25 فبراير، 2025 8:05 ص

الهوس بالكاتب/ة (9): حين يقابل النص حالة نفسية معينة عند القارئ تحدد بدورها درجة التأثر

الهوس بالكاتب/ة (9): حين يقابل النص حالة نفسية معينة عند القارئ تحدد بدورها درجة التأثر

 

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يكون هوس القارئ بالكاتب نتيجة تعلق القارئ بسمات شخصية أخرى يتصف بها الكاتب، مثل الوسامة أو الجمال، مثل المكانة الاجتماعية التي وصل إليها الكاتب، ومثل الشهرة أو الثراء.

وقد يمتد الهوس لدى القارئ إلى الهوس بشخصية داخل رواية، لدرجة أن يتمثلها. وتملأ عليه أيامه. وهناك رأي آخر يفسر الهوس بأن النص يقابل حالة نفسية معينة عند القارئ تحدد بدورها درجة التأثر به، بمعنى أن الهوس ينشأ من تأثر القارئ بالنص وهو في حالة نفسية معينة هيأته للتأثر الشديد بنص كاتب ما.

هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:

  1. ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
  2. ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
  3. كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
  4. هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟

 

التعلق بسبب سمات شخصية..

يقول الكاتب الكردي السوري “إبراهيم يوسف”: “من شأن الكتابة- ومن خلال وجهة نظري- وعلى ضوء تجربتي الشخصية، أن تجذب القراء والقارئات في آن واحد، إلى عالم الكتابة، إلا إن هذا الجذب إنما هو معرفي، إذ لا أرى في الكتابة مصيدة للطرف الآخر، أي القارئ أو القارئة،  سواء أكنا في حضرة كاتب أو كاتبة، على حد سواء، كما يوحي السؤال لأول وهلة؟.

لقد استطعت، من خلال تجربتي الشخصية، أن أكتسب مئات الصداقات المختلفة، في أقل تقدير، وأن يكون من بين هذا العدد الكبير: قارئات، كان نتاجي الأدبي، أو حتى الصحفي، بوابة للتعارف على هؤلاء، وما زال أكثر هؤلاء يشكل أسرتي الثانية، إلا إن الحكم على القارئ أو القارئة بالوقوع في فخ منتج النص أو منتجته، فإن في هذا الكثير من التجني، في ظل الوعي المعرفي، باعتبار القارئ- ة على درجة مقبولة من الوعي، وإن كنت في الوقت ذاته، أدرك أن أي تواصل بين الذكر/ الأنثى: الزمالة- العمل- البروز أو التفوق في مجال ما، يمكن أن يقود إلى تشكيل علاقة استلطاف، أو تعلق، أو حتى علاقة هوى، وغرام، وحب، وهيام، فالكتابة هنا هي مجرد وسيلة، استغلالها من قبل طرفي منتج النص ومتلقيه يؤدي إلى علاقة خارج هذا الفضاء.

لا أتصور، أن الكاتب: الشاعر أو الروائي أو القاص أو الناقد او حتى  الصحفي/..ة يتساوى شأنهم بشأن: المغني/ أو الممثل/ة، أو حتى الرياضي/ة وإن كان من شأن النص المنتج من قبل أي منهم استثارة المتلقي، وقد قال لي قراء عديدون: إن المشاهد العاطفية في الرواية مثلاً تجذبهم، وهذا معروف، ومن هنا فإن أي مهني. أي حرفي: بائع الحلوى- النادل- الصائغ- الطبيب- المعلم  هو عامل جذب لمحيطه، بشكل أو بآخر!

ما أريد قوله هنا: إن الكاتب/ة ينتج أعلى درجة وعي ومعرفة، لذلك فإن جمهرات متلقيه، على أشكالهم، وأصنافهم، يلتزمون بحدود صارمة بينهم ومبدعيهم، في الحالات العادية، وإن كان في الواقع- لأية قاعدة استثناءاتها-

قد يأتي من يدحض مثل وجهة النظر-هذه- قائلاً: وماذا عن نزار قباني الذي أولعت به نساء كثيرات؟. مثل هذه الحالة تستوجب استقراءها على نحو خاص بعد طرح العديد من الأسئلة والنقاط:

نحن أمام خيال شاعر يتحدث عن المولعات به

لربما دواعي التعلق بأي مبدع/ة تكون بسبب سمات أخرى شخصية: (الشكل- المال- المرتبة).

