25 فبراير، 2025 11:29 ص

الهوس بالكاتب/ة (3):  إسقاط ذات الكاتب على نصوصه أم افتقاد لخبرات الحياة أم تعويض للاحتواء المفقود

الهوس بالكاتب/ة (3):  إسقاط ذات الكاتب على نصوصه أم افتقاد لخبرات الحياة أم تعويض للاحتواء المفقود

 

خاص: إعداد- سماح عادل

يرى البعض أن الهوس بالكاتب-ة  تجربة مؤلمة للغاية للطرفين، لأنها تعني فقدان الاحتواء العاطفي بالنسبة للقارئ، ومحاصرة بالنسبة للكاتب، في حين يعتبره آخرون أشبه بمتلازمة عبادة المشاهير، وأنه سعى بشكل ما نحو الشهرة، أو أنه إسقاط لذات الكاتب على ما يكتب من نصوص وبالتالي الوقوع في فخ الإعجاب بذات الكاتب بدلا من الإعجاب بنصوصه. في حين يربطه البعض بمرحلة المراهقة وبداية الشباب، حين يفتقد القارئ لخبرات الحياة ويقع في وهم حبه للكتاب، ويسعى لأن يبحث عن نموذج مثالي.

هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:

  1. ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
  2. ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
  3. كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
  4. هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟

متلازمة عبادة المشاهير..

يقول الكاتب السوداني “محمد حسن النحات”: “لم تقابلني حالة هوس حتى الآن، وجدت إعجابا مشوب بالفضول الاعتيادي من القارئ نحو كاتبه المفضل، ودوما ما كنت أحس بالحرج أمام هذه الشعور نحو كتاباتي ونحو شخصيتي المتخيلة في ذهن القارئ، فلا أعتقد أنني مثلما يتصورني من نصوصي، ويتنامى داخلي إحساس بالمسؤولية الكبيرة تجاه إعجاب واحترام القارئ”.

ويضيف: “الإعجاب بشخصية ما “كاتب أو غيره” ومتابعة أخباره أمر طبيعي لكن عندما يتحول الأمر لمطاردة يومية ومحاولة اقتحام خصوصية الكاتب، وعندما يؤثر على حياة الشخص الذي يكرس كل وقته لملاحقة كاتبه المفضل فهذا أمر مرضي.

هناك متلازمة تسمى متلازمة عبادة المشاهير وهي موجودة أكثر تجاه المطربين ونجوم السينما ومؤخرا تجاه السياسيين. وفي الغرب هناك عيادات نفسية متخصصة لمعالجة هذه المتلازمة وحالات الإيروتومانيا وذلك عندما يتطرف الشخص ويعتقد أن هناك حالة حب حقيقية ومتبادلة بينه وبين النجم”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “لا لم ينتابني هوس بكاتبة أو كاتب، الانبهار بالنص بالطبع موجود ويمكن أن أبحث عن طقوسه في الكتابة وخلفيته الثقافية ومنتوجه الجديد، لكن كل هذا يدور في فلك الاهتمام بالنص”.

ويواصل: “يعاني الكتاب من حالة الإسقاط المستمرة لشخصياتهم الحقيقية على ما يكتبون، هناك عدد مقدر من القراء (خصوصا من الأهل والدائرة المقربة من الكاتب) يهتم بهذا الجانب، وأعتقد أن الكاتبات يعانين أكثر من هذا الإسقاط المجحف الذي ينبني عليه التعامل الشخصي بعد ذلك بين القارئ والكاتب، فهو يصنفك مسبقا ويضعك في خانة قديس أو إبليس.

ويا للأسف عدد من النقاد يبني نقده على اعتقاده الجازم أن هذه الشخصية أو تلك هي الكاتب نفسه.

في حالتي فقد حاولت قدر المستطاع تجنيب وجودي الفعلي في نصوصي، ليس لشيء سوى أنني لا أرى في حياتي الخاصة ما يستدعي الحكي، وأفضل أن أقدم للقارئ حياة مليئة بالأعاجيب والانعطافات الجذرية والحياة المتقلبة التي تستحق وقته.

لذا أرى أن النص وحتى ولو كان سيرة ذاتية للكاتب ليس تبريرا كافيا لأي حالة هوس يمكن أن تنتاب قارئ، الهوس له خلفية نفسية تخص المصاب به”.

رغبة غير واعية بالاستعراض..

ويقول الكاتب السوري “ماهر رزوق”: “نعم تعرضت لهذا الموقف. الفتاة كانت صغيرة بالسن وأعجبت بأسلوبي المتحرر بالكتابة، حيث أنها تعيش في مجتمع متشدد إلى حد ما. وأنا كنت أجيبها دائما عندما تراسلني، لم أرغب بإزعاجها بحقيقة أن العلاقة بيننا لا يمكن أن تتعدى الإعجاب بسبب فرق العمر والتفكير. ثم عندما ارتبطت بفتاة أخرى، اتصلت بي وهي تبكي وتتهمني بالخيانة!!. كانت تعيش قصة الحب هذه دائما بينها وبين نفسها ولم يكن لدي أي علم عن ذلك”.

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ يقول: “أعتقد أنه شيء نمر به جميعا . ففي مرحلة المراهقة دائما ما نبحث عن مثل أعلى، نتطلع إليه ونرغب أن نكون مثله، خاصة إذا كان يقوم بأشياء لا نستطيع القيام بها بسبب ضغوط الوسط المحيط (العائلة والمجتمع). ربما هو عامل نفسي لا يمكن تفاديه، لكن عندما يترافق ذلك مع مشاعر عاطفية تجاه الجنس الآخر، تكون النتائج صادمة وربما تغير شخصية الفرد إلى الأسوأ أو ربما إلى الأفضل (كأن تزيد من خبرته في معرفة أن الواقع والخيال لا يتوافقان غالباً)”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “نعم. انتابني هذا النوع من الهوس، فقد أحببت في بداياتي كقارئ كل من (باولو كويلو) و(إليف شافاق) وكنت ألاحق أخبارهم بشكل دائم. الشيء الجيد أنهم كانوا بعيدي المنال، أي لا أستطيع أن ألتقي بهم، وإلا كنت تعرضت لصدمة معرفة أنهم مجرد بشر عاديين ولديهم سلبياتهم وإيجابياتهم. وهذا طبعا ما عرفته مع تقدم العمر واكتساب الخبرات”.

وعن كون هذا الهوس يعني أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته يقول: “لا يمكن فصل ذات الكاتب بشكل كامل عن كتاباته، إلا في حالات نادرة طبعا. فذات الكاتب تحاول أن تبرز نفسها دائما من خلال النصوص التي يكتبها، وهذا ربما يكون تعبيراً عن رغبة لا واعية لدى البشر بالاستعراض، أقصد رغبة نتمتع بها جميعا، ونعبر عنها بأشكال مختلفة (كتابة. رسم. تمثيل)”.

تعويض الاحتواء المفقود..

ويقول الكاتب الجزائري “لخضر بن الزهرة”: “حدث ذلك منذ أزيد من ثلاث سنوات، كانت قارئة متابعة بصمت لمنشوراتي على فايسبوك، وتتابع أخبار أعمالي المنشورة ورقيًّا، كانت مُتابَعَتُها ملاحَظَة؛ كأنها تلاحق كلَّ نفس أتنفسه داخل الفايسبوك، وكانت تظهر لي كأول قارئة تقريبًا، لكنها لم تعلِّق يومًا، ولم أفهم قبل اللحظة الفارقة ما مدى هوَسِها بمتابعتي.

حتى وجدتها بعد اكتمال سنة تراسلني بخجلٍ للتعرف عليَّ، ولأنني أدركت من ارتباكها ما ترمي إليه أخبرتها أنني متزوج كعنصر من عناصر التعارف فصدمها الأمر، اعتذَرَت عن اقتحام الخاص، أخبرتني أنها أحبَّت كتاباتي، وأحست أنها تلامس روحها بأشكال مختلفة، أعبر عن ألمها عندما أحزن وأحلق بها عندما أكون حالما في نص ما، ثم أحبتني لأنها وجدت حالة من الجاذبية عجزت عن تفسيرها، ثم لما أدركَتْ أن عبءَ الصمت سيوجعها أكثرَ باحت بما في قلبها كي تتخلص منه، ولأنني لن أكون من نصيبها آثرت أن تنسحب، أغلقت صفحتها نهائيًّا وغادرت، غادرت إلى حيث لم أتبين لها أثرًا، ولم أحسَّ بعد ذلك بهوس متابعة قد تكون هي ذاتها”.

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما تقول: “هذا الهوس مؤلم للطرفين، مؤلم للمهووس لأنه يريد الحصول على الآخر، بعد أن شعر أنه يحصل على جزء من روحه الكاتبة، ويؤلم الكاتب لأنه يحاصره ويضيق عليه أحيانا ويخرج هدف النص المكتوب من الإمتاع والمؤانسة والإحساس بالآخر إلى أن يصبح سببا في ألم أحدهم. أظن أن هذا الهوس مرده نفسي من قلة الاحتواء أو خيبة في تجربة ما؛ مما يجعل المهووس يبحث عن تعويض الاحتواء المفقود ويبدأ ذلك من أقرب الكُتَّاب أثرًا عليه”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “لم أعش التجربة كوني أدرك أن المكتوب لا يعني شخصنة النص، إنما الكاتب عامة راصدٌ لما حوله، ورغم أنني سجلت إعجابا مفرطا بكاتبات يكتبن بشكل بارع وأثر ملموس؛ لكنه الإعجاب الواعي الذي لا يخرج عن دائرة الإعجاب بروح الكتابة”.

وعن كون هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته يقول: “عني ككاتب فأنا أنقل ما أحس به في داخلي أو ما يحدث حولي، وبما أن النص الصادق ينبع من ذات الكاتب فهو يتكشف بنصه أمام العالم فيعرفون مزاجه وميوله ووجعه، وإن لم يقصد ذلك، والكل يقول إن النص إن خرج إلى الجميع صار ملكهم، لكن إن تعامل معه القارئ كنص راصد ناقل لحالة قد تلتقي بما يعيشه ويحسه وعجز عن البوح به أعجبه النص وكان متنفسه، لكن إن خرج القارئ من البحث في النص إلى البحث عن الكاتب هنا يتجسد الهوس الحقيقي بالإنسان، وهو باب يأتي بالهم الكثير للطرفين، إنها تجربة مؤلمة جدًّا”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة