خاص: إعداد- سماح عادل
يرى البعض أن تفسير هذا الهوس أن المرأة تسحرها الكلمة العذبة الحلوة، وبالتالي فهي تنجذب إلى الشعراء الذين يكتبون عن الحب والمشاعر، والكتاب الذين يجيدون الكتابة عن ذلك، وأن الهوس أيضا قد يأتي من حدوث تلاقي فكري بين الطرفين.
في حين أن آخرين يعتبرونه إحراجا حين يتحول إلى اهتمام بشخص الكاتب وتفاصيل حياته، وهناك كتاب يعتبرون الكتابة نفسها ممارسة للهوس.
هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:
- ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
- ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
- كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
- هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟
المرأة تسحرها الكلمة العذبة الحلوة..
يقول الكاتب “صالح سالم عمير”: “الوحيدة التي يمكن القول أنها عاشت حالة من الهوس، أو حالة متطرفة وغير طبيعية، كانت فتاة في سن المراهقة، وكانت تتصل من خلال هاتف الواتس اب في كل الأوقات إذا لم أرد على رسائلها، وتعاملتُ معها كأب بحكمة، أكثر من شهر كامل، حتى أعتذرتْ وتوقفتْ عن تهورها وضعفها، ولهذا كنت أقول لكل فتاة تدخل معي: ابنتي، أنا أب لا أكثر، في العقد السادس من عمري، أي في الطور الأخير من حياتي.
لأنني تيقنتُ أنّ (بعض) الفتيات من خلال تعاملهن مع الرجال الطيبين يبحثن عن زوج، وأعذرهن، ولهذا أشعر بأنني قد وضعتُ النقاط على الحروف عندما أقول لهن هذا الكلام من أول تواصل ومن البداية، وما أبشع وما أخطر أن تُخدَع بعض الصبايا الصغيرات البريئات اللاتي هُنّ في سن بناتنا من بعض الذئاب البشرية، أو بعض الشباب المراهقين من خلال مواقع السوشيل ميديا المختلفة”.
وعن رأيه في هذا النوع من الهوس يقول: “ثمة محبة مشروعة، كأن يحب القارئ كاتبا مفضلا له، أو كاتبة مفضلة له، بتعقل واعتدال ووعي واستنارة، كما كنا نحب منذ الصغر، الرواد الرائعين، “نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، إحسان، يوسف السباعي، طه حسين، درويش، المقالح، نزار”. الخ.
ولكن الهوس يختلف، وغالبا مايكون بين جنسين مختلفين، قارئ وكاتبة، أو قارئة وكاتب، وقد كتب بعض الكُتاب مثلا “إحسان عبد القدوس” عن بعض القارئات المهووسات ببعض الكُتّاب وبالذات الكُتّاب الذين يتحلون بالوسامة، والكتابات الرومانسية الحافلة بالعواطف الباذخة الحميمة”.
وعن هوسه كقارئ يقول: “عن نفسي، يمكن القول أنني اليوم أصبحتُ في عمر التعقل والنضوج الفكري، ربما قبل ٣ عقود كنتُ أعلق صورة أديبة جميلة على كل جدار بمكتبتي، رغم أنها مكتبة عامة وموقعها في شارع رئيس بمدينة سيئون، كنت أحبها حُبًّا روحيا نظيفا نزيها، فضلا عن إعجابي بكتاباتها الرائعة.
حدثني أحدهم قائلا:
أظن أننا (وبالذات نحن الشعراء) عاطفيين أكثر من اللازم، عندما نتعرف على كاتبة شابة وجميلة بل أنها كاملة الأوصاف تمتلك الجمال والجاذبية والألق والسحر الحلال، فضلا عن أنّ صوتها موسيقى، وتمتلك الفكر الحر والثقافة العالية، ونلتقي بها مرارا، فإننا مع الأيام ومع أحاديثنا معا كلّ يوم، نحبها حد الهَوَس، لاسيما إذا كان يجمعنا التكافؤ الفكري، ربما بغض النظر عن التكافؤ العُمري، فالحب أو بالأحرى الغرام حد الهَوَس قدر كما يقال، وهو حب بلا أمل غالبا، فربما تكون هي متزوجة وأنت أيضا متزوج، (ولكن الحب من غير أمل أسمى معاني الغرام) كما تقول الأغنية..
ويضيف محدثي:
وفي مجتمعاتنا العربية المحافظة لا يستطيع العشاق المواعدة كما في الغرب، بين يديّ الآن الكتاب الموسوم (اخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة)!! وهو كتابٌ شهير تَرْجَمَهُ “محمد الضبع”، وأودّ أن أقتبس منه بشأن الهَوَس: (أنْ تحب بلا أمل يعني أن تكون ضعيفاً، سيضعف قلبك وربما ينكسر، إذا كنت تريد أن تحافظ على قلبك دون ألم، فعليك أن تحتفظ به لنفسك !!).
وعن كون هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته يقول: “الهَوَس بمعناه اللغوي، طَرَفٌ من الجنون، وتضيف بعض المعاجم عبارة (وخفّة العقل) والكُتّاب وخاصة الشعراء الذين ينتهجون التيار الرومانسي في الحركة الشعرية، فهؤلاء يُعَرّون ذواتهم للمتلقين، ويكتبون أحيانا كلاما مذهلا، منذ قيس ليلى وليس آخرهم نزار قباني، وكذلك شعراء النصوص الغنائية العاطفية، التي نسمعها كل يوم على لسان شعراء الأغاني، على سبيل المثال لا الحصر هذه الكلمات الحضرمية (قابلني ببسمة قابلني بضَم، أنا إنسان قدّامك مانا صنم !!) أو كما يردد عبد الوهاب (كلّ مافيك ياحبيبي حبيبي) أو كما يردد عبد المطلب من زمان (حبيتك وبحبك وهحبك على طول)الخ.. الخ.
ولا غرابة بالتالي إن انجذب بعض الفتيات نحو مثل هؤلاء الشعراء، حد الهوس، الجنس اللطيف سرعان ما تسحره الكلمة العذبة الحلوة، والغزل الرقيق الأنيق الرشيق!!”.
الهوس حين يتحول للإعجاب بالشخص..
ويقول الكاتب العراقي “فالح الحسين العبد الله”: “بالنسبة لي لم أعش تجربة الشغف بشخصية مبدع ما، ربما لأني أتعامل معهم بشكل مباشر، تجمعنا جلسات أو مهرجانات، قد أعجب بنتاجهم، ولكن ليس إلى حد الشغف والهوس. وحتى المبدع خارج نطاق الوطن، فترة من الفترات أحببت قراءة أدب “غادة السمان”، والتقيتها في بغداد في سبعينيات القرن الماضي لكني لم أتابع أخبارها الشخصية مثلا. وتكرر الأمر مع “نوال السعداوي وجرجي زيدان والرائع نجيب محفوظ”، ولكن ليس إلى حد الشغف، لا أدري، ربما الخلل في أنا.
أما شغف الآخرين معي، فالأمر فيه بعض الإحراج، وسبب لي إزعاجا لكني عالجت الموضوع، وتخلصت منهم بصعوبة، إعجاب البعض تحول إلى شيء مزعج، وتحول من الإعجاب بالمنجز إلى إعجاب شخصي”.
الكتابة هي ممارسة الهوس..
ويقول الكاتب الفلسطيني “سليم النجار”: “حتى أتعالج من حالة الهوس بجميع صوره ابتكرت نظرية بسيطة أن أعمل طول الوقت دون راحة إلا قليلاُ. دائما كنت أتصور أن الهوس يركض خلفي بمسدس متوعدا بقتلي أنا ومن أحب. بالمناسبة، إنه لايهتم بأني كاتب، أنا على ثقة أنه سوف يطلق عليّ النار بشكل رائع.
لم انتظر خلاصاً من هذا الهوس، كل ما كنت أفعله أتساءل لماذا يوجد زائر في أوقات غير مناسبة؟ ولم أجد إجابة، لكن حاولت جاهدا البحث عن إجابة لا تحتوي في فحواها أية مساومة، لسبب معقول وهو أني لا أحب أن أعيش دور الضحية أو البطل، فكلاهما أوهام. حاولت كثيرا بعث حكاية الهوس من الموت غير السريري ولا أعرف إذا وفقت أم لا، كل ما أعرفه من الهوس عندما أحببت في مطلع شبابي بنت الحيران هدى وكانت من نفس مدينتي حيفا وكنا نحن الاثنان نعيش في الفحاحيل- الكويت.
والبحر كان رفيقنا فهو لا يبتعد عن حارتنا إلا قليلاً ورغم هذا الجوار، جوار البحر، شعرت أني كفراشة تنفض غبار الهوس من هذا الحب، وكانت هناك موانع ضخمة أولها أنا طالب في الثانوية وهي نفس الشيء، وهي من ديانة مختلفة عن ديانتي، هي من نسل عيسى الفدائي الفلسطيني الأول، وأنا مسلم.
وقتها عرفت هوس الديانة، ولم نكمل المشوار خاصة أن والدتها كانت من أشد المعارضين لعلاقة الحب هذه، لأنها لبنانية مارونية وتكره بشكل جنوني الفلسطينيين، وقتها تعلمت هوس الفنتازيا زوجها فلسطيني وتحقد علينا، لم اعتبره مفارقة بل هوس الرغبة بالأنوثة والأمومة فهي تريد أن تكون أم وزوجة وقبل هذا أنثى، وتوفر من يلبي رغباتها لو بالحد الأدنى نفس الديانة.
في الواقع لقد قمت بأمر بسيط: لقد أزلت كل ما كان يزعجني وردود الأفعال المشروطة التي ظهرت في حياتي، وواصلت مشوار حياتي كهوس أراه من الضروري تواجده في حياتي، وبدأت ممارسة فعل الكتابة وكان الفضل الأول لأستاذي الراحل الكاتب والصحفي الفلسطيني “محمد كعوش”، ولا أعرف إلى الآن هل أنا أكتب أو أمارس الهوس، لذا لا يمكن أن أتوقع من قارئ هوس ما أو إذا تبادلنا الأدوار وأنا القارئ ماذا سأقول؟”.
ويضيف: “كان دائما جاري البحر، وكنت أيام الطفولة ولم أتجاوز وقتها الثمان سنوات أقف على الشاطئ وأعيش حالة الهوس بأن نهاية البحر تكون حيفا تنتظرني، وبقيت على هذا الحال حتى يومي هذا، انتظر أن تعود حيفا لي.
ظهرت بشكل غير صحيح في وعيي، لقد دمرت هذه الرابطة المزيفة بينهما، لقد مزقت هذه الروابط المؤقتة، كما أطلق عليها “بافلوف” هذا الاسم. في هذا الوقت لم أكن قد أمعنت الفكر تماما ومازلت طبعا، لذا كان علي من الصعب أن أجيب على هذا السؤال ما هو الهوس؟ كانت فلسفتي لدرجة الهوس كا”تولستوي”، كانت دنيا لا علما. قد يرى البعض أن فلسفة تولستوي مفيدة له فقط، قد يكون هذا القول هوس الإجابة.
ويؤكد: “كما أقول لنفسي أنا في انتظار هادئ للقادم، ومع صليل الكذب المنتشر في حياتنا كالسرطان تسوء كتابتي، إنه هوس الإجابة عن الهوس، إنه هوس البحر الذي افتقده”.
ويواصل: “اصطدمت بالخطأ الأول في حياتي إن يد المتسول يساوي يد اللص التي تنتزع الطعام، الأول ينتزع شفقة الحاجة والثاني يسطو على حاجة الإنسان، أليس هذا هوس الغريزة كلٍ يبحث عن بقاءه وبطريقته الخاصة. كان مصدر المنطق الذي اخترعته من ذكرياتي يمكن طرد مثل هذه الكلمات.
لم يصلح عقلي هذا الخطأ الحياتي، وكأني أساوي بين الليل والنهار، حاولت جاهدا أن أكون ابن الضو الشرعي، الذي تحول إلى رموز وأصبح وجودها دلالة على ظلال شواطئ بحري الأول الذي افتفدته.
انخرطت في نظرية المكان كهوس، برعت في تسويقه لأفكاري، لعلي أجد متعة أو تعويض عن هوس بعد هذا العمر. إن اجتمع أصدقاء الطفولة الذين فرقتهم الأيام، وأصبحت كلمة الفراق لها معنى فلسطيني الشتات، فجراح الفُراق صار نمرا خرافي غير خطير، لا أعرف عن أي أن عملية عُصاب، يمكن نسجها على جسد المكان الذي يجمعنا وأقبل أن يكون في مقبرة واحدة وهذا أضعف الإيمان.
ربما شيء غالٍ للغاية، ثمين، تقربيا يساوي وجع سماع خبر وفاة صديقي- صديق الطفولة سعد حرب مات في أمريكيا وأنا هنا في عمّان، أي طفل أنا ذكريات في الحلم، وعرفت عن طريق الصدفة من صديق الطفولة حسام احمد كامل خبر وفاة صديقنا احمد أبو ربيع في عمّان، أهذا هوس سماع الخبر، أو هامش الجغرافيا التي عشت هوسها التي قالت لي الجغرافيا ظرف طارئ والقدر هوس الحياة.
انتزعت من مخيلتي اسم حارتنا سوق الصباح، وأي صباح هذا الذي فرقنا وجعلنا غرباء الزمان، امضي في الشوارع، والدي ورثني كرت المؤمن، وأنا ورثت الفضاء هوسي فلسطين، حافظت على حلمي أن أدفن في مدينتي حيفا، هوس.