قد نكون أمام طرف متفرغ لإقامة علاقات من هذا النوع لدواع نفسية إلخ”..

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ يقول: “أنظر، بحذر إلى مستقبل أية علاقة من هذا النوع، لأنها عرضية، موقوتة. فاشلة، فيما إذا كانت مبنية على أساس الموقف من منتج المبدع/ة، الذي قد لا يكون انعكاساً لشخصيته. أعرف من أولعت بموسيقي، أو رياضي، أو طبيب، أو معلم، أو حتى بصاحب محل تجاري أو عامل في هذا المحل أو سواه- أو العكس-انطلاقاً مما هو عرضي، فلم يكن مستقبل العلاقة مثمراً، بل ثمة تحديات كثيرة واجهتها، خلال مسيرتها الحياتية، ولكم من زوجة مبدع تذمرت من مشاغل وعوالم زوجها، مقابل وجود كثيرات كرسن حياتهن من أجل إبداع أزواجهن- والعكس.

أجل، قد تنشأ علاقة ذات طبيعة- استلطافية- بين المنتج والمتلقي، كما إن هذه العلاقة قد تؤدي إلى حب عظيم، إلا إننا لسنا أمام قاعدة ذهبية، راسخة، لأن مثل هذه العلاقة تمت بسبب- أداة- هي القراءة، أو النص، وهما ليسا إلا مجرد أداتين، ولربما- ذريعتين- للتواصل، إلا إن أدوات التواصل باتت الآن، في زمن شبكات التواصل الاجتماعي أكثر يسراً، ولربما نجد مهرجاً يجذب الملايين من المعجبين، ومن بينهم من يؤسس لعلاقة ما بعد- إعجابية-!؟”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “قرأت لعدد من الكاتبات، في بدايات شبابي، من بينهن: أجاثا كريستي- نوال السعداوي- نازك الملائكة- بنت الجزيرة- ناهيك عن الكاتبات السوريات، من الأجيال السابقة علينا. أجل، كنت أعنى بسيرهن الحياتية، من باب معرفي محض، وحدث أن التقيت بإحداهن في- دمشق- ذات مرة، وقلت في نفسي:

“ليتني لم ألتقها!”.

ناهيك عن كاتبات  سوريات من العاصمة، أو من مدن أخرى،  حدث وأن أحيين أمسيات أدبية في مدينتنا الشمالية: قامشلي، أوالحسكة إلخ، وتعاملت معهن بحسب سطوة نصوصهن، لا شخصياتهن، بتجرد.

صاحب/ة الموهبة يتمتع عندي بمكانة سامية: لذلك، فإنني تقديري له/ يأتي من خلال جمالية وجدوى نصه، لا من خارج ذلك!

وهنا، فأنا لا أريد تقديم ذاتي- كراهب- لا، فأنا أتباهى بمن أحببت، وقد كتبت عن ذلك كثيراً، إلا إن صاحب/ة، الموهبة، أنظر إليه، بتجرد من خلال درجة إبداعه في حدود نصه! “.

وعن كون هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته يقول: “هذا السؤال، يضعني أمام موضوعين منفصلين، أحدهما اتخاذ منتج النص منجزه أداة لتسويق ذاته، وثانيهما ملكية النص العامة بعد نشره. أجل، الكاتب المبدع هو ملك ل” الجميع”، كرمز. كإرث وطني إنساني.

إن تحميل أي ناص نصه بحمولات ما خارج نصية- تسويقية- تسقطه ونصه في الهاوية، ولا أعني هنا تعويل الكاتب على نصه تحقيق  مقروئيته، واهتمام القارئ به، كمنجز للناص، يحق له التباهي به، ليس خلال حياته- فحسب- بل وبعد رحيله، وليس أدل على هذا الكلام من أننا لما نزل نحتفي بنصوص وناصين قدموا للإنسانية إبداعاتهم، قبل مئات السنين، ولا تزال لأسمائهم ونصوصهم حضورها وحتى احترامها!”.

الهوس بشخصية في رواية..

ويقول الكاتب العراقي “أركان الزهاوي”: “نعم تعرضت  مع كتاب “مشرحة بغداد” لنوع من الهوس،  شيء غريب حصل لي لدرجة أني تقمصت شخصية الميت في الليل، وأنا حاليا في حالة هوس تجاه روايتي “تسعة أشهر في إسرائيل”. فقد دخلت الشخصية، شخصية البطل في أحشائي رغم أن البطل هو أبي رحمه الله”.

ويضيف عن هوسه كقارئ: “نعم أحببت كاتبة رغم أني لم أراها، وهي من سوريا، نعم شعرت أنها ذاتها بين السطور”.

 

حالة مناسبة لاستقبال النص والتأثر به..

ويقول الكاتب السوداني “زياد مبارك”: “القراءة والكتابة فعلان مترادفان بصورة ليست عكسية بالضرورة، كل منهما يؤثر فيه الهوس بآلية مختلفة. ما يصنع النص الإبداعي أو يعمل كمحرك له هو هوس المبدع بالإبداع مدفوعا باختلاجاته النفسية والفكرية مهما كان نوعه/ كتابة، رسم، موسيقى، نحت.

هذا الهوس بالإنجاز الإبداعي يقابله هوس عند المتلقي يختلف في اتجاهه وتوتره، وتعلقه بالمنجز أو بالذات المبدعة. ككاتب تعرضت لذلك، هذا أمر طبيعي وردود الأفعال تختلف بالطبع. وكلما اتسعت دائرة شهرة الكاتب/ ذيوع المنجز، زادت المواقف التي يتعرض لها من هذا القبيل. لا تعزى هذه المواقف للمبدع كشخص بمعزل عن منجزه بما يحمله من جمالية الإبداع.

هذا ما أراه التفسير المناسب لهوس المتلقي بالمبدع، تجذبه رائحة الإبداع المختلفة التي لا يجدها عند أشخاص آخرين قد يمتازون على المبدعين بميزات أخرى/ مادية، اجتماعية.. الخ. ما أعنيه هو الهوس الطبيعي في حدود المعقول، ما يمكن أن نصطلح عليه بأنه الإعجاب”.

ويضيف: “هوس القارئ بالكاتب هو مثل كل ظاهرة نفسية أخرى، يمكن أن نمثل الأمر بمقياس الصحة النفسية الذي يتخذ شكل المثلث (عقل، وجدان، إرادة) الذي بتساوي أضلاعه يدل على اتزان الصحة النفسية للشخص أي تساوي الفكرة مع ما يصاحبها من إثارة شعورية ومن ثم ظهور ذلك خارجيا في شكل السلوك. هذا المقياس كما ورد في تنظير د. يوسف ميخائيل أسعد لسيكولوجية الشك يمكن أن نقيس به ظاهرة الهوس على تدرج بين الطبيعي إلى المرضي الذي يعبر عن إشكال نفسي أكثر من كونه تأثرا بالمنجز الإبداعي أو الذات المبدعة. التفسيرات كثيرة، تعتمد على درجة الهوس وطبيعة السلوك، وهكذا”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “كقارئ، في مراحل عمرية متعددة اختبرت تجارب هوس بالكاتب، الكاتبة، الفكرة، الشعور المحمول بالنص.. ولأجل هذا نحب القراءة كقارئين لأننا اختبرنا فيها هذه العوالم النفسية، جميعا كما أعتقد”.

وعن عرض الكاتب لذاته يقول: “السؤال الأخير ينزلق إلى اتجاه غير صائب بهذه الصياغة، لنسأل أنفسنا سؤالا رغم منطقية الإجابة عنه ووضوحها تظل مواربة لأننا نفسر غالبا بعيدا عن المنطق، نفسر كما نهوى غالبا. كثيرا ما نقرأ نصا مرتين ونلاحظ أن شعورنا بالنص في القراءة الثانية يختلف عن شعورنا عند القراءة الأولى. تأثرنا اختلف وهنا السؤال، لماذا؟.

النص يقابل حالة نفسية معينة عند القارئ تحدد بدورها درجة التأثر. وكذلك كل منجز إبداعي. من لا يلاحظ أن سماع معزوفة ما، أغنية، يختلف في حالتي السرور والاكتئاب في نفس المتلقي؟. هذا بديهي. عندما يعرض الكاتب من ذاته على المتلقي فهذا المتلقي نفسه يستقبل الرسالة الإبداعية بسمات نفسية معينة ساعة التلقي، وهذه السمات متغيرة تطرأ من حال إلى حال. قد يتعلق الهوس عند القارئ بما يخصه هو قبل أن يخص الكاتب أو منجزه. عموما كل من المبدع والقارئ يلزم الهوس جانبهما بأشكال متغايرة وبدرجات تخف وتشتد، ولكن هي ظاهرة مرافقة لكل من له صلة بالإبداع”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة