خاص: إعداد- سماح عادل
كلما توغلنا أكثر في هذا التحقيق المثير (الهوس بالكاتب-ة) نكتشف مدى شيوع هذه الظاهرة، فهي أصبحت حالة سائدة بين الكثيرين، حتى الكتاب أنفسهم انتابهم الهوس، كقراء، بكتاب آخرين.
يراها البعض حالة طبيعية نتيجة للمحبة التي تتسلل إلى قلب القارئ عند قراءة نصوص كاتب ما، أو ربما نتيجة للحرمان العاطفي، أو لأن القارئ خلط بين الكاتب وبين الشخصيات التي يرسمها في نصوصه. وفي النهاية يظل الهوس ظاهرة تستحق الفهم.
هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:
- ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
- ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
- كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
- هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟
حالة طبيعية لقارئ مهتم..
يقول الروائي اليمني “سامي الشاطبي”: “لأنني من الجيل الذي كان يكتب في الصحافة الورقية قبل عهود الانترنت والعوالم الالكترونية نعم كنت أجد الكثير من الشباب والشابات المهووسين بي ككاتب، أتذكر حالة لقارئة، بحثت عن مقر اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بصنعاء وكان بعيدا عن منزلها بحكم كبر ووسع مدينة صنعاء من ،جل السؤال عني، أعطاها الحارس عنواني، طبعا لم يكن ثمة هاتف أرضي في منزلنا في تلك الأيام، استهدت بالعنوان ووصلت إلى منزلي من أجل ماذا، لا شيء إلا لتهديني وردة تعبيرا عن تقديرها لما أكتب!. كنت أعلم بأن هذه الشابة ستعيش معي أيام طيبة حال ارتبطت بها ولكنها اختفت كما ظهرت.
وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما يقول: “الهوس حالة طبيعية بالنسبة للقارئ وخاصة القارئ المهتم، هناك حالة من الهوس تصيب بعض القراء وخاصة ذلك النوع من القراء الذي يخلط بين ما يكتبه الكاتب وبين حياته. ففي روايتي “كائنات” التي صدرت 2003 تناولت قصة عن شخص يموت في غرفته وحيدا، أحداث الرواية لا تتجاوز الغرفة، اعتقدت قارئة ما بأن البطل هو أنا وكانت مستغربة كيف أني مازلت حي!”.
وعن هوسه كقارئ يقول: “أكيد انتابني هذا الإحساس تجاه الكاتب “صادق النيهوم” والكاتب “عبد الهادي علوي” صاحب الصوفيات، وأكثر منهما أنتابني هاجس شديد تجاه رواية “الخبز الحافي” للمغربي “محمد شكري”. حتى أنني أثناء مشاركتي في فعالية بالمغرب العربي سافرت إلى مدينة الناظور حيث تدور أحداث رواية “الخبز الحافي” وبحثت متسائلا عن وقائع وأماكن وشخصيات ذكرتها الرواية”.
وعن كون هذا الهوس يعني أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته يقول: “بالنسبة لي لا، الكتابة قضية، هدف أسعى إليه وبالتالي لا خلط بين الذات ومنتوج الكتابة، الذات لديها قضايا خاصة اعتبرها ضيقة جدا مقارنة بالقضايا المجتمعية التي تناقشها سردياتي”.
الخلط بين الكاتب وشخوصه..
ويقول الروائي المصري “عمرو الجندي”: “تعرضت لذلك كثيرا على مراحل مختلفة، كنت أحتوي الموضوع بأقصى درجة من اللطف ودون أن أفقد شغف هذه القارئة مع إيضاح أن ثمة فارق كبير بين شخص الكاتب وشخوصه الأدبية”.
ويضيف: “الموضوع اعتيادي ومعروف في جميع الأوساط الأدبية حول العالم، ولا مشكلة لدي أبدا حول هذا النوع من الهوس، خصوصا أني درست السيكودراما وأعرف كيفية التعامل معه، والتفسير أن القارئ بشكل ما يتكون لديه فكرة خارقة عن كاتبه المفضل، لأنه ببساطة يخلق شخوصا يتأثر بها ويتعايش معها بأكبر قدر خصوصا أن هذا النوع من القراء لديهم حاسة مرهفة وحقيقية تجعلهم يخلطون بين الصانع وشخوصه”.
وعن هوسه كقارئ يقول: “حدث ذلك بالطبع ولكن لا أستطيع أن أقول أنه كان هوسا بمعناه الحقيقي المتعارف عليه، ولكن لنقل أنه كان فضولا لمعرفة تفاصيل عن أجواء كتابة عمل ما وحدث ذلك تحديدا مع العبقري الراحل “فيودور دوستويفسكي”، وذلك من أجل أعمالي ومشواري الأدبي لذلك لم يكن الأمر شخصيا”.
ويؤكد: “عرض الذات أمر مرهق وصعب، ولا يمكن لأي قارئ أن يرى حقيقة الكاتب أو ذاته بشكل واضح، ولكن لنقل أن القارئ قد يتخيل هذا الأمر على نحو ما وهو ما يدفعه لذلك الهوس”.
تنفيس عن الكبت العاطفي..
ويقول الكاتب العراقي “غفار عفراوي”: “نعم أكيد، تعرضت إلى هذه الحالة مرات عديدة وليست مرة واحدة، وكانت ردة فعلي إيجابية لكن حذرة، فجعلتها بابا لعلاقات صداقة جميلة مازالت لحد الآن بدون أن تصل إلى مرحلة الحب أو العشق أو غيرها. أو ربما وصلت بدون أن أشعر بها!”.
وعن تفسير هذا الهوس يقول: “اعتقد أنه أمر طبيعي وليس شاذا، ولا اعتبره أمراً سلبياً، وذلك لأن الكاتب بطبيعته يكون محبوبا من قبل القارئ، فلولا حب القارئ للكاتب لم يقتني كتبه أو يقرأها غالبا.
وتفسير الظاهرة أنها تنفيس عن الكبت العاطفي الذي ينتاب بعض القراء الذين لا يمتلكون علاقات حب أو صداقة حميمة، فيكون البديل هو التعلق بالكاتب ومحاولة الوصول إلى روحه إن لم يستطع الوصول إلى كيانه المادي”.
وعن هوسه كقارئ يقول: “أنا شخصيا من النوع الذي أحب أن أقرأ للكاتب الذي أحبه عادة، باستثناء بعض المؤلفات التي تهمني في عملي أو دراستي فلا أنظر لاسم الكاتب وإنما للعنوان فقط.
نعم، كنت مهووسا ببعض الكتاب والكاتبات بشكل خاص، والأمثلة البارزة هي الكاتبة الكويتية “بثينة العيسى” والكاتبة التركية “أليف شفق” والكاتبة العراقية “شهد الراوي”.
وعن عرض الكاتب لذاته داخل نصوصه يقول: “النصوص تختلف باختلاف نوع الكتابة، فإذا كانت تاريخ أو علوم أو سياسة فليس هناك ربط مع حياة الكاتب الشخصية. أما إذا كانت الكتابات أدبية فيمكن أن نجد شخصية الكاتب واضحة من خلال ما يسطره من مشاعر بعبارات أخاذة ورومانسية وعاطفية رقيقة، والمثال الأبرز هو الشاعر “نزار قباني” الذي كانت قصائده انعكاس لشخصيته الشاعرية العاطفية”.