خاص: إعداد- سماح عادل
قد يحدث الهوس لدى القارئ حين يشعر بالتقدير والإعجاب تجاه كاتبه المفضل، وقد يهتم بمعرفة تفاصيل حياته حتى تلك التي لا يعرفها الكاتب نفسه، فيفتح للكاتب آفاقا جديدة للتعرف على ذاته، وقد يستمد الكاتب من شخوص المهووسين به ملامح لشخصيات يكتبها في نصوصه.
وقد يرى البعض أن هذا الهوس نتيجة لاحتياج عميق داخل نفوس المهووسين يحاولون إشباعه من خلال الهوس بالكاتب، وأن هوسهم هذا أحاسيس حقيقة بالنسبة لهم. فيما يعتبره آخرون تطابق حدث ما بين خيال الكاتب الذي يرسم به شخصياته وعالمه داخل النصوص، وما بين الصورة التي ترسمها القارئات لرجل أحلامهن فيجذبهن ذلك الخيال لأنه استطاع أن يتوافق مع الصور التي رسمنها في خيالهن للرجال الذين يحلمن بهم.
هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:
- ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
- ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
- كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
- هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟
تقدير وإعجاب من القارئ..
يقول الكاتب اليمني “الغربي عمران”: “أظنني يوما تمنيت أن أعرف الكثير عن روائي انجليزي، لكن في تلك السنوات كانت لا توجد شبكات البحث ولا قنوات التواصل. قرأت أعماله كلها لتقربني إليه كثيرا، وأيضا الكاتبة “فيرجينيا وولف” التي شغفت بكتابتها ولم أعرف عنها إلا القليل. حتى توفرت قنوات البحث الإلكترونية، وعرفت الكثير عن كائن معذب رغم وسائل الحياة المترفة وحياتها ضمن أسرة تقدر ومجتمع تسوده المساواة، وما زالت شغوف بحياتها وأسباب انتحارها”.
ويضيف: “بالفعل هناك قراء من الجنسين محبين، وأتفهم متابعتهم لي واندفاعهم، ومقدر ومحب لهم ضمن حدود، إذ أن لكل عمر ما يميزه، ولكل كائن تكوينه”.
لا أحسبها إلا تقدير وإعجاب، وأتحمل بعض الإلحاح في المتابعة ومعرفة عن ذاتي ما لا أعرفه، وهذا يسعدني ويدخلني في تساؤلات حول الكائن البشري وتحولاته، واستمد من بعض الشخصيات بعض سماتها لأوظفها في بعض أعمالي”.
جرح عميق في شخصية المهووس..
ويقول الكاتب الفلسطيني “إياد شماسنة”: “حدث ذلك عبر السنوات، شعرت بضغط شديد وتوتر، حاولت الالتزام بسعة الصدر، وتجاهل الأمر أو تجنبه، لكن الأمر تفاقم، لا أسميه هوسا بالدرجة المطلقة وبالتسمية الحرفية، لكنه اهتمام مبالغ فيه، ومشاعر لم استطع تجاهلها، أصابتني بارتباك، احترمتها وقدرت انشغالها. لكني حاولت أن أشرح أني كاتب، وأن الكتابة خيال جامح وبعض الحقيقة، أعتقد أن ذلك لم يكن ناجعا جدا، لم استغل ذلك ولم أحتقره ولم أقابله بالتجريح، من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أن مشاعر الناس وكذلك المهووسين حقيقية من وجهة نظرهم ويجب عدم تجريحهم، بل بتقديرهم ضمن الحدود لاستيعاب الأمر!!!”.
وعن رأيه في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ يقول: “من حق القارئ أن يعجبه كاتب أو كاتبة ضمن حدود معقولة، فالكاتب نجم مثل بقية نجوم الإبداع، أتحدث عن الحد الطبيعي الذي لا يعني الملاحقة وانتهاك الخصوصية أو تخطي القانون، الهوس تعبير عن نقص حاد وعن جرح عميق في شخصية المهووس ينبغي التعامل معه بحذر شديد وبتروي، فبعض المهووسين خطر جدا كما في الحالات الفنية.
مع أنه لم تسجل حالات هوس بالأدباء بشكل جنائي حد علمي حتى الآن، لكن السوشيال ميديا حافلة بحالات ربما تسجل بعد، وربما يعتبر التنمر الحالة المعاكسة للهوس، وأغلبها في اقتحام حسابات المبدعين والمبدعات للاطلاع على خصوصياتهم”.
وعن هوسه كقارئ يقول:”أنا لست محايدا في التعامل مع الجمال، أنا كاتب؛ وإن كنت قارئا، أهتم بالنص وكاتبه أو كاتبته، وكل ظرف أدى إلى تكوين القطعة الفنية أو النص الإبداعي، ليس بهوس أو اقتحام للخصوصيات، النقد التكويني من اهتماماتي، وأرى انعكاس الشخصية والهوية للكاتب أو الكاتبة، منعطفات الحياة والهلاك التي ساهمت في ولادة الإبداع. لذلك عندما يعجبني نص ما أبحث بعمق أكبر واهتمام أكثر، ولا فرق إن كان الكاتب رجلا أم امرأة، عربيا أم أجنبيا”.
وعن كون هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس يقول: “لا مناص من أن يكون الكاتب مهتما بعرض جزء منه في إبداعه، عندما كتبت “امرأة اسمها العاصمة” سألني الناس عن دنيا الأنصاري، أهم شخصيات الرواية، وعندما كتبت “الرقص الوثني” ولم يجدوني فيها سألوني إن كانت مترجمة، وفي كل قصيدة أجد العيون تتساءل عن نساء القصائد”.
تطابق خيال الكاتب مع لاوعي القارئات..
ويقول “عمار حميد مهدي” كاتب وقاص عراقي: “عندما تتحول الكتابة إلى نتاجٍ أدبي نهائي قابل للقراءة فإنها بذلك وصلت إلى مرحلة التأثير على القارئ بما تحمل من فكرة وقصد توصلها إليه، وغالبا ما تكون الكتابة تعبيرا عن رؤى الكاتب وتجاربه وانطباعاته المختلفة في الحياة.
وعليه فإن المتلقي (القارئ) سيتفاعل مع هذه التجربة ويبني عليها انطباعاته الخاصة به ومشاعره ومواقفه منها، وقد يتجاوز هذا التفاعل درجة الإعجاب ليبلغ درجة الهوس، ومن أهم أسباب بلوغ الهوس بالكاتب هو اختلاف الجنسين بمعني الكاتب (رجل) والقارئ (امرأة) والعكس.
صحيح كذلك وعلى الصعيد الشخصي المتعلّق بتجربتي الكتابية فأنني لم أواجه حالة الهوس هذه لغاية الآن، وأقول ذلك لأن الكاتب معرّض لحالة الهوس بكتاباته في أي وقت خلال مسيرته الأدبية عند وصولها إلى حالة الإبداع.
عندما نتناول تأثير الكاتب الرجل على القارئ المرأة وما قد تحدثه تجربته الكتابية والإبداعية من (هوس) لدى امرأة قارئة، فنرى أن سبب هذا الهوس هو أن تجربة الرجل قد تضرب في منطقة الخيال لدى المرأة وما تحمله من انطباعات وأمنيات رسمتها ل(الرجل) الذي تبحث عنه والذي خلقته في منطقة لاوعيها، فيحدث ذلك التطابق ما بين الكلمات وخيالها فيحدث الهوس والوله والتتبع لهذا الكاتب (الرجل).
وبما أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أسهمت بشكل فاعل في نشر النتاجات الأدبية للكتّاب، إلا أنها تترك الباب مفتوحا للمهووسين بأعمالهم ليدخلوا عبر هذه الوسائل إلى حساباتهم الشخصية، وإيجاد محاولة للاتصال بهم على نطاق شخصي لإرواء ظمأ الفضول، والتقرب إليهم بصرف النظر عن استعداد الكاتب نفسه لتقبّل هذا النوع من المعجبين أم لا.
وهنا تبدأ المشاكل، فلم يكن الهوس بشخص الكاتب مفتاحا للعلاقات الجيدة بينه وبين المعجبين بأعماله، لذلك يكون الكاتب على حذر دائم وتواصل حذر مع المعجبين والمتابعين لأعماله ،وفي النهاية فإن الهوس يعتبر ضريبة نجاح نِتاج الكاتب السردي والأدبي الناتجة عن إطلاق العنان لخياله وتأثير هذا الخيال غير المحسوب في خلق الهوس على قرّاءه”.