاء حالة الاضطراب تلك.

قد تقود الوساوس الأكثر شدّة من ذلك بالانشغال الذهني بفكرة أو صورة شخص قريب من الهلاك، أو قد تؤدّي إلى أفكار متداخّلة تؤثّر على العلاقات الحميمة في محيط المصاب. من الوساوس الأخرى التي تسيطر على أذهان المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري الاعتقاد بإمكانية حدوث أذىً حاصل من مسبّب غيبي (كالإله أو الشيطان) أو مسبّب مرضي وذلك للشخص المصاب بالاضطراب أو للأشخاص الذين يهمّه أمرهم. من الوساوس القهرية أيضاً حالة الاكتناز القهري لدى البعض، الذين يعاملون الأشياء الجامدة بارتباط عاطفي؛ أو العدّ وإحصاء الأشياء؛ وفي بعض الحالات النادرة قد يمرّ المصابون بالاضطراب الوسواسي القهري بمشاعر وأحاسيس بوجود نتوءات غير مرئية منبعثة من أجسامهم، أو الشعور أنّ الأشياء الجوامد حيّة.

قد يصل الأمر في الوساوس في بعض الأحيان عند بعض المصابين إلى الشؤون الجنسية، بحيث تتكرّر الأفكار المتعلّقة بالممارسات الجنسية من التقبيل والعناق والمعاشرة، والتي تتجاوز في بعض الأحيان إلى التفكير بشذوذ، مثل الاغتصاب وسفاح القربى والاعتداء الجنسي على البشر بمختف أعمارهم وحتّى على الحيوانات. ما يميّز الوساوس الجنسية عن مجرّد الأفكار المتدخّلة العابرة لدى المصابين في هذه الحالة أنهم يعيرونها القدر الكبير من الاهتمام، فعلى سبيل المثال تعتري الأشخاص المصابين باضطراب OCD المخاوف الوسواسية فيما يخصّ التوجّه الجنسي لديهم، أو حتّى المحيطين بهم، وذلك على شكل أزمة في الهويّة الجنسية.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الشكّ الذي يصاحب الاضطراب الوسواسي القهري يؤدّي إلى الالتباس والاختلاط فيما يتعلّق بالتصرّفات مع الأشخاص المحيطين، ممّا يدفع إلى تعنيف الذات والاشمئزاز منها. من الوساوس الفكرية أيضاً استحواذ أفكار متعلّقة بالعنف ممّا يؤدّي إلى الخوف، مثل وساوس الطعن بالسكين أو الرمي بالرصاص أو إصابة الأشخاص أثناء قيادة السيّارة. يعلم المصابون بالاضطراب الوسواسي القهري أنّ الأفكار والممارسات التي يقومون بها غير منطقيّة، لكنّهم لا يستطيعون مقاومتها والتخلّص منها.

العادات القاهرة..

يقوم بعض المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري بممارسة عادات وطقوس قاهرة لأنّهم يشعرون وبشكل غير قابل للتوضيح أنّ عليهم القيام بذلك، في حين أنّ البعض الآخر يقومون بتلك العادات القاهرة لأنّ ذلك يخفّف من حدّة القلق المصاحب لأفكار معيّنة متدخّلة على الذهن. يمكن للمصاب أن يشعر أنّ هذه التصرّفات ستقوم بشكل ما بمنع حدث مخيف من الوقوع، أو أنّها ستدفعهم للتفكير بأمر آخر غير ذلك الحدث. على أيّ حال، فإنّ التعليل الذي يقدمه المصاب حول الدوافع غالباً ما تكون لها خصوصية ذاتية بشكل كبير، أو أن تكون غير واضحة المعالم، ممّا يؤدّي إلى بؤس وانزعاج واضح للمصاب وللمحيطين به. يعتمد الناس على العادات القاهرة من أجل الهروب من الأفكار الوسواسية، رغم أنّهم يدركون أنّ الراحة الناجمة عن هذه الممارسات ما هي إلا حالة مؤقّتة، وسرعان ما تؤوب تلك الأفكار المتدخّلة على الذهن قريباً.

من أمثلة العادات القاهرة المصاحبة للاضطراب الوسواسي القهري كلّ من سحج وكشط الجلد الشديد وهوس نتف الشعر وقضم الأظافر، بالإضافة إلى الاضطرابات السلوكية القاهرة الأخرى ضمن الطيف الوسواسي القهري التي تؤثّر بشكل متكرّر على البدن. من العادات القاهرة الشائعة أيضاً الإفراط في غسل اليدين والتنظيف وفي تفقّد الأشياء (مثل قفل الباب) أو السؤال المتكرّر عن الأشخاص والاطمئنان عنهم.

تختلف العادات القاهرة عن العرّات أو التشنّجات اللإرادية مثل الملامسة أو الحكّ أو التربيت؛ كما تختلف عن اضطراب الحركة التكراري مثل قدح الرأس وأرجحة البدن، والتي عادةً هي ليست بتعقيد العادات القاهرة لكنها لا تنشأ بسبب الوساوس. على الرغم من ذلك يوجد صعوبة بالتفريق بين العادات القاهرة والتشنّجات اللاإرادية المعقّدة؛ إذ أنّ التداخل والارتباط بينها يصل في بعض الأحيان إلى نسبة 40% من المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري.

كما ينبغي التفريق بين العادات القاهرة وبين الممارسات العادية اليومية المتكرّرة كالهوايات مثلاً، وذلك يعتمد حسب مضمون السلوك بحدّ ذاته. فعلى سبيل المثال فإنّ ترتيب أقراص الـDVD لساعات عدّة هو أمر يمكن تصوّره لشخص يعمل في متجر أقراص فيديو، ولكنه سيُنظر إليه على أنّه أمر شاذّ بخلاف ذلك، كأنّ تقوم به ربّة منزل مثلاً. بعبارة أخرى فإنّ الهوايات عادةً ما تجلب الكفاءة لحياة الأشخاص، في حين أنّ العادات القاهرة تخرب ميزانها. بالإضافة إلى القلق والخوف المصاحب للاضطراب الوسواسي القهري فإنّ استنزاف الوقت أحد الأمور التي تزعج المصابين، إلى حدٍّ يصعب فيه على المرء أن ينجز في عمله وأن يؤدّي واجباته العائلية وأدواره الاجتماعية.

يمكن في بعض الحالات أن تؤدّي العادات القاهرة إلى انعكاسات سلبية جسدية، فعلى سبيل المثال، يعاني الأشخاص الذين يفرطون في غسل أيديهم بالصابون المعقّم للبكتريا وبالماء الساخن من احمرار بسبب التهاب الجلد.

الإفراط..

يعتقد بعض المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري بأفكار معيّنة ويعطونها أهميّة أكبر من قدرها. يؤدّي هذا الإفراط في تقدير الأفكار إلى حدوث مشاكل وصعوبة في تطبيق أسلوب علاج التعرّض ومنع الاستجابة، بسبب امتناعهم وعدم رغبتهم في التعاون بشكل طوعي. هناك حالات بالغة الشدّة يصل فيها الأمر إلى درجة الاضطرابات الذهنية.

أكّد تحليل تلوي أجري سنة 2013 أنّ الأشخاص المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري لديهم عجز معرفي متوسّط إلى واسع المدى، وخاصّة فيما يتعلّق بالذاكرة المكانية (الذاكرة المتعلّقة بالبيئة المحيطة وبالاتجاهات)، وإلى حدّ أقلّ بالذاكرة اللغوية من حيث اختيار الكلمات والألفاظ، وبالأداء التنفيذي وسرعة المعالجة، في حين أنّ الانتباه السماعي لم يتأثّر بشكل كبير. كما بيّنت دراسة أخرى أنّ المصابين بالاضطراب الوسواسي القهري يبدون عجزاً في صياغة استراتيجيات تنظيمية لعددٍ من المهام الذهنية.

التشخيص..

يُشخّص الاضطراب الوسواسي القهري عادةً من النفسانيين أو الأطباء النفسيين أو المؤهّلين المرخّصين في مجال الطب النفسي. وفق الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM) تشخّص الإصابة بالاضطراب الوسواسي القهري عندما يبدي المرء الوساوس أو العادات القاهرة (القواهر) أو كليهما؛ وخاصّة عندما تحمل هذه الوساوس أو القواهر سمة مرضية. من أمثلة هذه الظواهر وفق دليل DSM الهجوم المتوالي والمتكرّر للأفكار أو النزوات أو الصور والتي تؤدّي إلى تخييم شعور بالقلق أو بالكرب، وذلك بشكل مغاير لما يواجهه المرء عادةً عند حدوث مشاكل في حياته.

قد يتمكّن المرء المتوازن عادة من تجاهل أو مقاومة مثل هذه الأفكار أو العادات القاهرة، أو أن يستطيع أن يكبح من جماحها بأفكار أو تصرّفات معاكسة، بشكل يتيح له تمييز هذه القواهر على أنها غريبة أو غير منطقية. بالتالي يكون للوساوس والقواهر سمة مرضية عندما يرافق عدم الاستجابة لها شعور بالكرب والضغط النفسي والقلق. بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذه الوساوس والقواهر يجب أن تكون مستهلكة للوقت، ممّا يؤدّي إلى خلل في حياة الشخص على الصعيد الاجتماعي أو المهني.

العلاج..

يعدّ العلاج السلوكي المعرفي (CBT) واستخدام العقاقير نفسانية التأثير إحدى أولى الوسائل لعلاج الاضطراب الوسواسي القهري. يمكن لوسائل العلاج النفسي الأخرى مثل الوسائل الديناميكية والتحليلية النفسية أن تساعد في إدارة علاج بعض جوانب الاضطراب، إلّا أنّ الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين كانت قد أبدت ملاحظتها سنة 2007 عن نقص دراسات علمية ضابطة ذات فعالية في التعامل مع الأعراض الجوهرية للاضطراب الوسواسي القهري. من المهمّ أيضاً اطلاع محيط المريض من الأهل والأصدقاء وتعريفهم بالمرض وكيفية علاجه والأسلوب الصحيح للتعامل مع المريض، ممّا يخفّف في النهاية من حدّة المواجهة مع الحالة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب